الشجرة الطيبة دعوة الإخوان المسلمين (الحلقة الثانية)

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٣٣، ٢٢ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Sasky (نقاش | مساهمات) (←‏موضوعات ذات صلة)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
الشجرة الطيبة دعوةالإخوان المسلمين (الحلقة الثانية)


ثانيًا: في ميدان التربية

Ikhwan-logo1.jpg

أثر التربية الإخوانية في أفراد الأمة

انتسب إلى هذه الدعوة نصف مليون من الشباب والرجال!! فهل اكتفت قيادة الجماعة بانتسابهم وتباهت بكثرتهم؟ هل اكتفت بتجميعهم والتظاهر بهم؟ هل اكتفت باستنفاد طاقاتهم في أعمالها السياسية والحركية؟ أم ماذا كان دورها مع هذه الجموع التي أسلمت لها قيادها؟


يقول الأستاذ البنا- في خطابه بالمؤتمر الخامس للإخوان المسلمين عام 1939-: "تميَّزت دعوة الإخوان بخصائص خالفَت فيها كثيرًا من الدعوات التي عاصرتها، ومن هذه الخصائص العناية بالتكوين والتدرج في الخطوات، وتحدث عن التكوين والتدرج في الخطوات عند الإخوان المسلمين فقال: "كل دعوة لا بد لها من مراحل ثلاث: مرحلة الدعاية والتعريف والتبشير بالفكرة وإيصالها إلى الجماهير من طبقات الشعب، ثم مرحلة التكوين وتخيُّر الأنصار وإعداد الجنود وتعبئة الصفوف من بين هؤلاء المدعوين، ثم بعد ذلك كله مرحلة التنفيذ والعمل والإنتاج.. وفي حدود هذه المراحل سارت دعوتنا ولا تزال تسير".


وقد أخذت الجماعة بوسائل متعددة للتربية وتكوين الأفراد، نشير إلى أهمها فيما يلي:


أولاً: الأسرة

الأسرة عند الإخوان المسلمين هي اللبنة الأولى في بناء الجماعة وتكوينها، كما أنها أساس التكوين للأفراد، وأمثل الأساليب لتربية الفرد تربيةً متكاملةً، تتناول كل جوانب شخصيته، وتصوغ هذه الشخصية صياغةً إسلاميةً وفق كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.


ثانيًا: الكتائب

والكتيبة تعني أسلوبًا خاصًّا في تربية مجموعة من الإخوان، يقوم هذا الأسلوب على تربية الروح، وترقيق القلب، وتزكية النفس، وتعويد البدن والجوارح على الاستجابة للعبادة بعامة وللتهجد والذكر والتدبر والفكر بصفة خاصة.


ثالثًا: الرحلات

وللرحلات كوسيلة تربوية عند الإخوان أهدافٌ متعددةٌ يمكن أن نشير إليها فيما يلي:

- التريض وما يترتب عليه من تقوية البدن، وكذلك الترويح عن النفس.

- توثيق العلاقة بين الأفراد وتعميق الارتباط بينهم.

- تدريب الأفراد على الاعتماد على النفس وحسن التصرف وتحمل المشاق والنظام الانضباط.

- التربية على الجماعية في العمل والتنفيذ والمشاركة والتعاون في تنفيذ الأعمال.

- تدريب الأفراد على القيادة وتحمل المسئوليات.

- الخبرات العملية بالأماكن وجغرافية البلاد وأحوال المجتمع.


رابعًا: المعسكرات

وهي من أهم وسائل التربية عند الإخوان المسلمين، ومن الأهداف التربوية للمعسكرات:

1- صبغ حياة الفرد بصبغة إسلامية خالية من الشوائب على مدى اليوم كله ليله ونهاره، لفترة تشتمل على عدد من الأيام أو الأسابيع؛ ليتشرَّب السلوكيات الإسلامية والآداب القرآنية.


2- تعويد المشاركين في المعسكر على ممارسة الحياة العسكرية الخَشِِنَة، والتدرب على ممارسة الجندية بكل معطياتها من طاعة ونظام وتحمُّل وانضباط والتزام.


3- التدريب على كثير من الأعمال الحركية كالحراسة والأمن والإدارة العملية للأفراد والأعمال والتصرف الفوري لمواجهة المواقف والأحداث.


4- التدرب على التفرغ الكلي للدعوة مدةً معينةً والانقطاع عن المشاغل الحياتية المعتادة.


5- التدرب على تحمل المسئوليات العملية والتعرف على أعبائها وواجباتها.


خامسًا: المؤتمرات

ومما يميِّز المؤتمر عن سائر وسائل التربية:

1- أنه يضمُّ حشدًا كبيرًا من المشاركين في الدراسة، أعدَّ كلٌّ منهم نفسَه للمشاركة في المؤتمر ببحث أو دراسة جيدة في الموضوع المعروض في المؤتمر، كما أنه يضمُّ حشدًا كبيرًا من الحاضرين المدعوين للاستماع والاستفادة، ويُتيح لهم فرصةً جيدةً للاشتراك في المناقشة والحوار.


