شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 3 )
عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر ( 3 )
تنشر نافذة الفيوم الجزء الثالث من مذكرات د. عبد المنعم أبو الفتوح والتي نشرتها جريدة الشروق تحت عنوان " عبد المنعم أبو الفتوح : شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية في مصر " ، فإلى الجزء الثالث من هذه المذكرات :-
ولادة الجماعة الإسلامية من رحم الجمعية الدينية
في هذه الفترة بدأ الحديث في مسألة السمع والطاعة لأمير الجماعة الإسلامية، وهو المسؤول الأعلى في الجماعة؛ إذ لم نكن نسمي مسئول الجماعة الإسلامية بالرئيس بل بالأمير، وفي قضية الأسماء- مثل غيرها من القضايا- كانت تصرفاتنا عفوية وفطرية إلى حد كبير، فقد برز مصطلح (الجماعة الإسلامية) لأول مرة عام 1973 وكنت وقتها رئيس اتحاد طلاب كلية الطب، وكان اختياره عفويا ومن دون قصد وكنا متأثرين في اختياره بقراءة كتب الأستاذ أبي الأعلى المودودي وكتب السيرة القديمة... وما أتذكره أننا كنا نوقع على السبورة التي نكتب عليها الآيات والأحاديث باسم الجمعية الدينية ... وأذكر ذات مرة أنني وعبد الرحمن حسن كنا نكتب على السبورة آية أو حديثا بتوقيع الجمعية الدينية فسألنا أنفسنا – وكانت السنة الثالثة من العمل الإسلامي- لماذا نكتب الجمعية الدينية ولا نكتب الجماعة الإسلامية ؟... وقررنا مباشرة تغيير الاسم... وكنا متأثرين – كما أسلفت- بأبي الأعلى المودودي الذي كان يعرف بـ "أمير الجماعة الإسلامية" بباكستان، ثم سرى الاسم في بقية كليات الجامعة كلها بعد ذلك.
أثناء عملنا في الجماعة الإسلامية بالجامعة، وعندما قررنا خوض انتخابات اتحاد الطلاب فرض الواقع نفسه في الترشيحات، فرأى إخواني أنني أصلح لرئاسة الاتحاد، في الوقت الذي كان فيه الأخ سناء أبو زيد أميرًا للجماعة الإسلامية وقتها لأنه كان أكثرنا ثقافة وقراءة وفقهًا، وفي البداية لم يكن هناك فصل بين اتحاد الطلاب والجماعة الإسلامية، بل كان يشيع في الأوساط الطلابية أنني من يقوم بتعيين أمراء الجماعة، ولكن وبعد حدوث احتكاكات بين الاتحاد وإدارة الجامعة حاولنا عمل نوع من الفصل بين مهام إمارة الجماعة ومهام رئاسة الاتحاد.
كنّا نفصل بين مهمة أمير الجماعة الإسلامية وبين مهمة رئيس الاتحاد، وكانت السلطة الحقيقية في يد أمير الجماعة، وكان الأخ سناء أبو زيد أميرا للجماعة في نفس الوقت الذي كنت فيه رئيسا للاتحاد، ولكنه لأدبه الجم وأخلاقه الرفيعة وفرط محبته لي، كان لا يمارس سلطات هذا الدور معي حين أصبح أمير الجماعة، ولكنه كان يمارسه على الآخرين وكنت أساعده على ذلك طبعًا... فقد كنا نخشى أن تقضي أنشطة الاتحاد على أنشطة الجماعة الإسلامية، وكان لابد من هذا الفصل بينهما.
الاتحاد صار يمثل الجناح السياسي للجماعة
بعد أن تطورت الأمور وانتشرت الجماعة الإسلامية في الجامعة صار الاتحاد يمثل الجناح السياسي والاجتماعي للجماعة، فبدا الأمر وكأن الأمير هو المسيطر وصاحب القرار النهائي... وقد تأكد هذا الملمح عندما صار الأخ عصام العريان أميرًا للجماعة الإسلامية في جامعة القاهرة ثم جاء بعده الأخ حلمي الجزار الذي كان أميرًا لمجلس أمراء الجماعة الإسلامية... أيامها صار الأمير هو المرشد للجماعة أو أقرب للقيام بهذا الدور وكان يرجع إليه بل كان يستطيع أن يوقف رئيس الاتحاد، طبعا لم يكن يحدث هذا بقرار شخصي لأن الجماعة الإسلامية كان لها ما يعرف بمجلس الشورى، وكان هذا المجلس يختار ممن برزوا في العمل الإسلامي وأثروا فيه... صحيح أنه لم يكن يشكل وقتها بالانتخاب لكن كان في معظم الأحيان يتشكل وفق انتخاب حقيقي للقدرات والإمكانات التي تكشف عن نفسها بسهولة... فقد كانت أجواء العمل الإسلامي كلها من النقاء والتجرد ولم يكن فيها آفات حب الظهور والسيطرة... كان بإمكان من يعمل أن يبرز ويقود دون أي اعتراض.
