الإخوان المسلمون الأميركيون

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الإخوان المسلمون الأميركيون

بقلم : بيتر سكيري، منشورات “فورين أفيرز أبريل 2017م

مقدمة

في 15 مايو 1953، قال جورج كينان ـ أحد مخططي السياسة الخارجية الأمريكية في الأربعينيات والخمسينيات، ويعتبر مهندس الحرب الباردة، وصاحب نظرية احتواء الاتحاد السوفيتي ـ أثناء حديث له في جامعة نوتردام قبل نحو شهر من تركه العمل الحكومي: “هناك قوى في مجتمعنا اليوم. . . منتشرة جدا على نحو لا يصح معه نسبتها إلى شخص واحد أو مفهوم سياسي واحد …. وتتحرك هذه القوى، بطريقة أو بأخرى، تحت راية مناهضة للشيوعية، ولكن معاداتها للشيوعية لها سمة خاصة جدا، تحمل إحساسا بال حماس للاكتشاف، كما لو أن أحدا غيرها لم يكن يعرف من قبل أن هناك خطرا شيوعيا”.

وجاء هذا التصريح، في ذروة نفوذ السيناتور المناهض للشيوعية جوزيف مكارثي، وكان زملاء كينان في واشنطن، بمن فيهم الرئيس دوايت إيزنهاور، يفضلون عدم الطعن في ديماجوجية مكارثي.

واليوم، الولايات المتحدة تواجه سيناريو مماثل على ما يبدو، ثارت فيه مخاوف الملايين من الأمريكيين تجاه أعداء يهددونهم في الداخل والخارج، ومرة أخرى، يستثمر عضو في مجلس الشيوخ الأمريكي تلك المخاوف. ففي العاشر من يناير، قدم تيد كروز تشريعا، بإدراج الإخوان المسلمون ضمن المنظمات الإرهابية، ويطالب وزير الخارجية الأمريكي التحقيق في الأمر وتقديم تقرير إلى الكونجرس عن سبب عدم تسمية جماعة الإخوان المسلمون منظمة إرهابية. وفي الوقت نفسه، يقال أن البيت الأبيض يدرس اتخاذ إجراء عقابي ضد الأنشطة والمنظمات التي تعتبر مرتبطة ب الإخوان المسلمون ، داخل الولايات المتحدة.

ومثل هذه المحاولات ستكون مضللة للسياسة الخارجية، وربما تكون تداعياتها داخل الولايات المتحدة كارثية أيضا، وترجع هذه الأفكار إلى فشل النخب الفكرية والسياسية الأمريكية في بحث علاقات الإخوان بالإرهاب، وفشلها حتى في إدراك تأثير المنظمة على حياة المسلمين الأمريكيين. بل أن الكاتب يتهم هذه النخب بالتواطؤ في مؤامرات الإخوان الذين يتسم أسلوب عملهم بالسرية.

إن الانتقادات المنطقية للمسلمين الأمريكيين ذوي العلاقات المفترضة مع الإخوان يتم رفضها باعتبارها عنصرية وكراهية للأجانب وفوبيا الإسلام، وقد أدى ذلك إلى فراغ في القيادة استغلته جميع أنواع التيارات الشعبوية والانتهازية والديماجوجية. ويشكل الخلاف الناجم عن الخطاب السياسي تهديدا عميقا للديمقراطية الأمريكية أكثر مما تشكله أي روابط بين الإخوان والإرهاب. إن الثقافة الأمريكية ونمط الحياة الذي لن يسمح في نهاية المطابق بسيطرة أفكار الجماعة حول تطبيق الشريعة، ناهيك عن فكرة الخلافة نفسها. ومن ثم لا مجال التهويل من خطر الجماعة على المجتمع الأمريكي، والتهوين أيضا من تأثيرها على أفكار المسلمين الأمريكيين.

الإخوان الأمريكيون

تأسست جماعة الإخوان المسلمون في مصرعام 1928بهدف إحياء الحكم الإسلامي واستعادته ردا على الهيمنة العلمية والثقافية والعسكرية المسيحية الغربية، وللقيام بذلك، لجأ الإخوان أحيانا إلى الاغتيال السياسي والهجمات الإرهابية. ولكن سكيري يؤكد أن هذا التاريخ الطويل والمضطرب لا يعني بالضرورة أن الإخوان المعاصرين منظمة إرهابية.

ففي الدول العربية التي تمتد فيها جذور الجماعة لأجيال، صارت الإخوان اليوم حركة اجتماعية وثقافية أكثر منها حزب سياسي.

