تحريك منظمة التحرير

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

تحريك منظمة التحرير.. د/ إبراهيم حمّامي

د.إبراهيم حمامي


لا يوجد خلاف بين الفصائل الفلسطينية المختلفة أو بين أبناء الشعب الفلسطيني على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي المظلة الكبيرة والبيت الجامع لكل الفلسطينيين، أو هكذا كانت على الأقل، لكن في الوقت نفسه لايخفى على أحد أن المنظمة بشكلها وتكوينها وشخوصها الحاليين لا تمثل الشعب الفلسطيني بأي شكل من الاشكال، في ظل ميثاق مخترق، ولجنة تنفيذية فاقدة للنصاب، ومجلس وطني متضخم ومنتهي الصلاحية والولاية، واتفاقات فرضت على الشعب دون الأخذ برأيه، وفي ظل هيمنة وتفرد من قبل حركة فتح وبعض الفصائل التي لم تستطع تخطي نسبة الحسم في الانتخابات التشريعية الأخيرة، وبوجود شخصيات يجمع الكثيرون على رفضها لتبنيها مبادرات تسقط حقوق الشعب الفلسطيني.


تغير الخارطة السياسية

لسنا هنا بصدد تناول أداء منظمة التحرير الفلسطينية، ولا حجم التفريط الذي تم باسم مؤسساتها التشريعية والقانونية، ولا تمرير الاتفاقات وإلغاء بنود الميثاق وغيره، لكننا سنقبل أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع والتكوين السياسي للحركة الفلسطينية، وهي التي شكلت نوعاً من الوطن المعنوي لأبناء فلسطين أينما وجدوا، وهي التي تبناها الشعب الفلسطيني وحماها ودافع عنها بالدماء والتضحيات، ومنظمة التحرير الفلسطينية هي التي وافق الجميع دون استثناء على تفعيلها واعتبارها الإطار الجامع الشامل لكل أطياف الشعب الفلسطيني وهو ما تم التأكيد عليه في إعلان القاهرة الصادر عن الجولة الثالثة من الحوار الفلسطيني الفلسطيني في شهر مارس/آذار من العام 2005 ، لكن منظمة التحرير الفلسطينية التي يلتف حولها الجميع هي التي تتمسك بالحقوق والثوابت والمباديء، فالتنازل عن هذه الحقوق والثوابت هو ضرب وطعن في شرعية هذه المنظمة وتمثيلها للشعب الفلسطيني، وهذه الحقيقة يجب أن تكون حاضرة دائماً عند أي حديث عن منظمة التحرير.

شهدت الساحة السياسية الفلسطينية أحداث كثيرة وكبيرة، غيرت توزيع القوى وخلطت الأوراق، ووضعت قضية تمثيل الشعب الفلسطيني على الطاولة، ولعل أهم هذه المتغيرات ما يلي:

·ابتعاد منظمة التحرير الفلسطينية عن المباديء الأساسية التي انطلقت من أجلها، وهبوط سقفها السياسي بشكل غير مسبوق، ومحاولة فرض المنظمة اليوم كمدخل للإعتراف بالإحتلال وكيانه من خلال الاعتراف بكل الاتفاقات التي وقعتها المنظمة مع الاحتلال، والتي لم يلتزم بها الاحتلال وخرقها ورفضها وتجاوزها.

·رحيل ياسر عرفات الذي تحكم بالقرار الفلسطيني بشكل فردي مطلق، واستلام محمود عبّاس لقيادتها، وجهوده الحثيثة لاحلال السلطة الفلسطينية مكانها من خلال سلسة اجراءات بدأت بوزارة الشؤون الخارجية وتحجيم صلاحيات الدائرة السياسية لمنظمة التحرير، وكذلك محاولة إغلاق الصندوق القومي الفلسطيني في تونس نهاية عام 2005 وحصر الأموال في يد رئاسة السلطة، وكذلك دائرة شؤون اللاجئين من خلال دعوات التجنيس والتوطين والالتفاف على حق العودة، أما باقي المؤسسات فكان نصيبها كنصيب الدائرة السياسية

