المصالحة الفلسطينية تحتضر !!
بقلم : محمد السودي
يبدو أن معضلة المصالحة الفلسطينية ما زالت حبيسة الأادراج لم يتم الإفراج عنها بعد ، بإنتظار تسوية ملفات دولية معقّدة على حساب الجرح الفلسطيني النازف منذ النكبة الكبرى .
هنالك الكثير من المؤشرات السلبية تؤكد استمرار الخلاف الفلسطيني المصطنع على حاله العام المقبل ، وما المشاحنا ت و التجاذبات الفصائلية المتكررة سوى عنوان كبير مغلف بالتصنيفات المنهجية ، تترجم على شكل أزمات فرعية طارئة اضحت ماثلة للعيان ، و هي أن أطراف متصارعة على السلطة ماضية في غيها حتى نهاية المطاف بأي ثمن كان بغض النظر عن النتائج التي ستكون حتماً كارثية على الجميع ، في حين أن السلطة ما زالت واقعة تحت الإحتلال بكل المقاييس ،
و مع ذلك فإن هذه الأطراف لاتملك من امرها إلا خلق الذرائع والمبررات التي تعرقل الوصول إلى مصالحة كلما اقتربت الأمور من خواتمها نحو إستعادة الوحدة الوطنية ووضع حد لكافة القضايا العالقة خاصة ما يتعلق باالأعتقالات على خلفية سياسية ليست أمنية أو جنائية و الخلط الحاصل بين الأمرين في قطاع غزة و الضفة الفلسطينية على حد سواء ، كما أن لغة المنطق تقول أن الإتفاق سيزيل كافة العوامل الناجمة عن نتائج الإنقسام المدمر للمشروع الوطني الفلسطيني التحرري .
إن إعلان حركة حماس عن الغاء الأجتماع الذي كان مقرراً مع حركة فتح قبل نهاية العام الجاري المكمل للجولات السابقة إذ لم يتبقى من محاورها الخلافية سوى الموضوع الأمني ، حيث اشاعت انذاك مناخ من التفاؤل عن قرب طي صفحة الإنقسام جاءت مخيبة للآمال تترافق مع تلك الحملات الإعلامية المجنونة على مدار الساعة عبر وسائل الإعلام المرئية و المقروءة و المسموعة المنفلتة بلا حدود ، و تبعث رسائل احباط مضافه إلى شعبنا الذي يدفع ضريبة الإنقسام و الإنفصال من جهة ، و عدوان الإحتلال المستمر على قطاع غزة و إجراءاته الوحشية و مصادرة أراضيه و ممتلكاته ، و تحويل الأراضي الفلسطينية إلى كانتونات معزولة شبيهه بنظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا سابقا و كذلك تهويد مدينة القدس والمسا س با المقدسات و قوانين التمييز العنصري من جهة أخرى . . .
إذا كانت الحكمة تقتضي توحيد الجهود و رص الصفوف أمام التحديات الخطيرة التي تعصف بمصير القضية الفلسطينية ليس من قبل حكومة الإحتلال و من يساندها و حسب ، بل تعدى ذلك إلى الإختلال في طبيعة التحالفات الدولية و العربية و القوى التقليدية الداعمة للقضية الفلسطينية التي تجعل الظهر الفلسطيني بكل مكوناته مكشوف على الجهات الأربع و تركه وحيداً عرضةً للضغوط و الإبتزاز الامريكي الإسرائيلي ، فما الذي يجعل هؤلاء اللذين يفترض بهم أن يكونو حكماء في مثل هذه الظروف متمسكين بمشاريعهم الخاصة ؟ مع أن الوقت لا يعمل لصالحهم و بالتالي فإن المصلحة الجمعية تحتّم الخلاص من الإحتلال الغاشم للأرض الفلسطينية اولاً ، و بعد ذلك لكل حادث حديث !
إذن هي الحسابات الضيقة الأفق التي تؤدي إلى الهاوية و فق قياسات العقل و ما تؤكده الحقائق على ارض الواقع و كشفت عنه الوثائق التي نشرها موقع , ويكيليكس , مؤخراً حيث أكدت المراسلات بين الإدارة الامريكية و سفارتها في تل أبيب أن سلطات الإحتلال كانت راغبة بشدة ان يحصل الصدام بين اجهزة السلطة و حركة حماس اثر تنفيذ خطة شارون الإنسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة ،
و هي على علم مسبق بذلك كما هو حال الإدارة الأمريكية مما يتيح لإسرائيل فرصة ذهبية تنفيذ مخططها الإستعماري الإستيطاني على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة و الإعلان عن قطاع غزة كيان معادي تتنصل دولة الإحتلال من كافة المسؤوليات التي آقرها القانون الدولي و الشرعية الدولية للأراضي المحتلة و ما يترتب على ذلك من إلتزامات تجاه الأرض و السكان معاً .
إن استمرار الإنقسام ادى إلى تراجع القضية الفلسطينية سنــوات إلى الوراء على المستوى السياسي في المحافل الدولية إذ تعامل المجتمع الدولي مع العـدوان على قطاع غزة قبل عامين باللامبالاه و ساوى بين الجلاد و الضحية ، حتى أن التقرير الوحيد الصادر عن لجنة التحقيق الأممية برئاسة القاضي غولد ستون ، اصبح في طي النسيان و لم يتم ذكره إلا مرات قليلة للمناكفات السياسية المحلية ،
كما أن جريمة الحصار الظالم المفروض على قطاع غزة لا يزال على حاله بالرغم من بعض التسهيلات الخادعـة التي تحاول حكومة الإحتلال إيهام العالم بأنها خففت منه و لم يعد هناك ما يجب عمله من اجل رفع الحصار التام ، مع التقدير و الإحترام للمحاولات التي يقوم بها نشطاء من مختلف انحاء العالم لكسر الحصار عبر تســيير السفن و قوافل المساعدات الإنسانية ، إذ لا يمكن ان تكون بديلاً عن إنهاء الحصار الكامل و إعادة بناء ما دمره العدوان على قطاع غزة .
