أكذوبة المنشية .. عبد الناصر يعترف ببراءة الشهيد عبد القادر عودة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أكذوبة المنشية .. عبد الناصر يعترف ببراءة الشهيد عبد القادر عودة


عبد الناصر يعترف ببراءة الشهيد عبد القادر عودة

حين يأتي اعترافٌ من الخصم - الذي حكم على الإخوان بالإعدام والسجن والتشريد - بأن حكمه على أحدهم كان ظالمًا، ولا يستند لقانون أو تشريع، وإنما ينطلق من حسابات سياسية، هنا لابد للتاريخ والمؤرخين من وقفة؛ فإنَّ لهذا الاعتراف قيمة تاريخية ووثائقية لا تنكر، ولا يُماري فيها أحد من المدافعين عن الظلم والظالمين بالباطل، والوالغين في أعراض الدعاة بالكذب والبهتان.

وينسحب هذا الاعتراف منطقيًا على بقية الدعاة الذين عُلِّقوا على أعواد المشانق أو غُيِّبوا بين جدران السجون، ولم تكن هناك جريمة ارتكبوها يُعاقب عليها قانون أو تشريع، وإنما هي كما قال كبيرهم "أسباب سياسية" كان غرضها استئصال الدعوة والدعاة، ونورد اعترافَ جمال عبد الناصر نفسه ببراءة شهيد الإخوان: عبد القادر عودة الذي أُعدم عام 1954م.

تحدث الزعيم الوطني أحمد حسين في مذكراته التي نشرها بجريدة الشعب المصرية عام 1982م عن الشهيد عبد القادر عودة أحد قادة الإخوان المسلمين، والذي أُعدم ظلمًا وعدوانًا لتصفية حسابات سياسية بين جمال عبد الناصر والإخوان وشخصية بينه وبين شهيدنا المتهم البريء والقتيل المظلوم، كل ذلك باعتراف جمال عبد الناصر نفسه

وها هو نص المذكرات كما كتبها أحمد حسين:

"نحن الآن في عام 1954م أفرج عني وتنازلت عن القضية، ولكنني ظللت مجروحًا؛ فلم يحدث في كل تاريخي النضالي أن أهنت واعتدي علي كما اعتدي علي في ظل الثورة".

ووقعت الواقعة:

أُطلق الرصاص في ميدان المنشية على جمال عبد الناصر، وكان الضارب يُدعى محمود عبد اللطيف من الإخوان المسلمين، وعلى الرغم من أن عبد الناصر نجا فقد ظنَّ أنه أصيب في مقتل، وراح يثرثر بكلام فارغ يكشف عما في عقله الباطن، فراح يُخاطب الشعب بقوله: غرستُ فيكم العزة والكرامة.

واستغل هذا الحادث للبطش بالإخوان المسلمين، وتألفت محكمة خاصة لمحاكمتهم، وقضت على زعمائهم بعقوبات قاسية، وعلى الرغم من أن واحدًا منهم وهو عبد القادر عودة كان مسجونًا قبل وقوع الحادث فلم ينجُ من عقوبة الإعدام!.

وفزعتُ من هول المحاكمة، ومن فظاعة أحكامها، وأدركتُ أننا أصبحنا نعيش في ظل عهد جديد؛ حيث لا قانون ولا حدود، وإنما إرادة الحاكم ومطلق مشيئته، فقررتُ أن أهاجر من مصر، وإذا كان الوقت هو موسم العمرة، فقد قررت أن أسافر إلى السعودية؛ طلبًا للعمرة، ومن السعودية أختار البلد الذي أتوجه إليه

وإمعانًا في التمويه والتعمية طلبت مقابلة عبد الناصر لأستأذنه في السفر، وبالرغم من أنني كنت مقررًا أن لا أتحدث في غير التحيات والسلامات والمجاملات العادية، فقد كان هو الذي دفعني للكلام، حيث لم أتمالك نفسي عن نقده.

سألني: وما رأيك فى الإخوان المسلمين؟

قلتُ: إنك تعرف رأيي - أقصد الموقف الأخير - ووجدتني أندفع بلا وعي أندد بإعدام عبد القادر عودة .. لقد كان باستطاعتك أن توفر 50% من النقد الذي وجه إليك لو وفرت حياة إنسان واحد.

