أحمد ماهر يكتب: في القدس والقاهرة.. سلطة احتلال واحدة !
(14 أبريل 2016)
أصبحت أخبار الشهداء في القدس تطالعنا بشكل شبه يومي، حتى أضحت أخبار عادية مثل أخبار الطقس أو أخبار كرة القدم ، ولا نختلف على أنه هناك حالة من البرود لدى العرب والمسلمين - ولن أستخدم مصطلح أمه عربية أو إسلامية، بل أصبحت كلمة أمة عربية أو أمة إسلامية هي لفظ غير دقيق أو ليس له وجود في الوقت الحالي.
أصبح من المعتاد أن تسمع خبر إطلاق الشرطة الإسرائيلية النار على شاب أو فتاة لمجرد الشك أنه ربما كان يفكر أو ينوي طعن أو دهس أحد الإسرائيليين ، لم يعد أحد يهتم ، لم تعد القضية الفلسطينية هي القضية المحورية للعرب والمسلمين، ولا تتعجب أن تجد من يسأل جادًا أو هازلًا.. وما هي القضية الفلسطينية، وأيضًا لا تتعجب من هجوم أجهزة الإعلام الموالية للحكومات .
مثل ما حدث في مصر على سبيل المثال - على الفلسطينيين واتهامهم بيبع القضية وبيع أراضيهم في الماضي للإسرائيليين. وستجد أيضا من يحدثك عن الماضي والتضحيات التي قدمناها سواء بواقعية أو بتضخيم - وأنه كفى الاهتمام بالقضية الفلسطينية.
لن أتحدث هنا عن التحليلات الأكاديمية أو الآراء التي تفسر التغيرات التى طرأت على الشخصية العربية، أو التقوقع نحو الدول القطرية ونقصان الاهتمام العام بالقضايا العربية، ولا التفسخ والانهيار الذي أصاب حلم القومية العربية بعد هزيمة 1967 أو عن آثار معاهدة كامب ديفيد وتدجين الجيش وإخراج مصر من المعادلة، ولا عن نظريات المؤامرة والكلام الفارغ عن حروب الجيل الرابع وما يردده الخبراء الأمنيون الموالون للسلطة، ولكن هنا أود التساؤل عن بعض الملاحظات التي ربما أكون قد أثرت بعضها سابقًا.
هل قرأت مثلًا تبريرات جيش الاحتلال الصهيوني؟ إنهم يطلقون على أنفسهم لقب جيش الدفاع، وكذلك يزعمون أنهم في حالة دفاع عن النفس، أو يحاربون الإرهاب، أو يقومون بحماية المواطنين الأبرياء . هل سمعت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بعد تفجيرات بروكسل بأن إسرائيل تحارب يوميًا نفس الإرهاب داخل إسرائيل وأنه يجب على المجتمع الدولي مساندة إسرائيل والكف عن التعاطف مع الفلسطينيين الإرهابيين .
هل لاحظت تزايد شعبية اليمين المتطرف في العالم كله بالتزامن مع كل عملية إرهابية يقوم بها تنظيم داعش؟ هل لاحظت حركة بيغيدا في ألمانيا، وحركات مقاومة ما يُطلق عليه "أسلمة أوروبا"، وحركات مناهضة المهاجرين، وحركات معاداة العرب والمسلمين، هل لاحظت الخطاب المتطرف لدونالد ترامب، مارى لو بان؟
كل قوى اليمين بشكل عام لديهم قواسم مشتركة ويجمعهم خطاب مشترك، مهما كان هناك عداء ظاهر أو تحيز للقوميات، اليمين الديني أو اليمين المتطرف أو المحافظ ليس هناك فارق كبير عندنا أو عندهم، والسمة الغالبة والملاحظة هي كراهية الآخر، فاليمين المحافظ والمتطرف في أوروبا يزدهر وينمو كلما زادت التهديدات القادمة من اليمين الديني المتطرف والجماعات الجهادية، والعكس صحيح
فخطاب الجماعات الجهادية يعتمد على أخطاء الغرب الاستعماري وعلى إجراءات التعسف داخل أوروبا ضد العرب والمسلمين وما يصاحب ذلك من إحساس بالاضطهاد، فالأوروبيون من أصول عربية أو الأوروبيون المسلمون يعاملون كمواطنون درجه ثانية يعيشون في جيتو منفصل وهو ما يسهل مهام داعش على التجنيد.
اليمين بشكل عام خطابه متشابه، يكره الآخر ويشيطنه، يستغل أخطاء الآخر، فنتنياهو مثلا يزعم أنه يحارب الإرهاب، ويحمي الشعب الإسرائيلي المسالم، ولذلك فإن قتل أو حبس الفلسطينيين هو إجراء احترازي فرضه الحماية والدفاع عن النفس. هل لاحظت أي تشابه في خطاب من يدّعي عندنا أن اعتقال أو قتل أو تصفية بعض المتظاهرين هو بغرض الحماية من الفوضى أو الحرب على الإرهاب؟
كثيرا تجد تشابهًا كبيرًا بين مشاهد المصادمات والاشتباكات وإطلاق الغاز والخرطوش والنار ومشاهد الاعتقال للشباب في القدس والضفة الغربية مع ما يحدث في مصر، بل ربما قد يختلط الأمر عليك لعدة ثواني قبل أن تستطع إدراك هل هذه المظاهرات في الضفة أم القاهرة، ورغم الفارق الكبير بين سلطة الاحتلال وسلطة وطنية - أو هكذا يفترض - إلا أنه هناك تشابه كبير في الأسلوب والخطاب والتبريرات.