العريان والجزار أميرا أمراء الجماعة
وفي عام 1974 أو 1975 قررنا أن نكوّن مجلسًا واحدًا لكل أمراء الجماعة الإسلامية في كليات جامعة القاهرة وننصب لهذا المجلس أميرًا، وقد جرت انتخابات بين أمراء الجماعة في جامعة القاهرة أسفرت عن اختيار أول أمير لمجلس أمراء الجامعة وهو الأخ عصام العريان من كلية طب قصر العيني، وهو ما جرى اتباعه في الجامعات الأخرى.
بعد ذلك وفي عام 1977 تجمع كل أمراء الجماعة الإسلامية في جامعات مصر كلها تحت اسم الجماعة الإسلامية في مصر ، وانتخبت أول أمير لها وهو الأخ حلمي الجزار من كلية طب قصر العيني أيضا فقد كانت معقلا للحركة الإسلامية الجديدة.
كنا لا نتوقف عن التنقل بين الجامعات للتواصل بين القيادات، وكنا نقضي الصيف كله في التنظيم لهذه اللقاءات... أما تمويل تحركنا الشخصي لكي ننتقل ونرى بعضنا فكان بالتبرع فيما بيننا، حتى أننا كنا في بعض الأحيان لا نجد ما ندفع به أجرة الدرجة الثانية في القطار فنضطر لركوب الدرجة الثالثة، وإذا لم تكفِ النقود لسفر ثلاثة اكتفينا بأن يسافر اثنان ويبقى الثالث.
تصاعد النشاط الإسلامي
كانت حركة الجماعة الإسلامية تنطلق بقوة وتكسب أرضا جديدة كل يوم وكان العام 1976 من أكثر أعوام الجماعة الإسلامية نشاطا حتى أن جون كوني مراسل صحيفة مونيتر كتب عن "عودة الإخوان" في مصر . في هذا العام بدأت الجماعة الإسلامية سنة إقامة صلاة العيد في الخلاء فنظمت الجماعة الإسلامية في الإسكندرية صلاة العيد في أرض استاد الإسكندرية (كانت في ديسمبر) وحضرها نحو أربعين ألف مصلي وأم الناس فيها الشيخ محمود عيد... ونظمت الجماعة الإسلامية في القاهرة صلاة العيد في ميدان عابدين وأم الناس فيها فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي وحضرها أكثر من خمسين ألفا.
وفي هذا العام نزل عدد من الدعاة والأساتذة انتخابات مجلس الشعب وكان منهم في القاهرة الشيخ صلاح أبو إسماعيل والأستاذ عادل عيد في الإسكندرية. وذلك تحت مطلب تطبيق الشريعة الإسلامية... وكانت الدعاية كلها تركز على ان تطبيق الشريعة هو بداية كل إصلاح وأنه سيعيد وجه مصر المسلمة... ومما رفعته الجماعة الإسلامية وقتها من لافتات: إلى الله يامصر... معا من أجل الشريعة... معا ضد الإلحاد والإباحية... لا شرقية ولا غربية إسلامية قرآنية... كما رفع المرشحون آيات قرآنية مثل (إن الحكم لله) و (وأن احكم بينهم بما أنزل الله).
الصفقة التي لم نعقدها مع السادات!
