أحمد حسن الشرقاوي يكتب : مشكلة «الكاتب الجالس القرفصاء» في مصر!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أحمد حسن الشرقاوي يكتب : مشكلة "الكاتب الجالس القرفصاء" في مصر!


(5 مارس 2016)

في المتحف المصري بالقاهرة، وفي قسم المصريات بالمتحف البريطاني في لندن، تستطيع أن ترى تماثيل الكاتب الجالس القرفصاء في مصر الفرعونية، وإذا تفحصت الصورة ستجد أن التمثال حسن الهندام، يرتدي ملابس ملونة زاهية تشير إلى أنه من علية القوم في عصره.

وقفت أمام التمثال لأول مرة في منتصف الثمانينيات، وتفحصته جيدا، وتخيلت لبرهة كيف كان الموظف في مصر أيام الفراعنة يعيش ويمارس عمله، وأعتقد أن هذا التمثال هو نموذج حقيقي وواقعي للموظف المصري الحالي بكل سلبياته وإيجابياته، ففي مصر حاليا سبعة ملايين موظف في الجهاز الإداري للدولة، يستنزفون أكثر من نصف الموازنة العامة للدولة في شكل أجور وبدلات.

ليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي تقف أمام كل محاولات التنمية الاقتصادية والتطور الاجتماعي للبلاد، لكن ما يُعقِّد هذه المشكلة هي أن القوانين التي تحكم عمل وأداء هذا الجيش الجرار من الموظفين المصريين قوانين عقيمة لا تقيس كفاءة الموظف أو حجم إنجازه بقدر ما ترتبط بمزاج وهوي المدير المسؤول عنه.

كانت مشكلة "الكاتب الجالس القرفصاء" أو الموظف المصري يمكن احتمالها طوال السنوات الماضية، لكنها صارت حاليا فوق الاحتمال وأصعب من أن يتم التعامل معها، وهناك العديد من الأسباب، لكنني سوف أختار واحدا منها فقط، وهو سبب رئيس فيما يحدث، هذا السبب هو انهيار النظام التعليمي في مصر بحيث بات المُخْرَج النهائي من هذا النظام، إلا من رحم ربي، لا يمكن أن نطلق عليه لفظ "متعلم" ناهيك عن أن يكون مدرَّباً للقيام بمهام الوظيفة التي سيقوم بأدائها بعد انتهاء مراحل دراسته.

وفي هذا تفصيل كثير معروف للجميع لكن المسكوت عنه أو الذي لا يتحدث فيه أحد أن بواكير الناتج من النظام التعليمي المنهار هي التي تحكم البلد (مصر) في هذه المرحلة، ولعل ذلك يفسر الكثير من حالات الفشل والانهيار في كافة المجالات في مصر.

تخيلوا أن عددا كبيرا من مستويات الإدارة المتوسطة والعليا في مصر حاليا إما أنها من العسكريين (جيش وشرطة) وهم من مخلفات النظام التعليمي؛ حيث لم يحظوا بقدر من التعليم الأساسي، كما أن خبراتهم في إدارة مفاصل الدولة تشبه خبراتهم في المجال العسكري، وهي أقل ما توصف به أنها محدودة وضيقة الأفق وتلتزم بتراتبية عقيمة.

والجزء الثاني من مستويات الإدارة هو خريجو المعاهد العليا مثل معهد التعاون الزراعي أو الكفاية الإنتاجية وغيرها، ومع احترامي الكامل لبعض المجتهدين من خريجي هذه المعاهد، فإن الغالبية العظمي لم تحظ بدراسة جامعية جادة؛ لأنهم حصلوا على شهادات متوسطة (دبلومات صناعية أو تجارية أو زراعية) واستكملوا الدراسة الجامعية أثناء الوظيفة، وكانت الشهادات والامتحانات ليست فوق مستوى الشبهات، ناهيك أنهم لم يتلقوا العلوم الأساسية في المدارس المتوسطة مثل أقرانهم ممن درسوا في المدارس الثانوية العامة وليست التجارية أو الزراعية أو الصناعية.

في رأيي أن جوهر المشكلة يكمن في العسكريين وخريجي معاهد التعاون الزراعي والكفاية الإنتاجية، ولا خلاص لمشاكل الجهاز الإداري للدولة قبل التخلص من هاتين الفئتين في مستويات القيادة المتوسطة والعليا في الجهاز الإداري للدولة المصرية العميقة.

المصدر