وعلى الرغم من أن المنظمة لم تعبر أبدا عن موقف مبدئي ضد العنف، فإنها لم تعتمد على العنف في المقام الأول لتحقيق أهدافها. ومع ذلك، ومنذ انقلاب الجيش المصري عام 2013 ضد حكم الإخوان، اعتبر النظام الجديد في القاهرة، ومعه بضع أنظمة أخرى في المنطقة، الجماعة منظمة إرهابية وحث واشنطن على أن تحذو نفس الحذو.

إن جماعة الإخوان المسلمون لم ترتبط على نحو مباشر في أمريكا بأي تهديدات أو هجمات إرهابية، على الرغم من أن بعض الإسلاميين الذين شاركوا في الجهاد العنيف ضد البلاد نشأوا في أذرع أجنبية ل جماعة الإخوان المسلمون.

وكان كل من خالد الشيخ محمد، العقل المدبر المفترض لهجوم 11 سبتمبر، ومحمد عطا، أحد قادة العمليات، أعضاء في جماعة الإخوان المسلمون في اليمن ومصر، على التوالي. وتعتبر حماس ، التي اعتبرتها الحكومة الأمريكية وحلفائها منظمة إرهابية، الفرع ال فلسطين ي للإخوان.

وعلى الرغم من أن حماس لم تستهدف أبدا الأمريكيين على أرض الولايات المتحدة، لكنها اتبعت سياسة التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين مما أدى إلى وفاة أمريكي واحد على الأقل. كما استخدمت حماس أيضا الولايات المتحدة كقاعدة لجمع الأموال، قبل أن تفرض الولايات المتحدة حظرا على ذلك بعد 9/11.

إن نفي العنف عن الإخوان الأمريكيين، لا يعني أن “ الإخوان المسلمون غير موجودين في الولايات المتحدة”. ومن المؤكد أنه لا توجد منظمة في الولايات المتحدة اليوم تحمل اسم الإخوان المسلمون ، كما لم توجد من قبل.

ولكن منذ وصل المسلمون في الخمسينيات والستينات إلى أمريكا للالتحاق بجامعاتها، اضطلع الإخوان بدور في غاية الأهمية في إنشاء المؤسسات والمنظمات الإسلامية المختلفة في البلاد. ويشمل هذا تقريبا جميع الكيانات الرئيسية التي تمثل المسلمين في السياسة الأمريكية المعاصرة: الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (إيسنا)، وجمعية الطلاب المسلمين (مسا)، ومجلس الشئون العامة الإسلامية (مباك)، والجمعية الإسلامية الأمريكية (ماس) ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، كما أن موسوعة الإسلام في الولايات المتحدة، التي حررها الباحث الفرنسي جوسلين سيزاري، توضح بجلاء: “لقد لعب الإخوان المسلمون في الولايات المتحدة دورا مؤثرا في تشكيل الوجه العام للإسلام الأمريكي”.

الاختباء على مرأى من الجميع

واليوم، أصبحت هذه المنظمات التي أنشأها الإخوان، طليعة الجيل الجديد من المسلمين المولودين في الولايات المتحدة الذين يطالبون بحقوقهم المدنية والدينية كأمريكيين، وكما تقول ليلى أحمد من مدرسة اللاهوت في جامعة هارفارد في كتابها بعنوان “ثورة هادئة”، فإن لا يمثل الإسلاميون وعائلاتهم حاليا سوى أقلية ضمن الأقلية المسلمة في أمريكا. ومع ذلك، فإنهم يسيطرون على معظم المؤسسات الأمريكية المسلمة، ويشكلون الجزء الأكثر تأثيرا والأكثر علنية من هذه الأقلية. كما أنهم واضحون وصرحاء في الشريحة الأكثر التزاما من الناحيتين الاجتماعية والسياسية داخل المجتمع الإسلامي “.

وعلى سبيل المثال، تأسست الجمعية الإسلامية الأمريكية (ماس) في 1992، عندما أدرك الإخوان المهاجرون من مختلف البلدان أنه من المستبعد أن يعودوا إلى ديارهم، وأنهم أيضا بحاجة إلى التوقف عن العمل في الولايات المتحدة كمجموعات تنتسب إلى أصول قومية منفصلة ( الإخوان المسلمون العراقيون، الإخوان المصريون، وما إلى ذلك) والتجمع معا في منظمة أمريكية واحدة مسلم.

وحاليا، تعلن منظمة “ماس” ، على موقعها على الانترنت، أنها “منظمة أمريكية مستقلة” ليس لها أي انتماء إلى الإخوان المسلمون أو لأي منظمة دولية أخرى “. ومع ذلك، فإن الموقع يقر بأن” المنظمات التي تم تأسيسها في وقت مبكر من المرجح أن يكون بعض مؤسسيها سبق لهم بعض المشاركة أو حتى العضوية في الإخوان “. غير أن تحقيقا صحفيا نشرته صحيفة شيكاغو تريبيون عام 2004، تحدث عن صلة مباشرة بين ماس و الإخوان المسلمون .