وأسرع يقول: تقصد عبد القادر عودة؟

قلتُ: نعم. فإن عبد القادر عودة بريء من الحادث الذي وقع عليك، كما أنه بريء من أعمال العنف.

ومضيتُ أترافع في حماسة: هناك ثلاثة أدلة يكفي كل واحد منها لتبرئة عبد القادر عودة، وقد ثبتت كلها أمام المحكمة:

الأول: أنه كان سجينًا قبل وقوع الحادث بعدة أسابيع.
الثاني: أنه اقترح من بعض الأعضاء القيام بمظاهرة مسلحة، فأنكر عبد القادر عودة هذا الاقتراح بشدة.
الثالث: أن البعض اقترح القيام بمظاهرة سلمية فرفض عودة القيام بأية مظاهرة.

وأصغى جمال عبد الناصر لمرافعتي ثم قال:

"والله يا أحمد نحن لم ننظر للأمر من الناحية القانونية؛ بل نظرنا إليه من الناحية السياسية". غادرتُ مصر إلى السعودية وأنا لا أكاد أصدق أنني هربت من الجحيم الذي أصبح الأبرياء فيه يعدمون لأسباب سياسية.

توفيق الحكيم يعترف: كنا مخدوعين

في نوفمبر 1954م كتب توفيق الحكيم قصة "دمي من دمكم" متأثرًا ببطولة جمال في المنشية وفي نوفمبر 1974م كتب كتابًا بعنوان "عودة الوعي" وأعلن فيه بصراحة: كنا مخدوعين.

ونحن هنا سننشر القصة، وسننشر اعتراف الحكيم بالخداع وغيبة الوعي، ليدرك القارئ كم كان الخداع متقنًا، وكم من السنوات عاشها أبناء الشعب تحت تأثير الوهم والخداع والدعاية المزيفة للحقائق والمشوهة لصورة الإخوان الوضيئة.

قصة دمي من دمكم

نشرتها "أخبار اليوم" في شهر نوفمبر عام 1954م، وقال فيها الحكيم:

" حجرة جلوس بها جهاز راديو مغلق. ومرآة في الحائط.. وقد جلست الزوجة أمام ماكينة خياطة بجوار الراديو تطرز ثوبًا.. بينما الزوج منهمك في حلاقة ذقنه أمام المرآة وهو يغني.. الزوج يمر بآلة الحلاقة على صدغه المطلي بالصابون.. ويغني مترنحًا: يا ظالمني.. يا ظالمني.

الزوجة صائحة: أرجوك.. صوتك المزعج للغاية يصدع رأسي.

الزوج: وصوت ماكينتك المطرب للغاية لا يصدع رأسك؟

الزوجة: صوت ماكينتي فيه على الأقل فائدة لا يمكن أن تنكر.

الزوج: باختصار.. تريدين أن اسكت أنا وتغني ماكينتك؟

الزوجة: أريد فقط أن تبطل هذه العادة السخيفة.. عادة الغناء وأنت تحلق!

الزوج: أيضايقك كثيرًا احتمال سخافتي لمدة خمس دقائق؟

الزوجة: تقصد كل يوم خمس دقائق.. أي كل عام ثلاثين ساعة.. أي مدى حياتنا الزوجية الطويلة إن شاء الله.. احسب من فضلك.

الزوج: ماذا تقولين؟

الزوجة: امسك الورق والقلم واحسب.. لتعرف كم أنا مظلومة معك.

الزوج: لا.. لا داعي للحساب.. حتى في هذا نمسك الورق والقلم ونحسب.. ألا يكفينا حساب أول الشهر؟ وهو كذلك يا سيدتي.. الامتثال أحسن.. لا لزوم للغناء.. سأحلق على الناشف والأمر لله!

الزوجة: إذا كان لا بد من الغناء وأنت تحلق افتح الراديو.. هل تزعم أيضًا أن صوتك أجمل من صوت مطربي الإذاعة؟

الزوج: معاذ الله.

