عبدالفتاح نافع يكتب: هل دخلت النار؟
رغم وداعة الخُلق ودعةِ الحياة ورفاهيتها واستقرار الأموال والأحوال، وانتظام كل شيء كما خططوا له، والأعمال تسير علي قدم وساق، والشهرة في مجال الأعمال تتخطي الحدود وتتجاوز العراقيل والسدود، وكذلك الحياة الدعوية، تسير سيرا مُرضيًا، فلا يتخلف عن موعد ولا منشط، ويشارك بقوة في كل الأعمال الدعوية، طاعة لله ورفعةً لرايته وإعلاء لدينه.
يحب الجميع ويتعاون معهم بكل ما أوتي من قوة، خيره ممتد لجميع من حوله، تجده في كل أفراح وأتراح الجميع، ببصمات ظاهرة، لا تعلوها بصمة، ولا تدانيها، يَفزعَ إليه كلَ من حولهِ في ملماتهم، وما تخاذل مرة عن نصرتهم ودعمهم، فقد كان مستعدًا لذلك ويجعل جزءًا من كسبه مخصصًا ومعلومًا لهذه المهام.
وكان يعمل ويجتهد ليكون علي قدر اصطفاء الله له في خدمة من حوله ومساعدتهم، فقد كانت سعادته في التعبد إلي الله والتقرب إليه بخدمة مجتمعه ، دونما انتظار لأدنى كلمة ثناءٍ أو شكرٍ من أحدٍ من البشر ؛ فلا غاية له في ذلك؛ فالله غايته ، ويطمع في منبر من نور يغبطه الصالحون عليه.
يسبح في الطاعات والقربات إلي الله، مثله في ذلك مثل الغريب الذي حل بوادٍ لا يعرف دروبه ومسالكه فأبي إلا أن يخوضها جميعًا مكتشفًا ومستمتعًا بذلك ولا يضيق ذرعًا به.
يعرف كل طرائق الخير وطرقه، يأتي منها ما استطاع ومحاولًا ومكابدًا فيما لا يستطيع، يسير علي درب نبيه ورسوله فهو زعيمه وقدوته.
يُناصر الحق أينما كان، ويدعُ إلي ربه علي بصيرة، ليس متنطعًا، ولا متفيهقًا، يقطع وديانا كثيرة، ومبقيًا علي الظهور التي تحمله، إتباعًا لقدوته، ينفق ماله ونفسه في سبيل الحق فرحًا مسرورًا، لا يخشي عواقب الإيمان ولا نهايات طرق التقوى، فهو يوقن أن العاقبة للتقوى، ولا يزكي نفسه، فالله أعلم بمن تزكي، يعرف سِير الأولين معرفة تجعله متيقنًا كل اليقين بغلبة الحق وأهله مهما طالت معركته مع الباطل ومهما انتفش الباطل وساد وظهر، لأنه يعلم أنه يومًا سيهتف مع جموع المؤمنين.. جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقًا.
وهو في هذه الحالة من السكينةِ والراحةِ والدعة، تأتيه الابتلاءات تتري، فيبتلي في ماله الذي كان يستخدمه في حمل الكل وإغاثة الملهوف، ونصرة الحق، فيتم مصادرته وحرمانه من جريان الخير علي المستضعفين، فيصبر لحكم ربه.
ويبتلي في نفسه التي كان يُعبْدها لله، فيُعتقل ويُعذب، ويلقي من صنوف العذاب ما تجعله يستشعر أنه ليس هناك عذابٌ بعد هذا العذاب ، فيحرم من الماء ومن الطعام ومن الدواء ومن رؤية أهله وذويه، ويصعق بالكهرباء ويُضرب وتنتزع أظافره، ويهدد بفعل ما تنفر منه الفطرة السليمة معه، ويهدد في أهله وفي محارمه وفي أبنائه، وهو خلف قضبان قاسية، وجدران بغيضة عالية، فلا ييأس ولا تخور قواه، ولا يثنيه ذلك عن غايته وقضيته، فيصبر علي هذا الألم وهو الفتي المدلل في قومه، ذو الوجاهة، الذي يحبه كل من حوله وكل من تعامل معه ولا يُشهد له إن سألت عنه إلا بالخير، يصبر ويثبت ثباتًا تخور معه قوي جلاديه ، وتتواضع الجبال الشم الرواسي أمام ثباته وصموده، لأنها تستشعر أنها إن دخلت هذه النار بدلًا منه؛ لانصهرت وذابت من هول ما تجد .
يصبر علي النار التي دخلها؛ من أجل مبدأ يؤمن به، وعقيدةٍ سليمةٍ قويةٍ صادقةٍ صحيحةٍ يعتقدها ، ومن أجل ملفٍ من الجهاد يرجو أن يقابل ربه به فيتقبله الله منه، لأنه عاش عمره يهتف مع إخوانه أن الجهادَ سبيلُنا.. وقد يشرف علي الموت ويعاني سكراته متلذذا بها... فالموت في سبيل الله أسمي أمانينا.
يستعذب دخول نار المجرمين في الدنيا ليعفيه الله من ناره يوم القيامة.
فتضحياته مع إخوانه لن تذهب هباء ، وليس يطمع في وضعها أدراج الرياح ؛ وإنما يطمع في أن يكون لبنةً في بناء صرح تُرفع فوقه راية الإسلام عالية خفاقة ، يطمع في أن تكون تضحياته في مرضات الله وفي تبليغ دينه ودعوته ، يطمع في أن يكون حجر عثرة في سبيل من يحارب دين الله ويستقوي علي الضعفاء.. فغايته رضوان الله ومن أجل ذلك يستعذب دخول كل نيران الدنيا طمعا في العفو من نار الآخرة.. هذا فهمنا وهذه قضيتنا التي من أجلها نضحي ، فهل ترانا كما يقولون ؟ هل دخل نارهم في الدنيا غيرنا ؟
المصدر
- مقال: عبدالفتاح نافع يكتب: هل دخلت النار؟ موقع الشرقية أون لاين