عام الاوهام !!!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
عام الاوهام !!!
علم فلسطين.jpg


بقلم : محمد السودي

إذا كانت النوايا المخلصة وحدها ما يحمله الطرف الفلسطيني المفاوض في جعبته إستناداً إلى عدالة قضيّته و بالتالي نقطة ارتكاز سياساته ، سلفاً نقول على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الف سلام .

إن نظرة فاحصة لمجريات العملية السياسية خلال سنوات التفاوض الماضية و العام الحالي الذي سيغادرنا بعد عدةِ ايام لعلّها تصيب كل ذي شأن بالدوار من شدةِ ما تعرض له الإنسان الفلسطيني بغض النظر عن موقعه او مسؤولياته من مكرٍ و خداع و بيع للأوهام منذ وصول إدارة اوباما إلى سدّة الرئاسة في البيت الابيض الذي افرط بالتفاؤل و الوعود لإيجاد حل عادل و منصف للقضية الفلسطينية بدأت بالخطابة البلاغيّة في جامعة القاهرة و استنبول فاتحاً عهداً تصالحياً جديداً تجاه العالم الإسلامي وإيجاد الحلول الملائمة التي تطفي لهيب البؤر الأكثر إشتعالاً و طبعاً في المقدمة منها حل القضية الفلسطينية حيث لامس اهم المسببات التي اعاقت الوصول إلى نتائج عملية منذ عقدين من زمن التفاوض معتبراً أن الإستيطان بكافة اشكاله عقبة كأداء تقف حائلاً دون تقدّم عملية السلام ، ثم شدّد على إعتبار عهده بمثابة إنطلاقةٍ جديدة في العلاقات الدولية و الشراكة مع المجتمع الدولي من أجل الحفاظ على الأمن و السلم الدوليين ، نحو عالم يسوده التعاون و العدالة و الرخاء ، هذه خلاصه ما قاله رئيس البيت الابيض ، و ليس أفلاطون الحالم بـ " المدينة الفاضلة " .

لا شك أن الوقت لم يدم طويلاً حتى بدأ مسلسل التراجعات " الأوبامية " امام مجموعات الضغط الصهيوني المتمثل بـ "الايباك " المتغلغل في شريان الحياة الأمريكية ، ذلك اللوبي الحليف حتى النخاع مع اليمين الصهيوني المتطرف الذي تمثله حكومة نتنياهو ، التي سلكت منذ البداية سلوك التحدّي الواضح لإحباط تطلعاتها الجديدة جسب خطابها المُعلن ، و بالتالي لم تصمد أمام تعنّت حكومة الإحتلال المدعومة من مراكز النفوذ في مجلسي الشيوخ و النوّاب الأمريكيين ، أدّى إلى تراجع مذل تجاه العملية السياسية في المنطقة قبل ان تبدأ ، ثم كثّفت هذه الإدارة من ضغوطاتها على الطرف الأضعف بالمعادلة السياسية و هم العرب و الفلسطينيين ،

من خلال دعوة الدول العربية إلى التطبيع مع حكومة الإحتلال مقابل تجميد المستوطنات في بادرة حسن النوايا لعلّها تستدر عطف إسرائيل و جعلها تليّن مواقفها المتزمّتة دونما جدوى ، لم تتوقف الأمور عند هذا الحد ، بل وصلت إلى ذروتها عندما جاء الرد الإسرائيلي العملي متزامناً مع زيارة جوبايدن نائب الرئيس الأمريكي و قبله السيناتور " جورج ميتشل مبعوث الرئيس اوباما " بالإعلان عن عطاءات بناء آلاف الوحدات الإستيطانية في مدينة القدس و باقي الأراضي الفلسطينية المحتلة في خطوة غير مسبوقة تعبّر عن الإستخفاف و الإستهانة بكل القيم و الأعراف الدبلوماسية إزاء اقوى دولة عظمى بعد الإنهيارات اواخر القرن الماضي ، مما ادّى إلى ازمة مصطنعة سرعان ما تبددّت آثارها بعد لقاء نتنياهو بالرئيس الأمريكي الذّي أشادَ بمناقب ضيفه و حرصه الشديد على أمن إسرائيل مذكّراً بالعلاقة الإستراتيجية الحميمية بين بلديهما دون ان ينسى كيل المديح والمصداقية التي يتمتع بها رئيس حكومة التطرّف و الإستيطان ،

