تعقيب متمهل

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١٢:٢٧، ١٢ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
تعقيب متمهل

مقدمة

الإمام المودودى

ولا ريب أن حكم المودودي على الحضارة الغربية بالجاهلية: حكم صحيح، نظرا للاتجاه العام فيها، والروح الغالبة عليها، فهي – كما قال ليوبولد فايس - محمد أسد- لا تجعل لله مكانا في نظامها الفكري الحالي، وفلسفتها العامة تقوم على المادية المجحفة، والإباحية المسرفة، والنفعية المتطرفة، فالاعتبار الأخلاقي لا مكان له في اقتصادها ولا سياستها ولا في سلمها ولا في حربها، وهي كلها تتبنى مبدأ : (الغاية تبرر الوسيلة).

أما حكمه على التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية، فهو حكم قاسي، بل شديد القسوة، وقد ناقشناه في كتابنا (تاريخنا المفترى عليه) وبينا خطأ هذه النظرة السوداء إلى تاريخنا وحضارتنا، وذكرنا هناك: أن المودودي وغيره من الكتاب والمفكرين الإسلاميين مثل سيد قطب والشيخ محمد الغزالي، وأبي الحسن الندوي – إلى حد ما- كانوا ضحية مصادرنا التي نقلت إلينا صورة غير صادقة تماما عن تاريخنا الإسلامي، كما بينا مسؤولية المؤرخين المسلمين، ومسؤولية علماء الحديث، ومسؤولية مؤرخي الأدب: في تشويه هذه الصورة وإعطاء هذا الانطباع الزائف عن تاريخنا.

بيد أن الإمام المودودي – غفر الله له- كان أقسى المتحدثين عن تاريخنا عبارة، وأشدهم حرارة، لذا كان نقد الدكتور عمارة له في هذا الموقف شديدا مرا، برغم دفاعه المجيد عنه فيما كتبه من قبل.

لقد اعتبر الأستاذ المودودي عصر الصحابة والتابعين وأتباعهم من العصور التي وثبت عليها الجاهلية، وحرفتها عن مسارها الإسلامي، مع أن هذه العصور هي العصر التي استفاضت فيها الأحاديث الصحاح، بأنها خير قرون هذه الأمة: "خير القرن قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".

وذلك لأن نور النبوة كان لا يزال قوي التأثير في هذه القرون، أو هذه العصور، وهي عصور الفتوحات التي شرقت وغربت، ودخلت فيها الأمم في الإسلام، وكان لبني أمية فيها إسهام كبير لا ينكره مكابر، ففي عصرهم دخل الإسلام على الهند وسمرقند والصين شرقا، وإلى الأندلس (أسبانيا) غربا.

وانظر إلى الروح التي كتب بها العلامة المودودي عن الحضارة الإسلامية، والروح التي كتب بها علامة آخر، هو الداعية الإسلامي مصطفى السباعي في كتابه الرائع البديع (من روائع حضارتنا) وما قدم فيه من إنجازات هذه الحضارة وخدماتها للمسلمين وللبشرية كلها بصفة عامة.

ضم كلام المودودي بعضه إلى بعض:

على أني أنصح دائما: ألا يحكم على المودودي بما يكتبه في موضع من كتبه، حتى نطلع على تراثه كله، فإن ما أطلقه في كتابه يقيده في آخر، وما عممه في رسالة خصصه في رسالة أخرى، وما أجمله في محاضرة أو خطبة قد فصله في محاضرة أو كتاب أو مقال في مكان آخر.

وإذا كنا نفعل ذلك في فهمنا لكلام الله الحكيم، وفي فهمنا للقرآن الكريم، فكيف لا نفعله في فهمنا لكلام المخلوقين، وحكمنا لهم أو عليهم؟!

وأود من القارئ المتأمل المنصف: أن يقرأ معي هذه الفقرة من نفس كتابه الذي شن فيه الغارة على التاريخ والحضارة الإسلامية، يقول في (موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه) تحت عنوان (الحاجة إلى المجددين):

(لا يذهب بأحد الظن في هذا الصدد أن كانت الجاهلية قد محت آية من الإسلام تماما وذهبت بآثاره جميعا وملكت عليه أمره من جميع الوجوه إبان هجومها وطغيانها، بل الواقع أن الشعوب التي كانت خضعت لتأثير الإسلام حينئذ أ و خضعت لها فيما بعد لم يزل باقيا أثر الإصلاح الإسلامي – قليلا أو كثيرا- مدى الدهر.

ولم يكن إلا من تأثير الإسلام أن كان الآمرون المطلقون من الملوك تأتي عليهم من حياتهم أحيان ترتعد فرائصهم من خشية الله، فيرجعون عن غيهم إلى الرشد وعن ظلمهم إلى الإنصاف.

وليس إلا من ثمرات الإسلام أنك تبصر هنا وهناك في الصفحات السود من تاريخ الملكية لمحات من نور الصلاح والأخلاق الفاضلة، ولم يكن إلا من فضل الإسلام أن نبغ في البيوتات الحاكمة رجال مؤمنون متقون عادلون تولوا الحكم والأمر مع الشعور التام بمسئوليتهم على قدر الإمكان، على كونهم يملكون سلطان الملكية.

وكذلك ما زال الإسلام يعم ببركاته وخيراته – ولو على وجه غير مباشر – قصور الدول والحكومات ومدارس الفلسفة والحكمة ودور التجارة والصناعة وزوايا الخلوة والاعتكاف وسائر شعب الحياة، واستمر نفوذه في العامة على رغم أنف جاهلية الشرك التي كانت فاشية فيهم، وبقي يؤثر في عقائدهم وأخلاقهم واجتماعهم من جهتي الأمر والنهي والتوجيه والتحذير، ومن كل ذل ظل مستوى أخلاق الشعوب المسلمة أعلى وأرفع دائما من أخلاق سائر الأمم.

وفوق ذلك كله ما خلا عصر من العصور من أناس استمسكوا بعروة الإسلام وبقوا يسعون في إحياء هدايته العلمية والعملية في حياتهم أنفسهم وفي الحلقة المحدودة الواقعة تحت تأثيرهم ونفوذهم، بيد أن ذلك كله لم يكن كافيا لتحقيق الغاية الرئيسية التي بعث من لأجلها الأنبياء عليهم السلام.

فكان الإسلام لا يكفيه أن تكون السلطة بيد الجاهلية ويقف الإسلام منها موقف التابع المتخلف ولا كان يكفيه أن يكون هنا وهناك رجال متمسكون بالإسلام في حياتهم الفردية المحدودة، وتشيع في الحياة الجماعية الواسعة أخلاط شتى من الجاهلية والإسلام ولذلك كان –ولا يزال- الدين الإسلامي في كل عصر في حاجة إلى رجال أقوياء يأتون ويسددون خطى الزمان ويوجهون مسيره إلى الإسلام، سواء أكان عملهم في ذلك محيطا شاملا أو كان على بعض النواحي الأمر مقتصرا – وهؤلاء هم الذين يدعون بـ"المجددين"!)[1].

انتشار الإسلام في العالم:

ولكي نستكمل الصورة في كتابات الأستاذ المودودي عن التاريخ الإسلامي، ننقل هذه الفقرة من رسالة من رسائله، كتبها بعنوان (الإسلام اليوم) تحدث فيها عن انتشار الإسلام في العالم، وبين فيه القوة الذاتية في دعوة الإسلام، فبعد أن تحدث عن دعوة الرسول الكريم، وبنائه للأمة المسلمة، والدولة المسلمة المثالية، قال رحمه الله:

(وبعد أن قامت في الدنيا أمة هذه سماتها وخلالها وتأسست دولة هذه خصائصها ومزاياها بدأ الإسلام ينتشر في أرجاء الدنيا في عصر الخلافة الراشدة بسرعة وصفت في التاريخ بكلمة (الانفجار) (EXPLOSION) أي مثل السرعة الهائلة التي أخذ بها الإسلام في الانتشار والازدهار كمثل انفجار المتفجرات.

ولم تمض إلا سنوات قليلة حتى امتدت المسيرة الإسلامية من بلاد الأفغان والتركستان شرقا إلى أفريقية الشمالية غربا، ونتيجة أي شيء كان هذا الانفجار الرائع يا ترى؟! ولكم أن تذهبوا إلى جزيرة العرب اليوم لتنظروا كم نسبة العمالقة فيها؟ وما هي مصادر الثروة المادية في هذه الجزيرة؟ دعوا البترول فإنه لم يكتشف إلا مؤخرا، ماذا فيها من الوسائل المادية بعد البترول؟ وانظروا كذلك إلى عددهم: يكاد لا يزيد عددهم في جزيرة العرب بأسرها على عشرة ملايين من النفوس.

ومن المؤكد أن كان عددهم في عصر الخلافة الراشدة أقل بكثير من هذا، فهيمنة شعب كهذا، على هذا القدر من المساحة الأرضية، وبهذه الصورة الفجائية لم تكن في الواقع حصيلة تفوقه على غيره في القوة المادية، بل السبب الذي مكنه لإخضاع رقاب العالم كليه يكمن في ذلك السلوك الرائع الفريد الذي سلكه كل فرد من المسلمين بصفته الفردية، والأمة الإسلامية بصفتها الجماعية في الصلح، والحرب، وإدارة البلاد المفتوحة، وحسن المعاملة مع شعوبها.

إن الذين عاشوا تحت الإمبراطورية الفارسية الرومية كرعايا: لم يكونوا يتصورون – بله أن يشهدوا- ذلك النوع الفريد من الولاة الذين يمشون على الأقدام وفي الشوارع، يعيشون عيشة عامة السكان، ويتركون أبوابهم مفتوحة على مصراعيها في وجه كل من مسته الحاجة، ويضع يده في عنقهم كل من داهمته الداهية، ليطلب منهم إزالة شكواه.

إن سكان فارس والروم ما رأوا هذا النمط الرائع من الحكام في الأحلام فضلا عن أن يروه في اليقظة، بل لم يكن يدور بخلدهم احتمال بوجود هذا النوع الفريد من رجال الحكم، والإرادة، إلا أنه لما دخل النظام الإسلامي بسموه ونظافته أرض هذه البلدان، وقدم لسكانها هذا النوع من الولاة، فمن ذا عسى أن يكون منهم من يمنعه التعصب الأعمى من أن لا يعترف بهذا التفوق الخلقي والسمو الإنساني اللذين يتفرد بهما الإسلام، اللهم إلا شرذمة قليلة طمس الباطل معالم فطرتها وعميت أبصارها عن رؤية الحق.

ومن النماذج الرائعة في السمو الخلقي الذي عرضته الجنود الإسلامية على الدنيا أنها كانت تدخل مدينة تفتحها، وتجوب في شوارعها، ونساء هذه المدينة واقفات في الشرفات في أبهى ثياب التبرج والإغراء، يتطلعن إلى المواكب، ولم يحاول جندي من هؤلاء الجنود البواسل، أن يرفع رأسه، وينظر إليهن ولو بنظرة عابرة، تقطع المواكب الشوارع بدون أن تعلم ما إذا كان هناك من النساء من يطللن عليهن من الشرفات، الأمر الذي

كان يختلف تماما عما جربته تلك الأمم المغلوبة من ويلات الغزاة فيما خلا من القرون، وما تناقله الناس من القصص والحكايات عن الأمم الغازية، إذ كان من السنة المتبعة أنه كلما وطئ الغزاة أرض قوم، عاثوا فيها فسادا، ولم يتركوا عرض امرأة منهم إلا وانتهكوه، وارتكبوا معها الفظائع، فبعد هذه المواقف الفذة مع أهالي البلاد المفتوحة، كيف كان من الممكن أن لا تكسب الجيوش الإسلامية قلوبها: الجيوش التي تكتسح المناطق بدون أن تنتهك حرمة أحد أو تمس بكرامة أحد.

وكذلك من روائع الأخلاق التي تقدم بها هؤلاء الفاتحون الربانيون الجدد أمم الدنيا: أنهم إذا اضطروا إلى سحب جيوشهم من منطقة من المناطق المفتوحة، أعادوا إلى أهاليها كل ما أخذوه منهم من الضرائب والأموال لدعم الأمن فيها، قائلين: إن هذه الضرائب إنما أخذناها منكم للقيام بواجب حراستكم، غلا أننا اضطررنا للانسحاب، ولا نتمكن من القيام بهذه المسؤولية، فهذه بضاعتكم ردت إليكم، هذا في الوقت الذي لم يكن الناس يعرفون من الغزاة إلا الذين إذا اضطروا للجلاء من بلد من البلدان المحتلة، فبدلا من أن يردوا إلى أهاليها ما كانوا قد جلبوه منهم من الأموال: كانوا ينهبون ما تبقى عندهم من الأموال، فلم يكن أحد من الناس يتوقع من الحكام والولاة: أن يحتذوا ما عرف عن أنبياء الله وأوليائه من السجايا والفضائل، ويحتلوا هذه المكانة السامية من الأمانة والنزاهة حتى في مجال السياسة والحكم.

هذه هي الطاقة الهائلة التي تمتع بها المسلمون في صدر الإسلام فغزوا بفضلها القسم الأكبر من العالم، ومن الحقيقة التي لا يكابر فيها أحد أن الذي حققته أخلاقهم السامية وسلوكهم النزيه من المعجزات، لا يقارن بما أنجزته سيوفهم، لأن من اعتنق منهم الإسلام اعتنقه بعد إدراكه الكامل لحقيقته ومقتضياته، ثم صاغ فيه شخصيته وسيرته وسلوكه، ولذلك أيما عمل قاموا به مثلوا فيه الإسلام بكامل الوجه، وبهذه الخاصية الربانية لم تستطع أية قوة في العالم أن تصمد في وجههم، وكان يسبق تأثير أخلاقهم في قلوب الناس مضاء سيوفهم في عنقهم.

ولهذا السبب نفسه نرى أن الأقطار التي فتحوها لم يكتف سكانها بالخضوع لقوتهم السياسية، بل أصبحوا من المولعين بهم، والمريدين لهم: اعتنقوا دينهم، واتبعوا حضارتهم، وارتضوا لغتهم، وها هي الأقطار التي فتحها المسلمون الأوائل ما زال سكانها يعتبرونهم، مدار التاريخ، أبطالهم، وروادهم، ولا يحبون أن يرجعوا بأواصرهم إلى أسلافهم الكافرين أو ينسبوا إليهم ماضيهم التليد، فهل لسيف أن يحقق هذه المعجزة في العالم؟

هذه هي المرحلة الأولى من مراحل التاريخ الإسلامي، ولا أريد في هذا المقام سرد المعلومات التفصيلية عن هذه المرحلة، وإنما الذي يهمني أن أؤكد لكم أن الإسلام إذا تمكن من بسط سلطانه المدهش على القسم الأكبر من العالم، لم يتمكن من ذلك إلا لأجل أن الأمة بكاملها قد آمنت بالإسلام إيمانا صادقا، وتمسكت به بعزيمة ماضية وتفهم صادق وإخلاص عميق وصار نور الإسلام يتلألأ في سلوك أفرادها الفردي والجماعي بمنتهى النصوع والكمال.

وقد برزت إلى الوجود دولة تبنت الإسلام هدفا رئيسيا لها، وهبت تسنفذ كل ما تملك من الوسائل والإمكانيات لتغليب كلمته في العالم، وهكذا تيسرت للإسلام في أولى مراحله حركة مستميتة قوية ما زالت آثارها في التاريخ واضحة المعالم جلية الملامح حتى اليوم، وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا على إنشائها.

وتستطيعون أن تشاهدوا ـ مع هذه الحالة التعيسة التي تدنت إليها الأمة الإسلامية ـ آثار الطابع الذي انطبعت به الأمة الإسلامية في أولى مراحل تاريخها.

إن أي فرد من المسلمين مهما فسد أمره وساءت أخلاقه، إذا استشففت ذات نفسه، وجسست نبضه: تعلم أنه لا يحن إلا إلى نفس المجتمع المثالي الذي أسسه محمد وخلفاؤه الراشدون.

وهذا هو الهدف الذي يطمح إليه دائما ولا يتناساه أبدا، كأن هذا المجتمع شمس تشرق أمامه بنورها الساطع بصفة دائمة، لا يدعها تغيب عن نظره.

إن كل فرد من المسلمين يرى هذه المرحلة الذهبية نموذجا وقدوة، ويولع بها لحد الغرام،ويتمنى رؤيتها متمثلة في الواقع مرة ثانية.

وما انفك الإسلام يشع بنوره على العالم من عصر الخلافة الراشدة إلى هذا اليوم.

ولم يبق صقع من أصقاع العالم، إلا قد تغلغلت إليه أشعته.

وقد نال هذا الازدهار على رغم ما منيت به هذه الأمة من الأمراء المنغمسين في حياة الترف والبذخ، ونكتب بالطغاة والجبابرة، ولم تعد متعاطي المنكرات في يوم من الأيام، ولم تعد منذ مدة غير قصيرة أمة مثالية تحتذى، وتنجذب إليها قلوب الناس.

ولكن رغم كل ذلك لم تقف دعوة الإسلام من الانتشار.

وليس مرجعه كون المسلمين على طريقة مثلى في الحياة تستهوي الناس إلى دينهم، بل الذين يعتنقون الإسلام من غير المسلمين لا يعتنقونه إلا بعد أن يتأكدوا أن الإسلام ليس الذي يتمثل في واقع المسلمين، وإنما الإسلام الحقيقي هو الذي جاء به محمد وأصحابه.

ثم إنما يوجد اليوم في واقع المسلمين من بعض السمو والنظافة وجوانب الخير في تفكيرهم وأعمالهم وسلوكهم وخلقهم فليس كل ذلك إلا البقية الباقية من الآثار التي تركها الإسلام فيهم، ولا تزال تعمل عملها على مرور أربعة عشر قرنا.

وبكلمة أخرى: إن المرحلة الأولى من تاريخها كانت تبلغ من حيويتها درجة استحال معها أن يزول أثر طابعها على التاريخ.

بل إن الحيوية التي تشاهدونها اليوم في العمل الإسلامي هي ناتجة عن تلك الحركة المثالية التي أنشأها الإسلام في أولى مراحله.[2] اهـ.

فانظر وتأمل قوله هنا: وما انفك الإسلام يشع بنوره على العالم من عصر الخلافة الراشدة إلى هذا اليوم، ولم يبق صقع من أصقاع العالم إلا وقد تغلغلت إليه أشعته!

ويؤكد أن المرحلة الأولى من تاريخنا بلغت من حيويتها وقوة تأثيرها درجة استحال معها أن يزول أثر طابعها على التاريخ!

كما يؤكد أن الحيوية التي نشاهدها في العمل الإسلامي اليوم، هي من آثار تلك الحركة المثالية التي أنشأها الإسلام في أولى مراحله.

بهذا يؤكد ما جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي وابن حبان وغيرهم: أن النبي قال: "مثل أمتي كالمطر: لا يدرى أوله خير أم آخره".[3]

كثرة الملوك الصالحين في عصور الملكية الإسلامية:

ومع شدة الأستاذ المودودي عل المرحلة التي سماها (المرحلة الملكية) من تاريخنا، وما حدث فيها من تغير في الحياة الإسلامية، من قلة النماذج الإسلامية الرفيعة من المسلمين، ومن إهمال الدعوة إلى الإسلام، وتحويل الدولة الإسلامية إلى دولة جباية لا دولة هداية، على خلاف ما قال الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: أن الله بعث رسوله هاديا، ولم يبعثه جابيا!

على الرغم من هذا اعترف المودودي بكثرة الملوك الصالحين والأتقياء في التاريخ الإسلامي، فقال: (ومما لا يستحق الجدل أن عصر الملكية في التاريخ الإسلامي لا يقاس أبدا بعصور الملكية في تاريخ الشعوب الأخرى، لأن الملكية في تاريخنا الإسلامي مع ما جاءت به مشحونة بكثير من السيئات والويلات، إلا أنك لن ترى عبر التاريخ الإسلامي تلك العصور المظلمة التي هي علائم بارزة في تاريخ الأمم الأخرى.

ولا أملك نفسي في هذه المناسبة إلا لأسجل إعجابي واستحساني لما توافر في التاريخ الإسلامي من الملوك الأتقياء الصالحين، وما استطاع أي شعب أن ينجب هذا العدد الوفير من الملوك الصالحين).[4]

وإن عاب عليهم: أنهم لم يقوموا بأمر الدعوة إلى الإسلام، كما ينبغي، وهذا أمر عام في التاريخ الإسلامي كله، وجب أن يبحث على حدة.

قضية الحاكمية وما أثارته من جدل:

ومما عيب على الأستاذ المودودي: أنه أول من نادى بفكرة (الحاكمية) التي اقتبسها منه الشهيد سيد قطب، ويحملون هذه الفكرة وزر (التكفير) وجماعاته، كما أنها قديما كانت سبب فتنة الخوارج الذين قالوا: لا حكم إلا لله!

صحيح أن قضية (الحاكمية) قد ألح عليها الأستاذ المودودي إلحاحا بينا، حتى تكاد تعتبر هي المحور المركزي الذي يدور حوله كثير من أفكاره ونظراته.

والفكرة في ذاتها إسلامية أصولية صحيحة، وقد سبق أن قررها علماء أصول الفقه من قرون، فها نحن نجد إماما مثل أبي حامد الغزالي يتحدث في مقدمات كتابه الشهير (المستصفى من علم الأصول) عن (الحكم) الذي هو أول مباحث العلم، وهو عبارة عن خطاب الشرع، ولا حكم قبل ورود الشرع، وله تعلق بالحاكم وهو الشارع، وبالمحكوم عليه وهو الملكف، وبالمحكوم فيه وهو فعل المكلف.. ثم يقول: وفي البحث عن الحكم يتبين أن (لا حكم إلا لله) وأنه لا حكم للرسول، ولا للسيد على العبد، ولا لمخلوق على مخلوق، بل كذلك ذلك حكم الله تعالى ووضعه لا حكم لغيره.[5]

ثم يعود إلى الحديث عن (الحاكم) وهو صاحب الخطاب الموجه إلى المكلفين، فيقول: أما استحقاق نفوذ الحكم فليس إلا لمن له الخلق والأمر، فإنما النافذ حكم المالك على مملوكه، ولا مالك إلا الخالق، فلا حكم ولا أمر إلا له.

أما النبي ، والسلطان والأب والزوج، فإذا أمروا وأوجبوا لم يجب شيء بإيجابهم، بل بإيجاب الله تعالى طاعتهم.

ولولا ذلك لكان كل مخلوق أوجب على غيره شيئا كان للموجب عليه أن يقبل عليه الإيجاب، إذ ليس أحدهما أولى من الآخر، فإذن الواجب طاعة الله تعالى، وطاعة من أوجب الله تعالى طاعته".[6]

إن إثبات (الحاكمية) لله: أمر مقرر في الإسلام، وانفراد الله تعالى بالحاكمية لخلقه أحد عناصر التوحيد التي قررها القرآن، وخصوصا في (سورة الأنعام) وهي ثلاثة عناصر أساسية:

1- ألا يبتغي غير الله ربا (قل أغير الله أبتغي ربا وهو رب كل شيء؟) الأنعام: .

2- ألا يتخذ غير الله وليا (قل أغير الله أتخذ وليا فاطر السماوات والأرض؟) الأنعام: .

3- ألا يبتغي غير الله حكما (أفغير الله أبتغي حكما وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا؟) الأنعام: .

إلى عدد من الآيات الأخرى التي تثبت له الاختصاص بالحكم سبحانه، وتنفيه عن غيره، كقوله تعالى: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام:57] إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ [يوسف: 40] وَاللهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41] وَلاَ يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا [الكهف: 24] لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص:70] الْحُكْمُ للهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ [غافر: 12].

وإن كان (الحكم) في الآيات الأخيرة قد يراد به (الحكم الكوني) أي التصرف المطلق في الكون، بحيث إذا قضى أمرا قال له: كن، فيكون.

لا (الحكم الأمري) التشريعي، وهو المراد من كلمة (الحاكمية).

وعلى كل حال إذا كان المراد من الحاكمية: السيادة والهيمنة التشريعية العليا والمطلقة، التي تملك وحدها الأمر والنهي، والإذن والمنع، والتحليل والتحريم، والإلزام والإيجاب، فهذه لا شك أنها لله وحده، فهو الذي يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد، وله وحده أن يكلف خلقه بما يشاء، ويعفيهم مما شاء.

وأما إن كان المراد بهذه (الحاكمية): منع البشر من التقنين مطلقا، ورفض أي حاكمية بشرية مقيدة، كما كان رأي الخوارج الساذج قديما، حينما رفضوا التحكيم بين المسلمين فيما تنازعوا فيه، وقالوا: لا حكم إلا لله، واتهموا الإمام المرتضى عليا رضي الله عنه، بأنه حكَّم الرجال في دين الله، إن كان هذا هو المراد بالحاكمية، كما قد يفهم أحيانا من بعض عبارات العلامة المودودي، فهو أمر مرفوض.

وقد رد حبر الأمة ابن عباس على الخوارج، وحاجهم بكتاب الله الذي شرع التحكيم بين الزوجين إذا خيف شقاق بينهما، وفي قتل المحرم للصيد (يحكم به ذوا عدل منكم) المائدة: .

ويجب على الدراس المنصف هنا: أن يضم كلام المودودي بعضه إلى بعض، ولا يكتفي بكتاب عن آخر، ولا بفترة من أخرى، فربما صنف بعض الكتب والرسائل وهو في سن الشباب الدافق المتحمس، قبل تقسيم الهند وظهور دولة باكستان الإسلامية، وقبل اكتمال نضجه وتجربته.

فقد كتب رسالة (موجز تاريخ تجديد الدين وإحيائه) في سنة 1940م وهي في الأصل مقالة مطولة نشرت في (مجلة الفرقان) في عددها الخاص بذكرى الإمام المجدد ولي الله الدهلوي (ت 1176هـ).

انظر ما قاله المودودي بصراحة في كتابه عن (الحكومة الإسلامية) عن التشريع ودور الأمة فيه.

فبعد أن تحدث عن الحاكمية ومعناها قال:

نطاق التشريع:

قد يظن البعض حين يسمع هذه الحقائق الرئيسية أن الدولة الإسلامية بهذه الصورة لا مجال فيها أمام الإنسان على الإطلاق لقيامه بالتشريع والتقنين.

لأن الله في هذه الدولة هو المشرع الوحيد، ولا عمل للمسلمين سوى اتباع قانونه وتشريعاته التي قدمها لهم الرسول عليه الصلاة والسلام.

غير أن الإسلام في الواقع لم يغلق باب التشريع تماما في وجه الإنسان، وإنما حدده وضيق إطاره بأن جعل الحاكمية والسيادة للقانون الإلهي.

فما هي الدائرة التي يقوم الإنسان فيها بالتشريع في ظل هذا القانون الأعلى؟ هذا ما سأوضحه باختصار فيما يلي:

توضيح الأحكام:

ثمة قسم من أمور الحياة الإنسانية أصدر القرآن والسنة فيه حكما قاطعا، أو وضعا له قاعدة خاصة، وفي مثل هذه الأمور لا يستطيع أي فقيه أو قاض أو مشرع أن يغير ما صدر فيها من أحكام، أما تقرر لها من قواعد.