واستنادا إلى الوثائق والمقابلات التي أجريت في الولايات المتحدة ومصر، خلصت تريبيون إلى أنه “في السنوات الأخيرة، كانت جماعة الإخوان الأمريكية تعمل تحت اسم جمعية الأمريكيين المسلمين”، وأوضحت أنه “في حين أن أنشطة الإخوان تختلف من بلد إلى آخر، والفروع المحلية تتمتع بالاستقلال رسميا، يقول قادة التنظيم الدولي في مصرإن جميع الفروع تتفق في الأفكار ويقدم مكتب مصرلها المشورة ”

وأخيرا، استشهدت تريبيون بمذكرة داخلية غير مؤرخة موجهة إلى قادة “ماس” حول كيفية التعامل مع التحقيقات، وتقول المذكرة : “إذا سئلت،” هل أنت من الإخوان المسلمون ؟ “، ” يجب على القادة الرد بأنهم مجموعة مستقلة تسمى جماعة الأمريكيين المسلمين”.

وفي مقال آخر في نفس السنة، أفادت تريبون عن كيفية سيطرة فريق تابع للإخوان على جامع ماس في ضاحية بريدجيفيو في شيكاغو اثر صراع متدني . وذكرت الصحيفة أن المسجد يستخدم مع مساجد أخرى كمقر لجهود جمع الأموال نيابة عن حماس .

بيد أن مثل هذا الدليل على وجود جماعة الإخوان في الولايات المتحدة لم يحظ باهتمام أو تدقيق يذكر. فعلى سبيل المثال، أعد باحثان من جامعة شيكاغو دراسة إثنوغرافية مؤخرا حول المدرسة العالمية، وهي مدرسة إسلامية قديمة في بريدجيفيو، وصفت المدرسة بأنها “تضم مجموعة من المباني من بينها مسجد ومركز للشباب ومقر جمعية الأمريكيين المسلمين (ماس) في شيكاغو، ومدرسة الأقصى (للبنات) “.

ومع ذلك، أغفل الكاتبان ذكر علاقات ماس مع الإخوان المسلمون . وعلى الرغم من أنهما أشارا إلى أن المجتمع المحيط بالمدرسة يضم العديد من ال فلسطين يين، إلا أنهما لم يلاحظا علاقة ب حماس .

ولا تقتصر مشكلة الاهتمام الانتقائي على الميدان الأكاديمي. حيث تعترف دراسة أجراها منتدى بيو حول الدين والحياة العامة عام 2010 بأن “ماس، التي تضم عشرات الفروع المحلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة، كانت المنظمة الأكثر ارتباطا ب الإخوان المسلمون عندما تأسست في أوائل التسعينات”. ويلاحظ تقرير بيو أن “القيادة الحالية للجماعة تنكر وجود علاقات حالية مع الحركة وتؤكد على أجندة الحقوق المدنية والعدالة الاجتماعية “. ومع ذلك، وفي مواجهة الأدلة القوية الكثيرة، لا يقدم بيو أي مبرر يوجب تصديق ادعاءات “القيادة الحالية”.

منذ فترة طويلة تشهد بوسطن تنصلا مماثلا، فالولاية ـ فضلا عن كونها موطن بعض المؤسسات البحثية الرائدة في العالم ـ تضم جالية إسلامية عالمية كبيرة، ومتنامية. وفي عام 2009 افتتحت الجمعية الإسلامية التابعة لمركز بوسطن الثقافي (إيزبك) أبواب مسجدها الجديد الأنيق بالقرب من كلية الطب بجامعة هارفارد ومتحف الفنون الجميلة. إلا أن هذا لم يحدث إلا بعد جدل مطول بشأن الاتهامات بوجود علاقات قديمة بين الإسلاميين المتطرفين والمسجد. وفي الواقع، كان عبد الرحمن العامودي، العضو المؤسس في مجلس إدارة المسجد، قد حكم عليه بالسجن لمدة 23 عاما في عام 2004 بسبب تورطه في مؤامرة بتمويل من الديكتاتور الليبي معمر القذافي لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبد الله. كما أن يوسف القرضاوي ـ وهو إمام مرموق عالميا يقيم في قطر معروف بتعاطفه مع جماعة الإخوان وقدم مبررا دينيا للانتحاريين ال فلسطين يين ـ قد أدرج كأمين صندوق للجماعة.

وطوال الجدل، كان فرع ماس في بوسطن يتولى إدارة إيزبك، وأعلن الفرع بفخر عن دوره في لوحات واضحة على الصرح الجديد. ومع ذلك، رفضت النخب العالمية والأكاديمية والسياسية في بوسطن الاعتراف بأي مخاوف بشأن وجود روابط بين المسجد وجماعة الإخوان.

