"القواعد الأميركية المفترضة": أضاليل أم حقائق؟!

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
"القواعد الأميركية المفترضة": أضاليل أم حقائق؟!


بقلم : فادي شامية

آخر الملفات المثيرة للجدل بين فريقي 8 و14 آذار، ملف القواعد الأميركية المفترضة في لبنان. الموضوع جذوره قديمة، إلا أنه حظي باهتمام كبير في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد "مانشيت" ملفت حملته صحيفة "السفير" المعارضة يوم الخميس 18 الجاري هو: "مشروع معاهدة توفر تسهيلات للقوات الأميركية في مواجهة الاستراتيجية الروسية في سوريا- واشنطن تطلب رسمياً تحويل لبنان إلى قاعدة عسكرية حليفة".

مطار القليعات قاعدة عسكرية أميركية!

في التفاصيل التي نقلتها "السفير" عن "مصادر موثوقة وتقارير لجهات أميركية رسمية"، أن وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات إيد إيدلمان يرافقه السفير جيفري فيلتمان، قد "عرض على المسؤولين مسودة اتفاقية عسكرية لبنانية ـ أميركية مشتركة، تتناول المواضيع العسكرية والأمنية والاستراتيجية...وأن مشروع الاتفاقية العسكرية بين لبنان والبنتاغون يلحظ قيام مجموعات عسكرية ومخابراتية أميركية ـ لبنانية فضلاً عن لجان مشتركة للتنسيق والمتابعة". كما تقضي الاتفاقية بإقامة مراكز تدريب برية وجوية وبحرية" حددتها الصحيفة بالتفصيل. بطبيعة الحال فقد روّجت القنوات التلفزيونية المعارضة لهذا الكلام، وتسرّعت "المنار"، فادعت أنها تملك وثائق تؤكد ما نشرته السفير لجهة إنشاء قواعد عسكرية، ولا سيما في مطار القليعات في شمال لبنان. بدوره ادعى النائب السابق ناصر قنديل أن "الهدف الأساس من زيارة قائد القوات الأميركية الأدميرال فالون إلى بيروت، هو وضع إنشاء القاعدة العسكرية في مطار القليعات في الشمال حيّز التنفيذ، بعدما كان قد صُرف النظر عن إنشائها قبل عامين". من جهته حذّر "حزب الله" في بيان له من "إقامة قواعد أميركية مفترضة في لبنان" منبهاً إلى أن الجنود الأميركيين "سيعاملون في هذه الحالة كقوة احتلال".

الحقائق والأضاليل

مما لا شك فيه أن الإدارة الأميركية تدعم فريق 14 آذار، وأنها تراهن على الجيش اللبناني والقوى الأمنية الرسمية في مواجهة "حزب الله"، وأنها تعادي فريق 8 آذار وتضع فريقاً أساساً فيه على لائحة الإرهاب، وأنها تريد أن تربح "نقاطاً لبنانية" في صراعها في المنطقة، لكن هل تعني كل هذه المقدمات أن الإدارة الأميركية بصدد تحويل مطار القليعات إلى قاعدة عسكرية، وأنها تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية مشتركة مع الجيش اللبناني كما ذكرت "السفير"؟! واستطراداً هل ثمة مصلحة لها في إقامة مثل هذه القواعد؟ وإذا كان ثمة مصلحة، فهل ثمة قدرة على تحقيق ذلك؟!