ما إن يبدأ الحديث عن الحركة الإسلامية في الجامعة في السبعينيات حتى تبدأ الأسطوانة المكررة عن أن الحركة الإسلامية في الجامعة كانت صنيعة السادات وأنه كان يسيطر عليها ويوظفها لضرب خصومه الشيوعيين والناصريين… ولن أتعرض للجدل في هذا الادعاء كثيرا وإنما سأكتفي بشهادتي كأحد الذين عاصروا هذه الفترة وأسسوا العمل الإسلامي فيها، فقد كنت في موقع من لا تغيب عنه المعلومات التفصيلية لأي صفقة كان يمكن أن تعقد بين السادات وبين الحركة الإسلامية في الجامعات، بل أقول جازما أنه لو كانت هناك صفقة لعقدها السادات معي شخصيا، بحكم مسئوليتي عن الحركة الطلابية الإسلامية، وأشهد الله أننا لم نعقد مع النظام أو مع أحد أي صفقة.
إذا كنّا نتحدث عن رغبة السادات بل وسعيه إلى السيطرة على الحركة الإسلامية في الجامعة وتوظيفها ضد خصومه فإن هذا كان صحيحًا، لكنه لم يتصل بنا مباشرة بأي شكل من الأشكال.
وربما حاول عبر مسئولين في الدولة الاتصال بنا لتوظيف الحركة ضد خصومه خاصة من الشيوعيين، لكن هذه المحاولات فشلت، كما أننا لم نكن الرهان المناسب له في هذا الغرض، فقد كنّا بالأساس حركة اعتراض ورفض ضد الحكومات "المنحرفة عن الدين" التي "لا تطبق شرع الله "، ومن ثم فقد كان مشروعنا – على الأقل في بدايته- أساسه وجوب إزالة هذه الحكومات وإقامة أخرى تقيم شرع الله… وهو ما لم يكن ليشجع النظام على فتح اتصال صريح ومباشر معنا.
ورغم أننا دخلنا في مواجهات مع الشيوعيين في الجامعة بعضها تطور إلى استخدام العنف البدني إلا أنها كانت مواجهة عفوية تلقائية يحكمها منطق الصراع بين تيار ديني عفوي متشدد ليس لديه منهج منضبط وبين تيار كان دائما ما يتعرض للثوابت الإسلامية بالنقد والسخرية بما تبدو معه المواجهات أمرا طبيعيا وليست مقصودة أو موظفة من قبل النظام.
وسأروي واقعة محددة تكشف عن أننا كنا واعين تماما باستقلاليتنا عن النظام وحريصين على ألا يوظفنا لمصلحته، فقد كانت هناك مظاهرة طلابية ضد إسرائيل ، وقام الطلاب الشيوعيون بمظاهرة أخرى، كنت وقتها رئيس اتحاد طلاب الجامعة ومعي الأخ محمد عبد اللطيف نائب رئيس اتحاد كلية الطب (صاحب مؤسسة سفير للنشر والدراسات،ومن مؤسسي حزب الوسط) وكان الدكتور صوفي أبو طالب هو نائب رئيس الجامعة آنذاك، فغضب مستنكرًا تظاهر الشيوعيين، فقال لنا وكنّا في لقاء معه: إزاي تسيبوا الشيوعيين يقوموا بمظاهرة؟!
فقلت له: هم أحرار في ذلك.
فقال : إزاي؟ وإنتم متقدروش توقفوهم؟! (وكأنه يحرضنا عليهم).
فرد عليه الأخ محمد عبد اللطيف: نحن لا نُستخدم عصًا في يد أحد.
كان رد الأخ محمد تلقائيا وعفويا ولكنه كان يعكس استقلاليتنا... كان يمكن فعلا أن نشتبك مع الشيوعيين وقد يتطور الأمر للمواجهة البدنية... لكن ذلك لم يكن ليتم لمصلحة أحد أو بتوجيه منه... كان يحدث وفق قناعاتنا التي يمكن أن نراها – الآن - خاطئة لكنها لم تكن يوما لأحد إلا لفكرتنا ودعوتنا.
كانت مواجهتنا مع الطلبة الشيوعيين تعبير عن حسنا الجهادي أحيانا الذي كان يدفعنا إلى السعي إلى تغيير المنكر باليد أي بالقوة... أذكر أن اتحاد طلاب كلية الطب عام 1973 أقام حفلا به رقص وغناء ماجن، وفكرنا كيف نمنع هذه الحفلة فاهتدينا إلى فكرة أن نحتل المدرج قبل بدء الحفلة بنصف ساعة، فجلسنا جميعًا نقرأ القرآن، ولما جاؤوا لم يستطيعوا أن يخرجونا ولم تستطع الفرقة الغنائية الدخول فانتهى بذلك الحفل!.
