أبو الغيط وعقدة غزة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
أبو الغيط وعقدة غزة

بقلم / الدكتور إبراهيم حمامي

أبو الغيط وعقدة غزة

أبو الغيط

ما أن ننسى أحد تلك التصريحات الغريبة حتى يخرج وزير الخارجية المصري بتصريح أكثر غرابة، وهنا نتحدث عن تصريحات موجهة تحديداً لكل ما يمت لغزة بصلة، تصريحات ضد الشعب بأكمله، تصريحات ضد قياداته، وأخرى بين هذه وتلك، وبشكل لا يخلو من لغة الغطرسة البعيدة تماماً عن كل ما يمت للدبلوماسية بصلة.

هذه اللغة واللهجة الهجومية التي يستخدمها سيادته لا نسمعها مطلقاً عندما يتعلق الأمر بالاحتلال أو من يقف وراء الاحتلال، بل نرى ونسمع لهجة هادئة ناعمة مغازلة مهادنة لا تليق أبداً بموقف ووضع ومكانة مصر، وتهوي بها دبلوماسياً بشكل لم يسبق أن عَرَفته، وبأسلوب أثار الاستغراب والدهشة وكذلك المطالبات المتكررة بإقالة الوزير الذي "بهدل" مصر ومكانتها.

لسنا نتجنى على أحد، ولسنا ممن يتدخل في الشؤون العربية مهما كانت، ولم ولن نفعل، لكننا نقف اليوم أمام ظاهرة متكررة تُجرم كل ما هو فلسطيني، وتمتدح بل تبرر جرائم الاحتلال، ظاهرة سيادة الوزير الذي يُعتقد وبشكل كبير أنه وراء الحملة التي شنتها الصحف الرسمية المصرية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي ضد أهلنا في غزة، ظاهرة تصل لدرجة العقدة من غزة وأهلها، وحتى يكون القول مستنداً لحقائق وبعيداً عن شخصنة الأمور لنتابع مواقف سيادة الوزير وردود الأفعال عليها:

تهديد غزة

1) أشهر مواقف وزير الخارجية المصري أبو الغيط كانت في لقاء مع التلفزيون المصري في الأسبوع الأول من شهر فبراير/شباط الماضي وتحديداً في 08/02/2008 عندما قال "أن من سيكسر خط الحدود المصرية ستكسر قدمه" ووصف في ذات التصريح صواريخ المقاومة بأنها "كاريكاتورية ومضحكة" وقال أيضاً " ان الصواريخ التي تنطلق من غزة على اسرائيل "بدأت تسقط قرب محطة كهرباء ومخازن للوقود داخل اسرائيل تمد قطاع غزة بالوقود والكهرباء"، واصفا المواجهة مع الاحتلال بأنها "مواجهة كاريكاتورية ومضحكة"، وأضاف ان "حماس عقب سيطرتها على القطاع قررت الاشتباك مع اسرائيل، لكن هذا الاشتباك يبدو كاريكاتوريا ومضحكا لان الاشتباك مع خصم بمعركة يعني ان تلحق به ضررا، لكن لا تشتبك لكي تتلقى انت الأضرار"، وهو التصريح الذي وضعه في خانة اسحق رابين الذي اتبع سياسة كسر الأيدي والأذرع، والذي أثار عاصفة من الانتقادات نرصد منها:

ارتفعت أصوات بتاريخ 10/02/2008 تتساءل: هل يعلم وزير الخارجية لماذا تحتفل مصر بعيد الشرطة كل عام؟ والجواب: انه يوم وقف جنود الشرطة في الإسماعيلية ببنادقهم أمام دبابات الاحتلال الانجليزي عندما حاولت اقتحام مبنى المحافظة، فهل كانت بنادقهم كاريكاتورية وتدخل في باب الخسارة؟

مطالبة المهندس ابراهيم أبو عوف عضو مجلس الشعب باعتذار علني من قبل أبو الغيط بسبب تصريحاته التي أضرت بمصر وتساءل "هل حديثه عن الربح والخسارة كأنة يتنكر من تضحيات شعب مصر والمصرين مثل تضحياته في حرب الاستنزاف وأفعال القوات الاسرائيلية التي كانت تغير وتدمر المدن وتقتل اهاليها .. – 11/02/200.