المنطق يقول إن أي بلد كبير له مصلحة بأن تكون البلدان الأخرى في معسكره. قد يتحقق ذلك في السياسة، وقد يتطور إلى مستوى عقد حلف يفضي إلى إقامة قواعد عسكرية فوق تراب هذا البلد، لكن المنطق نفسه يقول إن ذلك غير ممكن في بلد كلبنان، ولو كان ممكناً لشاركت الولايات المتحدة الأميركية في قوات اليونيفيل المعززة بعد حرب تموز. الولايات المتحدة تدرك أنها ستكون هدفاً سياسياً وعسكرياً في حال تواجدت في لبنان، والحكومة اللبنانية تدرك ذلك أيضاً، لذا فقد جاء جواب الحكومة حاسماً لجهة نفي الموضوع جملة وتفصيلاً، ما اضطر "السفير" في اليوم التالي، ورغم النبرة العالية في التعليق على كلام وزير الإعلام غازي العريضي، إلى القول "إننا لم نتهم حكومته، بل طالبناها بما ينفي شبهة التورط في اتفاق استراتيجـي مع هذه الإدارة الأميركية". من جهتها نفت السفارة الأميركية في بيروت أنها تسعى لإقامة قواعد لبلادها في لبنان، وقد نشر السفير جيفري فيلتمان في 23 الشهر الجاري رداً في صحيفة "السفير" نفسها قال فيه: "نحن لم نقترح في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل إقامة قواعد عسكرية أميركية في لبنان. إن اقامة قواعد عسكرية أميركية في لبنان ليست في مصلحتنا، وبالتأكيد ليس في مصلحة اللبنانيين". موضحاً أن "اقتراح السفير ايدلمان لوزير الدفاع وقائد الجيش بإنشاء لجنة ثنائية (كان) لمناقشة كيفية استخدام الأموال المتاحة للمساعدات". تأكيد فيلتمان لم يكن بعيداً عن تعليل "الزعيم المعارض" سليمان فرنجية الذي رفض فكرة القواعد هذه، ليلة 23-10 في إطلالته على التلفزيون البرتقالي، على اعتبار أن "لا حاجة للجيش الأميركي ليقيم قواعد في لبنان معرّضة لهجمات، فعنده قبرص وتركيا". بطبيعة الحال فإن أياً من الجهات السياسية أو الإعلامية التي تناولت الموضوع لم تقدم أي دليل مباشر على وجود مشروع كهذا، وحدها "السفير" أوردت سلسلة من الزيارات التي قام بها مسؤولون أميركيون إلى لبنان، لكن هذه الزيارات التي تعبر عن حجم الاهتمام الأميركي بلبنان، لا تعني بالضرورة السعي لإقامة هذه القواعد.

ملاحظات ملفتة

ثمة ملاحظة ملفتة في هذا الموضوع، وهي استخدامه في إطار التصويب على الحكومة، رغم اعتراف الجهات نفسها بأن اجتماعات المسؤولين الأميركيين شملت قائد الجيش العماد ميشال سليمان، الذي يحظى بالثناء من الفريق المعارض على مواقفه الوطنية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الجناح المسيحي من الفريق المعارض كان ينتقد الإدارة الأميركية، وتالياً الحكومة اللبنانية على تأخر تسليح الجيش من العتاد الأميركي إبان معركة نهر البادر، بل إن بعضهم، وفي معرض المزايدات السياسية، طالب الحكومة علناً بتأمين الدعم والتسليح للجيش من أميركا أسوة بالاهتمام بقوى الأمن الداخلي!. ملاحظة ثالثة جديرة بالاهتمام، وهي أن زيارات السفير الأميركي والشخصيات الأميركية الأخرى إلى لبنان، غير مقصورة على الحكومة القوى الداعمة لها، لكنها تحمل قرينة الاتهام بمجرد أن تكون مع "الموالاة"، بينما لا تحتفظ بقرينة البراءة عندما تشمل العماد ميشال عون أو الرئيس نبيه بري أو غيرهما من "المعارضة".

عند اندلاع الحرب في مخيم نهر البارد ثمة من روّج إلى فكرة مفادها أن الهدف من الحرب هو تدمير المخيم وجرفه لتحويله إلى قاعدة أميركية، تنفيذاً لقرار من ديفيد ولش. انتهت الحرب وبدأت العودة وجمعت الحكومة المال من الدول المانحة بهدف إعادة الإعمار، وتبين أن ما قيل لم يكن إلا تضليلاً للرأي العام، استُخدم في إطار الصراع السياسي. الآن انتقلت القاعدة الأميركية من نهر البارد إلى القليعات، وربما ستنتقل إلى مكان آخر عندما سيظهر أن لا أساس لوجود هذه القاعدة هناك!.

المصدر