أحمد عبد الحميد يكتب: بُعث عمر
بقلم:أحمد عبد الحميد
في سويسرا، كنا نجلس على بحيرة لوجانو الجميلة، نحتسي القهوة و قطعة من الشيكولا أو بسكويت يشاركنا فيها عصفور هبط من السماء بالضبط بجانب أيدينا.
لم يكن العصفور يخشى على حياته من أصابع أي منا، بالعكس كان يزاحمها على تذوق ما لنا من طعام.
لقد استتب الأمن في الدولة، حتى أمن العصفور على نفسه.
لقد أمن العصفور على نفسه لأنه يعرف "أخلاق" أهل البلد.
و أهل البلد أغنياء بالقدر الكافي لكف أيديهم عن الطير.
كنت أصدق، أن الأخلاق هي ما يمنع الحضارة، إلى أن كنا نسير في الشارع في نفس البلدة، و رأيت الكلب يتوقف لإشارة المرور. و سألت أكثر الأسئلة بداهة: هل يملك الكلب أخلاقا بالأساس؟!
سويسرا صحيح جنة بما فيها من أنهار، و لكن أمام أول بيت سكنت فيه، كان هناك بيت دعارة راق، و بجانب المنزل بيت يسكنه زوج من المثليين.
أي أخلاق "عالية" تلك؟!
لماذا لم تمنعهم تلك من الحضارة؟!
وقتها، كان يتعين أن يعود المرء لتعريف كلمات أساسية، ما معنى:
خير،شر،حسن،قبيح،أمن،أخلاق....هل أي منهم فعلا يمنع قيام ”حضارة“ في بلادي؟
وجدت، أن الكلب يحترم القانون فقط لا غير، لا يهم الأخلاق هنا.
و العصفور بسبب "الثقافة" السائدة بسبب ”الشبع“ أمن على حياته من أصابعي، و اكتشفت أن سويسرا لم تكن في حاجة "لعمر بن الخطاب" لكي يبعث من جديد.
فعمر حي في سويسرا و إن لم أره.
عدله قائم، أمنه المروي في الروايات تراه الأعين.
كانت الأوزة تأمن على نفسها خروجا من البحيرة، تتمختر في الطرقات، و السيارات تنتظرها لتعبر في أمان.
يكاد رأسي يصيبه الجنون أيامها، و أنا أشاهد هذا الاحترام الذي تنعم به الأوزة في موكبها على كورنيش البحيرة.
أيامها قُتل انتظار عمر في رأسي. قتل انتظار صلاح الدين.
قتلوا لأن التغيير لم يحتج أي منهم، و لأني رأيتهم أحياء، رأيت ما سمعت عنه في تاريخ عمر حي أمامي بغير عمر... لقد قتلت في نفسي فكرة عمر، كما قتل التاريخ كله بأوزة، عصفور و كلب!
أفهم،لكل شعب ثقافته، ولكن لا تمنعنا الأخلاق، لان المفترض أن لدينا النص "النظري" لتلك الأخلاق، و حتى لو لم تطبق، ما الحاجة إليها؟!
ألم تقم حضارات مصر و العراق و اليمن من قبل؟
لا تمنعنا أخلاق، لأن الكلب لا يملكها، الكلب لا يهتم بالأخلاق، ولكن يهتم بالقانون.
القانون يأتي قبل الأخلاق. العدل قبل الأخلاق. الطعام يأتي مع العدل. و كله يأتي ببعث عمر من جديد.
لا تمنعنا أخلاق و لكن يمنعنا كل تلك الأوهام التي غرسناها بأيدينا عن الأمن الحاضر، أو عن أبطال التاريخ الذين لا يستيقظون إلا في كتب التاريخ المهملة أو أوقات الغضب أو التباكي على ماض لم نستحق بأي شكل أن نكون أحفاده.
ماض لا نمت إليه بصلة إلا أننا نطبع كتبا عليها اسمه، اسمنا... تاريخ نقرؤه لنسعد بوهم استحقاقنا لما تركوه من مجد.
بأي حق؟ بأي علم؟ أيفرح عمر للقاء أي منا؟ من قتل عمر؟! من صنع منه صنما وهو حي يرزق؟! من قال أن الماضي أروع ما كان، فإن كان فلم خلقنا؟! و لماذا وعدنا بالتمكين؟ أنحن الأمة المختارة؟ بم؟ ماذا فعل أي منا؟
أهدم الأصنام في رأسك، ربما جل أزمتنا أننا نعيش في وثنية عبادتنا للتاريخ، أي وثنية تلك التي يقتل نبلاؤها عصفور، أوزة... وكلب!
لقد أتينا في هذا الزمان لهدف، للتعمير، للتسخير، للسيادة، لاستحقاق لقب الأحفاد. إن لم نكن أهلا له فسيستبدلنا الله جميعا، بمن هم خير منا، ثم لا يكونوا أمثالنا.
عمر حي فيك، فقط لو توقظه من النوم عند البحيرة.... تذكر الأوزة و العصفور. عمر حي، لم نقتله بتراخينا؟! ابعث عمر في نفسك... ابعث عمرا... ابعثه فيك.
اللهم إني أشهدك أني أحب عمرا، فاجمعني به، و من أحبه، و عمل بعمله، و مكن لأمرك في الدنيا و الآخرة... عندك لا إله إلا أنت سبحانك، إنا كنا من الظالمين.
المصدر
- مقال:أحمد عبد الحميد يكتب: بُعث عمرموقع:شبكة رصد الإخبارية