المستقبل للإعلام الحر
حوار- عبد الله إمبابي:
د. سليمان صالح
شهدت السنوات العشر الأخيرة نقلةً كبيرةً في الإعلام العربي؛ حيث بدأ انتشار الفضائيات والصحف المستقلة ومواقع الإنترنت في سابقة غير معهودة لكسر هيمنة الأنظمة على الإعلام؛ الأمر الذي جعل الإعلام السلطوي يتراجع القهقرى، وينكشف أمام الإعلام المستقل عن إرادات الأنظمة، وعزف الجمهور عن التلفزيون الرسمي وصحافة النظام، مفضلاً الاستقلال عنها جميعًا، والتحرر من أبواق الأنظمة التي طالما تسلَّطت وهيمنت على خيارات المتلقي العربي.
وحول هذه النقلة التقى (إخوان أون لاين) د. سليمان صالح أستاذ الصحافة والإعلام الدولي بكلية الإعلام جامعة القاهرة ومدير مركز التراث والتوثيق الصحفي؛ ليرصد ما يجري في بلاط الإعلام العربي، ويكشف الكثير من خطط النظام الحاكم في السيطرة على الأبواق الإعلامية لاستخدامها في إجهاض أي صوت لخصومه السياسيين.
ويحذر د. سليمان صالح من خطورة موقف الإعلام العربي المتراجع في ظل ثورة الاتصالات والمعلومات، فضلاً عن غياب الديمقراطية التي تعوِّق تحقيق الحرية الحقيقية لوسائل الإعلام.
فإلى التفاصيل:
* في البداية، ما هو تقييمك لأداء الإعلام العربي عمومًا، والمصري على وجه الخصوص؟
- الإعلام العربي كله يعاني من حالة ضعف خطيرة للغاية، وهذا الضعف يأتي في فترة الاتصالُ فيها هو الصناعة الرئيسية في العالم، الذي يعيش ثورة اتصال ومعلومات، فالاقتصاد كله ينبني على التطور في الإعلام والاتصال والثقافة، وكل ذلك يشكِّل أساس التطور الاقتصادي.
* انتشرت في الآونة الأخيرة ما يسمَّى بصناعة المعلومات ومجتمع المعرفة.. ماذا تعني هذه المصطلحات؟
- صناعة المعلومات من أهم الصناعات التي يقوم عليها الاقتصاد العالمي، فعلى سبيل المثال أمريكا تحقِّق 70% من دخلها القومي من صناعة المعلومات، والأخطر من ذلك أن هذه الصناعة ليست فقط في قيمتها المادية أو عائداتها الاقتصادية، ولكنها تُستخدم للسيطرة على الشعوب، كما أن صناعة المعلومات ليست هي نهاية التطور؛ ذلك لأن الاقتصاد العالمي يعاني من انهيار بفعل الأزمة المالية العالمية؛ لأنه اعتمد بشكل أساسي على المعلومات، والآن الاتجاه الأفضل هو الاتجاه لبناء مجتمعات معرفية، وليس مجتمعات معلوماتية، فالدولة التي ستكون في المستقبل أكثر قوةً وقابليةً في التطور، وتحقيق النهضة الاقتصادية هي القادرة على بناء مجتمع المعرفة، وهو التحدي الذي يواجه الدول العربية.
* كيف يكون الإعلام حافزًا للتقدم الاقتصادي؟
- تعالَ نتأمل الحالة التركية، فعلى سبيل المثال ظلَّت تركيا تعاني من التخلُّف؛ لأن الجيش كان يحكم وسائل الإعلام ويسيطر عليها، فلم تكن هناك أفكارٌ جديدةٌ، لكنْ عندما أُتيحت الفرصة لوسائل الإعلام حقَّقت تركيا نهضةً اقتصاديةً، وربما كانت الدولة الوحيدة التي لم تتأثر بالأزمة الاقتصادية؛ لأن وسائل إعلامها طرحت مختلف الأفكار والشعب اختار ما يريد، فإذا كنا نريد نهضةً معرفيةً واقتصاديةً وصناعيةً لا بد أن أن نحقِّق حريةً حقيقيةً لوسائل الإعلام أولاً.
* هل تعني أننا كعرب ومسلمين ما زلنا بعيدين عن هذه الصناعة؟
- بالطبع، فالتحدي الذي يواجهنا في المستقبل هو كيف نبني مجتمع معرفة أفضل، ووسائل الإعلام هي الأساس في بناء مجتمع المعرفة، خاصةً خلال العقد القادم، وإلا فإننا سوف نضيِّع فرصةً تاريخيةً على أنفسنا ولن نستطيع أن نحقق التقدم.
* وما الذي يعوِّق إعلامنا في بناء مجتمع المعرفة؟
- أن تحقيقه يرتبط بعدة أشياء؛ منها الديمقراطية، ومشاركة الفرد السياسية والثقافة والهوية، وكيف يمكن أن نحافظ على الذاتية الثقافية كأساس لمجتمع المعرفة، ووسائل الإعلام، طالما هي الأساس في ذلك، فلا بد من تطويرها عبْر تحقيق التعددية والتنوُّع في هذه الوسائل، بمعنى أن وسائل الإعلام لا بد أن تناقش كل المشروعات الوطنية الموجودة في الساحة، ولا بد أن تعرض هذه المشروعات، وأن تتوجه إلى الناس بمختلف وجهات النظر، وتعطي الأخبار من مناظير مختلفة، وتغطي الأحداث بواسطة مواردها الذاتية، فيكون لها مراسلون في كل أنحاء العالم لتغطية الأحداث ونحن في منطقة بها الكثير جدًّا من الأحداث؛ أي أننا نتملك مصدر قوة، لكننا لا نستطيع أن نستغله؛ الأمر الآخر أن الوسيلة التي تستطيع أن تنجح هي تلك التي تقدِّم تغطيةً متعمقةً للأحداث، وهي الآن زاد عددها بشكل كبير جدًّا، وفي معظمها تقدم الأحداث بالطريقة الخبرية البسيطة التي كانت موجودةً في خمسينيات وستينيات القرن العشرين، وهي طريقة لا تلائم هذا العصر الذي يتسم بثورة التكنولوجيا والمعلومات.
خبراء مصنوعون
* أين يقف الإعلام المصري من كل هذه المعايير التي ذكرتها؟
- وسائل الإعلام لا تعطي المتلقِّي المصري المعرفة الكافية، كما أنها موجهة؛ حيث إن شكل تغطية الأحداث لا يقدم تحليلاً ولا تفسيرًا للأحداث، كما أنها تعتمد على نفس الخبراء في إبداء الآراء في مختلف القضايا والموضوعات المثارة؛ بمعنى أن هناك مجموعةً وقائمةً من الخبراء صنعتهم المؤسسات الرسمية، فلم يحتلُّوا مكانتهم بعلمهم، ولكنْ بواسطة وسائل الإعلام التي لم تحاول أن تبحث عن خبراء حقيقيين، فعلى سبيل المثال هناك كثير من الأحداث في المجتمع المصري، وهناك كثيرٌ من العلماء يستطيعون أن يحلِّلوها بتعمُّق، لكنَّ وسائل الإعلام تعرِض عنهم؛ لأنهم يتناولون رؤيةً مستقلةً ومتعمِّقةً، ولا تتماشى مع توجهات السلطة، وبذلك تبتعد عن الخبراء الحقيقيين، وتعتمد على مجموعة من الخبراء المصنوعين الذين صنعتهم السلطة لكي تقول لها ما تريد أن تسمعه لا ما يريد الشعب أن يسمعه.
* هل أثر ذلك في الشعب المصري في تكوين رؤاه في مختلف القضايا المثارة؟
- نعم، وتسبَّب ذلك في أن يصاب الشعب المصري بحالة من الجمود وعدم التطور؛ لأنه يسمع كل يوم نفس الأفكار ونفس الآراء لنفس الخبراء وبنفس الأطر المقدمة، وبالتالي فهو لا يسمع جديدًا ولا يعرف مزيدًا من الأخبار، كما أن التغطية قليلة القيمة وسطحية، وليس بها تحليل ولا تفسير، فنجد من يردِّد من أبواق السلطة أنه ليس هناك من يصلح للرئاسة أو الوزارة أو النيابة.
وأنا أقول هذا حقيقي؛ لأن وسائل الإعلام جمَّدت الشعب المصري، ولأنها لم تكتشف الخبراء والعلماء الحقيقيين بين الشعب المصري، وهناك الآلاف منهم، لكنَّ وسائل الإعلام لم تقدمهم؛ لأن السلطة لا تريد أن تبرز كفاءاتٍ حقيقيةً وعلماء حقيقيين فتغلق الطريق عليهم؛ ما يؤثر في المجتمع المصري ويقلِّل من قدرته في بناء مجتمع المعرفة، وهذا هو أخطر التطورات التي صنعتها وسائل الإعلام بالاشتراك مع السلطة.
تكريس الاستبداد
* كيف شاركت وسائل الإعلام السلطة في تكريس هذه الحالة؟
- تمَّ استخدامها في ترديد مصطلحات من نوعية "الشعب المصري لا يستحق الديمقراطية"، هذا كلامٌ خطيرٌ جدًّا على مستقبل مصر، وهؤلاء الذين يطلقون هذا الكلام ويردِّدونه لا يعملون لمستقبل مصر؛ فالديمقراطية تتحقَّق بالممارسة، ولذلك فالصحافة الحرة ضرورة لتحقيق النهضة في المجتمع المصري، وأنا أقول إن حرية الإعلام ليست ترفًا، ولكن مرتبتها تأتي قبل الديمقراطية، ولا بد أن نمارسها أولاً لكي تتحقق الديمقراطية التي يستحقها الشعب المصري، فنحن شعب كافح ضد الاستعمار، ويوم يتملَّك الفرصة لتحقيق ديمقراطية حقيقية فإنه لن يتخلَّى عنها؛ الأمر الثاني أن وسائل الإعلام في مصر لا تدير مناقشةً حقيقيةً بين الاتجاهات السياسية المختلفة، وهي ضرورة؛ لأن المجتمع الذي يريد أن يتطوَّر يحتاج إلى جهد كل أبنائه كما يحتاج إلى حلول وأفكار جديدة للمشكلات القائمة، فلا يمكن أن تحلَّ المشكلة بمنظور واحد.
* لكنَّ ما يحدث الآن أن وسائل الإعلام- خاصةً الحكومية- تعمل على إقصاء الآخر، خاصةً جماعة الاخوان المسلمين.
- لا يمكن نفي أي قوى وطنية، ويوم أن يتم نفي أي قوة وطنية، فهذا يعدُّ خصمًا من مستقبل الشعب المصري، فالذين يريدون أن ينفوا فصيلاً مهمًّا في الشارع المصري كجماعة الإخوان المسلمين ويمنعوهم من العمل السياسي أو من التعبير عن آرائهم في الحقيقة لا يريدون مسقبلاً أفضل لمصر، فنحن نحتاج أن يسمع بعضنا بعضًا، لكنَّ الشعب المصري لا يسمع إلا صوت السلطة وصوت الحزب الوطني، وتلك الأفكار القديمة يردِّدها الخبراء المصنوعون كما ذكرت.
* كيف يمكن لوسائل الإعلام الحرة أن تناهض هذه الحالة التعبوية المضادة لجهود الإصلاح من قبل الإعلام الحكومي؟
- يجب أن يركز الإعلام الحر على مشروع حضاري نهضوي، فالشعب المصري يحتاج إلى أي مشروعات حضارية، خاصةً أن المستقبل يقوم على تصارع هذه المشروعات، ليختار الشعب منها بكامل إرادته المشروع الحضاري الذي يصوغ على أساسه مستقبله، ولدينا على الأقل 3 مشروعات حضارية تتصارع منذ فترة طويلة على الساحة؛ هي: المشروع الليبرالي الغربي الرأسمالي والاشتراكي والإسلامي، ولا يمكن أبدًا أن ينفي تيار منها الآخر، فهذه المشروعات يجب أن تطرح جميعها أفكارها والشعب المصري يختار منها ما يريد.
* لكنَّ الحزب الوطني يردِّد عبر أبواقه الإعلامية أنه صاحب الفكر الجديد، هل ترى ذلك يحدث بالفعل؟
- لا يمكن أبدًا أن يتقدم حزب بدون مشروع حضاري، على سبيل المثال الحزب الوطني أين مشروعه الحضاري؛ فهو لا يقول شيئًا إلا أنه يريد الاستقرار، هل يُعقل أن ننتخب حزبًا فقط لمجرد أنه يريد الاستقرار، والاستقرار على ماذا؟ وعن ماذا؟ نحن نريد نهضةً حضاريةً، وأن تعيد مصر مكانتها على مستوى العالمي، وأن تنهض اقتصاديًّا، ولا نريد فيها جاهلاً أو أميًّا واحدًا.
أركان الحرية
* كيف يمكن تحقيق حرية وسائل الإعلام؟
- تقوم هذه الحرية على أربعة أركان: الأول هو التعددية والتنوع؛ بمعنى أنه لا بد أن توجد في مصر وسائل الإعلام التي تعبِّر عن الاتجاهات السياسية المختلفة، وأن يكون هناك الكثير من الوسائل التي تعرض أفكارًا جديدة.
ثانيًا عدم وجود قيود على إصدار الصحف؛ بمعنى أن كل مواطن يريد أن يُصدر صحيفةً فليتفضَّل وينشئ صحيفة.
والأمر الثالث إلغاء الرقابة، خاصةً الرقابة الذاتية، وأن يتحرَّر الصحفيون من هذه الرقابة المفروضة على أنفسهم، فكثير من الصحفين يخافون من التعبير عن آرائهم؛ بسبب الخوف من قيود مثل الأمن والسلطة ورئيس التحرير، والخوف على لقمة العيش.
والأمر الرابع أن نفتح مصادر المعلومات أمام الصحفيين؛ لأن الدنيا مغلقة وليست هناك شفافية في المجتمع المصري، ولذلك فإن معظم الموضوعات التي يعالجونها معادة ومكررة، كما أن الكثير من برامج "التوك شو" ضعيفة جدًّا وجزئية فأصبحت تلك البرامج لا تجذب المشاهد، خاصةً في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها السلطة.
* هل ترى أن الشعب المصري يثق في وسائل الإعلام الحكومية؟
- الشعب المصري فقد الثقة في وسائل الإعلام الحكومية، وهذا أمرٌ خطيرٌ على مستقبل الصحافة؛ لأن البديل أن الشعب المصر خاصةً فئة الشباب سيتجهون إلى الإنترنت، ويحصلون على المعلومات من خارج الإطار الوطني ومن الفضائيات الأخرى؛ الأمر الآخر أن الناس منصرفون أصلاً من المعلومات إلى الدراما والتسلية، وهي لا تصنع مجتمع معرفة، كما تكمن خطورتها في أنها تؤدي إلى تكلس العقل الإنساني وعدم قدرته على التفكير، وبالتالي فإن المجتمع في مصر يحتاج إلى أن يأخذ بأساليب العصر الحديثة في الإعلام والاتصال.
* ما مدى الخطورة التي تتحدث عنها خلال الفترة المفصلية التي ستمر بها مصر من خلال 3 انتخابات برلمانية ورئاسية قادمة؟
- الخطورة تكمن في أن الشرط الأساسي لحرية الشعب المصري في المشاركة في هذه الانتخابات وتحقيق نزاهتها هو أن يتم إطلاق حرية الإعلام في أن يناقش كل القضايا وبرامج مختلف المرشحين، وإلا فإن هذا سيشكِّل تزويرًا مبدئيًّا للانتخابات، فضلاً عن أن الأمن يسيطر على كل شيء ويرهب المجتمع، وأنا أعتقد أن سبب النهضة الحضارية في الغرب- وتحديدًا في أمريكا- أن الآباء المؤسسين لها قد أطلقوا حرية الإعلام، وقد منعوا الكونجرس من إصدار أي قانون يقيِّد حرية الإعلام.
* كيف تقيِّم أداء وسائل الإعلام الحكومية في معالجة الأزمات التي تقع في المجتمع المصري؟
- أرى أن الصحف القومية ووسائل الإعلام التي تسيطر عليها السلطة في مصر غير قادرة على معالجة الأزمات التي يمر بها المواطنون؛ حيث ركَّزت فقط على الجهود الحكومية في الأزمات والكوارث، كما أن هناك العديد من المشكلات لا يستطيع تناولها.
* ننتقل إلى ربط ذلك بمعالجات الإعلام الحكومي لخصومه السياسيين، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون.. ما تقييمك لهذه المعالجة؟
- دعنا نتفق أولاً أن الشعب المصري لا يثق في معالجات الإعلام الحكومي، كما أنه لا يثق فيما تروِّجه ضد قوى المعارضة، بالعكس فإن الرأي العام يزداد تأييدًا وتمسكًا بالفصيل المعارض؛ لأن الناس تقول بما إن الحكومة تعارض هذا الاتجاه فإنه صحيح بالتأكيد؛ لذلك نقول للصحف القومية أعيدوا تشكيل معالجتكم للأحداث، فأنتم تدمرون مستقبل الإعلام في مصر؛ لأن المعالجة التي يقدمها الإعلام الحكومي الآن تصلح لستينيات القرن الماضي؛ حيث لم يكن عدد الصحف يتجاوز 3 صحف فقط.
* وما السبب من وجهة نظرك؟
- السبب أن الأمن يسيطر على كل شيء في بلدنا ويوجهه، ومن المعروف أن الأمن لا يصنع إعلامًا، بل إن الصيغة التي كانت تعتبر في الغرب مثاليةً للعلاقة بين السلطة والإعلام هي صيغة الخصومة وتسمَّى adversary relationship فوسائل الإعلام هي "كلب حراسة" تنبح عندما ترى أي فساد وتكشفه، وطالما يتحكم الأمن في وسائل الإعلام فهذا الإنتاج الإعلامي الأمني لن يقنع الجمهور، وكل ذلك أدَّى إلى أن مصر فقدت إمكانية القوة والسيادة الإعلامية؛ بسبب الوسائل التي تسبِّح بحمد السطلة التي لا تنتج إلا ضعفًا إعلاميًّا.
كسر الاحتكار
* هل تطالع موقع (إخوان أون لاين)؟
- نعم أطالعه.
* ما تقييمك لأدائه؟
- الموقع يضيف معرفةً جديدةً للناس، ويكسر احتكار السلطة لتدفُّق المعلومات، وهذا في حدِّ ذاته هو أهم إيجابية، وأنا أطالب بإنشاء الكثير من المواقع التي على شاكلته؛ حتى لا نعيش في عصر الإعلام أحادي الاتجاه، وهو إعلام السلطة، خاصةً أن الأمريكيين الآن يبحثون عن مواقع تقدِّم الإسلام بشكل حقيقي؛ لأنهم اكتشفوا أن المواقع الغربية تعرض الإسلام بصورة مشوَّهة، وهذه فرصة تاريخية لنا.
* لكنَّ النظام المصري يدَّعي أنه يرعى حرية الإعلام بإطلاق الموقع، رغم حالات التضييق الإلكتروني عليه في بعض الأحداث المهمة.
- المشكلة الأساسية هو أن الإنترنت لا يغني عن وسائل الإعلام الأخرى، كالصحف الورقية والقنوات الفضائية والمحطات الإذاعية، وبالتالي فإن تدشين الموقع في حدِّ ذاته لا يعني أن هناك حريةَ إعلام؛ لأن النظام يعلم أن الإنترنت وسيلة للشباب والنخب، لكنَّ هناك شارئحَ أخرى تحتاج إلى وسائل أخرى لا بد أن نطوِّرها.
* لو طُلب منك أن تضع "روشتة" لتطوير (إخوان أون لاين).. ما هي أهم ملامحها؟
- لا بد أن نبحث عن تميز الشخصية الإعلامية للموقع الإلكتروني، وأن يقدم ما لا يقدمه الآخرون، وأن نبحث من هم جمهوره، وكيف يقدم لهم الجديد، ويبني تحالفات ويعطي للقارئ معلوماتٍ تجذبه لكي يعود إلى الموقع مرةً أخرى، فنحن الآن نبحث عن غني الوسيلة "media richness"؛ لذلك يجب أن يتحول (إخوان أون لاين) إلى بوابة، وأن يبني تحالفًا بحيث ينتقل منه إلى مواقع أخرى تخدم إمكانية توفير معرفة كافية عن أي حدث من الأحداث، فإذا لم تستطع تقديم خدمة إعلامية عن أحداث في بلد مثل كينيا مثلاً فانقلني إلى موقع يتوافق مع سياسة الموقع التحريرية.
بالإضافة إلى أن المواقع الإلكترونية بها أشياء رائعة، مثل التربيط؛ بمعنى أننا عندما ننتج نصًّا صحفيًّا لا بد أن نقوم بعملية تربيط للمواقع التي تتناول جزئيات معينة في الموضوع؛ فإذا طرحت اسمًا أو مصطلحًا معينًا لا بد أن نعمل له "أيقونة" تنقله إلى نافذة أخرى؛ الأمر الآخر أن مواقع النت عنصر تفوقها في المستقبل يعتمد على التغطية المتعمِّقة وليست البسيطة.
* برأيك.. هل يمكن للموقع أن يُسهم في بناء مجتمع المعرفة الذي ذكرته في بداية الحوار؟
- بالطبع، فالحضارة الغربية لا تستطيع أن تبني مجتمع المعرفة؛ لأنها أصلاً حضارة قامت على المعلومات والتسلية، وهناك فكرة طرحتها في مؤتمر العام الماضي بجامعة الملك سعود وقلت إن الحضارة الإسلامية هي المؤهلة لبناء مجتمع المعرفة في هذا القرن؛ لأن الإنسان بطبيعته حدث له نوعٌ من الملل من المعلومات والتسلية، وبالتالي فهو يبحث الآن عن المعرفة، والحضارة الغربية لا تستطيع أن تقدم له المعرفة بعكس الحضارة الإسلامية التي لا يكفي لها موقع واحد، أيًّا كانت قوته، فلا بد أن تكون هناك آلاف المواقع التي تخدم هذا الهدف.
ففي المستقبل سيكون مصدرًا من مصادر كل دولة عددُ مواقعها على الإنترنت وتردُّد اسمها، كما أننا ندخل الآن في عصر الدبلوماسية العامة، وهو علمٌ خطيرٌ، ودبلوماسية المواطن والصحفي ووسائل الإعلام والاتصال الإستراتيجي، فهذه العلوم كلها يمكن أن تشكِّل أساسًا للنهضة، وبالتالي لا يمكن تحقيق نهضة اقتصادية بدون نهضة اتصالية.
* هل أنت راضٍ عن أداء كليات الإعلام؟
- لا تقوم الكليات بدورها، وأنا أريد أن تتطور لكي تستطيع تخريج إعلامي محترف ومؤهل مهنيًّا وأخلاقيًّا وعلى درجة عالية من الكفاءة، وهذا دورنا الوطني لصالح مصر كلها، الأمر الثاني أنه لا يجب أن يتعدى دور كليات الإعلام مجرد تخريج الإعلاميين إلى البحث العلمي في أن نشكِّل الأساس العلمي للنهضة الإعلامية.
الإعلام البديل
* لا يمكن أن نختم حديثنا مع شخصية علمية إعلامية مثلكم دون التطرُّق إلى ظاهرة الـ"فيس بوك" والمدونات.. كيف تقيِّمها؟
- الفيس بوك والمدونات والتويتر، وغيرها من أشكال الإنترنت الرائعة، تمثل الإعلام البديل، وهذا يشكِّل تحديًا آخر للحكومة التي تظن أنها تحتكر وسائل الإعلام، وتسيطر عليها، ولا تريد أن تفهم أننا بالفعل في عصر ثورة الاتصال، لكنْ تكمن خطورة هذا الإعلام البديل في أن الشباب أكثر قدرةً وكفاءةً على استخدامه، بينما الحكماء الكبار لا يستطيعون ذلك.
وهنا يبرز تساؤل مهم: ماذا لو أصبح الشباب بدون قيادة؟ هذه خطيرة جدًّا؛ إذ يلزم أن تكون هناك وسائل إعلامية قوية تتيح للنخب وأساتذه الجماعات والوطنيين أن يعبِّروا عن رأيهم، وأن يقودوا الشباب، كما أن الأخطر من ذلك أن جامعة هارافد أجرت بحثًا أثبتت فيه أن 70% من الصور الموجودة على الإنترنت صور إباحية، فلا يمكن أن نطلق شبابنا للإنترنت دون ترشيد.
* هل يشكِّل الإعلام البديل خطرًا يهدِّد هويَّة الشباب الثقافية؟
- بكل تأكيد، فشبابنا للأسف لا يقرأ كتابًا ولا صحيفةً، ولا يشاهد سوى الدراما والتسلية؛ لدرجة أننا دخلنا عصر المسلسلات الكورية، هل تصدق أن شبابنا يتابع الآن بشغف المسلسلات الكورية؟! هل يمكن أن نأمن على شبابنا ما يتابعونه؟ يجب أن نساعدهم على تحقيق وسائل إعلامية تحقِّق لهم النجاح، ولا بد أن نعطيهم إعلامًا يجعلهم يفخرون بانتمائهم إلى الوطن وكفاح الحركة الوطنية في سبيل التحرُّر من الاستعمار، ويعتزُّون بهويتهم الثقافية.. في هذه الحالة يمكن تحويل الشباب إلى ثروة حقيقية.
المصدر:إخوان أون لاين