خليل العناني يكتب: "التنوير" فـى زمن العسكر

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خليل العناني يكتب: "التنوير" فـى زمن العسكر


(4/6/2015)

خليل العناني

لم أتمالك نفسي من الضحك حين قرأت عنواناً لأحد الصحف اليومية تصف فيه شخص "بهلوان" يتلاعب بالنصوص الدينية ويخوض فى التاريخ بوقاحة يُحسد عليها، بالتنويري. وهي نفس الصحيفة التي تدعي أنها حارسة الحريات والتنوير في حينها أنها أحد المدافعين عن انقلاب 3 يوليو وقتل المئات واعتقال الآلاف في حين أن رئيس تحريرها كان عضواً بالحزب الوطني المنحل.

أما عن صاحبنا "التنويري" فقد كنت أتابع بعضاً من "شطحاته" حين كان يكتب فى بعض الصحف الصفراء أواخر عهد مبارك وكنت أتعجب من جرأة جهله ومن إعطاءه صفحات كاملة على هذه الجرائد من أجل نشر تفاهاته وشطحاته.

وبعد الانقلاب أصبح "التنويري" أحد الدعاة الجدد الذين يملأون الفضائيات لغوا وعبثاً. ولكن الرجل لا يتحدث من فراغ هو أحد التابعين المخلصين للجنرال عبد الفتاح السيسي الذي دعا قبل ثلاثة شهور للقيام بـ"ثورة" دينية من أجل تصحيح الخطاب الديني وتنقية التراث.

ولم يتوان صاحبنا "التنويري" عن تلبية دعوة الجنرال فبدأ هجومه على التراث بـ"غشومية" واضحة واستفزاز ما أثار حفيظة الأزهر والسلفيين رغم أنهم جميعاً حلفاء للجنرال.

وقد وصل الأمر إلى قيام "التنويري" بعمل مظاهرة مع من قيل أنه ممثل "الأزهر".

فقد رأينا عرضا "بهلوانيا" بامتياز من طرفين يدعيان المعرفة والقدرة على التحاور، في حين أن كليهما غارق حتي أذنيه فى إملاء وجهة نظره على الأخرين.

لست متفاجئأ مما يحدث الآن فى مصر. فقد وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها جنرال عسكري ووزير داخليته من "الرُسل" كما وصفهم أستاذ للحديث بجامعة الأزهر، أو أنهما رجلين اصطفاهما الله لتطهير مصر من "الأوباش" حسبما وصفهم شيخ موتور ومفتي سابق للديار المصرية.

أو أن يعلن قس مسيحي أنه يذوب عشقاً فى "جمال السيسي" ويعذر نساء مصر المغرمات به، قبل أن يلحقه زميل أخر ويعلن أن السيسي هو "مرسلٌ من السماء لإنقاذ الأرض".

التنوير فى زمن العسكر هو أن يتحدث الجنرال "التنويري" بلغة ناعمة للصحافة الأجنبية عن حرية الاعتقاد الديني والحق فى الإلحاد وأن "يفتي" بأن الجنة ليست حكراً على أحد، في الوقت الذي يقتل ويقصف رقبة كل من يخالفه فى المعتقد السياسي.

وهو التنوير الذي يسمح فقط لـ"دين الدولة" ورجال "دين النظام" بحرية الحركة والنشاط، وأن يحاصر ويعتقل كل من يخالفهم الفهم الديني.

التنوير فى زمن العسكر هو أن يحاجج صاحبنا "التنويري" بعد الهجوم عليه بأن قدوته فى "التنوير" هو الجنرال السيسي وأنه لو أراد أحد محاكمته فليحاكموا الجنرال معه.

أو أن يخرج مقدم برامج تلفزيونية كي يعلن نسخته من "التدّين الجميل" المصحوب بالخمور والخلاعة.

هذا فى الوقت الذي تمارس فيه السلطة كل أشكال التضييق علي حرية العبادة. وهو التنوير الذي تقوم فيه الأذرع الإعلامية التابعة للجنرال باستضافة "الشاب التنويري" ورعايته وتقديمه على أنه "شهيد الحرية"، فى الوقت الذي تحرّض فيها صراحة على قتل وإقصاء كل من يطالب بالحرية الحقيقية.

التنوير فى زمن العسكر هو أن تُحذف صفحات قليلة عن "صلاح الدين الأيوبي" و"عقبة بن نافع" من المناهج التعليمية، وأن توضع صور متمردين مرتزقة أمثال محمود بدر ومحمد عبد العزيز وحسن شاهين على أغلفة الكتب المدرسية.

أو أن يطالب البعض بأن يتم تدريس قصة حياة المناضل "عكاشة" ضمن فصول التاريخ المصري.

التنوير فى زمن العسكر هو أن يتملق شيوخ "سلفيون" الجنرال ويحرضونه على اعتقال منافسيهم، في الوقت الذي لا يتحرك لهم جفن بسبب الهجوم المتكرر على "التراث" الذي يقدسونه ويعتبرونه خطاً أحمر.

وهو التنوير الذي جعل ياسر برهامي، شيخ "السلفية السياسية"، يدافع عن الجنرال السيسي ويبرر جرائمه فى رابعة والنهضة مقابل السماح له ولجماعته بالعمل السياسي والدعوي.

لست متفاجئاً بهذا "التنوير" المزّيف، فكل شئ فى الوطن بات مزيفا من أول السلطة ومن فيها وحتي الكلمة التي ينطق بها "التنويريون" الأشاوس.

المصدر