مؤكداً على اهمية الإنتقال من المفاوضات غير المباشرة إلى مفاوضاتٍ مباشرة مكافأةً لإعلان حكومة المستوطنين عن تجميدٍ صوري للإستيطان مدّته عشرة اشهر ، يُستثنى منه مدينة القدس و الإحتياجات الطبيعية في باقي الأراضي الفلسطينية المحتلّة كما زعمت ، من المؤسف حقاً أن يستجيب العرب و الطرف الفلسطيني للمفاوضات المباشرة دون تلبية إستحقاق عملية الإنتقال و في مقدمتها وقف الإستيطان كما نصت عليه القوانين الدولية و الإتفاقيات الموقّعة ، بينما ثبت للقاصي و الداني إستخفاف هذه الحكومة العنصرية بالعملية السياسية التّي لم تأخذ إعلانها الصوري الهزيل بشأن تجميد الإستيطان حتّى وفق شروطها على محمل الجد ، بل تسارعت وتائر الإستيطان اكثر من ذي قبل إستناداً إلى تقارير منظمات إسرائيلية ، و أدارت ظهرها و صمّت آذانها أزاء مطالبات المجتمع الدولي بضرورة وقف الإستيطان ، و في الحقيقة لم تكن المطالبات تدعو إلى وقف الإستيطان ،

إنما دعت إلى تجميد الإستيطان بالشروط التي وضعتها حكومة نتنياهو ، بالرغم من ذلك وافقت لجنة المتابعة العربية و القيادة الفلسطينية المعنية على منح الإدارة الأمريكية الفرصة تلو الأخرى بناءٍ على طلب الأخيرة لإيجاد مقارباتٍ ما ، في حين تجري عملية تهويد القدس و مصادرة الأراضي و تغيير الطابع الجغرافي و الديمغرافي للأراضي الفلسطينية المحتلة على قدمٍ و ساق ، بالإضافة إلى تشريع القوانين العنصرية بحق اصحاب الأرض الحقيقيين من أجل طردهم و الإستيلاء على أراضيهم و بيوتهم و ممتلكاتهم .

إن المفاوضات المباشرة التي فرضتها الإدارة الأمريكية لم تأتِ بعمليةٍ سياسيةٍ جادّة حيث اصرّت حكومة الإحتلال على مناقشة بندٍ واحدٍ فقط يتعلق بالأمن دون التطرّق إلى القضايا الجوهرية بما فيها تحديد مرجعية عملية المفاوضات و تعريف حدود الدولة الفلسطينية القادمة ، ورفضها المطلق وقف الإستيطان ، و قدّمت الإدارة الأمريكية رشاوى أمنية و عسكرية و مساعداتٍ أخرى تقدّر بالمليارات كل ذلك من أجل تمديد تجميد الإستيطان لمدة تسعين يوماً مرةَ واحدة و أخيرة ، كما وعدتها بإجهاض أي قرارات يمكن أن تمرّر عِبر مجلس الأمن الدولي تتعلّق بإعتراف المجتمع الدولي بحدود الدولة الفلسطينية و كانت النتيجة أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على إقناع حكومة اليمين الإحتلالية بوقف الإستيطان ، جاء ذلك على لسان القنصل الأمريكي في القدس الذي طار إلى العاصمة اليونانية اثينا لإبلاغ الرئيس الفلسطيني بهذا الموقف .

لعلّ ما جاء به السيناتور ميتشل خلال زيارته الأخيرة إلى الاراضي الفلسطينية و ما يحمله من مقترحات شفهية ذات ست نقاط تتجاهل جوهر عملية الصراع و كذا الإستيطان ، كان خير تعبير عن الفشل الذريع للرعاية الأمريكية لعملية التسوية إذ أثبتت مرةً أخرى عدم نزاهتها و إنحيازها التام للمشروع الإحتلالي بهدف كسب المزيد من الوقت و فرض الحقائق الجديدة على حساب الحقوق الوطنية و السياسية للشعب الفلسطيني .

يُخطئ من يعتقد أن قرار الكونغرس الرافض للإعتراف بحدود الدولة الفلسطينية جاء مخالفاً لرغبات الإدارة الأمريكية حيث عبّرت هذه الإدارة عن عدم رضاها عن قرار البرازيل و الأرجنتين و الدول الأخرى التي ستعترف با لدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، الأمر الذي يتطلّب مراجعةً لمسار العملية السياسية برمتّها و ضرورة بناء إستراتيجيةٍ وطنيةٍ شاملة تقوم على أساس إستنهاض القدرات و تراكم الإنجازات و تثوير الطاقات الشعبية و مغادرة الرهان على بيع الأوهام الأمريكية التّي لم و لن تكون إلى جانب حقوق شعبنا و طموحاته ما دام الوضع الفلسطيني يعاني ويلات الإنقسام و الضعف .

عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية .


المصدر