رسالتي إلى الأخوات (16) د / محمد حبيب

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

بقلم / د. محمد حبيب

صانعات التاريخ

الأخوات الفضليات...

تحية من عند الله مباركة طيبة.. فالسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.. وبعد؛

فهذه الرسالة أردت أن أبعث بها لكُنَّ خاصة، بالرغم من أن الرسائل التي سبقت لم أكن أقصد بها الإخوة-رجالاً وفتيانًا- فقط، وإنما قصدت بها الأخوات أيضًا، وإذا كنت أخص أخواتنا بهذه الرسالة؛ فذلك نابع من الدور العظيم الذى يقمن به، والمكانة والمنزلة العالية التي يتبوأنها في قلوبنا.


وإذا كان القرآن يوجِّه خطابه دائمًا للذين آمنوا؛ فإنما يقصد بها الرجال والنساء معًا، وليس الرجال وحدهم، ويأتي التخصيص للنساء في بعض الآيات؛ لكي يزيل تلك النظرة التي كانت موجودة لدى العرب في الجاهلية قبل الإسلام، والتي ربما تكون موجودة أيضًا في أيامنا هذه في بعض البيئات تبعًا لبعض الأعراف البالية والتقاليد المهترئة التي ليس لها علاقة بالإسلام.


عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله لا أسمعُ اللهَ ذَكَرَ النساء فى الهجرة بشيء، فأنزل الله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ (آل عمران: من الآية 195)، ويكفي قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "النساء شقائق الرجال".


هؤلاء الفضليات يصنعن الحياة والأمم والدول والمجتمعات، هن الأعمدة التي يشيد عليها البنيان، بل البنيان نفسه بكل مفرداته وتكويناته، هن ينشرن الرحمة والسكينة والطمأنينة والمودة والسلام، ويصغن العقل والقلب والوجدان.. وصدق حافظ إبراهيم إذ يقول:

                 الأم مدرسة إذا أعددتها    أعددت شعبًا طيب الأعراق

كنت حينما أعود من سفرى إلى أهلي وأولادي؛ يستقبلني البنات بالفرح الغامر، والسعادة تشع من وجوههن والكلمات التي تمتلئ حنانًا ورقةً وعذوبةً تتدفق على ألسنتهن، هذه تقفز فتتعلق برقبتي، وتلك تشدني من يدي، وهذه تجذبني من سترتي، وتلك تريد أن تحمل عني حقائبي، وتسمع عبارات الترحيب تشنف أذنيك: حمدًا لله على السلامة يا أبي.. أوحشتنا يا أبي.. كيف صحتك؟ وكيف قضيت أيامك؟ وهل وفقت في مسعاك وتكللت سفرتك بالنجاح؟ أسئلة لا تكاد تتوقف أو تنتهي.


أما البنون، فيقفون على مقربة مني يرقبون ما يحدث، ينظرون إلى الحقائب التي أحضرتها معي.. ثم يقولون: ماذا أحضرت لنا معك من الخارج؟


ذكرني هذا بكلمة سمعتها من أحد أساتذتنا: البيت الذي يخلو من البنات يخلو من الرحمة.. وهو قول صحيح على وجه الإجمال، وليس معنى هذا أنه لا توجد له استثناءات، فقد يوجد في البنين من هم أشد رحمة وعذوبة ورقة، والعكس صحيح.. ولدينا في هذا كله ذكريات حافلة بتجارب كثيرة وخبرات هائلة، ونسأل الله تعالى أن يبارك في أولادنا، بنات وبنين، وأن يسترنا وإياهم في الدنيا والآخرة.


هكذا خلق الله المرأة، وجعلها مصدرًا ومستودعًا للحنان والعاطفة والرحمة والرقة، وهكذا خلق الله الرجل وجعله أكثر استعدادًا لتحمل المشاق، والسعي وراء الرزق، والقدرة على مدافعة الآخرين، والحقيقة أن كلا الدورين مطلوب، ويكمل بعضهما الآخر، ولا يمكن أن تنهض الحياة إلا بوجودهما معًا، وحين يقصر طرف عن أداء دوره يختل التوازن المهم والضروري لاستمرار الحياة على الوجه الصحيح.


