الدعوة الفردية بين المتطلبات والحقوق والواجبات

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
مراجعة ٠٢:٤٩، ٢١ يناير ٢٠١٠ بواسطة Helmy (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب'''' الدعوة الفردية بين المتطلبات والحقوق والواجبات..د/ أحمد السعيد''' * د / أحمد السعيد : إن …')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الدعوة الفردية بين المتطلبات والحقوق والواجبات..د/ أحمد السعيد



إن القاعدة الشرعية المُحَددة والمُلْزِمَة والمُوجِبَة لالتزام طريق الواجب لإتمامه؛ تجعل من الدعوة الفردية من الواجبات المُسَلَّمُ بها ولها، والتي يُلْتَزَمُ بها من أجل إعلاء كلمة الحق ونصرته وإهدار الباطل وكرامته- إن كانت له كرامة.


والدعوة الفردية هي من نِتَاج الاتصال الطبيعي لرجل الدعوة بفئات المجتمع المنتظرة ليوم الإنقاذ من براثن الذل والهون السياسي، وكذلك الانحطاط والتردي الأخلاقي والحياتي السائد في زمنٍ قلَّ وجوده، إلا عندما يترجَّل فارس الإسلام لصالح فارس الكفر والضلال والطغيان.


وإذا كانت الدعوة بشكلٍ عام تتطلب الإفناء الكامل لكل ما باليد في سبيل الوصول لإيجاد القاعدة المؤيدة للفكرة الإسلامية- وإن لم تحملها على عاتقها-؛ فإن الوصول إلى ذلك البناء الضخم العظيم البنيان والمتمثل في خلافةٍ، فأستاذيةٍ عالميةٍ ودوليةٍ؛ يتطلب جهدًا أكبر وأضخم ومُرَكزًا في سبيل إيجاد النوعية التي تتبنى ذلك الهدف، وتعمل له ولأجله، وهذا هو غاية الدعوة الفردية وهدفها الأسمى.


لذا وجب على الداعي أن يدلِّل على صدقِ توجهه نحو غايته ببذل كلِّ الجهد والمجهود في سبيل انتقاء الراحلة من الإبل المائة التي تعم وتسود في أمةٍ تخلت عن أسس دينها، رضاءً بحياةٍ لا يستحقها إلا عبيد الأمم الذين لا حول لهم ولا بهم ولا قوة.


إن تحسس الداعية لطريق الأنبياء بدءًا بنوح عليه السلام، وإفناء عمره المديد، في سبيل الوصول لتعبيد الأرض للخالق الواحد الأحد، وسلوكه الدعوة العامة مع الخاصة الفردية؛ كمحاولةٍ للوصول لهذا المبتغى؛ حتى انتهاءً بخاتم الرسل صلوات ربي وسلامه عليه الذي أعلى الهمة ونَفَضَ النوم ونَقَضَ مبنى ضعف العزيمة والإرادة في سبيل الوصول إلى تعبيد الكون- كل الكون- لرب استحق العبودية لعظيم فضله ونعمه وكرمه على من كرَّمه على سائر خلقه.


إن هذا التحسس يجعل الداعية يحيا بنفسيةِ العزيز الكريم الذي لا يأبه لشيءٍ فقده، أو لأمرٍ تركه، أو لحاجةٍ تَرَفَّعَ عنها؛ بل ويحس بعبوديته لرب السموات والأرض وما بينهن، ويستشعر بذلك معنى الربانية والهدف الأسمى لخلقه ووجوده، فيكون هذا هو المولد والمحرك الدافع؛ ليبذل الجهد المركز مع من تمَّ تشريفه بأمنية الانضمام لقافلة الدعوة التي تَرأَسَهَا قائد الغر الميامين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ حتى يكون من جنود الصف الذين يحملون همَّ الإسلام وهمومه.


من أجل ذلك أوجبت الدعوة الفردية على ممارسيها المعايشة اللصيقة المحاطة بالحب البيني والعاطفة الصادقة والمشاعر الجياشة والمدعومة بتعارفٍ كاملٍ وشامل، يعصم من سوء الظن ويعين على تلمس الأعذار وتقدير الظروف، ويحدد مفاتيح الشخصية والنفسية فيسهل بذلك فتح مغاليق القلوب وأقفالها، مع تغليف هذا الحب والتعارف بقدرٍ هائلٍ من المصداقية، والاطمئنان والثقة التي تجعل مسالك الاتصال ودروبها من أيسر الأمور التي تساعد على ملأ الوعاء النفسي بمتطلبات جندي الدعوة، وتغير كل ما يعترض أو يصد عن القيام بالواجب الأسمى للمسلم المحمدي ألا وهو القيام بواجب الدعوة إلى الله.


