عورتا الفلسطينية - ملحمة من الصمود...!
بقلم : نواف الزرو
في فلسطين المحتلة كل المدن والمخيمات والقرى محاصرة عسكريا واستيطانيا واقتصاديا وثقافيا...
ف القدس محاصرة واقصاها محاصر، وقبتها المشرفة محاصرة..
والخليل محاصرة وكذلك حرمها الابراهيمي..
وبيت لحم بكنيسة المهد فيها محاصرة..ونابلس محاصرة..
وغزة هاشم محاصرة..والناصرة هناك في قلب فلسطين المحتلة 48 محاصرة، ومعها اخواتها على امتداد الجليل والمثلث والنقب..!
وكذلك كل الامكنة الفلسطينية الاخرى في الضفة محاصرة، فليس هناك من بلدة او مخيم او قرية او خربة الا محاصرة، وليس هناك من تواصل جغرافي او سكاني بينها، فلا يسمح لابناء المناطق المصنفة "أ" او "ب" التواصل فيما بينهم، او مع المناطق المصنفة "ج" الواقعة تحت السيطرة العسكرية والاستيطانية المطلقة..
وليس هذا فحسب، بل هناك طرق وشوارع في الضفة ممنوع على الفلسطينيين السفر عليها، وهي طرق مخصصة للمستوطنين تماما كما كان الحال في جنوب افريقيا ايام النظام العنصري.
والحصار الصهيوني يمتد حتى للزمن العربي الفلسطيني..وللرواية والتاريخ والتراث...!
غير ان المشهد الفلسطيني المحاصر صهيونيا يتكثف منذ الحادي عشر من آذار الماضي/ 2011 /-( وهو اليوم الذي قتل فيه خمسة من المستوطنين في مستعمرة "ايتمار"-)،في قرية عورتا الفلسطينية قرب نابلس، حيث يستبيحها جيش الاحتلال بيتاً بيتاً وشارعا شارعا وزقاقا زقاقا، ويعيث فيها فسادا مطلقا مرعبا عبر المداهمات والاعتقالات الجماعية والتنكيل المفتوح ضد كل ابناء القرية من رجال وشباب وشيوخ ونساء واطفال.
فنقلت "فرانس برس- 2011 -4-11" عن رئيس مجلس قروي عورتا قيس عواد قوله"لم يبق بيت في القرية إلا وتضرر وتعرضت محتوياته للتكسير والتحطيم"، مضيفا:"لقد قطعوا عنا الكهرباء والمياه ومنعوا دخول المواد التموينية"، مردفا:"قاموا بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي القرية ووضعوا كرافانات للمستوطنين عليها"، مشيرا الى:"أن الجيش لا يعلن عن رفع منع التجول بل يقوم بسحب دورياته إلى معسكر حوارة المجاور ويباغتنا كي يقتل أي أحد يسير بالشارع بحجة خرق منع التجول"، مؤكدا:"اعتقلوا المئات من أبناء البلدة".
ووفقا للتقارير والشهود العيان، فقد "قام الجنود بتفتيش ال:1500 منزل في القرية واعتقلوا نحو 500 مواطن"، وشدد رئيس المجلس القروي قائلا :"ان مساحة قرية عورتا 22 الف دونم ، والتي تقع في منتصفها مستوطنة ايتمار التي تصادر 12 الف دونم من اراضي القرية ، وبذلك يمنع الفلاحون من الوصول الى جميع اراضيهم الزراعية المحاذية للمستوطنة، وفي الحملة التي تم مداهمة القرية فيها تم مصاردة مزيد من الاراضي الزراعية المعمرة تعرف ب" خلة سلكون وخربة حية ، وبئر نيازي وحجافه والبياضة " من اراضي الواد الشرقي، وتم وضع كرفانات فيها وتجريف شجر الزيتون الرومي المعمر في المنطقة" .
واشار ايضا الى ان "هذه أكبر حملة يشنها الإسرائيليون من بين حملات أخرى لأسباب واهية"، وأضاف: "لقد اعتقلوا 100 –وزاد العدد الى 200 امرأة- لاحقا- وأضعاف ذلك من الرجال واقتادوهم إلى ساحات مفتوحة حولوها إلى معسكرات اعتقال، حققوا معهم، وأخذوا بصماتهم وعينة من لعاب كل منهم، وحاولوا إجبارهم على التوقيع على أوراق باللغة العبرية لكنهم لم يوقعوا".