في الانتخابات التشريعية التي جرت على أرض مصر عام 2005م شاهد العالم ما صنعته الأخوات، ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن هذا الفوز الذي تحقَّق للإخوان كان وراءه- في جزء منه- هذا الدور الفذ الذي قامت به الأخوات، وإن نسينا فلا يمكن أن ننسى ذلك المشهد المؤثر والمعبر عن كل معاني الإصرار والتحدي والمقاومة، المشهد الذي ما زال عالقًا في أذهان الدنيا.. مشهد الأخوات وهن يصعدن السلالم الخشبية، ويقفزن من النوافذ الخلفية لمقار لجان التصويت، بعد أن حيل بينهن وبين الولوج إلى داخل المقار من الطريق العادي.


الأخوات العزيزات..

أعلم أن بعض الأخوات، أمهات، أو زوجات، أو بنات، لا يأخذن حظهن من الاهتمام، وبما يتلاءم مع المكانة التي أرادها الله تعالى لهن..


قد تحتاج الأخوات وقتًا نقضيه معهن، وهذا حقهن الذي لا يماري فيه أحد، أو مالاً ينفق عليهن (وعلى البيت والأولاد)، فهذا أحد أهم واجبات القوامة، أو زيارات للأهل والأقارب وذوي الأرحام، كل ذلك مطلوب وضروري، لكن أكثر ما يحتاج إليه الأخوات، بل النساء عمومًا هو الكلمة الرقيقة، المعاملة الطيبة، اللمسة الحانية، حسن الخلق، البر بكل ما يشتمل من معانٍ، وهذا ما نفهمه من متطلبات القوامة.. وليس هناك أروع ولا أفضل مما قاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "ما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.. وخيركم خيركم لأهله".


ولا شك أن معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه وبناته، بل ولنساء المسلمين تمثل نبراسًا ومنارةً يمكن أن نقتدي بها، وأن نسير على هداها.. يكفي إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لصويحبات خديجة رضي الله عنها كنوع من الوفاء العظيم والمحبة التي فاقت كل الحدود، لها ولذكراها، ولا ننسى أنه صلى الله عليه وسلم أثنى على السيدة خديجة ما لم يثنِ على غيرها، فتقول السيدة عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت؛ حتى يذكر خديجة فيحسن الثناء عليها، فذكرها يومًا من الأيام فأخذتني الغيرة، فقلت: هل كانت إلا عجوزًا قد أبدلك الله خيرًا منها)... فغضب ثم قال: "لا والله ما أبدلني الله خيرًا منها، آمنتْ بي إذْ كفرَ الناس، وصدَّقتني إذ كذّبَني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني منها الله الولد دون غيرها من النساء"... قالت عائشة: (فقلتْ في نفسي: لا أذكرها بعدها بسبّةٍ أبدًا).


من الأخوات- وهن بفضل الله تعالى كثر- من رزقهن المولى علمًا نافعًا وفقهًا عميقًا وحكمةً بالغةً وفهمًا دقيقًا لهذه الدعوة المباركة.. ومنهن من فاقت الرجال صلابةً وعزمًا وهمةً وإرادةً وتصميمًا.. ومن الأخوات من يستطعن القيام بمهام جليلة وعظيمة لا يستطيعها الرجال، ولا يقدر عليها سوى أولي العزم منهم.


وقد ذكر التاريخ أمثلة ونماذج فذة من النساء كان لهن أكبر الأثر في صناعة التاريخ ذاته، أو تغيير مساره، أو توجيهه أو تحويل بوصلته فهناك ملكة سبأ، وامرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة وعائشة وأم سلمة وبقية أمهات المؤمنين، وفاطمة ونسيبة بنت كعب الأنصارية (أم عمارة) رضي الله عنهن وغيرهن كثير..


الأخوات العزيزات..

قبل أن تقرِّر الزوجة الخروج إلى الدعوة يجب أن تفكر كثيرًا في الأولاد والزوج والبيت، وما يحتاجه كل طرف من هذه الأطراف من متطلبات؛ خاصة تلك المتطلبات الأساسية والضرورية.. فالقيام على شئون الأولاد وإرشادهم وتوجيه سلوكياتهم بما يتفق وتعاليم الإسلام ومتابعتهم، ومع من يلتقون أو يصادقون؛ من الأهمية بمكان.. كما أن الاهتمام باحتياجات الزوج من مأكل ومشرب وملبس، فضلاً عن حاجاته الفطرية؛ كلها أمور لا ينبغى التراخي فيها، كذلك فإن إعداد البيت وتهيئته من حيث النظافة والنظام، والترتيب؛ كي يضفي جوًّا من الراحة على كل أفراد الأسرة أمر له إيجابياته الكبيرة.