2- أن المؤتمر يركِّز بعمق ودقة على تنمية الجانب الفكري والثقافي لدى الحاضرين للمؤتمر، وتنمية الوعي السياسي وتعميق المعرفة السياسية لديهم تجاه القضايا المطروحة، وواضح ما لهذه الجوانب من أهمية في شخصية مَن يتصدى للعمل الإسلامي.


3- أن المؤتمر يهدف كذلك إلى تنبيه الرأي العام وتوعيته لمطالبه المشروعة في القضايا المختلفة، وقد حَفَل تاريخ الجماعة بالكثير من المؤتمرات العامة والنوعية في العاصمة والأقاليم.


آثار التربية الإخوانية:

هذه نبذةٌ موجزةٌ عن التربية ووسائلها وما أخَذت به الجماعة منها، فكيف كانت الآثار والنتائج؟!


يحدثك أحد أفراد أسرة إخوانية فيقول:

"لقد أنشأت هذه الأسرة فيما بيننا من الحب والعاطفة ما زلت أحسُّه حتى الآن، وبعد أن انقضى على ذلك قرابة خمسة وثلاثين عامًا، ولو أقسم علي أحدهم بهذا الإخاء لأبررته" (النقط فوق الحروف- أحمد عادل كمال- ص 73).


ويتلوه أحد أفراد كتيبة إخوانية فيقول:

"كنت أشعر مع نهاية كل كتيبة أنني ولدت من جديد، وهذا الشعور كان يشاركني فيه جميع زملائي، والذين عاشوا هذه الكتائب ما أظنهم ينسون أنهم قضوا أجمل أيام عمرهم.. كانت كتيبتنا تضم ثلاثين شابًّا من خيرة شباب الإخوان، ولو تتبعت تاريخ هؤلاء الرجال الآن وأين هم من المجتمع لاستوقفك الأمر كثيرًا" (حسن دوح- 25 عامًا في جماعة- ص 31).


هذه هي انطباعات الأفراد والأعضاء والمشاركين، فماذا عن الآخرين؟!

عن عبادتهم والتزامهم بدينهم يروي لك الكاتب الكبير طاهر العربي موقفًا عمليًّا حضره بنفسه فيقول:

"قصد لفيف كبير من أعضاء جمعية الإخوان المسلمين مركز جمعية الاقتصاد السياسي لسماع محاضرة فضيلة الأستاذ الشيخ محمد سليمان عثارة "بأي شرع نحكم؟!" وكان عجيبًا أن يغفل الأستاذ المحاضر في رقعة الدعوة ملاحظة وقت صلاة المغرب فيحدد لسماع محاضرته الساعة السادسة والربع مساءً أي وقت صلاة المغرب.


وغصَّت قاعة الجمعية الاقتصادية بالمدعوين، وكان أكثرهم من الشيوخ رجال الدين وأئمة الشريعة، وما أدري- والله وحده أعلم بالسرائر- أكان يشغل بال هؤلاء الأئمة من رجال الدين أمرَ صلاة المغرب التي اتفقت الظروف السيئة أن تكون هي والمحاضرة في دقيقة واحدة.


ولكن الذي أدريه وأفخر به ويسرني أن أُثبته هنا أني رأيت جمعًا كبيرًا من الشباب المثقف- شباب جمعية الإخوان المسلمين- قد اصطفوا في إحدى قاعات الجمعية وأذَّن شابٌّ منهم أن حي على الصلاة حي على الفلاح، وسرعان ما هرول هؤلاء الشيوخ جميعًا إلى القاعة وفي مقدمتهم الأستاذ المحاضر، وقد بدَت على وجوههم جميعًا آياتُ الدهشة والإعجاب، وتساءلوا وهم يرددون: ما شاء الله ما شاء الله.. من عساهم يكونون هؤلاء الشبان؟!


على أنني وقد شاهدت هذا المنظر الرائع لم أتمالك أن أكفكف عبراتي سرورًا وابتهاجًا ولساني يردد حقًّا إن الإسلام غريبٌ في بلاده، وكيف لا يكون غريبًا في بلاده وقد عجب شيوخ الإسلام وأئمة رجاله أن يروا فريقًا من الشباب يؤدون الصلاة ويدعونهم إليها" (مجلة جريدة الإخوان المسلمين- س 4-عدد 1).


وعن أخلاقهم وسلوكهم يحدثك أساتذتهم بالمدارس والجامعات، فيقول د. أحمد الحوفي الأستاذ بكلية دار العلوم: "درَّست بالمدرسة السعيدية ست سنوات وبكلية دار العلوم خمسًا، شهدت فيهن عن كثب وتجربة ويقين عِظَم أثر الشهيد في مريديه من الطلاب.. جرأة في الحق، واستقامة في الخلق، واعتزاز بالدين، وجدّ في الدرس، ورجولةٌ مبكرة، وثقافة إسلامية متنورة، ومقدرة بيانية واعية".


