اللاجئون أولاً!
بقلم : محمد السهلي
من شأن الإسراع بتصويب الوضع الفلسطيني الداخلي أن يشكل أحد الروافع من أجل النهوض بالعمل الوطني الفلسطيني على طريق إنجاز الأهداف الوطنية وخاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين لربما كان الهتاف في مسيرة أضيق من أن يفرج عما في صدور اللاجئين الفلسطينيين الذين لم يستطع شبابهم الاكتفاء بـ«نظرة عين» إلى الأرض التي طرد منها أصحابها.. واقتربوا منها حتى وصلوها.. إلا خطوة. خطوة صغيرة واحدة، لكنها باتساع مخيلة شاب فلسطيني بمستقبل بلا لجوء. خطوة تساوي العمر.. وهو ما حصل!
تأثير ما جرى في يوم إحياء النكبة كبير جدا، أقله أنه دفع بنيامين نتنياهو لأن يضع «عقله في كفه» و«يلوب» متحركاً بين تصريح حربي وآخر، وقد استشعر أن قدم ارتكاب الجريمة يزيد من استحقاقاتها، وأنه لا مهرب من دفع هذه الاستحقاقات عاجلاً أم آجلا.
وتل أبيب لم تجد نفسها هذه المرة أمام تصريح يتناقض مع «الاتفاقات الموقعة» أو أمام حدث يمكن تسجيله في خانة الإرهاب وفق قاموس الاحتلال ومؤيديه.
ويؤكد ما جرى (مجددا) أن اللاجئين الفلسطينيين حافظوا على ذكرى النكبة دون أن يتعودوها واقعا ومستقبلا؛ ذكرى تستولد عزيمة العودة وتورثها من جيل لآخر، وهي الآن برسم الجميع وفي المقدمة الشباب الذين يضيفون إلى أحلام آبائهم وإصرارهم حزما من «طراز جديد».
ومن الطبيعي والحال هكذا أن تستقيم المعادلة في إطار الصراع مع الاحتلال من خلال وضع قضية اللاجئين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم في مقدمة الخطاب الوطني الفلسطيني، والقطع مع اتجاهات البحث عن تسويات بالمعادلات السابقة لصالح وضع إنجاز البرنامج التحرري الفلسطيني وتجسيده كعنوان أساسي في حال جرى الحديث مجددا عن آفاق تسوية سياسية للصراع.
وكان هذا مطروحا على الدوام في سياق نقد مسيرة المفاوضات التي جرت في محطات سابقة مع الاحتلال.
وأبرز جوانب النقد تتعلق بتغييب قرارات الشرعية الدولية عن أسس الحلول المطروحة، وتم التأكيد على أن تغييب هذه القرارات يصب أولا في قضية اللاجئين وحق عودتهم لجهة شطب هذا الحق وفتح أبواب التوطين والتشريد.
وعلى اعتبار أنه جرى البحث في دلالات ما حصل في فعاليات إحياء ذكرى النكبة لهذا العام فإننا نود الإشارة إلى أهمية تصويب الوضع الفلسطيني الداخلي كأحد الروافع من أجل النهوض بالعمل الوطني الفلسطيني على طريق إنجاز الأهداف الوطنية وخاصة فيما يتعلق بقضية اللاجئين الفلسطينيين وحق عودتهم إلى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها.
وقد شكل توقيع اتفاق إنهاء الانقسام الفلسطيني خطوة مهمة على هذا الصعيد ولا يمكن إخفاء أثره في مسار النهوض الشعبي الفلسطيني الذي نشهده في هذه المرحلة.
ولهذا السبب بشكل أساسي دعونا إلى الإسراع في تحديد آليات تنفيذ الاتفاق وصولاً إلى استعادة الوحدة الوطنية.
وهذا يدفعنا للحديث عن الخطوات التي تجري بين حركتي فتح و حماس بما يتصل بتشكيل الحكومة وقضايا أخرى.
في هذا المجال نود التأكيد على القضايا الآتية لإنجاح الاتفاق وتحصينه :
- إخراج البحث ببنود الاتفاق والتوافق حولها من دائرة المفاوضات الثنائية بين حركتي فتح وحماس لأن إبقاءها بهذه الصيغة، يفتح على خطر عودة التجاذبات الثنائية وربما يهدد بتفجير ألغام تعيدنا إلى المربع الأول.
ولأن هذه الصيغة تحصر التوافق المفترض بالحسابات الثنائية وتقدمها كأمر واقع أمام جلسات قادمة للحوار الشامل وهذا يتناقض مع مبدأ الشراكة السياسية بين الجميع.
- الإسراع في تشكيل حكومة فلسطينية من شخصيات وطنية مستقلة يتم التوافق عليها بين جميع القوى والفصائل والشخصيات المشاركة في الحوار الوطني.
