عبد الكريم الخطيب
مؤسس الكشفية الحسنية
ولد الدكتور الخطيب في 02 مارس 1921 بمدينة الجديدة، ونشأ في أحضان جده من جهة الأم الفقيه سيدي محمد الكباص الذي تقلب في مناصب عدة في عهد السلاطين مولاي الحسن الأول ومولاي عبد العزيز ومولاي يوسف.والده هو الحاج عمر الخطيب ، الذي اشتغل ترجمانا إداريا، وكان مؤمنا تقيا زاهدا في الدنيا، أما أمه فهي السيدة مريم الكباص والتي كانت حافظة لكتاب الله كما عرفت بشخصيتها القوية وثقافتها الواسعة.
في بداية الأربعينيات، وفي سن لا يتجاوز 19 سنة، أسس الدكتور الخطيب رفقة بعض إخوانه الكشفية الحسنية، وانضم إلى الكشفية مولاي ادريس المحمدي والمهدي بن عبود والعربي حصار...وغيرهم. وتفرع نشاط الكشفية في جل مناطق المغرب مما دفع سلطات الحماية إلى منع الزي الكشفي لما كان يرمز له من قيم وطنية.
دراسة ونضال
درس الدكتور الخطيب الطب في مدينة الجزائر العاصمة، حيث مكث فيها أربع سنوات، وكان ممثلا للطلبة المغاربة في شمال إفريقيا، كما كان أول رئيس لجمعية الطلبة المسلمين لشمال إفريقيا.انتقل الدكتور الخطيب بعد ذلك إلى كلية الطب بالسربون، وعمل في مستشفى " فرانكو موزولمان " لمدة 6 سنوات. وأثناء مقامه هناك كان يسهر على جمعية مغربية تسمى دار السلطان، وفيها وشحه محمد الخامس رحمه الله من درجة فارس، وكان الطالب الوحيد الذي حظي آنذاك بهذا الشرف تقديرا لجهوده وأنشطته لصالح بلاده.وبعودته من باريس سنة 1951 أصبح الدكتور الخطيب أول طبيب جراح في المغرب حيث فتح عيادة بطريق مديونة بالدار البيضاء.
مقاومة الاستعمار
ألهمت أحداث كريان سنطرال سنة 1952 الدكتور الخطيب حس المقاومة المسلحة ضد الاستعمار، في ذلك اليوم المشهود كان الخطيب يعالج المعطوبين والجرحى في مسجد صغير اتخذ كمصحة لاستقبال الأعداد الكبيرة من المصابين المغاربة. وهكذا، ومباشرة بعد هذه الأحداث الأليمة، بدأ الدكتور الخطيب في جمع الأموال وتسليمها للمقاومة كل أسبوع أو أسبوعين قبل أن يحضر أول لقائه بالشهيد محمد الزرقطوني ومحمد منصور وعبد الله الصنهاجي حيث طرحت فيه مسألة تنظيم المقاومة وجيش التحرير في الجبال المغربية. فانطلق العمل وساهم الدكتور الخطيب في تأسيس قيادة جيش التحرير المعروفة بـ "لجنة تطوان" المكونة من خمسة أشخاص هم : الدكتور عبد الكريم الخطيب وحسن صفي الدين وسعيد بونعيلات و الحسين برادة والغالي العراقي وانضاف إليها الدكتور المهدي بنعبود بعد عودته من أمريكا، كما ساهم في تشكيل مجلس للثورة في تلك الفترة المكون من سبعة وعشرين عضوا وكان رئيسا له، ومن بين أهم أعضائه يمكن أن نذكر الأستاذعلال الفاسي، حسين برادة، عباس المساعدي، عبد الرحمن اليوسفي، وغيرهم من قادة الحركة الوطنية وجيش التحرير..
وحدة واستقلال المغرب العربي
كان الدكتور الخطيب يدرك منذ تأسيس جيش التحرير أن التنسيق مع الإخوة الجزائريين مهم وضروري حتى يكتمل استقلال المغرب العربي كله، ومن هنا ساهم مبكرا في تأسيس لجنة عليا مغربية جزائرية تشكلت من الجانب الجزائري من أحمد بن بلة ومحمد بوضياف ومحمد خيضر وحسن أيت أحمد والعربي بلمهيدي فيما متلث فيها قيادات وطنية مغربية ذات حجم كبير مثل عبد الرحمن اليوسفي والدكتور الخطيب وغالي العراقي.ويؤكد الدكتور الخطيب في كتاب "مسار حياة" أنه قد تم عقد اتفاق مكتوب مع جبهة التحرير الجزائرية على " أن نعمل على تحرير شمال إفريقيا وننصب عليه محمد الخامس خليفة" لكن بعد الاستقلال حصل ما لم يكن في الحسبان حيث طغت النزعات القطرية على الرغبات الوحدوية.
نظال من أجل التعددية والديمقراطية
بعد الاستقلال خاض الدكتور الخطيب معركة أخرى في سبيل منع قيام نظام الحزب الوحيد في المغرب، لذلك سعى رفقة أصدقائه إلى تأسيس حزب الحركة الشعبية في أكتوبر 1957، وكانت المعارك السياسية التي خاضتها هذه الحركة قد أثمرت صدور ظهير الحريات العامة.وفي سنة 1965 رفض الدكتور الخطيب قرار فرض حالة الاستثناء وحل البرلمان، وكان ثمن ذلك حصول خلافات عميقة مع رفيقه أحرضان أدى إلى خروج الخطيب ليؤسس حزبا جديدا أطلق عليه اسم الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية إلا أن هذا الحزب الوليد لم يلبث أن جمد عمله احتجاجا على ممارسة السلطة، ويقول الخطيب عن هذه الفترة بالذات، " لما تبث لنا أن نظام الاستثناء كان تجميدا للحياة الدستورية بالمغرب، وأن الدساتير التي وضعت بعد ذلك كانت تقنينا لهذا النظام، ولما تأكدنا من تورط السلطة في تزييف نتائج الانتخابات ضد على إرادة الشعب، قررنا في الحركة الشعبية الدستورية عدم المشاركة في الانتخابات حتى لا تزكي التزييف.
الوظائف والمهام
تقلد الدكتور العديد من الحقائب الحكومية بعد الاستقلال فقد عينه الملك محمد الخامس رحمه الله وزيرا للتشغيل والشؤون الاجتماعية وبقي في هذا المنصب حتى بعد تولي الملك الحسن الثاني زمام الأمور، قبل أن تسند له الوزارة المكلفة بالشؤون الإفريقية، كما شغل أيضا منصب وزير الصحة.وكان رئيسا لأول برلمان عرفه التاريخ المغربي الحديث سنة 1963، واستمر في هذا المنصب إلى غاية 07 يونيو 1965 تاريخ إعلان الملك تطبيق الفصل 35 من الدستور الذي يقضي بفرض حالة الاستثناء.
الدفاع عن قضايا المسلمين
لم يقف إشعاع الدكتور عبد الكريم الخطيب فقط عند حدود وطنه إنما تعداه إلى الاهتمام بقضايا الإسلام والمسلمين في العالم، ففي منزله تم تأسيس الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وتمثلت فيها كل الأحزاب المغربية، ومن خلالها تم تقديم أشكال كثيرة من الدعم المالي والمعنوي للجهاد في فلسطين. كما ساهم الخطيب في تشكيل منظمة مساندة للجهاد الأفغاني بعد الغزو السوفياتي لهذا البلد المسلم، وزار مخيمات اللاجئين الأفغان في بيشاوروباكستان.وعندما تحركت آلة الإرهاب الصربية ضد مسلمي البوسنة والهرسك كان الدكتور الخطيب في طليعة المبادرين إلى إقامة مهرجان للتضامن مع هذا الشعب المسلم في ماي 1992، حيث تقرر إثر ذلك تأسيس الجمعية المغربية لمساندة البوسنة والهرسك والتي أصبحت لها فروع كثيرة في المغرب وقدمت الدعم الكثير لهذا البلد لمساعدته على الخروج من تلك المحنة.وفضلا عن ذلك فقد كون الخطيب علاقات متينة مع العديد من الشخصيات عبر العالم العربي والإسلامي، مثل نلسون مانديلا وياسر عرفات وحسن الترابي، وعدد من القيادات الجزائرية.....إلخ.
علاقتــه بالعمل الإسلامـي
بدأت علاقته بقيادات الحركات الإسلامية مبكرا فقد تعرف على أحد قيادي جماعة الإخوان المسلمين توفيق الشاوي الذي استقر في المغرب هربا من نظام جمال عبد الناصر، كما تعرف على محمود أبو السعود رحمه الله وهو عالم اقتصاد ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وفي سنة 1956 التقى بالدكتور سعيد رمضان كما ربطته علاقة متينة بالشاعر الإسلامي عمر بهاء الدين الأميري.وفي سنة 1973 اقترح الدكتور الخطيب في تغيير اسم " الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية " إلى اسم "النهضة الإسلامية " لكن هذه الرغبة لقيت معارضة من طرف الإدارة وبعض مناضلي الحزب على حد قوله.
حزب العدالة والتنمية
في بداية التسعينيات فتح الدكتور الخطيب أبواب " الحركة الشعبية الدستورية الديموقراطية " في وجه الحركة الإسلامية المغربية ممثلة في حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي بعدم أخفقت محاولات الحركتين الاسلاميتين للحصول على الترخيص بإنشاء حزب, وقد توج هذا التنسيق بدخول بعض قيادات الحركة الاسلامية للأمانة العامة للحزب سنة 1996 خلال انعقاد المؤتمر الاستثنائي . وقد أدى هذا التعاون إلى ضخ دماء جديدة في الحزب الذي سيحصل على 12 مقعدا في الانتخابات التشريعية لسنة 1997 فبل أن يغير اسمه إلى حزب العدالة والتنمية ويحصد 42 مقعدا في الانتخابات التشريعية لعام 2002.الدكتور الخطيب الذي يتذوق الرسم الزيتي والتمثيل والأدب والموسيقى الأندلسية والعالمية ويهوى جمع السلاح الأبيض والدروع وأصداف البحر... يحتل اليوم منصب الرئيس المؤسس لحزب العدالة والتنمية وعمره يناهز 84 سنة، وكله حيوية ونشاط وأمل في مستقبل إسلامي زاهر.
وفاته
توفي الدكتور عبدالكريم الخطيب يوم 27 سبتمبر 2008م ، وقد نعى حزب العدالة والتنمية في بيان مقتضب مؤسسه د. الخطيب ، الذي كان أول رئيس للبرلمان المغربي عام 1963، بينما توافدت قيادات الحزب والعديد من أعضائه على منزل الداعية الراحل ، الذي كان يحظى بشعبية كبيرة بين أعضاء حزبه .
إقرأ أيضا