ومن البديهي أن نؤمن بأن مَصَب هذا المسلك الدعوي- إن صَدَقَ التوجه وصَحَّت بوصلته- في جناتٍ عرضها السموات والأرض.. تُرافق فيها سيدك، وتتشرف فيها برؤية مولاك، وهذا يتطلب من الداعي أن يبذلَ المجهود الموجه في اتجاه إزالةِ غبار الغفلة وذُل المعصية عمن أحبه واصطفاه؛ ليكون أخًا له في دعوةِ ربه، وهذا الأمرُ له وجها منفعة على المدعو بانتشاله من التثاقل لمغريات الدنيا والشهوة ومباهجهما الزائفة والملقبة بالغرور، وعلى الداعية بالتنبه الدائم والمتواصل لنفسه ودينه ومستقبله الأخروي، والذي يحصل عليه من التواصي المستمر مع أخيه المدعو بالفرار والإنابة والعودة إلى خالقهما وولي نعمتهما.


إن تدارك المدعو لحاله الإيماني والتعبدي والأخلاقي هي الوسيلة الناجحة والناجعة لتدارك الداعية لحاله الإيماني والتعبدي والأخلاقي؛ فالتواصي يتطلب المشاركة والندية والتنافسية التي توصل إلى برِّ الأمان والاطمئنان.


وهذا المرحلة هي المُلْحَق الطبيعي، والتالي لمرحلةٍ أَيْقَظَت فيها يَقَظَة الداعية لنفسه غَفْوَُة وغَفْلَة إيمان المدعو المُخَدَر، تحت وطأة الظروف الحياتية والنفسية المعقدة في عصرٍ، تناوشته المغريات والملذات، ومن قبلها المنغصات والمعكرات التي لم يسبق لها مثيل.


وكما أن الانتقاء بناء على الصفات الشخصية والسلوكية والنفسية من أهم الخطوات الأولية في طريق الدعوة الفردية، فإن التدرج الفطري السني الكوني يُمثِّل العمود الفقري لهذه المهمة الشاقة والعظيمة والممتعة، فإن حمل الناس على الحقِّ جملةً واحدةً يُسَهَّلُ من تركهم للحق جملةً واحدة؛ لذا فإن أول ما نزل من القرآن لم يكن افعل ولا تفعل، ولكن كانت بدايته هو التهيئة الإيمانية والعقائدية والأخلاقية لنفوسٍ تلوثت من جاهليةِ عصرها ومصرها، فأصبحت بذلك أنقى النفوس وأزكاها وأصلحها لرفقةِ إمام المرسلين وإمامهم وإمامنا.


إن المتأمل في حال نبينا الكريم مع صحابته الكرام، بدءًا بالسيدة خديجة وأبو بكر وعلي والحصين وغيرهم، بل والمتأمل لحال صحابته الكرام كأمثال سيدنا أبو بكر الذي أسلم على يديه العديد من قادة الإسلام وجنوده، وعلى رأسهم ستة ممن بُشِّروا بالجنة، وكذلك حال الطفيل بن عمرو مع أهله وعشيرته.. يعلم مدى الحرص على الجنة والوصول لرضا الرب الذي يتطلب التمني مع العمل لهذه الجنات والنعيم المقيم، ويجعل الدعوة الفردية من أهم مفاتيحهما ومداخلهما بعد رضا رب العالمين، فما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وعندها تهون التضحيات والمشقات المبذولة في سبيل الدعوة والدين.


وأخيرًا.. يجب أن تتضافر جهود الدعاة مع الممارس للدعوة الفردية للمعاونة في انتشال المدعو من هيمنة الجاهلية إلى نعيم الدعوة ورحابتها وسعتها، من خلال فتح أبواب التخلية والتحلية والرصد والتوجيه والنصح المؤدية إلى حسن المنشأ، وصلاح النبتة بالشكل الذي يجعل المدعو في نهاية المطاف هو داعية المستقبل الذي يحمل همَّ الإسلام والمسلمين، ويقود العمل الإسلامي الطموح ورايته.


سيظل محمد الهاشمي القرشي معلمنا الأوفى الذي أهدانا العزة والشرف، هو الموجه والهادي والمرشد لنا في طريق دعوتنا العامة والخاصة الفردية.. فسنظل نردِّد سيرته العطرة والخلابة التي ما برح الكون يردِّدها وبرحمته اعترف.. فهو الطهر المتسامي رحمةً للعالمين، ومنهجه هو المنهج المُخلصُ والمُنْقِذُ لهذا الكون التائه والغافل والمتناطح، والذي لا يهدأ ولا يطمئن حتى يشمله الإسلام بشموله وعمومه وربانيته وقوامته على سائر المناهج والشرائع.


فلا تكن ممن فاتهم قطار النبي الهادي وسنته ومنهجه بالغفلة عن الدعوة الفردية التي نتج منها من قاد الكون والأمة إلى برِّ الأمن والأمان في الدنيا والآخرة، فكن أبرَّ الناس بنفسك بتخليصها من ذل وهوانِ وندمِ الآخرة من خلال مسلك دعوتك الخاصة المُنَجيَة والمُخلصة والاعتكاف عليها؛ حتى تصب في رضا الرب وجناته الواسعة والرحبة والفسيحة.. قال تعالى: ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21)﴾ (الحديد)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • أكاديمي مصري



المصدر : نافذة مصر