لأن المؤشرات تدل على أن حركتي فتح و حماس ستدخلان بهذا الصدد في مفاوضات ربما تكون طويلة زمنياً حتى يتم التوافق بينهما حول المرشحين لرئاسة الحكومة وأعضائها.
وإذا كان مهماً أن يتم التوافق حول هذا الموضوع بين حركتي فتح و حماس فإن المهم أيضاً أن يتم التوافق بين الجميع على الأسماء المرشحة على اعتبار أن إدارة المرحلة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات شأن وطني من الطراز الأول ومعني به كافة الأطراف.
- ومن الضروري برأينا أن لا تمتد المدة الفاصلة عن إجراء الانتخابات حتى نهاية العام المنصوص عنه في اتفاق إنهاء الانقسام. وفي حال توافر الإرادة السياسية لدى الجميع فإن إنجاز هذه الانتخابات ممكن خلال ستة أشهر وذلك تجنباً لأي مخاطر ممكن أن تنشأ وخاصة أن توقيع الاتفاق لقي رفضا معلنا من أطراف عدة في مقدمتها إسرائيل.
وبمناسبة الحديث عن الانتخابات فإننا نعتقد أنه من الضروري حل التناقض القائم باعتماد قانوني انتخاب بما يخص المجلسين «الوطني» و«التشريعي» لصالح قانون التمثيل النسبي الكامل في جميع المحطات الانتخابية.
لأن من شأن تكرار التجربة الماضية في العام 2006 أن يعيد إنتاج مجلس تشريعي برأسين يمكن أن يتقابلا وجها لوجه في حال نشأت خلافات حول تفاصيل كثيرة في سياق العمل الوطني، كما أن القانون المختلط الذي أجريت تلك الانتخابات بموجبه يغيب كثيرا من الأطياف السياسية والفلسطينية ويحرمها من التمثيل المنصف.
- ويفترض الحراك الشعبي الفلسطيني وخاصة على مستوى اللاجئين في مواقع اللجوء والشتات أن يتم البحث في واقع منظمة التحرير الفلسطينية والإسراع في اجتماع اللجنة الوطنية العليا المكلفة بتفعيل دور المنظمة وإعادة الاعتبار لمؤسساتها من خلال الانتخاب وفق التمثيل النسبي للمجلس الوطني بما يكفل الاهتمام بقضايا اللاجئين والتجمعات الفلسطينية في مختلف البلدان.
- في سياق الحوار الوطني الشامل المفترض ينبغي، برأينا، توحيد البرنامج الوطني الفلسطيني استنادا إلى وثيقة الوفاق الوطني الموقعة في حزيران ( يونيو ) من العام 2006 ويتم وفقه تحديد العناوين الرئيسية للعمل الوطني الفلسطيني في المرحلة المقبلة وآليات النهوض بها على قاعدة المشاركة الشعبية الواسعة في مقاومة الاحتلال.
- ويتطلب البحث في أوضاع مؤسسات السلطة الفلسطينية تفعيل دور هذه المؤسسات بما يخدم قضايا المواطنين في الضفة والقطاع ووضع حلول اقتصادية ناجعة لمشاكلهم من خلال اعتماد سياسات تنموية وتوجيه الدخل الوطني لخدمة هذا الهدف وبما يؤدي إلى تعزيز صمودهم وقدرتهم على مقاومة الإجراءات الإسرائيلية العدوانية بحقهم.
- وفي المجال السياسي أيضاً أنه ينبغي الانتباه إلى المحاولات الإسرائيلية والأميركية لإعادة مشهد المفاوضات بالشروط السابقة.
وهذا الأمر سيكون على رأس جدول أعمال نتنياهو خلال زيارته لواشنطن وتقديمه ما يسمى بالخطة الجديدة للتسوية والتي يؤكد فيها، بحسب المصادر الإسرائيلية نفسها، أن المطلوب من الفلسطينيين أولاً أن يعترفوا بيهودية دولة إسرائيل وأن يتنازلوا عن حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم ويشدد في خطته على أن القدس ستبقى عاصمة موحدة لإسرائيل.
ولا يخفي مطلبه بضم الكتل الاستيطانية الكبرى وبالتواجد العسكري الإسرائيلي طويل المدى على امتداد نهر الأردن.
وتتقاطع السياستان الأميركية والإسرائيلية في نقاط عدة حول التسوية السياسية التي تدعوان إليها وبخاصة شطب حق العودة للاجئين الفلسطينيين وإيقاف مسعى الفلسطينيين نحو الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بالدولة المستقلة.
وفي هاتين النقطتين المحوريتين يتأكد للجميع أن مجرد الحديث عن احتمال إحياء المفاوضات سيكون ليس فقط الدخول في نفق مظلم بل يؤدي أيضا إلى إحباط ما نشهده من نهوض شعبي فلسطيني..
وهذا مرفوض.
المصدر
- مقال:اللاجئون أولاً!المركز الفلسطينى للتوثيق والمعلومات