ولكن ربما يكون هناك اختلاف سلطة الاحتلال تقتل وتحبس متظاهرين فلسطينيين يعتبرهم الاحتلال أعداء أو تهديد أو يجب القضاء عليهم من أجل تحقيق الاستقرار والأمن، أما السلطة هنا تقتل المتظاهرين أو تحبسهم أو تعتقل من كان يفكر أو ينوي التظاهر لأنهم - من وجهه نظر السلطة - خطر على الأمن والاستقرار، سلطة الاحتلال أيضًا تضيق إلى حد ما على حركات السلام المناهضة للاحتلال أو التي تدافع عن حقوق الفلسطينيين
وربما تجد تخوين اليسار الإسرائيلي من قبل اليمين الإسرائيلي المسالم المتطرف، ولكن هذا لا شيء مقارنة بتلفيق التهم عندنا والحبس لسنوات ضد المعارضين أو النشطاء أو من له رأي مخالف، رغم أننا أبناء نفس الوطن، بل أن هناك من هو تحت نيران التخوين والاتهام رغم أنه أكثر وطنية وحب للوطن ممن هو في السلطة.
بضعة ملاحظات أخرى على التشابه في الأساليب والخطاب بين اليمين هنا وهناك، فهناك أيضًا التعاون والتنسيق التبادلي، إنها لغة المصالح المشتركة، فمثلًا ستجد تصريحاتنا الرسمية بعد كل حادث إرهابي تتحدث عن أهمية الاستماع لوجهة نظر السيسي، وأهمية التعاون والتنسيق المشترك لمقاومة الإرهاب رغم أن ذلك يختلف مع الخطاب الإعلامي المحلي الذي يتحدث عن مؤامرات الغرب ضدنا وأن الإرهاب صناعة غربية.
هل لاحظتم دفاع بعض دوائر الحكم الأوربية عن السيسي بحجة مكافحة الإرهاب والتعاون المشترك، فبعض الحكومات الغربية تقف ضد قوانينها وضد الرأي العام الغربي الذي يناهض السيسي بسبب الانتهاكات وتراجع الحريات.
هل لاحظتم التوافق في الخطاب والتفاهم التام والمعلن بين النظام الحاكم وبين اللوبي الصهيوني (الإيباك) وهو ما وضح وأعلن عنه في الزيارات الأخيرة ومقابلاتهم للسيسي، وكذلك التفاهم بين النظام الحاكم وبين الحزب الجمهوري من أجل الضغط على الإدارة الأمريكية الحالية التي تنتمي للحزب الديمقراطي.
وليس سرًا كذلك ما نشر منذ فترة عن طلب دوائر صنع القرار في مصر من السلطات الإسرائيلية التدخل لوقف الضغوط الأمريكية الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو ما ظهر كذلك في التصريحات للنواب الجمهوريين بضرورة عدم الضغط على النظام المصري الحاكم لأنه يقوم بالدفاع عن المصالح الأمريكية وأمن إسرائيل.
ولا عجب من ذلك لأن الحزب الجمهوري والإيباك والـ (تى بارتى) هم الأكثر تحيزًا لإسرائيل والأكثر تفضيلًا للتعامل مع الرجل القوي في الدول الحليفة مهما كان هذا الرجل القوي مستبدًا أو سفاحًا، ولذلك ستجد هناك حالة جدال دائمة في الدوائر الأمريكية بين مؤيد للديمقراطية أم مؤيد التعامل مع الحكومات مهما كانت مستبدة.
ولذلك ليس عجبًا أن تسمع الكثير من الآراء الصادرة من مسؤليين حاليين أو سابقين في الخارجية المصرية وهم يتوقعون تحسن العلاقات مع الولايات المتحدة بعد فوز (دونالد ترامب) ، وهناك من صرح أن فوز ترامب من مصلحة مصر .
ولا عجب في ذلك، فبالرغم من أن ترامب هو الأكثر عداءً وكراهية للعرب والمسلمين إلا أنه كممثل للحزب الجمهوري يفضل التعامل مع العسكريين والمستبدين و"الرجل القوي" مهما كانت درجة انتهاكات حقوق الإنسان أو تراجع في الحريات، فترامب كجمهورى يميني يرى مصلحة الولايات المتحدة ومصلحة إسرائيل في ذلك . ولكن السؤال الذي أود طرحه.. هل فعلًا فوز من هو مثل ترامب فيه مصلحة لمصر كما قال أكثر من سفير حالي وسابق، أم هو مصلحة للنظام الحاكم ومصلحة السيسي، وهل مصر هي النظام، وهل مصر هي السيسي؟
المصدر
- مقال: أحمد ماهر يكتب: في القدس والقاهرة.. سلطة احتلال واحدة ! موقع كلمتي