الإخوان المسلمون والأحداث الجارية انتفاضة تونس ومطالب الشعب المصرى
لا شك أن ما وقع فى تونس خلال شهرى (ديسمبر 2010 – يناير 2011م) يمثل حجر زاوية بالنسبة للحال الذى تعيشه شعوب المنطقة العربية والعالم الإسلامى، فلقد انتفض الشعب التونسى ضد الظلم والقهر والفساد وسطوة الحكم وأسرة الحاكم وحاشيته الفاسدة الذى استمر لحوالى ربع قرن من الزمان وكان مسبوقا بفترة حكم ساد فيها أيضا طغيان الحاكم الفرد وتفرده بالسلطة وتعاونه مع الأعداء أكثر من حرصه على مصلحة الوطن والمواطنين .
وقد فوجئ العالم بقواه العاتية شرقا وغربا وخاصة الغرب والعدو الصهيونى بما جرى ولم يستطع أحد أن يوقف بركان الغضب الذى انفجر فى وجه السلطة المتكبرة المتجبرة،ووقفت الحكومات والأنظمة العربية فى حالة من الذهول والترقب والشلل الذى لم يستطع معه حاكم تونس إلا أن يفر هاربا إلى خارج حدود الوطن الذى لفظه ولم يأسف عليه أحد ولم تبك عليه الأرض ولا السماء،إنه القدر القادر، إنه قهر الله للظالمين (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران:26) إنه فعل الذى لا يغفل وإن طال حلمه وصبره "إن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته" إنه قدر الله الذى لا يعجزه شئ فى الأرض ولا فى السماء .
إن ما حدث وما زال يحدث فى تونس الشقيقة يمثل حالة واقعية وعملية لما يعرفه أهل القانون والساسة،يمثل الشرعية الشعبية التى هى فوق الشرعية الدستورية،وهو فى نفس الوقت يمثل رسالة واضحة لا لبس فيها إلى كل الجهات فى الخارج والداخل حيث أنه :
- رسالة إلى كل الشعوب المقهورة والصابرة بأن الشعوب يمكن أن تفعل الكثير وأنها إن تحركت بدافع المصلحة العامة ضد السلطان الجائر فإن يد الله تكون معها وتعمل لصالحها، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)(الحج: من الآية40)
- رسالة إلى الحكام الظالمين وإلى الأنظمة الفاسدة المستبدة أنهم ليسوا فى مأمن وأنهم بظلمهم وفسادهم يعيشون فوق بركان غضب الشعوب وغضب الله أقوى وأشد .
- رسالة إلى القوى الكبرى الظالمة الباطشة بالقوة والجبروت إلى من يمتلكون أسلحة الدمار الشامل من القنابل النووية والغواصات الذرية ويملكون المال ويفرضون سيطرتهم على حكام وأنظمة العالم الثالث وفى القلب منه العالم العربى والإسلامى،رسالة إلى هؤلاء تنطق بكل وضوح أن إرادة الشعوب غلابة وخاصة إذا كانت الشعوب تتحرك بدوافع العقيدة وتأييد السماء،رسالة واضحة بأن الشباب الواعى الفاهم المدرك لطبيعة الصراع بين الأمة العربية والإسلامية وبين القوة الغاشمة الصهيوأمريكية، بأن هذا الشباب أمضى وأخوف لهم من كل أنواع الأسلحة التى يملكونها؛رسالة إلى كل هؤلاء بأن الأمة حية ولم تمت ولن تموت بإذن الله وأنها شبت على الطوق وبلغت الرشد وسوف تمضى فى طريقها إلى الإصلاح والاستقرار الحقيقى وليس الزائف بالقهر والكبت وركود الحال .
هذه الرسائل الموجهة إلى كل تلك الجهات تمثل منعطفا تاريخيا وبعدا جديدا فى مسيرة الشعوب العربية والإسلامية ونستطيع أن نقول – وبكل ثقة ويقين – أن الأسباب والدوافع التى أدت إلى هذه الانتفاضة المباركة فى تونس موجودة هى هى بعينها فى الكثير من دول المنطقة التى نعيش فيها وعلى وجه الخصوص فى وطننا مصر .
فإن كان الحال هو الحال والفساد هو الفساد والظلم هو الظلم والأزمة الاقتصادية متفاقمة وطول الأمد بالنظام المستبد هو هو بعينه فماذا ينتظر الأقطار الأخرى ؟
ولأننا – ومن منطلق الواجب – نحرص على الاستقرار والسلم المجتمعى فى كل الأحوال والظروف لأننا نؤمن أن النضال الدستورى هو المسار الطبيعى لحركة المجتمع نحو الإصلاح المنشود فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمجتمعية؛لأننا كذلك، فإن الإخوان المسلمين وهم جزء لا يتجزأ من هذه الأمة ينظرون وبكل دقة وواقعية ودراية إلى الطرف الآخر،إلى النظام القائم فى البلاد والذى يملك أكثر من غيره القدرة على هذا الإصلاح والتغيير إذا كانت لديه الإرادة والرغبة فى ذلك .