أما في المرة التالية التي أرادوا فيها إقامة الحفلة أغلقوا الأبواب ولم يسمحوا بالدخول إلا لمن يحمل تذكرة... وساعتها لم يكن هناك بد من مسيرة ضخمة واقتحام الأبواب بالقوة ودخول المدرج وتعالت التكبيرات وساد الجوَّ نوعٌ من الاضطراب وانتهت الحفلة بالفشل!! هذه نماذج للعنف الذي كانت الحركة تتورط فيه لكنه لم يكن يوما ما بتوجيه من النظام أو بتنسيق معه.
ما أتصوره أن السادات رأى أن يضرب التيار الشيوعي بطريقة تلقائية ودون مجهود منه، وذلك بترك التيار الإسلامي يعمل بحرية وينتشر دون وضع العراقيل أمامه أو ملاحقته... وكانت الساحة مهيأة تماما لنمو هذا التيار وانتشاره عفويا وطبيعيا... ولم تكن هناك صفقة أو اتفاق سري كما أشاع خصوم الحركة الإسلامية... ما أقطع به أن أحدا لم يتصل بنا مباشرة أو يناقش معنا اتفاقات أو يعرض علينا صفقة... ولو كان شيء من هذا حدث لتمّ الاتصال معي بحكم مسئوليتي عن الحركة الطلابية الإسلامية في جامعات مصر .
جماعة شباب الإسلام
وحين أروي شهادتي في قضية العلاقة بين الحركة الطلابية الإسلامية والسادات فإنني أتحدث عن الجسم الرئيسي لها الذي صار يعرف بالجماعة الإسلامية والذي شرفت بأنني كنت أقدم مؤسسيه، وحديثي في هذا من خلال دوري وموقعي دون أن أصادر على ما قد يكون حدث بالنسبة لفصائل هامشية نسبت للحركة الإسلامية في هذه الفترة دون أن يكون لها وزن معتبر بما يصح معه القول أنها لا تمثل الحركة الإسلامية... أقول ذلك وعيني على قوله تعالى (وما شهدنا إلا بما علمنا).
فقد فوجئنا ذات يوم - وأظنه في نهاية عام 1973 - بلافتات تملأ ساحات كلية الهندسة جامعة القاهرة تحمل اسم " جماعة شباب الإسلام" وكانت اللجنة الدينية هي التي تمثلنا في الكلية وكان المسؤول عنها الذي يمثلنا في الكلية الأخ عصام الشيخ، وحين سألناه عن هذه اللافتات أخبرنا بأنه فوجئ مثلنا بهذا ألأمر، وأن هؤلاء الطلاب الذين كونوا جماعة شباب الإسلام لا علم لنا بهم ولم يكن لهم أي نشاط معنا إطلاقا قبل ذلك، وأنهم الآن يحدثون الطلاب عن الإسلام، بل وحتى الطالبات أيضًا يقفون معهن ويحدثونهن عن الإسلام ، وخلصنا وقتها إلى نتيجة جازمة بأن هؤلاء الطلاب من جماعة شباب الإسلام غير متدينين، ولا ينتمون إلينا، لأن الوقوف مع الطالبات والحديث معهن كان في هذه الفترة ممنوعًا ، حتى وإن كان هذا الحديث عن الإسلام.
لقد كان نمط التزامنا الديني سلفيا غارقا في السلفية كما قدمت، ولم يكن مقبولا لدينا الحديث عن دعوة الطالبات، ورأينا وقتها أن تكون هذه مهمة الطالبات الممثلات للحركة الطلابية الإسلامية الأخوات، وأما حديثنا- نحن الرجال معهن- فلا يجوز أن يكون إلا في إطار محاضرة عامة أو خطاب عام. وكان هذا الأمر فارقا بيننا وبين جماعة شباب الإسلام.
كما كان خطابنا صارخا ثوريا في نقد النظام الحاكم وفي دعوته لتطبيق شرع الله، في حين كان خطاب جماعة شباب الإسلام يبدو فيه الميل للنظام، كما لاحظنا أيضا ضعف التزامهم الشخصي وعدم حرصهم على السنن الظاهرة مثل اللحية، وأداء الصلوات في المسجد، وهو ما لم يكن موجودًا لديهم وكان له دور في عدم استمرارهم بعد ذلك... ما جعلنا نرفضهم وننظر إليهم نظرة متعالية، باعتبار أننا ملتزمون أكثر منهم... فقد كنا نحرص على التمسك بكل ما نعتبره سنة في الدين، فكنّا في حرصنا على الالتزام بالهدي الظاهر نرتدي الجلباب أحيانا في الجامعة مثلا، وكانت تميزنا اللحى بشكل واضح حتى إن الدكتور صوفي أبو طالب رئيس الجامعة وقتها طلب مني أن أهذب لحيتي لأنها كانت كثيفة جدًا!.