استنكر عبدالحليم قنديل الناطق بلسان كفاية الذين يعبرون عن دهشتهم من تصريحات أبو الغيط وشدد علي أن وزير الخارجية المصري لا يشغله بأي حال انهيار الدبلوماسية أو تراجع النفوذ المصري وكل ما يهمه في المقام الأول هو اصدار التصريحات التي تتسق مع موقف النظام، وتساءل قنديل: هل بوسع أبو الغيط أن يتحدث عن اسرائيل بمثل ذلك العنف الذي تحدث به عن الفلسطينيين ويهدد بقطع رجل أي يهودي من الذين يدخلون لطابا وشرم الشيخ في أي وقت شاءوا بدون أن يتعرضوا للاهانة علي المعابر كما حدث مع المرضي والنساء الفلسطينيات؟

هاجم حمدين صباحي عضو مجلس الشعب عن كتلة المستقلين ووكيل مؤسسي حزب الكرامة الموقف الرسمي المصري من القضية الفلسطينية والحصار المفروض علي أهالي القطاع، وأشار في تصريحات خاصة الي "أن ذلك الموقف شهد تحولا بنسبة مئة وثمانين درجة حيث مثل في بداية اقتحام المعبر مفاجأة سارة أسعدت الجماهير العربية ثم ما لبث أن تقهقر النظام للخلف وعاد لتشدده بل ان ما جري من تصريحات مستفزة علي لسان أبو الغيط تحمل اساءة ليس فقط للفلسطينيين وانما أيضا للشعب المصري الذي قدم بسخاء العديد من الشهداء وبذل المال والنفس دفاعا عن القضية الفلسطينية"، وطالب صباحي بإقالة أبو الغيط استجابة للغضب الشعبي العارم وجزاء لما اقترفه من اهانة في حق الشعبين المصري والفلسطيني.

هاجم المخرج الشاب خالد الصاوي تلك التصريحات وانتقد اللهجة التي تحدث بها أبو الغيط مؤكدا علي أنها تصلح مع "اسرائيل" لا مع الشعب الذي يدافع منفردا عن كرامة الأمة ويسعي لتحرير المسجد الأقصي وسائر البقاع التي تتعرض للحصار.

كما انتقد الشاعر أحمد فؤاد نجم ما ورد علي لسان وزير الخارجية وأشار في تصريحات خاصة لـ القدس] العربي حيث أشار أنه لم يصدق في البداية تلك التصريحات بسبب فجاجتها، وعلق نجم عليها قائلا: "شعرت بأن الذي يتحدث هو وزير عسكري في دولة عدو وليس دولة ظلت القضية الفلسطينية علي رأس أولوياتها"، وأضاف بأنه ظن أولا بأن تلك التصريحات أطلقها وزير اسرائيلي حتي تبين الأمر.

2) في واحدة من أكبر السقطات السياسية أعلن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أن مصر ترغب في تشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية دون مشاركة حركة حماس حتى لا تكون قيدًا على التوصل لاتفاق تسويةٍ شاملةٍ في ظل برنامجها المقاوم، وأشار بحسب ما نشرته "جريدة الجمهورية" بتاريخ 20/04/2008 في اجتماعه مع أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى أنه في حال توصل السلطة الفلسطينية إلى اتفاق تسويةٍ شاملةٍ مع الكيان الصهيوني سيتم طرح هذا الاتفاق على الشعب الفلسطيني في استفتاءٍ شعبي في سلامٍ تام، مضيفًا أنه إذا رفض فعليه أن يتحمل الكارثة التي أوقع فيها نفسه!