الزوجة تدير مفتاح جهاز الراديو وتقول: أليس من الحماقة أن تغلق الراديو وتفتح فمك؟

الزوج مستسلما: افتحي الراديو.

المذيع يصيح من الجهاز: نحن الآن في ميدان المنشية.. الجماهير محتشدة لتسمع خطاب الرئيس.. أكثر من ربع مليون نسمة تتطلع إلى المنصة.. الزعيم يتكلم.

الزوجة لا تحرك الماكينة وتصغي باهتمام.

الزعيم يرتفع صوته من جهاز الراديو: أيها المواطنون..

الزوج هامسًا: ارفعي صوت الراديو قليلاً.

الزوجة تدير مفتاح الصوت فيرتفع.

الزعيم في الراديو: أيها المواطنون.. سنتقدم وسنعمل للمبادئ والمثل العليا.. بهذا وحده سنبني هذا الوطن، لقد بدأت كفاحي من هذا الميدان لقد خرجت مع أبناء الإسكندرية وأنا طالب صغير أنادي بالحرية والكرامة لبلادي من هذا الميدان.. بدأت أكافح مع من كافح من أبنائكم واستشهد من إخوانكم، وها أنا ذا احتفل في هذا الميدان بعيد الحرية.. عيد العزة.. عيد الكرامة.

الزوجة تصفق بحركة غير إرادية.. وعندئذ تسمع في الراديو صوت طلقات نارية.

الزوج مرتاعا: ما هذا.. ما هذا؟

الزوجة: دوي تصفيق بلا شك.

الزوج: بل دوي انفجار.. دوي رصاص

الزوجة تحدق في جهاز الراديو وتقول: غير معقول!

الزوج يصغي بكل أذنيه.. ويقول: اسمعي.. اسمعي هذه أصوات هرج في الناس.. أتسمعين؟

الزوجة وهي تصغي: رصاص؟ رصاص وهو يشيد لمصر بالعزة والكرامة.. غير معقول؟

الزوج يصغي ويضع سبابته على فمه ويدعو زوجته إلى الإصغاء..

الزعيم صائحا في الراديو: أيها الرجال.. أيها الرجال.. فليبق كل في مكانه.. أيها الأحرار فليبق كل في مكانه.. أيها الرجال.. أيها الأحرار.. دمي فداء لكم.. فليقتلوني.. دمي فداء لمصر.

الزوجة صارخة في تفجع وذعر: قتلوه؟

الزوج شاحب الوجه لا حراك به.

الزعيم في الراديو: أيها الرجال.. أيها الأحرار.. أتكلم إليكم بعد أن حاول المغرضون قتلي.. وإذا كنت قد نجوت..

الزوجة في همس: شكرًا لك يا ربي.

الزعيم في الراديو: إذا كنت قد نجوت من الموت فذلك لأزيدكم عزة وحرية وكرامة. دمي من دمكم وروحي من روحكم ومشاعري من مشاعركم.. أيها الرجال أيها الأحرار.. إذا عشت فأنا منكم.. وإذا مت فروحي ستبقى بجواركم.. إن حياة مصر ليست معلقة بحياتي.. بل هي معلقة بكم أنتم. بشجاعتكم أنتم وكفاحكم أنتم. إن مصر لن تموت. سيروا نحو المجد.. نحو الحرية .. نحو الكرامة.

الزوجة صائحة هاتفة: هذا رجل يريدون قتله؟ سلمت لمصر .. سلمت لمصر .. إني أرتجف.. انظر إلى يدي يا زوجي.. إني أرتجف.. لماذا خرست أنت الآن؟ ماذا دهاك؟ لماذا لا تنطق بشيء؟

الزوج: إني.. إني.

الزوجة: ترتجف كل شعرة فيك.. أنت أيضا.

تلتفت الزوجة إلى صدغه. وتصيح: يا الهي.. ما هذا الدم.. هذا الدم في وجهك؟

الزوج يتحسس وجهه ويسألها: أين؟

الزوجة: قطعت وجهك بالموسي وأنت لا تشعر.. انتظر حتى أضمدك.

الزوج يلتفت إلى يد زوجته.. ويسألها: ما هذا الدم.