·انتهاء صلاحية المؤسسات الرئيسية للمنظمة – اللجنة التنفيذية، المجلس الوطني والمجلس المركزي، حيث عقدت آخر جلسة للمجلس الوطني في شهر أبريل/نيسان من العام 1996 لتعديل والغاء بنود الميثاق الوطني، وهي الجلسة التي يعتبرها الكثيرون باطلة، وينص النظام الأساسي للمنظمة على انعقاد المجلس الوطني دورياً كل عام ولفترة انتخابية مدتها 3 سنوات إلا أن هذا النظام تم إهماله وجُدّد له من قبل عرفات أكثر من مرة، وازداد عدد أعضاؤه ليصل لما يقرب من 800 عضو معين لا منتخب، دون فائدة تذكر.

·غياب أي مرجعية حقيقية، حيث الغيت 12 مادة من الميثاق الوطني الفلسطيني وعدلت 16 مادة أخرى، ليتبقى فقط 5 مواد تنظيمية ادارية من أصل 33 مادة

.ظهور قوى سياسية جديدة حصلت على شرعيتها النضالية والوطنية من خلال عملها الميداني، ومن ثم شرعيتها القانونية من خلال انتخابات التشريعي للعام 2006 ، وهو ما وضع منظمة التحرير ومؤسساتها غير المنتخبة في مأزق حقيقي في مواجهة تلك القوى غير المنضوية تحت لوائها، لكنها في ذات الوقت منتخبة وممثلة لجزء من الشعب الفلسطيني يعيش في الضفة الغربية و قطاع غزة ، وهو ما تفتقده منظمة التحرير الفلسطينية في ظل غياب أي مظهر ديمقراطي من أي نوع

·اندثار قوى كانت في الأصل توابع لفتح الفصيل الأكبر في المنظمة، لكنها وبرغم اندثارها إلا من موقع الكتروني أو صحيفة أو ناطق اعلامي، ما زالت تتمثل في اللجنة التنفيذية للمنظمة وبأكثر من عضو في بعض الأحيان

·ضعف قوى اليسار الفلسطيني وعجزها عن احداث تغيير حقيقي داخل مؤسسات المنظمة، وتحولها في بعض الأحيان إلى مظلة أمان لاستصدار القرارات التي تمررها رئاسة السلطة

· تحولات سكانية كبيرة، أوجدت تجمعات جديدة غير معروفة سابقاً، وغير ممثلة في منظمة التحرير، ولها دور وقوي وأساسي في القضية الفلسطينية ، ونعني هنا التجمعات الفلسطينية في اوروبا والأمريكيتين واستراليا وغيرها

·تشريحة كبيرة من الشعب الفلسطيني لا ترى أن المنظمة بشكلها الحالي تمثلهم أو تملك التحدث باسمهم، وهو ما عبر عنه مثقفون وعسكريون وأكاديميون وطلاب وفئات أخرى من الشعب الفلسطيني في بيان أصدروه بهذا الشأن قبل سنوات


الدعوة لعقد المجلس الوطني في رام الله

المجلس الوطني في رام الله

ان الربط بين الطريقة التي عُقد فيها مؤتمر بيت لحم، والدعوة الأخيرة لعقد المجلس الوطني في رام الله هو أمر حتمي، لتشابه الأسلوب والظروف والطريقة، خاصة مبدأ "بمن حضر" وفي ظل الاحتلال وتحت حرابه، وهو سابقة تاريخية لم تحدث مطلقاُ، أن يعقد شعب مؤتمراته "التحريرية" بإذن وتسهيل وحماية المحتل، وكذلك اقصاء المعارضين لسياسات قيادة السلطة عبر منعهم بشكل أو بآخر من الحضور، وعدم مناقشة أي أمر سياسي مهما كان،