في اليوم التالي أي في 21/04/2008 نُشرت تصريحات لنخبة من المتخصصين في السياسة الخارجية في مصر تعقيباً على تلك التصريحات نقتبس منها التالي:

الدكتور عبد الله الأشعل مساعد وزير الخارجية السابق علق قائلاً : أن هذه التصريحات جاءت في وقتٍ غير مناسب؛ ولا يمكن أن يكون هذا التصريح معبرًا عن موقف مصر، بل يمكن أن يكون ملاحظات شخصية للوزير لا تعبر عن موقف مصر، وتساءل الأشعل: إذا كان هذا هو موقف مصر فلماذا تقوم بالتهدئة والتسوية؟ وشدد على "أنه إذا كان ذلك موقف مصر الرسمي فهو موقف يخلو من الحكمة ولا يرى الواقع، مضيفاً "مثل هذه التصريحات لن تؤثر بأي حال على العلاقات المصرية الفلسطينية أو على الأمن القومي، ولكنها تعكس قصورًا في الرؤية السياسية للخارجية المصرية" اللواء طلعت مسلم الخبير الإستراتيجي قال أن موقف أبو الغيط موقف غير أخلاقي وغير سياسي، مشددًا على أنها غير متوقعة وتأتي في سياق خطير في ظل الأوضاع الموجودة حاليًا في فلسطين

د. رفعت سيد أحمد أشار أن هذه التصريحات نوع من الحماقة السياسية والرعونة وأضاف أن هذه التصريحات تسيء للعلاقات المصرية- الفلسطينية

اللواء جمال مظلوم الخبير الإستراتيجي ذكر" أنه لم يكن هناك داعٍ لهذه التصريحات" وأشار إلى أن هذه التصريحات "ليس لها تأثير على الأمن القومي المصري"، موضحًا أنها "تأتي كتصريحاته السابقة التي قال فيها "مَن سيعبر الحدود سنكسر قدمه"، مؤكدًا أنها "تصريحات تأخذ وقتها وتنسى"

خليل العناني الباحث السياسي ومحرر الشؤون الدولية بمجلة السياسة الدولية قال أن "التصريحات تعبر عن قدر عالٍ من الفراغ الموجود في أجندة وزارة الخارجية"، مشيرًا إلى أنها "تلجأ دومًا إلى تصريحات رد الفعل ولا تمتلك أي قدر من المبادرة"، وأشار أيضاً إلى أن تصريحات أبو الغيط "تساهم في توسيع الفجوة والفرقة في الموقف الفلسطيني"، وأكد أن "مصر لديها وزير ألفاظه تخونه وتعبيراته تسقطه دائمًا في خانة الاتهام"، موضحًا أن تصريحاته في أحيان كثيرة "لا تتسم بالعقلانية المفترضة من وزير ملفه بحجم العلاقات الخارجية لمصر"

د. محمد عصمت سيف الدولة الباحث في الشؤون الفلسطينية أكد أنه "على الشعب الفلسطيني ألا يلتفت إلى مثل هذه التصريحات ولا يتوقفون كثيرًا معها، فهو لا يتحدث عن الشعب المصري أو عن التيارات السياسية في مصر".

3) كرر سيادة الوزير التهديد لغزة حيث قال في 28/08/2008 في حوار مع قناة العربية بأن أية محاولة لاقتحام الحدود المصرية ستواجه ب"رد رادع وقوي".

4) في ذات الأسبوع من شهر أغسطس/آب رفضت السفارة المصرية في عمّان استلام رسالة تمثل عشرات الشخصيات الأردنية تطالب مصر بفك الحصار عن قطاع غزة وفتح معبر رفح الحدودين وكذلك فعلت السفارات المصرية في عدد من العواصم الأوروبية حيث أنها لن ترد على طلبات متكررة للاجتماع بمؤسسات فلسطينية ناشطة في أوروبا لاستيضاح الموقف المصري.

5) في 31/08/2008 وفي مقابلة نشرت في مجلة "أكتوبر" المصرية أطلق أبو الغيط مقترحه حول ارسال قوات عربية لغزة قائلاً "إن وجود قوات عربية على الأرض يمكن أن يساعد على منع الاقتتال ووقف الصدام الإسرائيلي الفلسطيني ويمكن أن يتيح للفلسطينيين إعادة بناء إمكانياتهم داخل القطاع وبشكل يحقق الوئام"، دون أن يأتي على ذكر الضفة الغربية وممارسات الاحتلال فيها.

6) آخر تصريحات أبو الغيط نُشر اليوم 16/10/2008 حيث هاجم وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط حركة حماس واتهمها باستخدام الجندي الاسرائيلي المختطف جلعاد شليط للمناورة، وقال ابو الغيط في حديث لتلفزيون البي بي سي 'ان من يطالبون بفتح معبر رفح يسعون للحصول على الشرعية وليس خدمة مصالح الشعب الفلسطيني'.