وفي 2004، أعلن مركز بوسطن جلوب أن التساؤلات المتعلقة بعلاقات إيزبك مع الإسلاميين المتطرفين انتهت على نحو مرض، على الرغم من وجود أدلة كثيرة على عكس ذلك. وفي يونيو 2015، قال المدعي العام الفيدرالي في بوسطن، المحامي الأمريكي كارمن أورتيز، لصحيفة “نيويورك تايمز” إن الاتهامات التي وجهتها “جمعية الأمريكيين من أجل السلام والتسامح” بشأن علاقة إيزبك مع الإخوان المسلمون ، “كانت عنصرية وغير عادلة على نحو لا يصدق” .

وفي الآونة الأخيرة، بعد وقت قصير من انتخاب دونالد ترامب للبيت الأبيض، ظهر كل من عمدة بوسطن مارتن والش، والسناتور الأمريكي إليزابيث وارن، في إيزبك للتعبير عن تضامنهما مع المسلمين.

إن عبارات مثل تلك التي أدلى بها أورتيز قد تصدر بنية حسنة، عن أناس يرغبون في مواجهة، المخاوف المفرطة حول الإسلام، غير أنه يعجزون دائما عن معالجة، ناهيك عن دحض، الأدلة التي قدمها محللون محترمون مثل أحمد محمد نمر، مدير الأبحاث السابق في مؤسسة كير “مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية”، و الأستاذ حاليا في الجامعة الأمريكية بواشنطن. فقد كتب نمر، من وجهة نظر أحد المطلعين على الداخل، العديد من التحليلات الكاشفة والنزيهة لأنشطة الإخوان في الولايات المتحدة، سواء بناء المنظمات للدفاع عن صورة الإسلام والنهوض بها في الحياة العامة الأمريكية أو جمع الأموال للقضايا الإسلامية في الخارج، بما في ذلك في فلسطين .

وفي مقال له، يتتبع نمر ـ ثم ينتقد ـ تطور الإخوان تدريجيا في ماس: “استطاعت ماس الاستمرار من خلال التكيف: التخلي عن ماضي انشاط السري، وإرساء الاستقلال التنظيمي، وتخفيف التعبير عن أيديولوجية الإخوان المسلمون ، وكانت الجماعة تستكشف السياسة الأمريكية من دون أن تقرر كيفية دمج منظمتها في نسيج المجتمع المدني الأمريكي. كما تجنبت إشراك منتقديها ولم تبذل جهدا في تبديد الشكوك حول آرائها وأهدافها. ولذلك، لم تنجح في اختبارات المواطنة المسؤولة.

وفي كتابه “أمركة الفكر الإسلامي “، الصادر في 2011، يقول نمر: “نحن بحاجة إلى معرفة ما إذا كانت جماعات مثل الإخوان المسلمون قد خففت بشكل حقيقي رؤاها نتيجة لمعايشة أعضائها الحياة في أمريكا أم لا”. ويواصل توضيح كيف ساعد الإخوان في تطوير ودعم شبكة دعم مالي ـ مقرها الولايات المتحدة ـ لحركة حماس ، قبل وبعد إدراجها ضمن المنظمات الإرهابية في 1996. ثم يشير إلة أن” سلوك الإسلاميين في أمريكا يبدو مراوغة لأن تصريحاتهم وأنشطتهم لا تقدم رؤية واضحة أو تحدد أهدافا منطقية ضمن تجربة معظم الأمريكيين “.

وعلى الرغم من انتشار جماعة الإخوان المسلمون في أنحاء الشرق الأوسط وأوروبا، والشمال (والجنوب)، إلا أن الكاتب يوضح أنها لا تشبه الأممية الشيوعية “الكومنترن” ولا حتى الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، في خضوعها لسيطرة المركز؛ فمع تمتع الإخوان المصريين وقادتهم بسلطة أخلاقية معينة باعتبارهم ورثة المؤسس حسن البنا، لا يمارسون أي رقابة تنظيمية ذات مغزى على مختلف الجماعات التابعة.

ومما لا شك فيه أن هناك روابط شخصية وأيديولوجية غير رسمية بين هذه الجماعات وبين القاهرة. ولكن كما تخلص الباحثة البريطانية أليسون بارجيتر في كتابها “ الإخوان المسلمون : عبء التقاليد”، فإن جماعة الإخوان كقوة دولية “ليست أكثر من مجرد متجرا للحديث”.

