خصائص «الانقلاب الدستوري» وأركانه الأربعة

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٨:٢٢، ١٧ ديسمبر ٢٠١٠ بواسطة Moza (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
خصائص «الانقلاب الدستوري» وأركانه الأربعة


بقلم:أ/ ضياء رشوان


قضي الأمر. أنهي الحزب الوطني الحاكم المراحل الأخيرة في «الانقلاب الدستوري» الذي بدأه قبل نحو عام بتبني الصياغات النهائية للمواد التي اقترحها رئيسه رئيس الجمهورية للتعديل في ديسمبر من العام الماضي.

اكتمل الانقلاب الذي اكتسب كل الأركان التي يتسم بها أي انقلاب من حيث الشكل والتنفيذ أو المضمون والتفاصيل، ولم يبق سوي البيان الأول الذي يعلن قيام نظام حكم الانقلابيين الجديد، والذي - ويا للمأساة والملهاة معاً - سيكون باسم الشعب الذي سيعلن الانقلابيون موافقة أغلبيته الساحقة علي تعديلاتهم الدستورية في الاستفتاء الذي حدد تاريخه السيد جمال مبارك نجل الرئيس وأمين لجنة السياسات الملقبة بالإصلاحية وهي في حقيقتها قائدة ذلك الانقلاب.

الأركان التقليدية الشكلية والتنفيذية للانقلابات مكتملة كلها في هذا «الانقلاب الدستوري». فالسرية كانت منذ البداية هي الطريق الذي سار فيه الانقلابيون، فلم يطلعوا المصريين، شعباً ونخبة، علي ما يدبرون له من تعديلات دستورية منذ نحو عام بالرغم من كل ادعاءاتهم المعلنة، بأنهم سيشركون الجميع معهم في اقتراح التعديلات وصياغتها.

وككل الانقلابيين، كان مدبرو ومنفذو «الانقلاب الدستوري» قلة حتي في وسط حزبهم وحكومتهم، فلم يعرف أحد بمضمون التعديلات النهائي سوي هذا النفر من قادة الانقلاب في المستويات الأعلي من الحزب ولجنة السياسات، ومعهم نفر قليل مثلهم من الذين كانوا سابقاً يعرفون بترزية القوانين، فصاروا اليوم ترزية للدساتير.

وككل الانقلابات المماثلة، تسارعت خطوات «الانقلاب الدستوري» الذي لم يطق الحزب الحاكم وقياداته الشابة وفي مقدمتها نجل الرئيس وأمين لجنة السياسات انتظار إتمامه حتي العشرين من أبريل القادم ـ الذي كانوا قد حددوه من قبل موعداً للاستفتاء علي التعديلات ـ فأعلن الأخير أن الاستفتاء سيجري اليوم الرابع من نفس الشهر، بما يعكس حرصاً علي الانتهاء منه في أقصر وقت ممكن - كأي انقلاب - قبل أن ينتبه الناس إلي خطورة ما يحدث أو يستجمعوا قواهم لإفشاله.

أما الأركان الموضوعية للانقلاب الدستوري فهي لا تختلف في شيء عن تلك التي يتسم بها أي انقلاب تقليدي يهدف أصحابه إلي استبعاد كل من حولهم من نخب وجماهير، والانفراد وحدهم بالهيمنة علي مقدرات البلاد. فلم تكن المواد الأربع والثلاثين التي طرحت للتعديل سوي غطاء للأركان الأربعة الكبري للانقلاب الدستوري، واستخدم بعضها - مثل تلك المتعلقة بالمواطنة - لإبعاد الأنظار عن أهداف الانقلابيين الحقيقية.

أول الأركان هو إخراج مصر شعباً ومجتمعاً، مسلمين ومسيحيين، من خصوصيتهم وتاريخهم وثقافتهم وحضارتهم العربية - الإسلامية بالنص في المادة الخامسة علي حظر ممارسة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب سياسية علي أي مرجعية أو أساس ديني.

وإذا كان أحد لا يمكنه الموافقة علي قيام أحزاب دينية في بلادنا، فإن أحداً لا يمكنه أيضاً الموافقة علي أن يخرج المصريون جميعهم مسلموهم ومسيحيوهم من مرجعيتهم التاريخية التي يشكل الدين جانباً كبيراً منها منذ عهود الفراعنة، وأن يحظر عليهم ممارسة النشاط السياسي المستند إلي تلك المرجعية التي لم تتسبب أثناء كل تلك القرون فيما يشيعه انقلابيو الدستور حولها من شبهات لتبرير التخلص منها.

ويزداد الانقلاب غلواً ليصبح ضد الدستور نفسه وبخاصة مادته الثانية التي تؤكد أن الشريعة الإسلامية ليست فقط مرجعية للتشريع الذي هو بالأساس عملية سياسية برلمانية، بل هي المصدر الرئيسي له. ويأتي الركن الثاني للانقلاب الدستوري ليستبعد عبر المادتين (٦٢) و(٧٦) الغالبية الساحقة من المصريين من الترشيح لمجلسي البرلمان ولرئاسة الجمهورية.

فحسب تعديل المادة الأولي سيتم وضع قانون للانتخابات البرلمانية تؤكد المعلومات والمؤشرات المتوافرة أنه سوف يخصص غالبية مقاعد مجلسي الشعب والشوري للقوائم الحزبية، مع وضع نسبة هزيلة فيها للمستقلين فقط لذر الرماد في العيون.

ويعني هذا حرمان أكثر من ٩٥% من المصريين في سن الانتخاب من الترشح لأنهم ببساطة ليسوا أعضاءً في الأحزاب التي يمثل أعضاؤها فقط نسبة الـ٥% الباقية منهم، كما يعني الانقلاب علي حقائق الانتخابات البرلمانية السابقة كلها وآخرها انتخاب مجلس الشعب عام ٢٠٠٥ والذي مثل فيه المستقلون أكثر من ٨٥% من المرشحين وأكثر من ٦٥% من الناجحين.

ويأتي تعديل التعديل في المادة (٧٦) لكي يزيد من تضييق الخناق حول المصريين في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، بالرغم من كل الادعاءات بتوسيع فرصة الأحزاب للترشح فيها.

فلا يزال الشرط المعجز بحصول المرشح المستقل علي ٢٥٠ توقيعاً لبرلمانيين وأعضاء مجالس محلية قائماً كما هو، أما الأحزاب فقد أعطيت مهلة عشر سنوات إضافية للحصول علي نسبة ٣% من مقاعد المنتخبين في مجلسي الشعب والشوري، وحتي ذلك فمن حق أي حزب له مقعد واحد منتخب علي الأقل في أي من المجلسين أن يرشح أحد أعضاء هيئته العليا لرئاسة الجمهورية.

وبعيداً عن «التنظير» المجرد توضح نتائج انتخابات مجلسي البرلمان الأخيرة والسابقة عليها الوضع الواقعي الذي ستكون عليه الأحزاب في انتخابات الرئاسة، ففي انتخابات ٢٠٠٠ حصلت كل أحزاب مصر مجتمعة علي ١٦ مقعداً في مجلس الشعب وحصل أحدها علي مقعد واحد في مجلس الشوري، وهو ما يقل عن نسبة الـ٣% المطلوبة والتي تعادل ١٩ مقعداً.

أما البرلمان الحالي ـ بمجلسيه ـ فهو لا يوجد فيه من أحزاب ممثلة بمقعد أو أكثر - غير الحزب الوطني الحاكم - سوي حزبين فقط هما الوفد والتجمع، أي أن المهلة التي أعطاها الدستور للأحزاب سوف تؤدي فقط إلي زيادة عدد المرشحين للرئاسة من مرشح واحد فقط هو مرشح الحزب الحاكم إلي ثلاثة يكون هو من بينهم.

أما الركن الرابع للانقلاب فهو ضد أي أمل في انتخابات حرة ونزيهة طال شوق المصريين لها وأملوا خيراً في الوصول إليها بعد أن جربوا إشراف القضاء الكامل علي معظم مراحل انتخابات عامي ٢٠٠٠ و٢٠٠٥ بالرغم مما شابهما من تجاوزات.

فتعديل المادة (٨٨) نسف وإلي الأبد ذلك الأمل وأعاد البلاد من جديد إلي ما كانت عليه كل انتخاباتها من تدخل وتزوير وتزييف لإرادة الناس علي يد الحزب الحاكم وأجهزته الإدارية والأمنية.

أما الركن الأخير للانقلاب فهو ما حوته المادة (١٧٩) في شأن مكافحة الإرهاب التي ينقلب نصها علي كل الحريات العامة والخاصة للمصريين جميعاً وعلي مواد الباب الثالث من الدستور نفسه، المفترض أنها الحامية والضامنة لتلك الحريات. إن حالة الطوارئ - بكل سوءاتها - سوف تتحول إلي حلم يشتاق إليه المصريون بعد أن تتحول تلك المادة وما سيترتب عليها من تشريعات وإجراءات بحجة مكافحة الإرهاب إلي كابوس دائم ومقيم بينهم يهدر كل ما تبقي لهم - وهو قليل - من حريات خاصة وعامة.