العرب.. يتوحدون أم لا يتوحدون؟

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
العرب.. يتوحدون أم لا يتوحدون؟



بقلم:عبد الله محمد سعيد الملا

الوحدة-العربية.png

يرى الكثير من العرب أن قوتهم وازدهارهم ناتج طبيعي للوحدة العربية وعليه يجب أن يتوحدوا إلى درجة أن يتجه البعض إلى خيارات متطرفة للوصول لهدف كهذا، وفي هذا تهدر الأرواح والأموال وضياع الوقت، وفي النهاية لا ازدهار ولا وحدة عربية، سنقوم هنا بمحاولة تفهم الخلفية المضادة لتيار الوحدة العربية، وبلورة مفهوم التوحد تحت ظل اللاتوحد كتيارات متواجدة ومتعايشة في تركيبة مختلفة من درجات التوحد واللاتوحد.

عجيب هؤلاء العرب فمن الخليج إلى المحيط إلى شتات المهجر يحتدم النقاش الدائر بين مثقفيهم فتارة يتهامسون وأخرى يتصايحون حتى تظن أنهم سيتقاتلون وأشد استغراباً أنهم يتكلمون في نفس الموضوع، وحيثما التفت والى أي برنامج انتقلت اذ تجدهم امامك، تختلف أشكالهم وألوانهم وأسماؤهم، إلا انهم يدورون حول موضوع واحد وهو «الوحدة العربية».

يشهد التاريخ بأن ليس للعرب دولة واحدة بمعناها السياسي والجغرافي، اما الدولة الإسلامية او المعروفة بدولة الخلافة وعاصمتها المدينة المنورة لم تكن لها قومية عربية او اطار جغرافي، صحيح ان العرب قاموا بتأسيسها، الا ان رسالتها دينية شمولية تتضمن العروق الأخرى تحت راية الإسلام.

تبلور في عهد الدولة العثمانية ما يشبه الرقعة الجغرافية الموحدة وتضم العرب وتُحكم من المركز الذي يحكمه الاتراك وليس العرب مما أنقصها إطارها الموحد، وكانت الأولوية لحكامها في مختلف الأقاليم العربية هو ترسية السيطرة التركية المركزية عليها اما الامور الاخرى فهي ثانوية، ولم يتغير هذا بدخول الاستعمار بل ألعن من ذلك فهو رسخ الدولة العربية السياسية ذات حدود جغرافية تقوم بالدفاع أو المناوشات العسكرية مع جاراتها العربية حوله لسبب أو آخر، والكثير من العرب يحتاج إلى تأشيرات لعبور هذه الحدود.

لنذكر الجميع هنا بأن العرب لم يحكموا أنفسهم قرابة 500 عام، ومن يعهد على دولة تاريخها 60 سنة أو أقل ويعطيها ثقلا أكبر منها يجب أن يأخذ في الاعتبار الملابسات السياسية لاستقلال تلك الدولة وديناميكية تطور الدولة كمؤسسة ناشئة، اننا لا نريد أن نسهب في الموضوع فليس هناك مجال للوحدة العربية، فتحقيقها اما أن يأتي من خلال اندماج دول عربية وهذا جرب ولم ينجح أو القيام باجتياح عسكري وهذا كذلك فشل، وعلى الرغم من ذلك يصر الشارع العربي على الوحدة العربية.

أصبح الخضوع لأوامر دولة أجنبية مرفوض لدى الدول العربية، وحل محله الهيمنة الدولية مما جعل التقارب بينهم خاضعا للإستراتيجية الدولية للدولة المهيمنة على ذلك الإقليم، أما مركزية المكان لاتخاذ القرار العربي ولد مشبوهاً فلحقن تيار «الاتحاد والترقي» جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده (مجلة العروة الوثقى ـ باريس 1884) ولكبح جماح تقلقل تيار الاتحاد والمشروع النهضوي العربي رأت بريطانيا فرصة للالتفاف على المطالب القومية والشعبية للعرب، فكان أن صرح أنتوني أيدن في 24/2/1943 يطالب العرب بتقديم مشروع يحظى بموافقته الجميع.

فبدأ العرب مفاوضاتهم ومناقشاتهم لمشروعهم الوحدوي، وفي 7/10/1944 عقد مؤتمر الإسكندرية حيث طرحت ثلاثة تصورات:

1 ـ وحدة فورية للدول العربية تتم عن طريق إنشاء دولة عربية موحدة ذات سلطة مركزية.

2 ـ إقامة دولة عربية اتحادية لها برلمان اتحادي.

3 ـ إقامة تنظيم من شأنه تنسيق سياسات الدول العربية وإرساء التعاون فيما بينهم.

وحظي التصور الثالث بالقبول وعليه وضع ميثاق جامعة الدول العربية 22/3/1945، نعم هكذا قرر الأجداد وهكذا جاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي، إذاً الوحدة العربية لن ترى الشمس مهما قال أو قيل.

الجميع يعلم أن القوى الأجنبية ترى مصالحها في تشرذم العرب، فهي تعلم اذا اجتمع العرب (الساسة) على رأي فلن يستطيعوا أن يقفوا أمامه كثيراً، فلهذا نرى المنطقة العربية في عدم استقرار مزمن ليطغى على التنسيق وإرساء التعاون فيما بينهم.

لعلني قدمت صورة عامة بأن الإشكال الهيكلي للدول العربية يعطي إجماعا بأن لن تكون هناك وحدة عربية وكذلك هناك إجماع ورغبة كامنة لدى العرب لقيام هذه الوحدة، إننا هنا أمام هيكل فوقي يذيب بعض إشكالية هيكل بعض الدول العربية ويرفعها نحو الخيار الثاني الذي تم طرحه في الإسكندرية عام 1944، وهذه الإذابة لن تأتي دون تدخل من القوى العظمى ذات النفوذ.

الوضع السياسي الإقليمي والانهيار المالي العالمي وتغيير الحكم في واشنطن وفقدان إسرائيل سيطرتها على المنطقة وبروز الجمهورية الإسلامية كلاعب منافس في الإقليم وأمور أخرى، يتطلب ترتيب جديد يوازن هذه المتغيرات ويضمن بدرجة كبيرة من الثقة استقرار المصالح الغربية في المنطقة، فلا يختلف اثنان على ان المصالح الاستراتيجية للغرب تكمن في منطقة الخليج العربي.

والحسابات الجديدة تتطلب بناء هيكل فوقي (الخيار الثاني ـ إعلان الإسكندرية) مدعوماً استراتيجياً كأحد دعائم هذا الترتيب، وإذا صح هذا التصور سيبدأ الغرب مسيرة إلغاء شرذمة العرب في دويلات والتي ابتدأ بها قبل 100 عام، وسيكون العالم العربي متعايشاً في الخيار الثاني والثالث في إطار التوحد ولا توحد.

إن تاريخنا يجرنا إلى الوحدة والترقي أما مستقبلنا فيدعونا إلى معالجة البطالة ورفع المستوى الصحي والتعليمي والوصول إلى معدلات عالية للدخل القومي للمواطن العربي وخاصة في تلك الدول العربية الفقيرة.


المصدر : نافذة مصر