لعبة الإنكار

وهكذا، لا تشكل جماعة الإخوان تهديدا إرهابيا، في الولايات المتحدة،. بيد أن وجودها لا يمكن إنكاره. فلماذا تغفل نخب أمريكا، الأدلة الواحة على الدور الحاسم الذي تلعبه جماعة الإخوان المسلمون بين المسلمين هنا؟ يجيب الكاتب على تساؤله بأن من بين أسباب هذا الانكار أن هذه النتائج لا تتفق مع مشروع هذه النخب المتمثل في نظام عالمي ناشئ لحقوق الإنسان العالمية، مع حدود ضعيفة يسهل اختراقها، ورفض هؤلاء المراقبون والمحللون ببساطة الاعتراف بأي شيء يعقد هذا السيناريو.

ومع ذلك، في هذه الحالة، تمادت النخب الأمريكية في طريق الليبرالية العالمية. وسواء أكانت مدفوعة بالجبن أو المبدأ، فقد وجدوا أنه من السهل جدا تجاهل الحقائق التي تزعج الكثيرين من مواطنيهم، واعتادوا على تجاهل المخاوف بشأن الإسلام والمسلمين على نحو غير عقلاني وبغيض.

ولم يكن استعداد هيلاري كلينتون لوصف نصف مؤيدي ترامب في الانتخابات الرئاسية بأنهم مصابين بالإسلاموفوبيا، سوى أحد الأمثلة على ذلك. ومن ثم، أصبح ما ينتج عن ذلك من استياء وغضب بين الكثير من الأمريكيين ليس موجها فقط إلى المسلمين بل إلى هذه النخب أيضا.

ولا شك أن محاولات النخب تخفيف حدة التخوفات تعكس بعض الجوانب المطمئنة في الثقافة السياسية الأمريكية؛ حيث الاستغراق في الطموحات المهنية والمثبطات الذهنية المدنية من عادات ضبط النفس التي تثير الإعجاب، ومن المفارقات، أنها نشأت في ظل بنود حماية حرية الكلام التي نص عليها التعديل الأول للدستور الأمريكي.

فقبل بضع سنوات فقط، عندما أصر الإعلام الأوروبي على نشر الرسوم الكاريكاتورية الهجومية والعدوانية على الرسول، اختار نظراؤهم الأمريكيون بأغلبية ساحقة عدم مجاراتهم. وعلى ما يبدو، سمحت ثقافة عدم التدخل الأمريكية بإدراك خطورة الخطاب غير المقيد. ومن الغريب القول إن هذه القدرة على ضبط النفس يبدو أنها مستمرة، حتى في خضم البيئة السياسية غير المستقرة اليوم.

ومع ذلك، فقد تبنت النخب الأميركية، في إطار جهودها لحماية حقوق المسلمين والدفاع عنها، نسخة منقحة من تاريخ الإسلام المعقد والمتقلب في الولايات المتحدة. وهكذا، يصور الإسلام بشكل روتيني ومكرر كعقيدة يساء فهمها على غرار الكاثوليكية في وقت سابق من التاريخ الأمريكي. وهناك، بالتأكيد، بعض أوجه التشابه الواسعة التي يمكن استخلاصها هنا، ولكن الكاثوليكية لم تكن مرتبطة أبدا بالإرهاب العالمي، ولا بالهجوم على التراب الأمريكي كما في 9/11. وفي الواقع، تواطأت هذه النخب مع قادة الإخوان وكثير من المتعاطفين معهم إلى حد إنكار أي وجود للإخوان في الولايات المتحدة حاليا، بشكل روتيني في الخطاب الشعبي لهذه النخب.

أما بالنسبة للقادة المحافظين فقد انقضت الأيام التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان الرئيس جورج دبليو بوش يتواص فيها مع زعماء مسلمين أمريكيين ذوي مصداقية، وكان بعضهم على علاقة بالجماعة.

واليوم، يسيطر على اليمين أيديولوجيون غريبون ومتحمسون شعبويون، تجاهلوا، في محاولاتهم الوهمية لكشف الإرهاب الإسلامي، الأدلة التي ذكرناها هنا، ومن شأنها أن تفيد قضيتهم جزئيا، ولكن من شأنها أيضا الحد من أكثر ادعاءاتهم إزعاجا. وبدلا من ذلك، انغمسوا في سيناريوهات مبسطة للمؤامرة تتماشى مع مخاوف العامة. ولعل اقتراح كروز التشريعي الانتهازي، أحد نتائج هذا المناخ السام.

استدعاء السلطات الفيدرالية

ويشمل جانب أخير من سلوك النخب تجاه الإخوان التعامل المباشر مع المسلمين من المسئولين الحكوميين، ولا سيما في سلطات إنفاذ القانون المحلية، والخاصة بالولاية، والفيدرالية. وكان هؤلاء المسؤولون حريصون للغاية على عدم الانخراط في مناقشات عامة حول الإخوان. وعندما يواجههم المواطنون الذين يثيرونهم، يراوغون ولا يتورطون في كلام محدد. وينطبق هذا على المستويات العليا من سلطات إنفاذ القانون في لوس انجليس ومدينة نيويورك.