وسمعنا بعد ذلك أن محمد عثمان إسماعيل أحد أركان نظام السادات والمقربين منه - و كان أمين التنظيم بالاتحاد الاشتراكي ثم محافظا لأسيوط فيما بعد- حين وجد أننا لا نصلح أن نكون آلة في يد النظام نتيجة خطابنا ومواقفنا أراد أن يصنع له تيارًا إسلاميا خاصا مرتبطا مباشرة بالنظام وممثلا لتوجهاته بين الطلاب، وربما كان مسؤولا عن تأسيس جماعة )شباب الإسلام) هذه، لكن الذي حدث غير ذلك تماما فقد انحسرت هذه الجماعة واختفى أعضاؤها من على الساحة، حتى إنها لم تخرج من كلية الهندسة ولم نر لها أي أثر في كلية أخرى أو حتى في كلية الهندسة نفسها في الأعوام التالية وأنا نفسي نسيت أسماء قيادتها ولم أعد أتذكر سوى أشهرهم المهندس وائل عثمان وقد سمعت أنه كتب عن تجربة هذه الجماعة في كتاب أسماه : أسرار الحركة الطلابية، وله فيما أعرف كتاب اسمه: حزب الله في مواجهة حزب الشيطان.
كانت الساحة مفتوحة لنا ولغيرنا
الحق يقال إن السادات قد أزال العوائق أمام الحركة الإسلامية، لكنه- وللإنصاف والأمانة أيضًا- لم يضع أية عوائق أمام الآخرين كي يعملوا وينشطوا في الساحة... السادات كان ذكيًا في إدراكه ومعرفته بالمجتمع المصري المتدين المحب للإسلام، وكان على ثقة بأنه لو أزال تلك العوائق التي كانت أمام الإسلاميين فسوف يجرف تيارهم جميع التيارات الأخرى.
كانت الدنيا مفتوحة أمامنا... ولم تكن هناك العقبات التي كانت في عهد النظام الناصري فيما قبل أو نظام مبارك فيما بعد... كنت وقتها- كقيادة طلابية- أستطيع مقابلة رئيس الجامعة صوفي أبو طالب (رئيس البرلمان فيما بعد) أو حافظ غانم نائب رئيس الوزراء ووزير التعليم في أي وقت، خاصة إذا حدثت أية مشكلة مع الحركة الطلابية أو الجماعة الإسلامية في أي جامعة من الجامعات المصرية.
كان هناك أيضا تسامح أو تساهل من الدولة مع الإخوان المسلمين بعد خروجهم من السجون، حيث سمح لهم بالتواجد وبالنشاط العام؛ مثل إقامة الاحتفالات الخاصة بالمولد النبوي في الميادين العامة، ولم يكن الجهاز الأمني يتدخل في أي نشاط لنا أو لهم من قريب أو من بعيد... حتى جاءت أواخر السبعينات حين انقلبت الدولة على الإسلاميين جميعًا وبدأ التدخل الأمني يظهر بشدة.
لقد تميز عهد السادات بالحرية بما لم تشهده مصر منذ قيام الثورة، وكانت الحرية حقيقية، حرية عمل وليست حرية " كلام" كما هو الحال في عهد الرئيس مبارك الذي أطلق حرية الرأي وقيد حرية العمل السياسي والعمل العام عموما.
لم نسمع أبدًا في عهد السادات، فترة السبعينات، أن أحدًا اعتقل منا أو من الإخوان، أو حتى تم استدعاؤه أمنيًا، ولم يمنعنا من توزيع كتاب أو مطبوعات من أي نوع، ولم نر ضابط أمن دولة يدخل الجامعة ويعترض على أي عمل من أعمالنا... باستثناء ما حدث مع التنظيم الشيوعي وحركة الفنية العسكرية.