مما لا شك فيه ان الدعـم و التأييد الرسمي العربي للقضية الفلسطيني يكاد يكون رفع عتب أكثر منه إلتزام قومي و معنوي و سياسي و مادي تجاه قضية العرب الأولى بكونها قضية تحرر تمس مباشرة جوهر الحقوق العربية لهذا اختار العرب التقوقع خلف الحدود القطرية لكل بلد وأصبحت القضيه الفلسطينية أوراق للمساومة تستخدم لتحسين شروط هذه الدولة أو تلك وبالتالي فتحت الطريق أمام دول أقليمية غير عربيـــة لسد الفراغ ألحاصل أضحى لها التأثير الفعّال على الخريطة الدولية من خلال تبنيها الدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يواجه العدوان بصدوره العارية ، و هكذا بدلاً من أن تكون القضية الفلسطينية و استعادة الحقوق العربية عامل توحد للعرب لا خلاف عليه ، أصبح جزءاً من المشكلة ساهم بتكريس الإنقسام و تغذيته بشكل أو بآخر ، كما أدّى إلى هبوط ألفعاليا ت الشعبية العربية التي تشكل الأداة الضاغطة على الحكومات في تطوير مواقفها إزاء القضايا المصيرية للشعوب العربية و الدفاع عن مصالحها القومية .
لقد ثبت عقم العملية السياسية التي انتجها اتفاق أوسلو و بات في حكم المؤكد أن الحكومات الأحتلالية المتعاقبة لا تملك إرادة الوصول إلى تسوية سياسية تعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعه و قيام دولته الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس و ضمان حقـــوق عوده اللاجئين الفلسطينيين إلى أرضهم و ديارهـــم التى شردوا منها وفق القرار الأممـــي الصادر عن الجمعية العامة رقم 194 ، و إن حل الدولتين الذي اعلنت عنه إدارة بوش السابقة لم يعد له قيمة و بات في حكم المنتهي بعد أن فشلت الإدارة الامريكية الحالية في الزام الحكومة اليمينية المتطرفة بأسس عملية التسوية و تنكرها للحقوق الوطنية و السياسية للشعب الفلسطينية .
في حين غابت البرامج البديلة الواقعية لفصائل العمل الوطني بسبب المأزق الذي أنتجه الإنقسام من تداعيات قوضت أسس العملية الكفاحية الوطنية التحررية و أضرت بالنسيج الإجتماعي للشعب الفلسطيني و هكذا لا التسوية السياسية حققت شيئاً و لا الشعارات التي تنادي بالتحرير من البحر إلى النهر هي الأخرى حققت شيئاً ، بل على العكس من ذلك إذا ما وضعت الأمور في الميزان فإن المنتصر الوحيد في هذه المعادلة المتاهة هو الإحتلال المستفيد الوحيد من بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه ، ليس هناك فلسطيني منتصر على فلسطيني آخر الكل خاسر امام جبروت العدوان و الإنحياز الأمريكي الأعمى للإحتلال .
إن المزايا التي يمكن أن تتحقق من خلال إستعادة الوحدة الوطنية و إنهاء الإنقسام عديدة لا تحصى إذ تعيد الإعتبار للقضية الفلسطينية على المستوى الدولي بإعتبارها مفتاح السلام و الحرب في المنطقة ثم تضع حداً لكافة التدخلات بالشأن الفلسطيني الداخلي ، و ترسم استراتيجية وطنية شاملة في مواجهة مخططات الإحتلال الرامية إلى تصفية الحقوق الوطنية الفلسطينية و تتيح الفرصة إلى شراكة حقيقية بصنع القرار الوطني الفلسطيني ، و تعمل على تفعيــل و تطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية واتاحة مبدأ تكافؤ الفرص ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب ، تعيد الثقة الجماهيرية بالمشروع الوطني مما يؤدي إلى استنهاض الهمم و تثوير الطاقات و الإيمان المطلق بحتمية الإنتصار .
نعم كثيرة هي المزايا التي يمكن ان تتحقق من خلال استعادة الوحدة الوطنية باعتبارها السياج الحامي و طوق النجاة للمشروع الوطني ، و لكن هل هناك من يصغي و يستجيب لنداء العقــل و المنطق ، و يترفع عن المكاسب الفئوية الضيقة ،أم سيقى التعامي عن الحقيقة سيـد الموقف مع نهاية العام المتوكل لا يبدو الأمر كذلك !!!
على شعبنا الشجاع العظيم ان يقول كلمته ويفعل فعلته و يفرض إرادته من أجل انهاء كابوس الإنقسام لأنه صاحب المصلحة الحقيقية بإعادة القطار على سكته نحو محطة الحرية وضمان الإنتصار . . . . .
عضو المكتب السياسي لجبهة التحرير الفلسطينية
المصدر
- مقال:المصالحة الفلسطينية تحتضر !!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات