عبدالفتاح نافع يكتب: الهوي العطشان

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عبدالفتاح نافع يكتب: الهوي العطشان


ونواطيرها.jpg

( 02 أكتوبر 2017)

كيف أنت يا صغيري ، لن أسألك عن مدي الألم الذي يسري في أضلعك ، لأنه حطم أضلعي قبل أن يسري إليك ، ولكنني يا صغيري أُسائل نفسي عن أي ذنب اقترفناه في حق أوطاننا السليبة، وأي جرم أجرمناه، وعن أي شيء أدخلناه علي قومنا ليضمروا لنا حينًا هذا الحقد ويظهروه لنا دائمًا.

ألم يعلم قومنا أنني كنت أقتطع من قوتي وقوتي ، ومن ثيابي وحاجتي حتي أوفر لك حياة تؤهلك لأن تكون نافعًا لهم ، ألم يعلم قومنا أنني كنت أُعدك يا صغيري لتكون طبيبًا يعالج أمراضهم ، ويحنو علي ضعيفهم ، ويمد يد العون لمحتاجهم ، ألم يعلموا يا صغيري أنني كنت أتعهدك الليالي الطوال والأيام الشديدة البأس لتكون رجلًا بينهم ، قادرًا علي خدمتهم ، ألم يعلموا أن مصدر سعادتي هو أن أراك خادمًا لهم ، تطوع العلم وتبني بداخلك من العلوم والمعارف مدنًا ، لتفتح أبوابها لهم ، وكنت منذ نعومة أظفارك رجلًا ، لم تلهو كما يلهو أقرانك ؛ لتجمع من العلوم ما يؤهلك لخوض غمار الطب ، لتكون مثلًا وأنموذجا لما تحتاجه أوطننا.

أو كان ذلك ذنبًا تستحق عليه أن تُختطف وتُنتزع نزعًا من حضن والدتك وإخوتك بيد غليظة وقلب أشد قسوة من الحجر ، وتعصب عينك حتي لا تري إلا سوادً كاحلًا ، وتساق مع أقرانك إلي أفران الموت ومسالخ التعذيب في أمن الدولة وتكون تهمتك الشرف ، وغلفوها ببريقٍ من التهم التي تلقي قبولًا في نفوس ذاقت الذل واستعذبته.

فأنت الشريف عندهم قاتلًا أو ظالمًا تسعي لوأد تقدم مزعوم ، تسعي لتخريب أوطانًا قد جرفت ، وأرضًا قد أُحرقت ، ودمارً قد خلفوه في بلداننا والكل يعلم السبب ، ولكن أنت أيها الشريف وجموع أقرانك من خيرة الأبناء ومن جذوة الشباب الصاعدين إلي المجد يحصدوا ثماره ليطعموه قومًا لن يستسيغوا طعمه من أيديكم الطاهرة ، واستعذبوا كل الطعوم مقهورين من يد جبارة وفطرة معوجة يتناولونه مكبرين فعل الجلادين وينشئوا التبريرات الآثمة لمن علا عليهم واستكبر وقال أنا ربكم الأعلى فطعامه من الزقوم مفضل عندهم عن ثمار مجدكم ، ويسقيهم المُهل شرابًا مطهرًا لكل القيم والأخلاق التي تبقت في عقولهم وقلوبهم ، حتي يستحيلوا بفعله فيهم إلي أكوامٍ من الخبث ، وحوانيت من النفاق ، في كل وادٍ خلفهم يهيمون.

كيف اقتادوك إلي مسالخهم ، وكيف هو طعم المرار المختلط بصعقات من الكهرباء التي تشعل الألم في كل أرجاء الجسد ، لا تخبرنا فمرار حلقك يملئ أفواهنا والصواعق تحرق أجسادنا قبل أن تمتد أياديهم الآثمة به إليك.

يسألونك يا صغيري عن كومة من الأسلحة قد دفنوها ، ويصوروا لك أماكن دفنها ، ويقضوا الساعات الطوال ، ليحفظوك ورد خطيئتهم لتتلوه مقهورًا أمام عدساتهم وتعترف وتعترف وتعترف ، فأنت الذي غيرت مسار النيل عن إسرائيل ، وأنت الذي حجبت الشمس عن الشروق ، وإن أرادوا لأنفسهم أن تعترف أمامهم بأنك أنت الذي قتلت السير لي ستاك ، وأنك قد عبثت بغرفة الفرعون ، وجعلت أصوات البرانق تقض مضجعه فستعترف ، وإلا فأمك تُغتصب ، وصغيرتك التي رومت سعادتها تراها وهي تنتهك حرمتها أمام عينك صاغرًا ، فستعترف بأنك أنت الذي قتلت كل من ماتوا منذ آلاف السنين ، وأنك انت الذي خربت إرم ذات العماد ، وناقة صالح حين هوت مذبوحة كنت أنت الفاعل.

لا عن صغار تعترف ، بل اسم أمك ، تذوب كل الدنا صهراً في نيران الجحيم ولا يتلفظ به فقط خنزير من الخنازير ما بالك لو هددوك بلمسها.

تستعذب القتل يا صغيري فداءً لحروف اسم والدتك المقدسة ولكي تنام صغيرتك قريرة العين ولا تراها عين آثمة خائنة ، تعبث في أثوابها .

ماذا يفعل بك المجرمون ، وماذا يفعلوا بأوطاننا وماذا يفعلون بديننا.

حبك يملئ قلوبنا ، حين رأيناك في زيارتنا الأخيرة ، وأنت تخبئ الآلام بابتسامتك الرقيقة ، وتسير من خلفك ركبان الطغاة ، ليمنعوك عن الحديث وعن بث الهوي، لا تقلق فالكل يعلم أنهم في سجنهم قد نصبوا لكم المسالخ والمشانق .

والكل يبكي حزنًا والقلوب تنزف مع الدم الألم.

ولكنك ورفاق دربك أقوياء ، صلابتكم ممتدة من فيض آيات الكتاب الذي جعلتموه في قلوبكم وأيديكم ، من فهمكم لحوادث الدهر وتقلب الزمن ، من سيرة المصطفي وانتم تدرسون فصولها وتقتبسون من مواقفه الشريفة دروس الأمل..

يا صغيري قلبي لديك أسير وقلوب أحرار العالمين تهفوا إليكم.. فاثبتوا..

ما ظننتم أن يخرجوا ، وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيدهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار.

المصدر