لكن هذا لا يعني أن الإنسان لا يستطيع التحرك في ميدان التشريع في هذه الأمور، فدائرة عمله فيها أن يعرف جيدا الحكم الصادر، ثم يحدد ويعين مفهومه وأصله، ويتحقق من الظروف والحالات التي يختص بها هذا الحكم، ثم يستخرج بالفعل الأشكال والصورة التي ينطبق فيها هذا الحكم على ما قد يقع من المسائل مستقبلا، ويقوم بوضع الدقائق والتفاصيل الجزئية لمجمل الأحكام والقواعد في الحالات الاستثنائية.

القياس:

كما تضم حياة الإنسان قسما آخر، يشمل المسائل التي لم تُدْل الشريعة فيها بحكم، لكنها أصدرت حكما في أمور تشابهها.

وممارسة التشريع في هذا القسم تكون بفهم أسباب الأحكام وعللها فهما دقيقا، وتنفيذها في الأمور التي تكمن فيها نفس العلل والدواعي، وتحديد ما هو مستثنى من هذه الأمور وما يخلو حقيقة من أسباب الحكم ودواعيه.

[وهذا هو ما يطلق عليه الفقهاء: اسم (القياس) وهو: إلحاق الشيء الذي لم ينص عليه بشبهه المنصوص عليه إذا اشتركا في العلة، ولم يوجد بينهما فارق معتبر].

الاستنباط:

كما أن هناك قسما ثالثا، لم تبين فيه الشريعة أحكاما بعينها، وإنما أعطت في شأنه بعض المبادئ العامة الجامعة، أو بيّن الشارع المستحب المطلوب فعله، والمكروه الذي ينبغي منعه وإزالته.

ومهمة التشريع في هذه الدائرة: فهم مبادئ الشريعة وأصولها في هذه المسائل، وكذلك قصد الشارع مما قرره من مبادئ، ثم وضع القوانين في الأمور الواقعية الفعلية بحيث تُبنى على ما أوضحته الشريعة من أصول ومبادئ، وبحيث يتحقق منها قصد الشارع وهدفه.

دائرة التشريع الحر:

كذلك ثمة قسم من حياة الإنسان سكتت الشريعة عنه تماما، فليس فيه حكم صريح أو قياسي أو مستنبط.

وهذا المسكوت في حد ذاته دليل على أن الحاكم الأعلى أعطى الإنسان حق إبداء رأيه في أمور ومسائل هذا القسم.

ومن ثم يمارس الإنسان التشريع فيها بحرية تامة، شريطة أن يتطابق ما يشرعه ويتلاءهم مع روح الإسلام ومبادئه العامة، ولا يشذ في مزاجه عن مزاج الإسلام العام، الذي يكسو نظام الحياة الإسلامي ويسوده.

الاجتهاد:

إن التشريع الذي يحرك نظام الإسلام القانوني وينميه ويضيف إليه بمرور وتطور ظروف الزمن وحالاته:

إنما يتم عن طريق بحث علمي خالص، وتحقيق عقلي دقيق.

ويسمى بالاصطلاح الإسلامي (الاجتهاد).

والمعنى اللغوي لهذا اللفظ: (بذل قصارى الجهد في إنجاز عمل ما)، ولكن معناه الاصطلاحي: (بذل قصارى الجهد لمعرفة حكم الإسلام وهدفه في مسألة معينة).

وقد استعمل البعض اصطلاح (الاجتهاد) خطأ في معنى حرية استخدام الرأي، بيد أن أي إنسان يقف على نوعية القانون الإسلامي، هيهات أن يقع في خطأ القول بأن مثل هذا النظام القانوني يتسع لأي نوع من الاجتهاد الحر تماما، إذ يشكِّل القرآن والسنة نواة هذا النظام وأصله.

ولا بد لمن يمارس التشريع: إما أن يتخذ هذا الأصل (الكتاب والسنة) أساسا للتشريع، أو أن يظل داخل إطار تلك الحدود التي تتاح له فيها حرية إعمال رأيه.

أما ما يحدث من اجتهاد بعد الاستغناء عن هذا الأصل، فهو ليس اجتهادا إسلاميا، ولا مكان له في نظام الإسلام القانوني.[7]

ويؤكد المودودي:

أن الاجتهاد الصادر عن تأويلا، وتفاسير عشوائية ـ دون مراعاة لهذه الاحتياطات والشروط ـ من المستحيل أن يقبله ضمير المسلمين الاجتماعي أو أن يصبح جزءا حقيقيا من نظام الإسلام القانوني.

حتى ولو صار في منزلة القانون عن طريق القوة السياسية، وسرعان ما يلقى به في سلة المهملات، بمجرد الإطاحة بالقوة السياسية التي نفذته.

كيف تصبح للاجتهاد منزلة القانون؟:

ويعرض الأستاذ المودودي هنا لمسألة هامة، وهي: كيف تصبح الاجتهادات الفقهية قانونا، أو لها منزلة القانون؟ وأجاب بقوله:

توجد في نظام القانون الإسلامي عدة حالات صارت لبعض الاجتهادات فيها منزلة القانون.

الأولى: ما يجمع عليه كافة أهل العلم في الأمة.

والثانية: الاجتهادات الشخصية أو الجماعية التي يبدأ الناس من أنفسهم في اتباعها، بعد أن تلقى بينهم قبولا عاما، ومثال ذلك اتخاذ بعض المدن الإسلامية الكبرى: الفقه الحنفي أو الشافعي أو المالكي أو الحنبلي قانونا لها.

والثالثة: الاجتهادات التي اعترفت بها أية حكومة إسلامية، وأقرتها قانونا لها، مثلما اتخذت الدولة العثمانية الفقه الحنفي قانونا لها [ودون ذلك في (مجلةالأحكام)].

والرابعة: الاجتهادات التي تقوم بها أية مؤسسة إسلامية ذات صفة دستورية في مجال السياسة.

أما ما يقوم به العلماء من اجتهادات ـ عدا هذه الحالات ـ فلا يتعدى منزلة الفتاوى.

والأحكام التي يصدرها القضاة لا بد من تنفيذها كقوانين في قضايا خاصة، ولها صفة السوابق والنمطية Precedents لكنها ليست قوانين بالمعنى الكامل الصحيح.

وحتى أحكام وأوامر الخلفاء الراشدين التي كانوا يصدرونها بوصفهم قضاة لم يكن يعترف بها قوانين في الإسلام، لأن نظام القانون الإسلامي يخلو من وجود قوانين من صنع القضاة Judge Made Law.[8]

أعتقد أننا وجدنا المودودي ـ في هذه النقول التي أوردناها ـ ينظر إلى موضوع الحاكمية نظرتنا إليها، ويتيح للعقل المسلم أن يكون له دور في التشريع أو التقنين للأمة عن طريق الاجتهاد، الذي لا زال بابه مفتوحا لأهله في محله.

وإنما يغلق في وجوه الدخلاء الذين ليسوا أهلا للاجتهاد، أو الذين يخرجون عن دائرة ما يسوغ الاجتهاد فيه، إلى الدائرة المغلقة التي لا تقبل الاجتهاد، لأنها دائرة (الثوابت) القطعية التي حسمتها النصوص المحكمات.

وقد لخص المودودي (مبادئ التشريع) في الإسلام في هذه العبارة الموجزة:

"ما كان من العبادات فأدوه، ولا تبتدعوا طريقا للعبادة.

أما في مجال المعاملات، فما صدر فيه حكم فأطيعوه ونفذوه، وما نهيتم عنه فانتهوا، وما اختار الشارع (الله ورسوله) الصمت إزاءه، فأنتم أحرار في أمره، بما يتفق ونظرتكم الصائبة، على ألا تشذوا فيه عن روح الإسلام العامة".[9]

[1] موجز تاريخ تجديد الدين .

[2] انظر: رسالة (الإسلام اليوم) .

نشر الدار السعودية.

[3] رواه أحمد والترمذي والطيالسي عن أنس، وأحمد وابن حبان عن عمار، وأبو يعلى عن علي، والطبراني عن عمر وابن عمرو.

وذكره الألباني في صحيح الجامع الصغير بدرجة صحيح (5854).

[4] الإسلام اليوم.

[5] المستصفى (1/8) ط. دار صادر ببيروت. مصورة عن طبعة بولاق.

[6] المستصفى (1/83) وفي فواتح الرحموت: مسألة: لا حكم إلا من الله تعالى، بإجماع الأمة لا كما في كتب بعض المشايخ: أن هذا عندنا، وعند المعتزلة: الحاكم العقل.

فإن هذا مما لا يجترئ عليه أحد ممن يدعي الإسلام، بل إنما يقولون: إن العقل معرف لبعض الأحكام الإلهية، سواء ورد به الشرع أم لا.

وهذا مأثور عن أكابر مشايخنا أيضا (يعني الماتريدية) مع المستصفى.

[7] الحكومة الإسلامية.

[8] الحكومة الإسلامية.

[9] الحكومة الإسلامية.

المصدر