ولا يجب أن يتصور الزوج أنه بمعزل عن هذا كله.. إذ عليه أن يتحمل نصيبًا كبيرًا من هذه الواجبات؛ خاصة فيما يتعلق بالأولاد، كما يمكن أن يشارك في إعداد الطعام ونظافة وترتيب البيت، فضلاً عن القيام ببعض شئونه بنفسه، وليس هناك أعظم من الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي كان في خدمة أهله، بل كان يخصف نعله، ويرفل ثوبه.. لا بد كذلك أن يشارك الأولاد أمهم في كثير من المهام المذكورة، فهذا أدعى إلى تربيتهم على تحمل المسئولية، وتنمية روح التعاون لديهم؛ فهذا وذاك يفيدهم كثيرًا في مواجهة أعباء الحياة في مستقبل الأيام، وهذا باب فيه تفصيل كثير... نحن نريد بيتًا مسلمًا متكاملاً، متميزًا، مستقرًّا، تظلله السعادة وتتخلله المودة وتغشاه السكينة، نريد أولادًا أصحاء، عقلاء، أسوياء.


أتصور أنه من حق الأخت والأولاد على الزوج أن يفرد لهم يومًا في الأسبوع، يتفرغ فيه تمامًا للمكث معهم، وحبذا لو رُصِدَ لهذا اليوم برنامج يستوفي كل الاحتياجات النفسية والعقلية والعاطفية لكل أفراده.. إن ذلك بلا شك سوف يعين على حل كثير من المشكلات، فضلاً عن اقتراب وامتزاج كل الأفراد مع بعضهم، إضافة إلى تجديد الحيوية والنشاط.


نريد ذرية صالحة قادرة على خدمة عقيدتها وأمتها.. إن البيت المسلم مؤسسة يجب أن يتعاون فيها الكل لتحقيق سعادتها وتقدمها واستقرارها، وإذا كانت قيادة المؤسسة في يد الرجل؛ فليس معنى هذا أن يطغى أو يتجبر، وإنما يجب أن تكون الشورى هي النهج الذي يجب أن يسود، وعلى المرأة ألا تتنازل عن حقها في إبداء رأيها في كل المواقف، وألا تبخل بنصيحة على زوجها، فكم من رأي سديد ونصيحة حكيمة أنقذت أمة.


ومن نافلة القول، أن أذكر بأن ما أوردته هنا هو من قبيل القواعد العامة، وأن لكل بيت ظروفه ومشكلاته وتحدياته، وبالتالي يجب- ونحن ننظر إلى هذا البيت أو ذاك- أن نراعى خصوصيته، وأن ما يجوز في حق بيت قد لا يجوز في حق بيت آخر.. إن التفاصيل كثيرة ومتنوعة، وتختلف من بيت إلى بيت ومن وقت إلى آخر وهكذا.


الأخوات الفضليات..

أوصيكن، وأوصي الأزواج والأولاد: البيت.. البيت.. البيت.. نحن نتعرض في هذه الآونة لتحديات شرسة وضارية، تستهدف هدم البيت المسلم وتخريبه، وتدميره، وبذا يهدم المجتمع كله وينهار من أساسه.. ولا يخفى عليكم جميعًا أن هناك مؤسسات ومنظمات داخلية وإقليمية ودولية تتآمر على بيوتنا؛ لتشويه هويتنا وأصولنا وثقافتنا وقيمنا وفكرنا.. وما لم نأخذ للأمر عدته وننتبه قبل فوات الأوان؛ فسوف تحدث الكارثة.. إن حصون الإسلام مهددة، والبيت المسلم أحد أهم الحصون.. إن المعركة مع البيت المسلم هي آخر المعارك التي يخوضها خصوم الإسلام، وآن لنا أن نتشبث بحصوننا وقواعدنا وألا نتراخى في بذل كل ما نستطيع من جهد وطاقة ووقت، وبكل الوسائل في سبيل إنقاذها وتثبيت قواعدها والمحافظة على بنيانها.. هذه هي المعركة الأخيرة ونحن إذ نخوضها نخوض معركة الحياة والوجود.. فإما أن نكون أو لا نكون..


أسأل اللهَ تعالى أن يربط على قلوبكن، ويشرح صدوركن، ويثبت على طريق الحق أقدامكن، وأن يستركن بستره الجميل، وأن يجعل جزاءكن الفردوس الأعلى من الجنة.. اللهم آمين... والله من وراءالقصد


المصدر : نافذة مصر