الزوجة وهي تنظر إلى وجه زوجها: في وجهك؟

الزوج: بل في يدك أنت

الزوجة: في يدي؟

الزوج: تركت إبرة الماكينة تنغرس في يدك

الزوجة: لم أشعر.

الزوج: فلنضمد جراحنا معا إذن

الزوجة: قطرات من دمنا سالت ولا شك ساعة أن.. قال.

الزوج: "دمي من دمكم".

الزوجة: أتعرف ماذا جرى لي وأنا أسمعه الساعة يصيح بهذه الكلمة؟

الزوج: اعرف.. لقد حرقت قلبي هذه الكلمة.. ونفذت في قلبي كأنها رصاصة.

الزوجة: نعم.. نعم.. نعم..

الزوج: إن الرصاص لا يصيب القلوب.. ولكنها الكلمات.

الزوجة: دمي من دمكم.

الزوج: كلمة ستبقى.

الزوجة: في قلب مصر .. منذ اليوم.

الزوج: وفي تاريخ مصر.

الزوجة: إلى الأبد! ".

اعترافات الأديب المخدوع

مقتطفات من كتاب "عودة الوعي للأديب"، الكبير توفيق الحكيم:

"جعلتنا أجهزة الدعاية الواسعة بطبلها وزمرها وأناشيدها وأغانيها وأفلامها نرى أنفسنا دولة صناعية كبرى ورائدة العالم الثاني فى الإصلاح الزراعي، وأقوى قوة ضاربة في الشرق الأوسط، وكان وجه الزعيم المعبود وهو يملأ شاشات التليفزيون ويطل علينا من فوق منصات السرادقات وقاعات الإجتماعات، ويحكي لنا الساعات الطوال هذه الحكايات ويشرح لنا كيف كنا وكيف أصبحنا، فلا أحد يناقش أو يراجع أو يصحح أو يعلق، فما كنا نملك إلا أن نصدق..".
"كنت أظن أن الشعبية تنبع فقط من القلوب، أو حتى من صور الأماني والوعود والأوهام والأكاذيب، ولكني ما كنت أظن حتى تلك اللحظة أنها يمكن أن تصنع وتؤلف تأليفًا وتوزع لها أوراق هتاف كأنها نوتة موسيقية للألحان".
"ومع ذلك وهنا العجب، كيف استطاع شخص مثلي أن يرى ذلك ويسمعه، وأن لا يتأثر كثيرًا بما رأى وسمع، ويظل على شعوره الطيب نحو عبد الناصر .. أهو فقدان للوعي؟ أهي حالة غريبة من التخدير؟".

"خديوي آدم".. أسوأ قصة قصيرة في القرن العشرين

عبد الناصر بالمنشية عقب إطلاق النار

القصة الفائزة بجائزة أسوأ قصة قصيرة في القرن العشرين

في صباح يوم الثلاثاء 2 نوفمبر 1954م نشرت الصحف المصرية هذه القصة القصيرة المثيرة، فقالت:

"خديوي آدم شاب من الأُقصر عمره 23 عامًا، يعمل عامل بناء، ويتقاضى 25 قرشًا يوميًّا.. كان ذاهبًا إلى منزله بالإسكندرية بعد انتهاء العمل في الساعة الخامسة مساء يوم الحادث، فوجد أشخاصًا كثيرين يتجمعون في ميدان المنشية، وسأل عن سبب هذا الاجتماع، فقيل له إن الرئيس جمال عبد الناصر سيخطب في أهالي الإسكندرية في هذا الاجتماع؛

ونظرًا لرغبته في رؤية الرئيس فقد هبط من "الترام"- الذي كان يركبه- ووقف مع الشعب في الميدان، حتى حضر الرئيس جمال عبد الناصر واستمع خديوي لخطبة الصاغ صلاح سالم والأستاذ أحمد حسن الباقوري، ثم بدأ يستمع إلى خطاب الرئيس جمال.

وأثناء إلقاء الخطاب سمع الرصاص ينطلق تجاه الرئيس، وكان خديوي يقف في نهاية الميدان من الخلف، وأثناء إطلاق الرصاص جرى الجمهور على غير هدى، وكان خديوي من الذين تشتَّتوا فجرى إلى الأمام، وأثناء جريه وقع على الأرض في الزحام فوجد تحته المسدس، وأحس بجسم ساخن يلسعه في يده!!

أطلَّ خديوي على هذا الجسم الساخن فوجده مسدسًا مفتوحًا، فأخفاه في جيبه وذهب إلى منزله، وهناك روى القصة على ابن عمه محمد جبريل الذي يعمل في جراج سيارات، فأشار عليه ابن عمه أن يسلم المسدس إلى ثكنات مصطفى باشا؛ لأنه رجح أن هذا المسدس لا بد وأن يكون قد استُعمل في الجريمة.

لكن خديوي رفض تسليم المسدس إلى ثكنات مصطفى باشا، وأصرَّ على أن يسلمه هو بيده إلى الرئيس جمال عبد الناصر، واعتقد خديوي أن الرئيس سافر إلى القاهرة، وحاول أن ينام في تلك الليلة فلم يستطع النوم!!

ولم يكن مع خديوي أيُّ مبلغ من المال، فخرج من منزله يوم الأربعاء فجرًا، وسار على قضيب السكة الحديد متجهًا إلى القاهرة لمقابلة الرئيس، وفي الطريق أحس خديوي بالجوع!! ولم يكن معه ثمن رغيف عيش، فباع "قفطانه" لشخص في الطريق وقبض ثمنه قروشًا قليلة.. اشترى منها طعامًا.

وظل خديوي ابن الأقصر سائرًا على قدميه منذ فجر الأربعاء حتى وصل الساعة الثانية عشرة ظهر الإثنين إلى شبرا!! أي أنه قطع المسافة سيرًا على الأقدام بين الإسكندرية والقاهرة في حوالي أربعة أيام ونصف اليوم!! وفي شبرا قابلته نقطة تفتيش فسأل هناك عن مقر القيادة العامة للجيش فأرشدوه إليها، ومرةً أخرى واصل خديوي السير على قدميه من شبرا حتى وصل مقرَّ القيادة العامة بكوبري القبة بعد ساعتين!!

وتقدم من الجندي الذي يقف على باب القيادة العامة، وقال له: أريد مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر!! وبالطبع رفض الجندي السماح له بالدخول.. فأبرز له خديوي المسدس، وقال له: أنا لقيت الطبنجة دي على الأرض في ميدان المنشية، وعايز أقابل الرئيس جمال عبد الناصر أسلمها له يدًا بيد.

وأسرع الجندي بإبلاغ أحد ضباط البوليس الحربي، واستمع الضابط مذهولاً إلى قصة خديوي، ولم تكن الساعة قد تجاوزت التاسعة والنصف مساء، عندما اقتربت سيارة يقودها أحد الضباط من مدخل مقر مجلس قيادة الثورة والجزيرة، وكان خديوي آدم يجلس إلى جوار الضابط

وما هي إلا دقائق حتى وجد خديوي آدم نفسَه في حجرة الرئيس جمال عبد الناصر، الذي كان قد انتهى لفوره من اجتماع لمجلس القيادة وتم إبلاغه بقصة خديوي آدم، وكيف عثر على المسدس؟ وكيف جاء من الإسكندرية إلى القاهرة؛ سيرًا على قدميه في رحلة استغرقت أربعة أيام؛ لكي يسلم المسدس للرئيس يدًا بيد؟!

وتأثر جمال عبد الناصر بالقصة بشدة.. وطلب إدخال خديوي آدم.. وبمجرد أن دخل خديوي حتى أسرع يعانق الرئيس جمال عبد الناصر في حرارة وهو يبكي متأثرًا، وقال له جمال عبد الناصر: يعيش أبناء الأقصر!!

وجلس خديوي يروي بلهجة أهل النوبة قصته، وكيف عثر على المسدس وكيف جاء إلى القاهرة سيرًا على قدميه، وكيف باع قفطانه لكي يأكل.. كل ذلك وجمال عبد الناصر وبعض أعضاء مجلس قيادة الثورة يستمعون إليه في اهتمام، وفي النهاية أمر جمال عبد الناصر بصرف مبلغ مائة جنيه مكافأةً لخديوي آدم!! وغادر خديوي مجلس قيادة الثورة وهو سعيد.

وعلى البوابة سأله بعضهم: ماذا ستفعل بمكافأة المائة جنيه؟! قال: حا افتح محل وأتجوز!!

سألوه: ليه أصريت تدي المسدس للرئيس جمال شخصيًّا!! قال خديوي: أصله بطل.. ومن الصعيد كمان".

آراء النقاد والكتاب فى القصة

(1) رأي الدكتور فؤاد زكريا يذكره في صحيفة (الوطن) في 2 مارس 1981:

"قرأت بنفسي في جريدة (الأهرام) بعد حوالي أسبوع من الحادث أن أحد العمال قد وصل من الإسكندرية إلي القاهرة ومعه المسدس الذي ارتُكِبت به الجريمة. وكان قد التقطه أثناء وجوده على مقربة من المتَّهَم في ميدان المنشية؛
ولكي تغطي الصحيفة تلك الفترة الطويلة التي استغرقها وصول المسدس إلى المسئولين ذكرت أن هذا العامل لم يكن يملك أجْر القطار وحضر من الإسكندرية إلى القاهرة سيرًا على الأقدام، وهو يحمل المسدس المستخدم في الحادث فاستغرق ذلك منه أسبوعًا (...)، ويخيَّل إليَّ أن هذه الواقعة وحدها- بما فيها من استغفال لعقول الناس- تكفى وحدها لتشكك في العملية بأكملها".

(2) رأي الدكتور أحمد شلبي أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم: "حكاية النوبي الذي حمل المسدس سيرًا على الأقدام من الإسكندرية إلى القاهرة حكايةٌ ساذجة"

ننقدها من النقاط التالية:

  1. كيف اتُّهم محمود عبد اللطيف قبل العثور على المسدس؟! مع ملاحظة أن المسدس الذي قيل إنه وُجد معه لم يُستعمل ذاكَ المساء.
  2. كيف أفلَت المسدس المستعمَل من الذين قبضوا على محمود عبد اللطيف؟!
  3. لماذا لم يسلِّم النوبي المسدس لنيابة الإسكندرية؟!
  4. لماذا جاء هذا الرجل سيرًا على الأقدام طيلة هذا المسافة التي لا تُقطع عادةً سيرًا على الأقدام؟!

رأي الناقد الأدبي الكبير د. جابر قميحة

  • "بعد سماع صوت الرصاص انطلقت الجماهير إلى الخارج بعيدًا عن المنصة، وعثور العامل خديوي آدم على المسدس يستحيل تحقيقه إلا إذا كان أقرب إلى المنصة من المتهم، وهذا ما لم يحدث، فقد ذكرت الأهرام الصادرة يوم 27/10 أن المتهم احتل مقعده في الحفل قبل بدئه بعدة ساعات".
  • "في مثل هذه الأحداث يسيطر الرعب على الجماهير، ويكون هم كل شخص أن ينجوَ بنفسه من الموت، في هذا التزاحم الرهيب لا يكون لقدمه أو حتى يده من الحساسية ما يجعله يتوقف وينحني لالتقاط جسم صلب أو غير صلب وإلا سحقته أقدام الجماهير اللائذة بالفرار".
  • "ومن مظاهر السقوط التصويري أن تُظهر الصحيفة هذا العامل الصعيدي الفقير البسيط الذي لا يملك مليمًا واحدًا بمظهر خبير السلاح الذي يدرك أن المسدس هو الذي أطلق في الحادث".
  • "وتقع الصحيفة في التناقض، فنرى هذا العامل الأحمق غبيًّا؛ إذ يقطع المسافة من الإسكندرية إلى القاهرة سيرًا على قدميه؛ لأنه لا يملك مليمًا واحدًا، وأمام هذا السقوط

وذلك التناقض علينا أن نذكر ما يأتي:

(أ) كانت أجرة السفر من الإسكندرية إلى القاهرة - في ذلك الوقت - بالسيارة أو القطار لا تزيد عن نصف جنيه "أي خمسين قرشًا".
(ب) كان للعامل ابن عم يقيم بالإسكندرية إقامةً دائمةً وله عمل يدرُّ عليه مرتبًا ثابتًا يتعيش منه، أمَا كان العامل يستطيع أن يقترض منه جنيهًا أو جنيهين لتكاليف هذه السفرة التي كان وراءها ما وراءها؟!
(ج) ثم أما كان هذا العامل- حتى لو حشَى رأسه كلها غباءً- يدرك أن تكاليف الطعام والشراب في الطريق- ودعك من الصحة والعافية- تمثل أضعاف أضعاف ثمن تذكرة السفر من الإسكندرية إلى القاهرة؟!