وهنا، يبدو هذا الحذر والمراوغة كاشفا وموضحا، حيث تكون المخاطر بالنسبة لجهات إنفاذ القانون والوكالات الحكومية الأخرى، أعلى بكثير من الأوساط الأكاديمية والصحفيين. ويعتمد نجاح عملها على الحفاظ على علاقات جيدة مع المجتمعات الإسلامية. وعلى الرغم من العديد من المثالب وأوجه القصور، تمتلك مختلف المنظمات المرتبطة ب الإخوان علاقات لا مثيل لها مع المسلمين الأمريكيين.

وكان هناك استثناء بارز واحد في ميل جهات إنفاذ القانون للحفاظ على العلاقات مع المنظمات التي لها علاقات مع جماعة الإخوان المسلمون. ففي أوائل عام 2009، أبلغ مكتب التحقيقات الفيدرالي أعضاء الكونجرس أنه “قطع كل أنشطة التواصل الرسمية مع مؤسسة كير”، مستشهدا بالعلاقات بين مؤسسي المنظمة و حماس .

وبالنظر إلى أن كير كانت في ذلك الوقت قد أصبحت أكبر جماعة للدعوة الإسلامية في الولايات المتحدة، وأكثرها وضوحا، و ديناميكية ، ولم يكن هذا بالتأكيد قرارا سهلا بالنسبة لمكتب التحقيقات الاتحادي. وقد أوضحت التفسيرات العامة التي صيغت بعناية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يبتعد في المقام الأول عن القادة المؤسسين لكير، وليس كل من لهم علاقة بالمنظمة.

ولكن كان واضحا أيضا أنه في أعقاب محاكمة الحكومة الاتحادية خمسة من قادة المسلمين ولإدانتهم للعمل مع حماس لجمع التبرعات لصالح مؤسسة الأرض المقدسة، رأى مقر مكتب التحقيقات الفيدرالي في واشنطن أنه لم يعد بإمكانه الاعتماد على علاقات مع منظمة أخرى ترتبط مباشرة مع حماس . وفي المكاتب الميدانية، كانت ردود وكلاء مكتب التحقيقات الفدرالي، الذين هم في أمس الحاجة إلى الحفاظ على العلاقات والمصادر في جميع أنحاء المجتمع، مختلطة.

ولم ينتبه الكثيرون للانتقاد الذي وجهه مكتب التحقيقات الفدرالي لكير. حتى أن معظم وسائل الإعلام الرئيسية واصلت البحث عن المتحدثين باسم كاير للتعليقات – بما في ذلك حول الاقتراح الحالي بإعلان جماعة الإخوان المسلمون منظمة إرهابية – من دون ذكر تاريخ وأصل كير. وهكذا، واصلت المنظمة النمو، وخاصة فروعها المحلية والدولية، مع تعديل طفيف في القيادة القومية.

ومن ناحية أخرى، قدمت قضية مؤسسة الأرض المقدسة فرصة للمنظرين حول مؤامرة الإخوان المسلمون الذين اكتشفوا مصدرا حاسما لرؤيتهم في مجموعة من النصوص لاجتماعات قيادة الإخوان التي اكتشفها مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2004 في الطابق السفلي السري من مقر إقامة زعيم حماس الذي يعيش في ضواحي واشنطن العاصمة. وقد اشتملت هذه الدفاتر، التي استخدمت كدليل في المحكمتين المنفصلتين اللتين قادتا الحكومة الاتحادية في نهاية المطاف إلى إغلاق المؤسسة، على آلاف الصفحات من سجلات اجتماعات قادة الإخوان في الولايات المتحدة منذ أوائل الثمانينيات حتى منتصف التسعينات، وهي الفترة التي لم تكن فيها حماس قد اعتبرت منظمة إرهابية.

غير أن المنظمة كانت تتصارع مع التهديد الوجودي الذي تشكله اتفاقات أوسلو لعام 1993، بين إسرائيل وغريمة حماس : منظمة التحرير الفلسطينية .

وفي هذه الاجتماعات التي عقدت في أماكن مختلفة حول الولايات المتحدة، أعرب قادة الإخوان، بمن فيهم مسئولو حماس ، عن ازدراء عميق للثقافة والأعراف الأمريكية المعاصرة، وخاصة فيما يتعلق بالاستهلاك والكحول والمخدرات والجنس.

وطبقا لرؤيتهم، فإن مثل هذا الانحطاط سيقود بالضرورة الولايات المتحدة إلى الإسلام. وسيكون عليهم ـ باعتبارهم القادة ـ التحضير لهذه النتيجة الحتمية والمفترض أنها سلمية. وكان واجبهم الحاسم الآخر هو الدعاية وجمع الأموال لجهود حماس غير السلمية في فلسطين .


وكتب نقاد دائمون للإخوان مرارا وتكرارا عن هذه الأدلة منذ ظهورها أثناء المحاكمة، مثل فرانك جافني، مساعد وزير الدفاع السابق في إدارة ريغان والرئيس الحالي لمركز السياسة الأمنية،. ويحذر جافني وآخرون، من أن هؤلاء الإسلاميين كانوا، ولا يزالون، مهتمين أساسا بشن “جهاد الحضارة”.

وهذا المصطلح الذي استخدم في الوثائق يشير إلى عملية بناء المؤسسات الإسلامية ببطء وصبر – وخاصة المساجد والمدارس ، والمراكز المجتمعية – التي ستشكل بمثلها “نوعا من الجهاد الكبير في القضاء على الحضارة الغربية من الداخل وتدميرها”، لأنها تنهار من مواطن ضعفها وانحطاطها.

لكن الغياب الكامل في الكتابات الضخمة لأشد نقاد الإخوان يوضح السياق التاريخي أو التغيير. فهم لا يعترفون، على سبيل المثال، بأن الأفراد المشاركين في هذه الاجتماعات كانوا في الغالب شباب غير متزوجين في العشرينيات من أعمارهم، بعيدين عن المنزل والأسرة، لأول مرة، يجدون أنفسهم في بيئة خالية من العوائق في أمريكا ما بعد 1960. على غرار الشباب من أي خلفية أخرى في مثل هذه الظروف، فإن هؤلاء الإخوة ربما تعرضوا لجميع الألفاظ والأفعال والأوهام، الفظيعة.

ولا تحتوي كتابات النقاد هذه على أي اعتراف أو إدراك بأنه في الفترة العمرية بين العشرين والثلاثين، قد تتغير أو تتطور الأفكار الخالية الإسلامية الشابة، وخاصة تلك التي يتلقاها عادة طلاب العلوم والهندسة المتحمسون.

وعلى افتراض أنهم لم يعودوا إلى ديارهم، ـ وهو ما فعله الكثيرون ـ فقد حصل هؤلاء الشباب على درجاتهم العلمية، وتزوجوا، والتحقوا بمهنة ناجحة بشكل معقول، وأنشأوا عائلات في أمريكا. ولا شك أن البيانات الاجتماعية والاقتصادية المتاحة تؤكد هذا المسار.

ولكن حتى لو لم تتغير وجهات نظرهم أو قيمهم الأساسية، فإن مثل هذه التجارب الحياتية ستعزز ظروفا وروابط جديدة من شأنها أن تعقد أي ميول للعمل على أساسها.

ومن جانبهم، أعرب قادة الإخوان عن تقديرهم للحاجة إلى تكييف تفكيرهم وأساليبهم وفقا للظروف في الولايات المتحدة. على سبيل المثال، في جلسة من أوائل الثمانينيات، طرح أحد القادة تحليلا على زملائه عن تحديات وفرص عملهم هناك.

وقال ان اعضاء جماعة الإخوان المسلمون في الولايات المتحدة كانوا يعانون من انخفاض أعدادهم بنسبة 700 في المائة كل خمس سنوات لأن أعضاءها من طلاب الجامعات الاجانب الذين يعتزمون العودة الى ديارهم. من جهة أخرى، أكد المتكلم أنه بالمقارنة مع أقرانهم في الوطن، فإن الطلاب المسلمين الذين يزورون الولايات المتحدة كانوا أكثر اعتمادا على الذات ومستقلين لأنهم “ليس لديهم أم لغسل ملابسهم أو أب يعطيهم مصروفا في نهاية الشهر “.

وكان أحد الاستدلالات المنطقية أن هؤلاء المجندين لا يلائمون تماما هيكل جماعة الإخوان المسلمون المتشدد، من الأعلى إلى الأسفل، الذي لا يقبل اختلاف الرأي. ولا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف يمكن لهم اليوم أن يجتذبوا الشباب المسلمين الذين ولدوا وترعرعوا في الولايات المتحدة، ولا سيما عندما يكون العديد من القادة غالبا من المهاجرين حديثا.

مسألة عقيدة

والفكرة هنا، أن التحديات الصعبة التي تواجه منظمة مثل جماعة الإخوان في الولايات المتحدة لا يهتم بها أبدا أكثر منتقديهم حماس ا. فضلا عن أن هؤلاء النقاد لا يثقفون، فيما يبدو، بقدرة المجتمع الواسع القوي مثل الولايات المتحدة – مع انفتاحها وفرصها وقيمها وكرامتها – على أن يكون له تأثير أكبر على المسلمين في أمريكا.

وعلاوة على ذلك، يبدو أنهم لم يفكروا في كيفية استطاعة ثلاثة ملايين مسلم (بالكاد واحد في الامئة من السكان) فرض الشريعة، ناهيك عن الخلافة، على الولايات المتحدة. وفي الواقع، يبدو أن هذه السيناريوهات تبدو خيالا بعيدا، حيث لم يرتد 40 في المائة من النساء المسلمات في أمريكا الحجاب أبدا، كما أن أكثر من 50 في المائة من المسلمين الأمريكيين لا يلتزمون بحضور صلاة الجمعة في أحد المساجد.

إن الهجمات المحافظة والشعبية على جماعة الإخوان تغطي أيضا على الخطر الحقيقي الذي تمثله المنظمة، وهو خطر أكثر مكرا من الإرهاب أو الجهاد. وينبع هذا الخطر من سرية الإخوان الراسخة، التي تجمع بين الأسلوب الجامد، من الأعلى إلى الأسفل، غير القابل لتعدد الرؤى، وهو نمط القادة الأصليين المهاجرين، وينتج ما تسميه بارجيتر “ثقافة الإخفاء”.

ويمكن أن تعزى هذه السمة العميقة الجذور، إلى الأنظمة القمعية التي نشأت فيها جماعة الإخوان وترعرت. وقد تحملها الإخوان في الولايات المتحدة جزئيا لأن الكثيرين كانوا يخططون للعودة إلى ديارهم، في نهاية المطاف ، وظلت وجهات نظرهم تشكلها أحداث في بلدانهم الأصلية. وحتى عندما توصلوا تدريجيا للاستيطان في أمريكا، أدرك هؤلاء الكوادر أن أقوالهم وأفعالهم في المهجر سوف تواصل التأثير على الأصدقاء، والرفاق، والأقارب في الوطن.

والآن، ومع فشل الربيع العربي، والإطاحة بحكومة مرسي في مصر، والحظر الصارم للنظام العسكري على الإخوان هناك، فإن هذه الاعتبارات تبعث بقوة متجددة، خاصة مع وصول قادة إسلاميين جدد إلى أمريكا من الشرق الأوسط.

ومن الناحية النظرية، ربما ينجم عن نزوع الإخوان الدائم نحو السرية والخداع على نحو لا مفر منه الذي قد ينتج عنه، تهديدات فعلية. لكن هذا لم يحدث في الولايات المتحدة على الأقل. ومع ذلك، أدت ثقافة الإخفاء في المنظمة إلى تآكل الثقة على نطاق واسع. ويظهر هذا في الأسر المسلمة عندما يصدر الإخوان تعليمات للأزواج بعدم إخبار زوجاتهم بأنشطتهم في المنظمة؛ أو في مؤسسات، مثل المسجد في بريدجيفيو، أثناء تآمر مجموعات الإخوان للسيطرة. ويخلق الإخفاء الارتباك والغضب والانقسام بين الأمريكيين المسلمين – المنقسمين بالفعل على أسس طائفية وعرقية، وعنصرية.

كما تؤدي مثل هذه السرية إلى توتر العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين. وكما أشار إدوارد شيلس قبل ستين عاما في كتابه “عذاب السرية”، لدراسة المكارثية، أن تساؤلات الولاء تنشأ لا محالة بشكل طبيعي في أمة من المهاجرين مثل الولايات المتحدة. وتقوض المطالبات المتلاحقة بالسرية – سواء أكانت مفروضة بسبب حالة الأمن القومي أو التي يطالب بها الرفاق – الخصوصية والثقة وهما من أسس الديمقراطية الليبرالية التعددية.

غير أن رد الفعل الشعبوي في مواجهة الإسلام، يشير في نهاية المطاف، إلى ضائقة اجتماعية وثقافية عميقة، تفتقر ـ في رأي سكيري ـ إلى الإيمان بالثقافة الأمريكية أو النخب الفكرية والسياسية بل وحتى المستثمرين. والصادم، غياب الثقة في مرونة القيم الأمريكية ونمط الحياة في الولايات المتحدة. حيث يعتقد الكثير من الأمريكيين أن بلادهم ضعيفة وفاسدة، وهم ليسوا مخطئين تماما في رأي الكاتب، لكنه يرى أن الولايات المتحدة لن يسيطر عليها الإسلام او الإسلاميين، لكن الأمريكيين يتشككون في ذلك عندما يشعرون أن النخب تخلت عنهم ولم تعالج مخاوفهم بأمانة.

اقرأ أيضا

وصلات داخلية

كتابات الإمام البنا عن أمريكا

وصلات خارجية

مقالات متعلقة

أخبار متعلقة