سمات الفكر المودودي

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ١١:٥٣، ١٢ نوفمبر ٢٠١١ بواسطة Attea mostafa (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
سمات الفكر المودودي

مقدمة

وهنا قدر الله تعالى أن يظهر المودودي بفكره التجديدي الأصيل، يعرض الإسلام كما أنزله الله، لا كما يشتهيه الناس.

الإسلام كما هو، وبما هو.

لا يعتسف في تأويل، ولا يلجأ إلى تبرير، ولا يعتذر عن حكم جاء به الوحي، وصح نسبه إلى الإسلام، ولا يقيم معركة بين العقل والوحي.

بل يجعل العقل في خدمة الوحي، فهما وبيانا وتعليلا.

1- الالتزام بالإسلام كل الإسلام:

الإمام المودودى

لم يكن إسلام المودودي ـ الذي جند نفسه لتجديده ـ إسلام الجامدين من مقلدة المذاهب الذين رفضوا الاجتهاد والتجديد، ولم يعرفوا العلم إلا في كتب المتأخرين من علماء المذهب وما عدا ذلك فهو مردود.

ولم يكن إسلامه إسلام خصومهم الذين رفضوا المذهبية، ولكنهم وقعوا أسرى الشكلية والحرفية واللفظية، ولم تتسع آفاقهم لتفهم مقاصد الشريعة، واستيعاب روح الإسلام، وهم الذين سميتهم (الظاهرية الجدد) الذين نصبوا معركة بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للشريعة.

ولم يكن إسلامه إسلام خصوم هؤلاء وأولئك من المخرفين من أتباع التصوف المنحرف الذين أفسدوا العقائد بالخرافات، وأفسدوا العبادة بالمبتدعات، وأفسدوا الأفكار والسلوك بالتربية السلبية التي تجعل المريد بين يدي الشيخ كالميت بين يدي الغاسل.

ولم يكن إسلامه إسلام دعاة العصرية من عبّاد الحضارة الغربية وعبيد الفكر الغربي، الذين غيروا قبلتهم من مكة إلى أوربة، وأرادوا أن يجعلوا من الإسلام ذيلا لحضارتها.

كان إسلام المودودي الذي يدعو إليه إسلاما خالصا لا يقبل الشركة ولا تشوبه شائبة، فلم يقبل في يوم من الأيام أن يشوبه باشتراكية أو ديمقراطية أو قومية.

فلكل من هذه الدعوات وجهتها ومحتواها وغاياتها ووسائلها الخاصة.

أما الإسلام فهو نسيج وحده، سابق عليها، متميز عنها بمضمونه، وأهدافه ووسائله، ويكفي أنها تمثل قصور البشر، وأهواء البشر، وهو يمثل كمال الله، وعدل الله: (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة؟) البقرة: .

كان إسلام المودودي إسلاما شاملا، لا يقتصر على العقيدة وإن كانت هي أساس البناء، ومنها انطلق إلى نظرياته السياسية وغيرها.

ولا يقف عند حد العبادة الشعائرية، بل ينطلق منها إلى جعل الدين كله عبادة كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية من قبله.

لا يكتفي بالأخلاق، على الرغم من منزلتها في الدين: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

إنما الإسلام عنده (نظام كامل للحياة) فهو نظام عبادي، ونظام خلقي، ونظام اجتماعي، ونظام اقتصادي، ونظام سياسي.

وقد وضح ذلك في رسائله وكتبه، ومنها رسالة (نظام الحياة في الإسلام).

هذه هي المزية الأولى لفكر المودودي: إنه ملتزم بالإسلام كل الإسلام بلا تنازل ولا مساومة.

2- المعاصرة:

وكانت المزية الثانية لفكر المودودي: أنه ينظر إلى الإسلام بعين، وإلى العصر بأخرى، فهو لا يعيش في الماضي معزولا عن الحاضر، بل يخاطب العقل المعاصر بلغته، ويحاجه بمنطقه، ويلزمه بمقتضى مسلماته الفكرية والعلمية.

وهذا شأن الداعية الموفق الذي فقه معنى البيان في قوله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم [إبراهيم: 4].

وقد آتاه الله موهبة (التأصيل) و(التنظير) فهو ينظم الحبات المتناثرة في سلك يجعل منها عقدا، ويرد الجزئيات إلى الكليات، والفروع إلى الأصول، بحيث يستخرج منها الفكرة الكلية للإسلام أو ما يسمى (النظرية الإسلامية).

والذي يقرأ كتب المودودي ورسائله ومحاضراته يستبين بوضوح: أن الرجل يعيش في عصره، مطلع على مشكلاته، خبير بما يمور في مجتمعه من تيارات، مطلع على الحضارة الجديدة الغازية، وما تبهر به الجيل الجديد من إنجازات، بصير بما وراء مظهرها البراق من مخبر خبيث، فهو قارئ متعمق لمصادرها، مدرك جيد للأسس الفكرية والفلسفية والمعنوية لهذه الحضارة، واع لخصائصها ومشخصاتها، متبيّن لأمراضها وآفاقها، لا يخدعه العرض عن الجوهر، ولا الشكل عن المضمون، ولا ما تزدان به السطوح عما يجري في الأعماق.

3- المواجهة:

لم يسلك المودودي سبيل (المعتذرين) عن الإسلام، أو (المحامين) الذين تصوروه داخل قفص الاتهام ثم تولوا الدفاع عنه، أمام هجمات الحضارة الغربية ودعاتها من ليبراليين واشتراكيين.

أجل، لم يكن المودودي يوما في موقف الدفاع أو الاعتذار، أمام الحضارة الوافدة، والأفكار الدخيلة، والتيارات المنحرفة، بل كان موقفه المواجهة والهجوم.

ولم يرعه هذا (الصنم الكبير) الذي وقف تجاهه الكثيرون مبهورين، وخر أمامه آخرون ساجدين، وهو صنم (الحضارة الغربية) التي بلغت أوجها بالتفوق العلمي والتكنولوجي.

فقد كان معتزا بإسلامه غاية الاعتزاز، مؤمنا بتفوق رسالته كل الإيمان، وكان أساس إيمانه أن ما وضعه المخلوق ـ بما فيه من قصور ذاتي وهوى غالب ـ لا يمكن أن يرقى إلى ما شرعه الخالق ـ الذي وسعت كل الخلق رحمته، ووسع كل شيء علمه (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) الملك: 14.

وكان ـ كما ذكرنا ـ على معرفة كافية بعيوب الحضارة الغربية، ونقاط الضعف فيها، ومواضع الخلاف فيها لرسالة الإسلام، ولا غرو أن شن حملته على تلك الحضارة، ونقدها نقدا علميا أظهر عوارها، وكان أقدر من تصدوا لهذه المهمة الجليلة: مهمة إعادة الثقة بالإسلام في مواجهة الحضارة الغربية، وكان أحق بها وأهلها.

نقد الحضارة الغربية بقوة في (جانبها الاجتماعي) حين أصدر كتابه: (الحجاب) مبينا فيه فلسفة الإسلام في الاحتشام، ونظرته إلى المرأة والأسرة، التي تخالف جذريا نظرة الحضارة الغربية.

ونقد الحضارة الغربية بقوة في (جانبها الاقتصادي) حين ألف كتابه في (الربا) الذي يعتبر عصب النظام الرأسمالي الذي قامت عليه المدنية الغربية، وبين الحكمة من وراء تحريم الإسلام للربا إلى حد أن آذن القرآن فاعله بحرب من الله ورسوله.

كما بين من ناحية أخرى مزايا النظام الإسلامي في الاقتصاد، وكيف حل معضلاته في يسر، ووضع الأسس العادلة لحياة اقتصادية طيبة كما ظهر ذلك في رسالتَيْ: (معضلات الاقتصاد وحلها في الإسلام) و(أسس الاقتصاد في الإسلام مقارنا بالنظم المعاصرة).

وكذلك نقد المودودي الحضارة الغربية في جانبها السياسي، وإن رأى الكثيرون أنه أفضل جوانبها، لما وفرت فيه للفرد من حريات، وما حمت من حقوق وحرمات.

ربما كان عيب المودودي في هذه المواجهة: أنه ـ مبالغة منه في الحفاظ على هوية الأمة، وخصائص حضارتها، ومقومات رسالتها ـ اتخذ خط التشدد مع الحضارة الوافدة، ولم يسمح لنفسه بأي قدر من الملاينة والمرونة، كما فعل آخرون.

فرأيناه في الجانب الاجتماعي (في الحجاب): يوجب النقاب، ولا يكتفي بضرب الخُمُر على الجيوب، بل يُلزم بتغطية الوجوه، حتى إنه لم يجز كشفها للعم والخال.

وفي الجانب الاقتصادي: لم يتبن ما تبناه دعاة آخرون من اتجاهات تتعلق بالعدالة الاجتماعية، والنزعة الاشتراكية، كما فعل الشيخ مصطفى السباعي في (اشتراكية الإسلام) وكما فعل الشيخ الغزالي في (الإسلام والمناهج الاشتراكية).

وفي الجانب السياسي: رفض الديمقراطية، وانتقدها انتقادا حارا، لأنه نظر إلى جذورها الفلسفية، واعتبرها حكما للشعب في مقابلة حكم الله، ولم ينظر إليها كما نظرت إليها في كتبي ودراساتي، حيث أخذنا منه: ضماناتها ووسائلها وآلياتها: في اختيار الحاكم وأهل الحل والعقد ومحاسبتهم وإسقاطهم عند اللزوم، واعتبار الديمقراطية حكم الشعب في مقابلة حكم الفرد، فجوهر الديمقراطية هو أن تكون السلطة للأمة لا للحكومة، والديمقراطية في المجتمع المسلم مقيدة بأن تكون السيادة للشريعة.

وفي مواجهة العلامة المودودي للحضارة: حدد النقاط الأساسية التي تخالف فيها الحضارة الغربية حضارتنا الإسلامية، وهي:

1- العلمانية.

2- القومية.

3- الديمقراطية.

وتحدث عن كل منها حديثا مستفيضا، قد نعرض له بعد.

المصدر