وقال الباحث صلاح الدين عواد من قرية عورتا من جهته: "إنه لم يسلم بيت أو زقاق أو حقل أو مسجد أو بيت عتيق من المداهمة والتفتيش من قبل قوات الاحتلال بعد الإعلان عن مقتل خمسة من المستوطنين في مستوطنة إيتمار في الحادي عشر من الشهر الماضي آذار ( مارس )"، واضاف:"أن قوات كبيرة من جيش الاحتلال، مدعمة بالجيبات العسكرية وناقلات الجند والكلاب البوليسية، دهمت غالبية بيوت قرية عورتا الواقعة في الجنوب الشرقي من مدينة نابلس تاركةً وراءها دمارًا وخرابًا وخسائر مادية لكثير من عائلات القرية"، وأشار إلى أنه" تم اعتقال ما يزيد عن 500 مواطن فلسطيني خلال شهر، منهم ما يقارب 200 امرأة والعديد من المسنين والمرضى، إضافة إلى عدد من الأطفال"، واكد:"أنه "ما زالت سلطات الاحتلال تحتجز 71 شابًا لم يفرج عنهم، إضافة إلى الفتاة "جوليا مازن نياز" التي لم تبلغ السادسة عشرة من عمرها هي وأمها وأبيها، في حين أفرج عن أمها بعد 11 ساعة من الاحتجاز والاستجواب في معسكر حوارة، وخمسة أطفال لم تتجاوز أعمارهم 17 عامًا/ المركز الفلسطيني للإعلام- 12/04/ 2011 ".
اذن، وفق المعطيات تحولت عورتا الى قرية منكوبة بالاعتقالات الجماعية وبالخراب والتدمير، كما تحولت الى معتقل كبير، وإلى ما يشبه معسكر اعتقال ضخما، يخضع سكانه للتحقيق المستمر حول عملية لم يعرف هوية وقومية وخلفية منفذها بعد، / 2011 -4-7".
وفي سياقٍ متصل، قالت الحاجة (أم آدم): "إن جيبات عسكرية اقتحمت منزل العائلة واعتقلتها هي وزوجها ذو الثمانين عامًا في ليلة السادس من نيسان (أبريل)، رغم إخبارهم بأنها طاعنة في السن ومريضة".
وأشارت إلى أنهم أخذوها إلى معسكر حوارة ووضعوها هي وما يزيد عن مائتي امرأة في ساحة مفتوحة، وبعد فترة أدخلوها إلى أحد مكاتب التحقيق، ووجه لها المحقق اتهامًا مباشرًا بأنها ارتكبت جريمة مقتل خمسة من المغتصبين في إيتمار في ليلة الحادي عشر من آذار ( مارس ) من هذا العام، فأجابته قائلة: إن "عمري قارب السبعين عامًا، وإن ما تقوله هو ضرب من الخيال، فلا يعقل أن أقوم أنا المريضة بارتكاب مثل هذا الأمر"، وتابعت: "أخذوني إلى غرفة التبصيم والتصوير وأعادوني إلى القرية بعد أربع ساعات من وجودي في البرد القارس"، وأردفت قائلة: "في الليلة نفسها، تم اعتقال أربع من بناتها وأزواجهن وأبنائها وزوجاتهن، أعادوهم في ساعات الصباح بعد مضي أكثر من عشر ساعات من احتجازهم والتحقيق معهم".
وكذلك فوجئت الحاجة أم نياز مثل غيرها باقتحام منزلها بعد العاشرة ليلا، واعتقالها مع غيرها وإخضاعها للتحقيق وأخذ عينة من لعابها وبصمات أصابعها قبل الإفراج عنها.
وجاء اعتقال أم نياز بعد اعتقال أولادها الثلاثة، نياز وشادي وبلال الذين ما زالوا معتقلين منذ أسابيع. وقالت أم نياز: "إنهم يتعمدون إذلال وتخويف الناس، يقتحمون منازلنا ليلا..
لقد هاجموا منزلي 7 مرات، وفي كل مرة يفتشون كل شيء حتى الأطباق وطناجر الضغط"، وأضافت: "والله حتى النوم مش عارفين نناموا".
وتعد القرية بموقعها الاستراتيجي المهم من القرى الشفا غوريه، حيث تمتد اراضي القرية من حدود بلدية نابلس شمال غرب الى قرية يانون جنوبي شرق قرية عورتا المطلة على الاغوار، وتعد هذه الاراضي من اهم الاراضي التي تعرضت للسلب والاستيطان لعمقها الاستراتجي في منطقة نابلس والاغوار، كما تقع في داخل القرية ثلاثة مقامات تاريخية تعود الى العصر المملوكي بحسب التاريخ، وهي لاولياء صالحين، وكان يطلق عليها قديما اسماء "العجمعي، والمنصوري وابو الفضل "، ويعد مجيء الاحتلال تم اطلاق اسماء عبرية عليها بهدف تهويدها، بالرغم من عدم وجود اي دليل يشير الى يهوديةهذه المقامات.
اذن، هي صورة مصغرة مكثفة عن الصراع المحتدم على مدار الساعة على الارض والوجود ما بين اهل القرية والاحتلال المدجج بالجيش والوحدات الخاصة و كذلك بجيش المستعمرين الصهاينة...!
فنحن هنا امام مشهد فلسطيني نكبوي حقيقي مصغر في عورتا، يسطر فيه اهالي القرية من جهة اخرى صمودا جماعيا ملحميا في مواجهة جيش ومستعمري الاحتلال...!
وذلك على مرأى من الجميع فلسطينيا وعربيا وامميا....!
المصدر
- مقال:عورتا الفلسطينية - ملحمة من الصمود...!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات