مصر عربية .. فليتق الله المفرقون للكلمة
مصر عربية .. فليتق الله المفرقون للكلمة
يريد الدكتور طه حسين أن يجعل الأمة العربية ضمن الأمم التى غزت مصر فأذاقتها صنوفا من العدوان وألوانا من العذاب, حتى تغلبت مصر فالتهمت العرب فيمن التهمت من الأمم من فرس ويونان وترك وفرنسيين وانجليز ورومان.
وتلك فكرة لا ينفرد بها الدكتور طه وحده , بل نادى بها قبله الأستاذ سلامة موسى وحمل لواءها كل من يحمل ضغنا على العربية وحفيظة على الاسلام,ومن الأسف أن خصوم هذا البلد الطيب أهله قدروا على تزيين هذة الفكرة بنعوت جميلة وألفاظ زائفة استخدمها هؤلاء الحانقون على العرب والاسلام , فزينوها بدورهم لكثير من الشبان فوقعوا فى حبالتها وأخذوا يهرفون بها ومما يؤلم أنها راجت حتى على كثير من الرجال ولم تظل فكرة خيالية بل برزت إلى حيز الوجود فى مظهرين هامين لا تزال الأمة على ذكر من المناقشة التى دارت حولهما وهما تمثال نهضة مصر وضريح المغفور له سعد باشا.
هذة الفكرة التى يحمل علمها بعض الكتاب فى مصر بحسن نية أو بسوء نية خطأ محض , خطأ تاريخى وخطأ اجتماعى وخطأ فى جانب القومية المصرية لا يغتفر وهى فكرة دسها الأجانب للقضاء على قوة الشرق ووحدته.
فأما أن الفكرة خطأ تاريخى فلأن حكم التاريخ مضى بأن الاستعمار العربى لا يقاس بغيره من استعمار الأمم لأن استعمار الأمم إنما يقصد به الفتح والغنيمة واستبداد الأمة الفاتحة بالأمة المغلوبة أما الاستعمار العربى فهو استعمار ثقافى ارشادى روحى مهمته تمثيل الشعوب وصبغها بالصبغة العربية الاسلامية حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فالعرب أمة طوعها الله لهداية العالم ولنشر القرآن العربى بين ربوعه وإيصال الهداية المحمدية إلى كافة البشر ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا) البقرة : 143
ولهذا كان الفاتح العربى مثال الوفاء والعدالة لا تمضى عليه فترة قصيرة حتى يمتزج بالأمم التى افتتح بلدانها فيكون منها وتكون منه وهناك تمحى الفوارق والأنساب والعصبيات ولا تبقى إلا الأخوة حول القرآن العربى واللسان العربى والهداية المحمدية.
هذا ما يقوله التاريخ ويؤيده الواقع فإن مصر وطرابلس وتونس والجزائر والمغرب الأقصى لم تر الحكم العربى إلا بهذه الصبغة بل الأندلس على قصر مدة العرب فيها ازدهرت بالحضارة العربية واصطبغت بالصبغة العربية وسرى فيها لسان العرب وعاداتهم وما كنت ترى فارقا بين الفاتحين والسكان الأصليين ولو استمر حكم العرب فى الأندلس إلى الآن لكان من شبه جزيرة أيبيريا جبهة عربية فى غرب أوروبا لا تقل غيرة وحماسة للعروبة عن العراق والشام.
على أن التاريخ يحدثنا بوحدة فى الدماء واللغات بين سكان جزيرة العرب وسكان وادى النيل فى القديم والحديث ولا ننسى أن كثيرا من سكان الصعيد وسكان الشرقية والبحيرة والفيوم يعلمون إلى الآن أنسابهم العربية وينتمون إلى قبائل عريقة فى العروبة وذلك تعبير مجمل له تفصيل لمن أراد الاستقصاء.
وأما أن هذه الفكرة خاطئة اجتماعيا فلأن الأمة إنما تتكون قوميتها من لغتها ودينها وعاداتها وثقافتها وما إلى ذلك من مظاهر الحياة فهل يرى الدكتور طه وغيره أن لمصر لغة غير اللغة العربية وأن لها دينا غير الدين الذى حمل لواء العرب؟ وهل يرون أننا نستطيع أن نتخلى عن اللغة العربية والقرآن العربى والشعور العربى ونحل محل ذلك كله لغة ودينا وثقافة تختص بمصر والمصريين؟ وما هى يا ترى هذة اللغة وما هذا الدين وما تلك الثقافة؟ لعل القوم يقصدون الهيروغليفية ودين أبيس وهورس وفتاح.
يا قوم اتقوا الله وخذوا إلى سبيل الجد ودعوا هذا العبث فإن الأمة فى حاجة إلى أن تصرفوا جهودكم فى معالى الأمور إن كنتم تستطيعون.
وأما خطأ الفكرة من ناحية القومية المصرية فلأن تمسكنا بالقومية العربية يجعلنا أمة تمتد حدودها من الخليج الفارسى إلى المحيط الأطلسى بل إلى أبعد من ذلك ويبلغ عددها أضعاف أضعاف الملايين المحصورة فى وادى النيل فأى مصرى يكره أن تشاطره هذه الشعوب التى تظلها العربية شعوره وآماله وأفراحه وآلامه؟!
إن من يحاول سلخ قطر عربى من الجسم العام للأمة العربية يعين الخصوم الغاصبين على خضد شوكة وطنه واضعاف قوة بلاده ويصوب معهم الرصاصة إلى مقتل هذه الأوطان المتحدة فى قوميتها ولغتها وآدابها ومشاعرها ومطمحها.
على كل منا أن يعتقد أنه حارس للأرض التى نشأ عليها يذود عن حياضها ويطالب بحقوقها ويعمل لاعزازها فهو مصرى أو عراقى أو شامى بالنسبة لهذه الأرض وعليه كذلك أن يعتقد أنه عضو فى جسم أمة عظيمة وحد بينها اللسان والدين والشعور والمطمح.
تلك هى الأمة العربية فهو عربى بهذه القومية ولقد جلا هذه الحقيقة الكاتبان الكبيران الأستاذ عبد القادر حمزه والأستاذ محب الدين الخطيب بما لا يدع زيادة لمستزيد وحيا الله ذلك الشباب المتوثب الرابض على جنبات العرين العربى فى مصر و فلسطين و سوريا و العراق.