ويوافقه د. عثمان خليل عميد كلية الحقوق بجامعة عين شمس فيقول: "وقد كان مريدوه من طلبتي خير عنوان لرسالته، فقد ازدادت معرفتي به في أشخاصهم، وازددت تقديرًا لجهاده بما خلفته تعاليمه فيهم من قوة الإيمان وكمال الرجولة وقويم الخلق".


وفي المؤتمر الختامي لطلاب الإخوان المسلمين بالمركز العام وقف الأستاذ سيد قطب بعدما رأى هذه الجموع الحاشدة من الطلاب وقال: "ما أثر التربية الإسلامية في تكوين الشباب؟ هو أنتم أثرها، هو أن تُحيل ذلك الحطام الآدمي إلى شباب مثلكم، شباب متماسك قوي خَشِن مكافح مؤمن، باع نفسه لله، فأنتم المدلول الحي للتربية الإسلامية، أنتم كلمة الله لأن المسلم الحي هو كلمة الله في الأرض، لنرجع عشرين عامًا إلى الوراء لنرى كيف كان الشباب مائعًا مستهترًا، لقد شهدت شبابًّا يُحمِّر خديه وشفتيه سنة 1920، فمن هذا الحطام الآدمي كوَّن الإسلام أبطالاً هم أنتم، لقد استطاعت التربية الإسلامية أن تخلق جيلاً لا يستحي من الإسلام كما كان يستحي الجيل الذي قبله، واستطاعت التربية الإسلامية في جملةً واحدةً أن تفسد على الاستعمار ما تعب في عمله طويلاً، وقالت لدنلوب: "منذ اليوم لن تستطيعوا استعبادنا".


لقد خطر لنا في سنة 1920 أن نكوِّن رابطةً للطلاب المسلمين، فسخِرَ بنا رئيس الحكومة وزعماء الأحزاب آنذاك، وقالوا لو كانت تحمل اسم الطلاب "العرب" مثلاً لكانت "مبلوعة".. أما اليوم فلم تعد الدعوة إلى الإسلام سخرية.


وبعد ربع قرن يأتي د. أحمد شلبي صاحب موسوعة التاريخ الإسلامي فيُدلي بشهادة مؤرخ متخصص وفي نفس الوقت مراقب للأحداث ومعايش للمجتمع فيقول: "إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد، وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف، وكانت كلمة "من الإخوان المسلمين" طابعًا للتنزه عن الصغائر، والبُعد عن الرشوة وعن الإهمال، والحرص على أداء الواجب، وحيثما رأيت الآن رجلاً يبرز به هذا الطابع فاعرف أنه غالبًا كان منتسبًا إلى جماعة الإخوان المسلمين" (موسوعة التاريخ الإسلامي: ج 9).


وحق لزجَّالهم البارع عبد الحميد غالي أن يقول:

"لو حد فينا غلط واللا شتم إنسان

أو انحرف عن طريق العدل والإحسان

الناس يقولوا يا راجل دا انت من الإخوان

سيرتنا كانت عسل تحلا لكل لسان"


وتأتي شهادات الباحثين الأجانب عن أثر التربية الإخوانية في المجتمع مؤكدةً ومصدقةً لما سبق من شهادات وآراء، وهم أبعد ما يكونون عن المجاملة أو غلبة العواطف بل هم إلى التحامل أقرب:


ففي بحث بعنوان "حركة الشبيبة الإسلامية والصناعة الأدبية الحالية في مصر" أشارت الدكتورة كاري ردزنيسكي الباحثة في جامعة هارفارد الأمريكية إلى أن الإمام البنا استطاع أن ينتشل الآلاف من شباب مصر من المقاهي ومواخير المخدرات والمسكرات؛ ليصنع منهم دعاةً للإسلام، ويحولهم من حالة الضياع إلى قوة شبابية تخوض غمار السياسة مزاحمةً أقوى الأحزاب العريقة في مصر".


وفي بحث بعنوان (الإخوان المسلمون في التراث الشعبي المصري) يقول الدكتور ديفيد كومونز الأستاذ في جامعة ويكنسون الأمريكية: "إن الإمام البنا أعطى للشباب المصري الذي كان غارقًا في الإدمان على المخدرات والخمور معنى جديدًا للحياة من خلال العلم الذي كانوا ينهلونه من خلال اجتماعات الجماعة ومن خلال قراءتهم لرسائل الإمام البنا، كما أنه استطاع أن يُعيد اندماج هذا الشباب الخامل الكسول في المجتمع المصري ليكون شعلةَ نشاط في العمل الإسلامي".