بهذه الطريقة والأسلوب في الدعوة وتوقيتها، يتحقق المراد فيما سبق وهو ما أوضحه د. أنيس القاسم وهو من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية ورئيس لجنة الميثاق والأنظمة ورئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني الفلسطيني سابقا، في فتوى قانونية طويلة من 20 نقطة، يقول فيها بعد تلقيه الدعوة لحضور الاجتماع المزمع بقوله: "أما ما يتعلق بالموعد وهو 26 من هذا الشهر، أي بعد أيام قليلة من استلام الدعوة، فإنه لا يخفى أن الفترة بين استلام الدعوة وموعد الإجتماع غير كافية، وغير معقولة للأعضاء القادمين من الخارج، من اوروبا واميركا وكندا واستراليا مثلا، لترتيب امورهم ووسائل سفرهم والتأشيرات التي قد يكونون في حاجة إليها، وإرسال صور من جوازات سفرهم وصورهم بالبريد إلى عمان، كما طلبت الدعوة، ثم استكمال اجراءات الدخول إلى الضفة مع السلطات الإسرائيلية، والحصول على النتيجة وابلاغها إلى صاحب الشأن قبل أن يغادر البلد المقيم فيها، ثم الحجز على الطائرات والوصول، إذ لا يجوز اطلاقا تكليفه بدفع ثمن التذاكر واجراء الحجز قبل التأكد من أنه يستطيع الدخول.


وواضح أن الوقت لا يسمح بإجراء هذا كله في هذه الفترة القصيرة. إنها عملية تعجيز، لم تراعها الدعوة اطلاقا، وستكون نتيجتها إحجام من يريد الحضور عن الحضور. هذا تعسف في تحديد الموعد غير مقبول لا قانونا ولا عملا، ويتنافى مع منهج النظام الأساسي في تحديد المواعيد لاجتماعات المجلس الوطني. ففيما يتعلق بموضوع ملء الشواغر، كل ما اشترطته الفقرة (ب) من المادة 14 هو دعوة المجلس للإنعقاد خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما من واقعة الشغور إذا كانت الحالات الشاغرة تساوي ثلث اعضاء اللجنة التنفيذية أو أكثر، وهي الحالة التي نحن بصددها. فإذا كان مجرد توجيه الدعوة قد روعي فيها مدة زمنية كافية ومعقولة لتوجيهها، وهي ثلاثون يوما، فمن باب أولى أن تكون الفترة الزمنية بين توجيه الدعوة وعقد الإجتماع ثلاثون يوما على الأقل لتأمين حضور أكبر عدد ممكن من الأعضاء لتوفير النصاب القانوني للإجتماع، بحيث يتحقق الهدف منه. في حين أنه كلما قصرت المدة ازداد احتمال نقص عدد الأعضاء الذين يستطيعون الحضور، وبالتالي ازداد احتمال عدم توفر النصاب ويصبح الإجتماع باطلا. ومن واجب رئيس المجلس ومسئوليته أن يراعي هذه الأمور بأن يهيء الفرصة المناسبة من حيث الزمن وموعد الإنعقاد بحيث يتم الإجتماع وينعقد انعقادا صحيحا ويحقق اهدافه باتاحة الفرصة لأكبر عدد من الأعضاء للحضور، وإلا فإنه يكون مقصرا في أداء ما أؤتمن عليه من تحديد مواعيد الإجتماعات.


من الواضح أن النتيجة الحتمية لتحديد الموعد على هذا الوجه ستكون أن الذين يستطيعون الحضور، اذا رغبوا في ذلك، هم فقط الأعضاء المقيمون في الضفة، لأن هذا الموعد لم يأخذ في الحسبان أعضاء المجلس من الشتات الفلسطيني أو قطاع غزة الذين يحتاجون لإجراءات معقدة لمغادرة القطاع، إذا استطاعوا. ومن المحتمل جدا نتيجة لهذا أن يحرم الكثيرون من أعضاء الشتات، وهم أغلبية أعضاء المجلس الوطني، وأعضاء المجلس التشريعي المقيمين في القطاع من المشاركة في الإجتماع، لا لسبب سوى قصر المدة بين الدعوة وموعد الإجتماع الذي يجب دائما أن يُراعَى فيها، كما قلنا، الحرص على تمكين أكبر عدد ممكن من الأعضاء من الحضور.


إننا نرجو ألا يكون الهدف حرمان أعضاء الشتات والقطاع من المشاركة أو عدم الإكتراث لمشاركتهم، وحصر الأمر كله في أيدي أعضاء المجلس من أبناء الضفة والقادرين على الوصول في هذه الفترة الزمنية القصيرة جدا. ولكن عندما يقترن هذا باعتماد الفقرة (ج) من المادة 14 مرجعية وحيدة للإجتماع، فإنه يُغتفر لمن تساوره الشكوك في أن الدعوة كلها قد رتبت للوصول إلى النتيجة المحددة في تلك الفقرة، وهي نتيجة غير مطمئنة، فضلا عن كونها مطعونا فيها ومطعونا في جدية الدعوة للإجتماع".