ورفض ابو الغيط تدخل اي قوى او دول غير مصر في المصالحة بين حركتي حماس وفتح. وقال ان تدخل اي جهة يمثل لعبة مكشوفة.

أي أن أبو الغيط اعترف أن اغلاق المعبر ليس بسبب اتفاقات دولية لكن لموقف يتخذه من القيادة في غزة.

مع "غير غزة" يختلف الأمر

هذه اللغة الفظة والفجاجة غير اللائقة التي يستخدمها أبو الغيط عند حديثه عن قطاع غزة، تنقلب إلى لهجة حنونة مسالمة ودودة عند الحديث عن الاحتلال ومن يقف وراءه، وتصل في بعض الأحيان لدرجة الاستجداء وتبرير الجرائم، وهنا نرصد ايضاً بعضاً من تلك المواقف والتي وثقها الكاتب كريم محي الدين حيث يقول:

في مواجهة سيل الانتقادات الحادة التي وجهها المراقبون لوزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط عقب تصريحاته في لقاء في مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن- والتي قال فيها إن مصر ترى في تشكيل حكومة وحدة فلسطينية تستثني حركة المقاومة الإسلامية حماس حلا جيدا للأوضاع المأساوية على الساحة الفلسطينية- سارعت الخارجية المصرية بتدارك الأمر عن طريق أحد المتحدثين باسمها لتنفي ما نقل عن الوزير أبو الغيط بحجة وجود أخطاء بالترجمة الانجليزية المصاحبة لكلمته.

غير أن أحدا لم يعر اهتماما كبيرا لهذا النفي الرسمي من جانب وزارة الخارجية خاصة وأن سجل الوزير حافل بالعديد من التصريحات الغريبة وغير المستساغة دبلوماسيا. السيد الوزير هو صاحب التصريح الشهير الذي هدد فيه "بقطع أقدام" أي ناشط من غزة يجرؤ على المساس بالحدود المصرية، وذلك إبان بلوغ الحصار الأخير على غزة مرحلة غير مسبوقة أوصلت الفلسطينيين في القطاع إلى حافة الجوع والعطش!

وهو ذات الوزير الذي قال لوزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس في زيارتها لمصر عام 2005م :"هل أعجبكم كلامي أم أنكم ستقومون بإقالتي من منصبي؟!"، والتصريحات الأخيرة تحديدا قوبلت باستهجان واسع النطاق في الصحافة المصرية لاسيما المستقلة منها، والتي وصفت التصريحات بالرعناء وغير المسئولة، في حين حاول أبو الغيط تفادي الموقف بتبريرات واهية من قبيل أن هكذا كلام كان في إطار المزاح! دون أدنى اعتبار من جانبه لرصانة الوضع الدبلوماسي والذي من المفترض أن يكون ملتزما به.

وبلغت علاقة الوزير بالصحافة المصرية حدها الأقصى من التنافر بعد حديث آخر للسيد أبو الغيط في أكتوبر 2007م الذي توجه به أيضا إلى كوندوليزا رايس بعد أن أومأت له بانتهاء المؤتمر الصحفي بينهما، وقال: "نعم، كما تشائين" ، وعندما بادرته رايس برد دبلوماسي منطقي مفاده أن الأمر متروك لك وأن البيت بيتك، قال أبو الغيط معترضا: "لا لا لا إنني رهن تصرفك!"، وهي التصريحات التي جعلت الانطباع الصحفي السائد في مصر عن شخصية الوزير أبو الغيط بأنها شخصية ليست على مستوى المسئولية الكاملة.

الغريب أن المستوى الدبلوماسي المنخفض المتمثل في عدم اللباقة في الحديث، لاسيما في المؤتمرات الصحفية وأمام شاشات القنوات الفضائية، لم يثر استهجان الصحافة المصرية المستقلة فقط، بل امتد تأثيره إلى الصحافة الغربية منها، والأمريكية منها على وجه الخصوص، فصحيفة نيويورك تايمز الشهيرة تناولت الحوار الذي دار بين الوزير أبو الغيط والوزيرة رايس بشيء من الدهشة والاستنكار!