لم يقدم لنا صورة هذا العامل بعد أن باع قفطانه وبعد هذه المسيرة الشاقة على قدميه خمسة أيام:

  • فهو لم يكن ينام في فندق ولا في منزل، بل على الأرصفة أو في الحدائق والحقول في البلاد والقرى التي كان يمر بها.
  • وهو طبعًا كان يقضي حاجته بصورة غير آدمية، وتعامله مع الماء كان قطعًا تعاملاً شاذًّا غير منتظم أو مستقيم.

إن إنسانًا قطع قرابة 250 كيلو مترًا سيرًا على قدميه محرومًا من الطعام والشراب إلا القليل الجاف الرديء، محرومًا من الراحة إلا سويعات، محرومًا من آليات النظافة (صابون وماء) مثل هذا الإنسان لن يصل إلى القاهرة إلا خائر القوى، مفكك الأوصال والأعصاب، محطم العافية، في أبشع منظر وأقذر هيئة وليس على جسده إلا سروال قديم وفانلة أو صديري منتفخ الجيب بالمسدس الكبير.

هذا المخلوق "الممسوخ" يلتقي عند مدخل القاهرة من ناحية شبرا برجل بوليس، ويمشي ثلاث ساعات إلى مقر القيادة العسكرية، وفي الطريق رآه قطعًا عشرات من رجال الأمن، ومع ذلك لم يُثِر شبهةَ أحد في وقت كان البريء يؤخذ فيه إلى النار بلا تهمة. ومع ذلك نرى صورة خديوي آدم في الأهرام كامل الصحة والعافية مشرق الابتسامة منتظم الهندام، وهو يسلم عبد الناصر المسدس مع أنه قابل عبد الناصر ساعة وصوله!!.

وختامًا.. ألا يستدعي العجب أن أحدًا من الصحفيين المهتمين بهذه القضية- وقد ملأوا صفحات الجرائد بحواراتهم ولقاءاتهم مع المتهمين وأهاليهم، وزياراتهم لمنازلهم، وصفهم للسرير الذي ينام عيه الجاني و"مشنة العيش" التي يأكل منها أولاده.. لم يهتم بأن يجري حوارًا مع هذا العامل المغامر، ويسجل معه لحظةً بلحظة أسرار الأيام العصيبة التي قضاها في رحلته الشاقة حتى وصل إلى القاهرة..!!

وألا يستدعي العجب أكثر ألا يُستدعَى هذا الشاهد العجيب ليدلي بشهادته في محكمة الشعب؛ باعتباره من أهم الشهود في القضية، والذي عثر على السلاح المستخدم في الجريمة..!! وألا يستدعي العجب أكثر وأكثر ألا يذكر عنه شيئًا ولا يأتي له ذكر ولا تُنشر له صورة بعد ذلك مطلقًا، وكأنه أصبح نسيًا منسيًّا..!!

وألا يستدعي العجب أكثر وأكثر وأكثر أن يأتي مسئول أمني كبير في حجم اللواء فؤاد علام- رئيس المباحث العامة الأسبق- في مناظرة علنية، ولا يعلم عن خديوي آدم هذا شيئًا، ولا يدري بقصته هذه من قريب أو بعيد..!! ألا تستحق القصة بعد ذلك كله أن تفوز بجائزة "أسوأ قصة قصيرة في القرن العشرين".

ملف خاص عن حادثة المنشية عام 1954م


كتب عن حادثة المنشية ومحكمة الشعب

عبد الناصر بالمنشية عقب إطلاق النار



مقالات عن الحادثة

أحداث في صور عن الحادثة


ترجمة لبعض المتهمون في القضية


وصلات فيديو