الدحدلة بين الداحل والمدحول..! / د. امديرس القادري
بقلم:د. امديرس القادري
الدحدلة هي إحدى معاني الدحرجة، وغالبا ما تكون حركتها بالسقوط من المكان المرتفع إلى المنخفض، ولذلك نقول أحيانا بأن فلان تدحرج من فوق الدرج إلى أسفله، وحتى لا نغرق في مقدمة تلهينا عن الهدف فالقضية تفرض علينا طرح السؤال انطلاقا من مستجدات الحدث، فهل حقا دحدل السيد محمد دحلان على درج اللجنة المركزية لحركة فتح وهو العضو الأصيل والمنتخب من مؤتمرها الأخير ؟!.
استقبلت الضفة الغربية وسلطة رام الله الدحيق ( المُقصى أو الطريد ) دحلان، وفتحت له ذراعيها وذلك على أثر تصفية نفوذه من قطاع غزة في صيف 2007 وهزيمة قواته على يد حركة حماس، وهكذا حل هذا الرمز الفتحاوي الذي دحل ( فرواستتر ) من غزة ضيفا عزيزا على فريق رام الله، ولكن صدق من قال بأن من شب على شيء شاب عليه، فالرجل لم يحترم أصول الضيافة وقواعد اللعبة التي يلتقي و يجتمع عليها رجالات القوم في رام الله.
دحلان " الرقم الصعب " وكما يحب أن يسمي نفسه في العالم الفتحاوي الداخلي يبدو أنه حاول الابتعاد و التمرد على دائرة الظل التي تتحكم بها مظلة الرئيس أبو مازن، فالتوتر بين الرجلين موجود وقائم منذ سنوات، و لكن حليمة التي تصر دائما على عادتها القديمة دفعت بالسيد دحلان إلى العبث بعلبة الكبريت، و عليه فقد اشتعلت النار و التي يبدو أنها في طريقها لإحراق مساحات كبيرة من جسده.
باختصار وعلى ذمة التقارير الآتية من غربي النهر، فلقد أقدم الرئيس عباس على خطوة التصفية من خلال الإعلان عن تجميد عضوية دحلان في اللجنة المركزية، فضلا عن تشكيل لجنة تحقيق في القضايا المثارة عليه داخل الحركة، ويضاف إلى ذلك ظهور مؤشرات تدلل على رفع الغطاء العربي الرسمي الذي كان يتمتع به الرجل وهو يتحرك بين بعض البلدان العربية و كأنه الناصر صلاح الدين و العياذ بالله !.
إذا، فالسلوك الدحلاني وتهم التحريض، وخلق الاصطفافات خارج الأطر، وتشكيل ما يسمى " بفرق الموت " في الضفة لتعزيز النفوذ السياسي والأمني، كل ذلك وغيره من الأمور المخفية " دحمت " أي دفعت بالرئيس دحماً إلى نصب أقوى الدواحيل ( ما ينصبه الصياد للإيقاع بالفريسة ) التي أوقعت أخيرا بالدحال ( الهارب ) محمد دحلان.
إن ما نستطيع الجزم به وبناء على ما رشح من أخبار ومعلومات ومن المصادر الفتحاوية المختلفة، يفيد بأن الحركة تواجه عنوان وحالة دحدلة لها داحل ومدحول، فوسائل الإعلام الورقية والإلكترونية امتلأت بتسريبات هذه المواجهة، وكأننا أصبحنا أمام " ويكي ليكس " فلسطيني حافل بالفضائح وبكل ما يمكن أن يندى له الجبين.
وفي الوقت الذي تسارع فيه الدول إلى الاعتراف بدولة على حدود 67، الأمر الذي تقوم سلطة رام الله والتي تشكل فتح عمودها الفقري على تصويره بأنه انتصارات تحققت بفعل النضال الدبلوماسي الذي تقوم به هذه السلطة ورئيسها الطائر دائما، فإن هذا الاشتباك الفتحاوي بين الداحل والمدحول وبكل الأبعاد التي يمكن أن ينتهي إليها لا بد وأن يؤثر سلبا على الأجواء العامة التي ستخيم على سماء رام الله التي بدأت تتلبد فيها الغيوم السوداء و التي لا ينقصها سوى الطيور الأبابيل لترمي على رؤوس البعض حجارة من سجيل.
إن أوامر الرئيس تأتي كزخ المطر، فالتغييرات والإقالات في صفوف عصابة الأمن الوقائي يبدو أنها ستطال كل المحسوبين على " القائد الرمز " دحلان، والذي تمدد نفوذه أيضا حتى وصل إلى وزارة أوقاف السلطة ووزيرها الهارب من غزة أيضا محمود الهباش الذي يمتلك علاقات خاصة ومميزة مع المدحول دحلان.
إن هذا الأمر المخزي والمعيب بحق فلسطين وقضيتها لا يشكل لنا في نهاية المطاف مفاجأة تستدعي العجب أو الإستغراب، لأن الأقلام كلت وملت من التحذير والتنبيه من مخاطر ما تقوم به هذه الرموز الفاسدة التي لا يشكل الوطن عندها ما هو أبعد من جمهورية الموز، فتزرع فيها ما تشاء وتسرق منها ما يطيب لها وبلا حسيب أو رقيب.
ما يجري ليس بخلاف على القضايا السياسية والوطنية، إنه صراع المصالح الذي ترعاه وتغذيه " إسرائيل " وأجهزتها الأمنية، و حتى يظهر فيه أشباه الرجال على حقيقتهم والتي لم يعد بمقدورهم تغطيتها وبعد أن سقطت كل أوراق التوت التي كانت تداري على فسادهم وسرقاتهم.
الدحيق الفتحاوي دحلان ليس الأول ولن يكون الأخير، فالأسماء بالعشرات، والفارين أكثر من الذين تم القبض عليهم متلبسين بالسرقة، والمتاجرة بدماء الشهداء، ورداء الوطنية المزيف الذي كانوا يتسلقون على درجات سلمه، وها هم اليوم يتدحرجون عليه الواحد تلو الآخر.
الكلمة الأخيرة لن تكون إلا لشرفاء فتح من الذين نعول عليهم كثيرا أمام هذا المشهد الذي لا يليق بفلسطين وكل تضحيات شعبها، إن البقية الباقية من رجالات الحركة القابضين على جمر دورها الوطني مطالبون اليوم بالتصدي وبقطع الأيدي التي طالت وتمددت وتجاوزت كل الخطوط الحمراء وكل المحرمات، فهل ستحمل لنا هذه الضارة الفتحاوية خيرا للمستقبل الفلسطيني، نأمل وندعو من كل قلوبنا لكي يتحقق ذلك خصوصا و هم على أبوب الاحتفال بذكرى الانطلاقة؟!.