الدهشة من تنازل أبو الغيط عن حقه الذي يكفله له البروتوكول والقواعد الدبلوماسية المنظمة لمثل هذه الأمور، والاستنكار لحالة التفريط الغريبة التي بدا عليها الوزير المصري مع نظيرته الأمريكية (لاحظ أن الصحافة الأمريكية هي التي تعلق وليس المصرية!)

ولعل من أشهر تعليقات المراقبين الأمريكيين إزاء التصريحات الغريبة لأبو الغيط ما قاله الصحفي الأمريكي الشهير سيمور هيرش – أثناء وجوده بمصر بدعوة من مؤسسة هيكل للصحافة منذ عام تقريبا- من أن مصر لديها سفارات كثيرة لا تستفيد منها، كما أن لديها وزير خارجية "مهذب" ولكنه لا يعلم شيئا عن حقيقة الأمور مبديا اندهاشه من الأداء الدبلوماسي الهزيل للوزير أبو الغيط!

أقوال وتصريحات أبو الغيط أمام أطراف دبلوماسية أمريكية يوازيها تصريحات أخرى على الجانب "الاسرائيلي"، إذ أن السيد الوزير لا يرى في إذاعة التليفزيون الرسمي للاحتلال لفيلم يصور قتل الأسرى المصريين عام 67 أي دليل موثق ضد الاحتلال لمحاكمته دوليا! إذ قال حينها: "لا يمكن الاستناد في إدانة إسرائيل إلي معلومات صادرة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية لكونها غير موثقة وغير رسمية!" وأضاف: "اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م تعطي الحق لمصر في مطالبة إسرائيل بإجراء تحقيقات في الادعاءات بقتل الأسري المصريين وتلزم "إسرائيل" بإجراء التحقيق وملاحقة المتهمين وتقديمهم للمحاكمة" أي أن الاحتلال نفسه هو الذي سوف يرجع الحق المصري إزاء قتل الأسرى عام 67!.

والأكثر غرابة في هذا الصدد هو أن النبرة الهادئة التي يتميز بها أبو الغيط دائما في الحديث مع الدبلوماسيين الغربيين يقابلها نبرة حادة تماما في الحديث عن الشأن الفلسطيني بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، الأمر الذي يعزوه الكثير من المراقبين إلى حساسية هذا الملف للخارجية المصرية حاليا خاصة بعد أن أصبح – مع ملف دارفور – شأنا أمنيا أكثر منه دبلوماسيا، الأمر الذي جعل من الوزير عمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية المسؤول الأول عن هذين الملفين.

تخبطات دبلوماسية

لقد انحدر سيادة وزير الخارجية المصرية بمكانة مصر الكبيرة حتى بات الجميع يتساءل هل يناسب سيادته هذا المنصب الهام بعد سلسلة من الفضائح الدبلوماسية التي أضرت وتضر بسمعة مصر وتؤثر على دورها؟ لقد تعدى الأمر مجرد التهديد والوعيد الفج، إلى مرحلة من اللوثة الدبلوماسية، وقلة الاحترام، ومرة أخرى نضرب بعض الأمثلة حتى لا نظلم أحد:

بذات اللهجة الحنونة الاستعطافية توجه أبو الغيط بحديثه لقيادات الاحتلال التي رفضت نشر 750 جندي مصري اضافي في سيناء المصرية ليقول يوم 05/07/2005 وفي لقاء مع صحيفة هآرتس العبرية ورداً على ادعاءات رئيس لجنة الخارجية والامن في الكنيست يوفال شطاينيتس بان نشر الجنود المصريين يشكل تغييرا لمعاهدة السلام قال أبو الغيط ان "لا احد يتحدث عن تغيير المعاهدة وانما عن تفاهم مصري اسرائيلي لنشر 750 جنديا، "ولا يتوجب على دولة مثل اسرائيل ان تقلق من ذلك خصوصا اذا اخذنا بالحسبان انه اليوم ايضا هناك تواجد عسكري من خلال الشرطة المدنية (المصرية)، لكن القوات الاضافية ستكون مزودة باسلحة اكثر ومدربة اكثر"، واضاف ان "لدى إسرائيل 3000 دبابة وهذا الامر (انتشار الجنود المصريين) يجب الا يثير قلقها"، وهنا يتساءل أحدهم " مازالت اسرائيل ترفض طلب مصر بزيادة عدد قواتها على الحدود بمقدار 750 جندى ,,,,, ومازلنا فى انتظار تصريح فولاذى من وزير خارجيتنا أبو الغيط: سنكسر رقبة من يمنعنا من زيادة عدد جنودنا داخل أراضينا بالصورة التى نراها مناسبة!

