عبدالفتاح نافع يكتب: هل لديك أقوال أخرى؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالفتاح نافع يكتب: هل لديك أقوال أخرى؟


عبدالفتاح نافع.jpg

( 12 نوفمبر 2017)

كان الناس قديمًا في بلادي مخدوعين أيما خديعة ، في كل شيء حولهم ، فهم كانوا يعتقدون أن كل شيء يسير كما يرونه ، وكما يبدو أمامهم علي شاشات التلفاز ، ويعتقدون أنه ليس هناك وجه آخر لكل شيء.

فكانوا يرون وجه الرئيس أمامهم قويًا صلبًا ، كما كان يريد أن يظهر لهم ، وكان الناس في غمرة الأضواء وسطوتها لا تقع عيونهم إلا علي بدلته الأنيقة التي يبلغ ثمنها ضعف دخل مائة ألف موظف من ذوي الدخول الضخمة في عام كامل.

وعلي تلك الابتسامة المرسومة علي وجهه لتعكس قوته وسيطرته علي كل مقاليد الأمور ، ولا تري أعينهم هذه الأصباغ التي يلون بها شعر رأسه حتى تزيل من عمره عشرين عامًا مضت ، ولا تلك المساحيق التي تعلو وتكسو كل ملامحه ليبدو أصغر مما هو عليه ، فينخدعوا في كونه شابًا جلدًا لا يزال مسيطرًا كل السيطرة علي كل مفاصل الدولة وأن كل من عداه يسير في فلكه ولا يُخطئ المسير .

وكان يغيب عن عيونهم ذلك الدور الذي يقوم به الرئيس من العمالة و الانبطاح لتلك القوي الخارجية التي تضمن له بقاءه في منصبه طالما ظل يشدو بهم ويسير علي الخط الذي رسموه له وعلي التكريس لمشروعهم في طمس أي هوية تناقض هويتهم ومشروعهم وما يريدونه في بلاده من تغييب لكل ما من شأنه مناوئة مشروعهم الصليبي الصهيو أمريكي ويقاومه.

ويقدم لهم التقارير التي تتضمن حسن الولاء ، وحسن الإتباع ويطمئنهم أنه لا يزال علي العهد باقيًا ، وهم ليسوا في حاجة لذلك فهم يعلمون عنه كل شيء حتي ما يرغب هو في إخفائه عنهم هم يعلموه...

نوع من الخداع كان يمارس علي عموم الناس وكان الناس يصدقونه.

وكذلك رئيس الوزراء كان لا يختلف كثيرًا عن سيده الذي اختاره لهذه المهمة ، فكان يبدو بوجه لامع براق وكانت الحقيقة تخالف هذا الوجه تمام المخالفة ، فما كان رئيس الوزراء إلا مجرد موظف يؤدي الدور الذي رُسم له باحترافية عالية ، ولا يُخطئه قيد أُنمله.

وإن بدا في بعض المواقف أنه حبيب الشعب وأنه ينحاز إلي مصالحهم وتأخذ الشائعات حول خوف الرئيس المبجل والمسيطر من شعبية رئيس الوزراء ، هذه الدُمية المختارة وتنتشر هذه الشائعات في طول البلاد وعرضها ، حتي يصدق الناس هذه الشائعات ، حتي إذا ما تم تغيره أرجعوا ذلك إلي تلك الإشاعة ، فيبدو الرئيس أكثر سيطرة وأكثر مراقبة ويقوم بقص كل من تعلو هامته.

وما كان هذا إلا سيناريو وضيع متفق عليه ، فلا رئيس الوزراء هذا حبيب الشعب ولا ينحاز له ولا يفوق شعبية الرئيس ، إنما هي مسرحية مكتملة الأركان والكل يؤدي دوره فيها بمنتهي الإتقان ، ليتم خداع الشعب ويشعر أنه في دولة فيها كل أشكال الممارسات التي يراها في الدول الأخرى..

فقد أثبتت الأيام ما بعد الثورة أن الرئيس لم يكن رئيسًا.

وأن رئيس الوزراء لم يكن كذلك ولم يكن كما يشاع عنه بل كان ترس من تروس تلكم المنظومة التي تتغذي علي دماء الشعب.

وكان ينفذ توجيهات وتعليمات سدنة المشروع الصهيو أمريكي التي تُمرر له من خلال سيده الذي أختاره بعناية.

وكان الوزير كذلك ، واجهة وفقط ، و يبدو أنه يتولي زمام الأمور في وزارته وينفذ فيها رؤيته وسياسته ودراساته ، ولكنه أيضًا كان له وجه آخر لا يراه الناس عبر شاشات التلفاز ولا في اللقاءات التي كانت تتم بينه وبين الجمهور الذي كان يُختار لتلك المهمة ولهذه اللقطات بعناية أبيهم الذي في المخابرات.