وهذه المعادلة بكفتيها؛الاستقرار والحرص عليه من جانب الشعب ومعه الإخوان المسلمون أمام إرادة النظام وقدرته – بل وواجبه – على الإصلاح السلمى والتغيير الإيجابى، نقول هذه المعادلة تمر الآن بمرحلة حرجة ودقيقة،ولأن هذا النظام – ومع الأسف الشديد – لا يقابل هذا الحال بتحرك جاد وفعال باتخاذ خطوات صحيحة لمواجهة الفساد وتحقيق الإصلاح بحق فى كافة المجالات؛وهذا الحال لا يمكن أن يستمر ويدوم وكفة ميزان النظام فيها هذا العطب وهذا الخلل ولا يفكر فى حل أى مشكلة إلا بإحالة ملفها إلى جهات الأمن التى تريحه من التفكير ومن بذل أى جهد حقيقى ...
فإذا لم يتحرك هذا النظام وبسرعة نحو تحمل المسئولية والأخذ بزمام المبادرة لبدء مسيرة إصلاح جاد، فإن كفة الاستقرار لن تدوم طويلا .
وحرصا منا على تجنب أثر الغضب – غير المحسوب – الذى قد يحدث من هذا الخلل، وقياما بواجبنا الشرعى والوطنى فإننا نوجه النظر ومطالب بالبدء فورا فى الإجراءات التالية:
أولا : إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على المصريين منذ ثلاثين عاما خاصة وأنها لم تحقق الأمن ولم تمنع الجريمة طوال هذه السنين .
ثانيا : حل مجلس الشعب المزور بإصدار قرار جمهورى من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة لتكوين مجلس جديد يعبر عن إرادة الأمة ويحقق آمال وطموحات المصريين وتحت إشراف قضائى كامل .
ثالثا : إجراء تعديلات دستورية لازمة وسريعة للمواد 5 ، 76 ، 77 ، 88 ، 179 لضمان حرية الترشح وديمقراطية الاختيار فى الانتخابات الرئاسية القادمة تحت الإشراف القضائى الكامل،وإلغاء التعارض الدستورى وتحقيق التوافق مع ثوابت وتاريخ وثقافة وحضارة هذا البلد العظيم .
رابعا : العمل السريع والفعال على حل مشكلات المواطنين الحرجة كبداية لمسيرة إصلاح اقتصادي حقيقي يحقق العدالة الاجتماعية بتوفير السلع الضرورية والدواء خاصة وإصلاح منظومة التعليم والصحة مع إمكانية توفر الموازنات اللازمة لذلك عبر :
- فوائض الصناديق الخاصة التى تبلغ ميزانيتها أكثر من 1200 مليار جنيه ويتحكم فيها الفساد.
- مخصصات الوزراء وكبار رجال الدولة التى تعد بالمليارات وبيع ما لم يستخدم فيها بالمزاد العلنى لصالح الشعب .
- وقف ضخ الغاز والبترول المصدر للصهاينة وإعادة النظر فى سعره وتصديره إلى دول أخرى .
- إعادة النظر فى أسعار الأراضى التى تم تخصيصها لبعض رجال الأعمال وللفاسدين وسدنة النظام وهذه تقدر بمئات المليارات وبيع ما لم يستخدم منها بالمزاد العلنى لصالح الشعب .
خامسا : إعادة النظر وفورا فى السياسة الخارجية المصرية وخاصة بالنسبة للصهاينة وضرورة قطع العلاقات معهم،مع دعم الجهاد الفلسطينى وعلى رأسه المقاومة الباسلة لتحرير أرض فلسطين أرض العروبة والإسلام،وإقامة الدولة الفلسطينية عليها وعاصمتها القدس.
سادسا : الإفراج والعفو العام عن جميع المعتقلين السياسيين وعن كل الذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن من محاكم استثنائية غير مختصة بمحاكمة المدنيين كمحاكم أمن الدولة أو المحاكم العسكرية.
سابعا : الاستجابة الفورية للمطالب الفئوية التى أعلنها ويطالب بها أصحابها منذ سنوات طويلة .
ثامنا : حرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار وإلغاء القيود على إصدار الصحف وعلى كل وسائل الإعلام .
تاسعا : محاكمة المفسدين الذين تضخمت ثرواتهم بصورة غير طبيعية خلال السنوات الماضية .
عاشرا : إعادة الحيوية إلى المجتمع الأهلى المصرى وإلغاء تدخل الجهات الأمنية فى كل الشئون الداخلية فى الجامعات والمدارس والنقابات والأوقاف والجمعيات الأهلية والمنظمات الحقوقية .
القاهرة فى : 15 من صفر 1432هـ