لم نعرف هذا التدخل المنحط الذي شهدته البلاد فيما قبل وبعد السادات، ولم نره أو نسمع به أبدًا معنا ولا مع غيرنا.
وأذكر أنني كنت- وقت رئاستي لاتحاد طلاب الجامعة-أطبع منشورًا فيه هجوم شديد على النظام في إحدى المطابع بمنطقة السيدة زينب، وتصادف أن الشيوعيين كانوا يطبعون منشورًا آخر في نفس المطبعة، وجاء إلي صاحب المطبعة ليخبرني أن الشيوعيين يطبعون منشورًا ضد الجماعة الإسلامية، ولا أدري من الذي أبلغ بوليس النجدة أنه ستقوم مشاجرة بين مجموعة من الطلاب- شيوعيين وجماعات- في السيدة زينب، فحضرت الشرطة في نفس الوقت الذي كنّا قد نقلنا المنشور معنا إلى السيارة التي ستنقله... أراد الضابط أن يوقفنا فرفضنا أن نطيع أوامره، فأطلق رصاصة على إحدى إطارات السيارة حتى لا نستطيع التحرك بها، فقامت بيننا وبينه مشاجرة كبيرة، وقمنا بتوجيه السباب والشتائم له وذهبنا إلى قسم شرطة السيدة زينب، حيث تم الاستيلاء على المنشور من السيارة، وبعد قليل وجدت المأمور يقول: لي تفضل إلى حيث تريد!! وكأن شيئًا لم يكن.
لم يعجبني هذا ولم أعتبر أنها مكرمة فطلبت منه المنشور الذي صادرته الشرطة فرفض إعطاءه لي، فقلت له إنني لن أتحرك من قسم الشرطة إلا بعد أن آخذ المنشور معي!، فأصر على الرفض واتصل بضابط من جهاز مباحث أمن الدولة فأخذ الضابط يرجوني أن أذهب من دون المنشور، ولما رفضت الخروج من قسم الشرطة، اتصلوا بنائب رئيس الجامعة الدكتور محمود درويش، فأتى إلى قسم الشرطة لكي يقنعني بأن أنصرف من دون المنشور، كل ذلك وأنا مصمم على رأيي!! ولم أتنازل حتى أخذت معي المنشور أخيرًا وذهبت مع الدكتور محمود درويش في سيارته إلى الجامعة ومعي المنشور، لتهدئة زملائي في اتحاد الطلاب والجماعة الإسلامية الذين كانوا قد انطلقوا في مظاهرات عارمة داخل الجامعة احتجاجًا على القبض عليّ!!.
كانت حياتنا عادية ومستقرة حتى ونحن نقيم الدنيا ولا نقعدها مظاهرات وإضرابات واحتجاجات... ولا أتذكر أنني كنت هدفا للتضييق أو المنع من قبل الدولة إلا مرة واحدة؛ وهي بعد تخرجي... فحين حصلت على شهادة البكالوريوس من كلية الطب عام 1977 كان ترتيبي العشرين بين خريجي دفعتي بتقدير(جيد جدا مع مرتبة الشرف)... فصدر قرار بتعييني في الجامعة، وكنت كلما أعلنت إحدى كليات الطب عن تعيين معيدين أتقدم لها فإذا بها تلغي قرار التعيين فيها... فلا تقبلني ولا تقبل غيري من الطلاب... وظللت على هذا الحال فترة حتى قابلني أحد الزملاء بعد ذلك في إحدى طرقات كلية طب قصر العيني وكان ثائرًا جدًا ويصرخ في وجهي يتهمني بأنني تسببت في ضياع مستقبله!!... تمالكت نفسي وهدّأته ثم سألته عن سبب هذا الاتهام ، فأخبرني بأنه علم من قريب له مسؤول في الدولة أنهم يلغون الوظائف التي تعلن عنها الكليات بسبب تقدمي أنا لها... ومن ثم فلن يجد فرصة للتعيين هو وآخرون بسببي!... وأمام هذا لم أجد سوى الاعتذار له ووعده أنني لن أتقدم لأي وظيفة من التي تعلن عنها الكليات مرة أخرى... وقد علمت أن السبب في ذلك موقفي من الرئيس السادات الذي قرر عقابي بمنعي من التعيين في أي جامعة من جامعات مصر... وهو عقاب أقل بكثير مما يستطيعه رئيس جمهورية تعرض لما تعرض له السادات.
المصدر :نافذة مصر