ولكن الوزير كان يعرف ذلك عن نفسه وإن شئت فراجع كل تصريحاتهم ومذكراتهم بعد أن يتركوا المنصب ويغادروه ، تتعجب من كلامه وتحدث نفسك وكيف قبل هذا الرجل علي نفسه القيام بهذا الدور الممسوخ والمشوه ، أي مكسب ذلك الذي يجعله يتنازل عن كرامته وشخصيته وعلمه.

وقليل من الناس من كان يعلم هذه الحقائق ، لأنه يري حقيقة الصراع وحقيقة توظيف الأشخاص الوظيفيين منذ زمن ، وكان يقاوم ذلك قدر استطاعته ، فينجح حينًا ويخفق أحيانًا كثيرة.

ولكن عموم الناس كانوا لا يرون إلا الوجه البراق لهذه الأنظمة العميلة ، بل كانوا ينخدعون ويصدقون الصور التي يرونها ولا يقبلون أي جدال حولها ولا أي تشكيك فيها.

وكان يحرس تلك العناية أولئك الذين ينعمون بخيرات هذه المناصب وإنعاماتها عليهم ، فسارت تجوب القرى والصحاري والفيافي مسبحة بحمدهم ، ومُجْبِرة لعموم الناس علي التسبيح مثلهم.

وقد ينالوا بعض الإنعامات البسيطة والتي تتمثل في إلحاق أحد أبنائهم بأحد الكليات العسكرية أو كلية الشرطة ، أو وظيفة في سلك مهم وحيوي والذي يطوفون بسببها حول المقامات السنية التي مكنتهم ومكنت أبنائهم من التزاحم حول بعض هذه المناصب والمراكز التي يتركوها طائعين لهم لضمان استمرارية الولاء واستمرارية التسبيح ، وليكونوا هم وأبناؤهم قواعد راسخة في المجتمعات لهذه الأنظمة الفاشية الفاسدة ، فهم بأبنائهم وردًا للجميل ، يقفون بجوارهم ويكرهون الناس علي اختيارهم في أي استحقاق يحدث.

وإن كان البعض يعلم الحقيقة والعموم مخدوعون في كل ذلك ، إلا أنه كانت هناك هيئات انخدع فيها وفي بريقها الجميع ، وكان الناس يظنون أن هذا هو خط الدفاع الأخير والحصين عن مصالح الشعب.

إلا أن توالي الحوادث والأيام كَشَفَتْ عن سوءاتهم ، وأظهرت عوراتهم ، التي طالما اختبأت خلف البدل الأنيقة وخلف تعمد الانعزال عن الناس حتى يظلوا شخوص غامضة تكتسب قدسيتها وهالتها من هذا الانعزال ومن هذا الغموض ، فكان الناس يظنونهم كبارًا ، حتي حدث الاصطدام الذي عراهم وبَيْنَ هشاشتهم ، وأنهم كغيرهم ، برافانات لا يجيدون غير التعالي بالرغم من أنهم خواء ، وغير الكبر بالرغم من أنهم صغار ، وهذا الاختلاف السياسي أظهرهم علي حقيقتهم ، فهم يمثلون الدور جيدًا ، ويراوغون في الأسئلة ، حتي إنك تكاد تصدق أنهم بالفعل أصحاب قرار ، ولكنهم في حقيقة الأمر ليسوا كذلك ، فبعد أن تطول جلسة التحقيق وتثبت براءتك أمامه ، ويعلم هو علم اليقين أن الأمر محض تلفيق إلا أنه يظل منتظرًا لمكالمة تأتيه بالقرار الذي يأخذه ، ولا يحيد عنه زيادةً أو نقصانًا ولا حتي يومًا واحدًا.

تكريس للظلم وللعدوان علي الأبرياء ، وقتلًا لكل معاني العدل علي أيديهم ، وبعثرة لمكانةٍ ومنصبٍ كنا نظنه رفيعًا ، كنا نشفق عليهم حينما كانوا يأتون مرغمين صاغرين إلي أماكن اعتقالنا ليقروا قرارًا بالتجديد وفقط ، وكان هو يتهرب من نظراتنا إليه ، ويتلوا علينا جملته الشهيرة ، أتريد أن تضيف شيئًا علي أقوالك السابقة ، فنجيبه بابتسامة ماكرة.. لا..

فيتلوا علينا ثانية.. هل لديك أقوالًا أخري ؟

فيملل علي مساعدة..

وتُليت عليه أقواله السابقة فأقر بصحتها ووقع..

..مجتمع الفرد.. والديكتاتوريات التي تترك ظلالها علي كل المناصب والمراكز.. مهما علت..

المصدر