أحمد ماهر يكتب: تساؤل شخصي عن العمل النقابي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد ماهر يكتب: تساؤل شخصي عن العمل النقابي


(28 مارس 2016)

العمل النقابي في مصر له جذور قديمة، وقد شهدت الحياة النقابية في مصر العديد من التطورات والتحولات التاريخية حتى وصلت للصورة الحالية المعروفة، تحولات بين الانفتاح والانغلاق وبين التحرر والاحتواء وبين التعاون والصدام.

فمن المعروف أن أول نقابه مهنية في مصر كانت نقابة المحاميين أمام المحاكم المختلطة عام 1876، ولكن فى الواقع كانت هناك صورة أقدم لما يشبه العمل النقابي فى مصر، فقد كان هناك ما يسمى الطوائف المهنية، وكان لكل طائفة شيخ أو شهبندر لتنظيم عمل الفئة أو الطائفة أو الحرفة أو الصنعة، وقد استمر هذا النظام لعدة مئات من السنوات في العصر المملوكى والعثمانى قبل بدء إنشاء النقابات المهنية على النموذج الغربى في القرن السابع عشر.

وقد شهدت الحقبة الليبرالية في مصر (1923 - 1952) فترة ازدهار ونمو العمل النقابي وحركة المجتمع المدنى بشكل عام، حيث كان المجتمع يتمتع بالحرية والديناميكية بشكل نسبي في ذلك الوقت مقارنة بما بعد تلك الفترة، وكذلك كان للنقابات دور وطنى هام في حشد الجماهير ضد الاحتلال البريطانى وكذلك ضد الفساد والسلطوية.

وقد نص دستور 1923 على حرية التنظيم مما ساهم فى تزايد عدد النقابات بعد ذلك، ولا نغفل الدور السياسي لنقابة المحاميين في المطالبة بالاستقلال ورحيل الاحتلال، حتى كان الصدام بين السلطة والنقابات بالقانون 35 لسنة 1939 الذي حظر العمل السياسي للنقابات وأعطى الحكومة حق التدخل. ثم كان القانون 48 لسنة 1944 الذي أعطى الحكومة أو الدولة سلطات أكبر من ذي قبل.

ولكن كل ذلك لا يعد شيئا أمام السيطرة والهيمنة الكاملة بعد 1952، فرغم محاولات الحكومات الموالية للملك في السيطرة على العمل النقابي وتحجيم العمل الوطنى للنقابات إلا أن معظم تلك المجهودات باءت بالفشل وكان للنقابات دور هام في نشر الوعى وفي مقاومة الهيمنة والاستعمار، وكانت النقابات هى المدافع الحق عن حقوق الفئة التى تمثلها

أما بعد يوليو 1952 ورغم كل الشعارات الشعبوية والاشتراكية إلا أنه حدث صدام مبكر مع إعدام عمال كفر الدوار، ثم الصدام مع نقابة المحاميين أثناء أزمة مارس 1954 بعد انقلاب عبد الناصر على محمد نجيب والتنكيل بالضباط الذين طالبوا بعودة الحياة الديمقراطية وعودة الجيش للثكنات مرة أخرى

وبعد ذلك توالى التدخل والهيمنة وتعيين ضباط من مجلس قيادة الثورة لإدارة شئون النقابات المهنية، وقد هدد عبد الناصر بحل كل النقابات المهنية علانية في 1957 واعتبرها عديمة الأهمية وتشق الصف الوطني وأداه من أدوات الاستعمار، ولذلك كان الاتحاد الاشتراكي هو المهيمن.. ولكن كان للنقابات دور هام في مظاهرات "الصحوة" إن صح التعبير في 1968 بعد هزيمة 1967.

أما عن فترة السادات ومبارك فقد كان هناك الانفتاح الصوري والشكلي، أو التحول الليبرالي دون التحول الديمقراطي، فقد نص دستور 1971 على حرية إنشاء النقابات، ثم كانت هناك المنابر ثم الأحزاب، فكما كان هناك أحزاب مقيدة كانت هناك نقابات أيضا مقيدة، إلى أن حدث الصدام مع الحكومة والسادات بعد 1977 وبعد معاهدة السلام مع إسرائيل إلى أن تم حل مجلس نقابة المحاميين عام 1981 واستمر التضييق بشكل عام على العمل النقابي بعد زيادة اعتراض النقابات على الآثار السلبية للانفتاح الاقتصادي "السداح مداح.

أما في عهد مبارك فقد كانت هناك تهدئة مؤقتة ومصالحة في البداية ولكن حدث الصدام بعد سيطرة الإخوان على مجالس العديد من النقابات أو حتى زيادة الاعتراضات على سياسات مبارك بدون تدخل الإخوان، ولذلك كان هناك القانون 100 لسنة 1993 الذي ضمن السيطرة الكاملة للحكومة على النقابات، وأصبحت النقابات جزءًا من الحكومة أو الدولة، وكانت هناك كتلة الحزب الوطني التي تتحكم في النقابات المهنية والتدخل الأمني المستمر وسياسات العقاب والاعتقال وربط المميزات بالولاء للحزب الوطني.

ولكن بعد الثورة وبعد إلغاء القانون 100 استبشرنا خيرا، وشجعنا فكرة النقابات المستقلة، فأصل النقابات أن تكون مستقلة وليست جزءا من البيروقراطية أو تابعة للحكومة أو قابلة لتدخلات السلطة.أصل النقابات أن تدافع عن مصالح الفئة التي تمثلها في وجه السلطة، فالحياة هي تصادم مصالح، الحياة لم تكن جنة في يوم من الأيام، ورغم حتمية صدام المصالح ولكن التحضر هو كيف ندير هذا الصدام بشكل متحضر وبشكل سلمي وبدون صراع صفري وبدون هيمنة أو سيطرة.

ولكن لماذا أتحدث عن النقابات وتاريخها، الأمر شخصي بالنسبة لي، فربما قد لا يعلم البعض أني في الأساس أعمل مهندس مدني في مجال الإنشاءات وإدارة المشروعات، وبالتالي أنتمي لنقابة المهندسين العريقة التي تم إنشائها عام 1946 كذلك جمعية المهندسين 1917، وكم كان مؤلم بالنسبة لى أن أقرأ في الصحف دعوات الجمعية العمومية للمهندسين منذ عدة أسابيع

ثم الانتخابات النصفية لمجالس النقابة ومجالس الشعبة، وهو الحدث الذى تعطل بعد فرض الحراسة على النقابة، وهو الحدث الذى كم حلمت أن أشارك فيه وأن يكون لى دورا في العمل النقابى بعد ثورة يناير، وإن كنت قد شاركت بمجهود بسيط قبل 25 يناير من خلال نشر بيانات "مهندسين ضد الحراسة" و"المهندسون الديمقراطيون".

والأمر الشخصي الآخر هو دور النقابة في مساندة أعضائها، فقد فرحت في بداية حبسى منذ 28 شهرا عندما قرأت أن نقابة المهندسين قد قررت صرف ما يشبه إعانة بسيطة لأسر المهندسين المحبوسين، ولكن لم تدم فرحتي طويلا، فقد قامت الدنيا ولم تقعد وثارت وهاجت وماجت وتم اتهام المجلس السابق بمحاولة دعم أسر المهندسين الإرهابيين، ولذلك تراجع المجلس السابق عن القرار وقام المجلس الحالى بتأكيد إلغاء القرار ولم يتم صرف أي إعانات لأسر المهندسين المحبوسين، أو ربما تم ولكن لشهر أو أكثر قبل حبسى على ما أعتقد.

بالتأكيد ما أتحدث عنه هو أمر شخصي، ولكن بالتأكيد هناك آلاف المهندسين المحبوسين سواء على ذمة التحقيق أو بعد صدور أحكام، والبعض بسبب التظاهر والبعض على خلفية قضايا عنف، ولكن حتى لو قضايا جنائية وليس سياسية، أليس لهؤلاء المهندسين أسر وأطفال وعائلات؟ ألم يسددوا الاشتراك والالتزامات؟ وإن تخلت عنهم النقابات التى تمثلهم وتدافع عنهم فما دور النقابات؟!

كم كنت أتمنى أن تصل وجهة نظري لمجلس النقابة، وكم سأكون سعيدا إن تم مناقشته بهدوء بدون تخوين وتعصب وتحيزات سياسية، فالمفترض في النقابة أن تكون مستقلة، ومن حق المهندس المسجون بعض الاهتمام.

المصدر