في 03/08/2006 تراجع أبو الغيط عن تصريحات سابقة له بخصوص مقاطعة أمريكا و"إسرائيل" حيث نفى المتحدث الصحافي بوزارة الخارجية المصرية مارددته بعض المصادر الصحافية من أن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية أشار في اجتماع بمجلس الشورى مؤخرا الى ان مصر لا تأخذ موقفا من مقاطعة إسرائيل وأميركا لأن هناك اتفاقية التجارة الحرة التي تفرض عليها التعاون الاقتصادي!

خدمة مجانية قدمها الوزير أبو الغيط للاحتلال حين أعلن يوم 02/07/2007 أن الجندي الأسير شاليط ما زال حياً، وذلك في مؤتمر صحفي مشترك مع تسيبي ليفني.

رغم اللهجة الحانية التي يستخدمها أبو الغيط عند حديثه عن الاحتلال والخدمات المجانية شنت وزارة الخارجية "الاسرائيلية" وبتاريخ 02/01/2008 هجوما عنيفا وغير مسبوق على وزير الخارجية المصري احمد ابو الغيط وأوصت المستوى السياسي بتقليص العلاقة معه والتركيز على اجراء اتصالات مباشرة مع الرئيس المصري حسني مبارك ورئيس المخابرات عمر سليمان، ووصفت وزارة الخارجية "الإسرائيلية" وفقا لما نقلته صحيفة "معاريف" العبرية الوزير أبو الغيط بأنه شخصية ليست ذا صلة ومتطرفة.

في 20/07/2007 وفي زلة غير دبلوماسية واضحة قال أبو الغيط ان لجنة الاعتمادات في مجلس النواب الاميركي علقت مئتي مليون من المساعدات العسكرية السنوية لمصر "حتى تشهد وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ان هناك ثلاث نقاط تم استيفاؤها"، واوضح ان النقاط الثلاث "تتعلق باصلاح النظام القضائي وحقوق الانسان واعادة تاهيل الشرطة المصرية" مضيفا باللهجة العامية المصرية "طيب وانتم (الولايات المتحدة) مالكم؟ لو عاوز اعمل اصلاح حاعمل"!

في فضيحة دبلوماسية غير مسبوقة وبحسب صياغة الخبر في صحيفة الأخبار في عدد 24/09/2008 - وزير يؤكد وحكومته تنفي! معلومات متضاربة، لا أحد يملك أدنى فكرة عن حقيقة ما يجري. تلك ببساطة كانت خلاصة المشهد العبثي الذي يعيشه المصريون منذ يومين وهم يتابعون باندهاش تكذيب حكومتهم الرسمي لإعلان أحمد أبو الغيط الإفراج عن السيّاح الـ19 المختطفين منذ يومين على الحدود المصرية- السودانية.

فبعد دقائق من إعلان أبو الغيط، من نيويورك، عن «الإفراج عن جميع المختطفين سالمين آمنين»، نفى المتحدث باسم الحكومة المصرية، مجدي راضي، صحّة معلومات رئيس الدبلوماسية المصرية.

ويجمع المصريون على أنّ تلك الأزمة كشفت من بين أشياء أخرى عن أن حكومة أحمد نظيف تفتقد التعايش في ما بين أعضائها، وأنها باتت بمثابة جزر منعزلة لا رابط ولا تنسيق في ما بينها، وتنبع خطورة تصريحات أبو الغيط من أنّها أتت في حضور نظيرته الأميركية كوندوليزا رايس، وبوجود الإعلام الأميركي «السليط اللسان» الذي لم يتوانَ عن نعت أبو الغيط بـ«الكذّاب»، بعدما اتضح عدم صحة ما قاله.