نحو تمثيل حقيقي وشرعي

محاولات انهاء والغاء دور منظمة التحرير واحلال السلطة مكانها بات وبعد سنوات في حكم المنتهي، وكانت نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة بمثابة إعادة الروح لجسد المنظمة الميت، وفجأة تذكرها من حاول أن ينسيها، لتعود محاولات الهيمنة والتحكم بما تبقى منها لتمرير البرامج التي رفضها الشعب الفلسطيني في الداخل، ويرفضها الشعب الفلسطيني في الخارج، وما الدعوة الأخيرة لترقيع اللجنة التنفيذية إلا محاولة أخرى في هذا الاتجاه، ومن خلال تحريك المنظمة لكن في اتجاه المزيد من التنازلات، وبدعوى الاصلاح.

أما إصلاح المنظمة فلا يمكن أن يمر هكذا دون المرور على موضوع الميثاق و البنود الملغاة والمجلس الوطني وعدد أعضائه في الداخل و الخارج و التنفيذية وباقي المؤسسات وعدد أعضاءها و الرواتب و المزايا المالية، والسياسات، وغيرها من الأمور الحساسة والمصيرية.

إن وحدانية وشرعية تمثيل الشعب الفلسطيني تنطلق من التمسك بالثوابت والحقوق الوطنية الفلسطينية وعلى رأسها حق العودة إلى الأماكن والممتلكات الأصلية وليس من خلال حلول تلفيقية، ومن اختيار الشعب الفلسطيني الحر والنزيه في كافة أماكن تواجده عن طريق اجراء انتخابات شفافة ونزيهة، ومن خلال إصلاح وتفعيل حقيقي للمؤسسات يكون أولاً بإزالة التداخل بين مؤسسات السلطة والمنظمة، وباستيعاب كافة القوى الفلسطينية بتطبيق ما تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة عام 2005 ، وبميثاق وطني يعيد الإعتبار للمباديء التي قامت عليها منظمة التحرير.

دون ذلك لا يمكن لفصيل أو مؤسسة أو حركة أو منظمة أن تدعي تمثيل الشعب الفلسطيني، ولن تجدي جلسة المجلس الوطني الأخيرة في رام الله نفعاً في منح شرعية مفقودة، بل ستزيد من الشرخ والانقسام الحاليين، خاصة إذا كان المطلوب فقط تحريك منظمة التحرير للتوقيع والتمرير.

بقي أن نؤكد أن الذي منح الشرعية للمنظمة هو الشعب الفلسطيني، وهو ذات الشعب الذي يستطيع سحب هذه الشرعية أو البحث عن مرجعية جديدة تحافظ على التاريخ والنضال والتضحيات والثوابت.


ما أن استكملت قيادة السلطة في رام الله احكام قبضتها على حركة فتح بعد المؤتمر الذي عُقد في بيت لحم وأفرز لجنة مركزية ومجلس ثوري منسجمين مع رؤية محمود عبّاس، رغم الخلافات التي شابت تلك الافرازات من ناحية التشكيك والطعن في نزاهتها، إلا وبدأ فصل جديد لاحكام السيطرة على باقي مفاصل القرار الفلسطيني، هذه المرة الهدف منظمة التحرير الفلسطينية، وهذه المرة كان التحرك بسرعة خاطفة، وبتحديد زمني سريع، حيث أعلن محمود عبّاس بواسطة رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون عن عقد دورة "غير عادية" للمجلس الوطني في السادس والعشرين والسابع والعشرين من شهر آب/أغسطس وتحت الفقرة "ج" من المادة 14 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، لملأ الفراغ الناجم عن وفاة سمير غوشة العضو المتوفى السادس في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مما يفقدها النصاب المطلوب وبالتالي يفقدها شرعيتها، التي باتت محل شك وتشكيك منذ مدة ليست بالقصيرة.



المصدر : نافذة مصر