وكنتيجة لتلك الفضيحة طالب النائب الوفدي صلاح الصايغ يوم 27/09/2008 بإقالة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بسب التصريحات غير المسئولة التي أكد خلالها الإفراج عن السياح الأجانب والمصريين المختطفين علي الحدود المصرية السودانية، وأشار النائب في طلب إحاطة تقدم به إلي رئيس الوزراء أن الوزير المصري وقع في خطأ فادح وأساء إلي صورة وزارة الخارجية والنظام المصري في الخارج، وأظهرهم بمظهر النظام الذي لا يعرف وزراؤه شيئًا عما يحدث داخل البلد، والدليل علي ذلك أننا فوجئنا بوزير الخارجية وهو موجود بالأمم المتحدة يعلن عن إطلاق سراح السياح المختطفين وهو ما أدي إلي أن يبادر المتحدث الرسمي باسم الحكومة إلي تكذيب تصريحات وزير الخارجية بدقائق، ونفي وزير السياحة زهير جرانة تصريحات أحمد أبو الغيط.

بتاريخ 07/10/2008 وعقب أبو الغيط الأخيرة لبغداد وفي استهانة بالخطوة المصرية صرّح محمود عثمان، النائب عن كتلة التحالف الكردستاني، أن «السبب الرئيسي لزيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط إلى العراق، هو الحصول على النفط العراقي بأسعار تفضيلية! وأوضح عثمان، في تصريحات لوكالة نيوزماتيك التشيكية أمس، أن «أبو الغيط جلب معه وزير الطاقة والكهرباء المصري حسن يونس، بغية التنسيق مع الحكومة العراقية لتمرير اتفاق بيع النفط العراقي بأسعار مخفضة لمصر، أسوة بالأردن ولبنان!، أي أنه وبرغم الخطوة التي أقدم عليها أبو الغيط بزيارة العراق المحتل وإعادة السفير المصري لبغداد وهي تأن تحت نير الاحتلال، لم يسلم من التقليل من شأن تلك الخطوة.

مصر تستحق أفضل

ما سبق كان سرداً سريعاً جداً لما وصل إليه حال الدبلوماسية المصرية في عهد أحمد أبو الغيط، وتاريخ سيادة الوزير حافل بمثل هذه المواقف والتصريحات التي تُبرر إما أنها خطأ في الترجمة أو المزاح أو غيرها، لكن الخلاصة أن دور مصر التاريخي مهدد وبشكل مباشر ان استمر هذا الأسلوب وهذا النهج.

لا يوجد فلسطيني على وجه الأرض لا يحب مصر ولا يقدر دورها وعطاءها وتضحياتها المستمرة للقضية الفلسطينية ومن أجل فلسطين، ولا يوجد فلسطيني واحد لا يحرص على الأمن القومي المصري، لكن ايضاً لا يوجد عربي واحد يقبل بهذه المهزلة الدبلوماسية والتعالي والفجاجة والفظاظة التي يتحفنا بها سيادة وزير الخارجية أحمد أبو الغيط، واننا أذ نخوض في هذا الأمر ليس من باب التدخل في الشأن الداخلي المصري، ولا تعدياً على سيادة مصر، لكن أولاً من باب الحرص على بلد نكن له كل الاحترام والتقدير، وثانياً لأن تلك المواقف والممارسات أضحت شأناً فلسطينياً مباشراً من خلال ما يمارسه سيادة الوزير من تهديد ووعيد لغزة وأهلها، وثالثاُ لأن تلك المطالب صدرت وتصدر من داخل مصر كما وثقنا هنا، وأخيراً احقاقاً للحق ونصرة له

إن مصر مطالبة اليوم حكومة وشعباً، مؤسسات أهلية وقيادات رسمية أن تتخذ القرار المناسب لانقاذ صورة مصر الخارجية والتي تتعرض للاهتزاز الشديد بسبب فضائح سيادة الوزير المتكررة، وافتقاده لأسلوب العمل الدبلوماسي اللائق، وتوريطه مصر في مواقف هي في غنى عنها.

آن الأوان أن يعود أبو الغيط إلى البيت.

المصدر