أوقفوا محاربة الإسلاميين المعتدلين
بقلم/ الأستاذ إبراهيم الهضيبي
لماذاخيرت الشاطربالذات
أكد تقرير صدر عن صحيفة مصرية نقلا عن مصادر مقربة من النخبة الحاكمة جزمت بأن نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر المحال لمحاكمة عسكرية سيحكم عليه بالسجن خمس سنوات.
والهدف الأساسي, وفقاً لما أورده ذات المصدر, هو أن شعبية الشاطر في إرتفاع منذ اعتقاله, الأمر الذي يمكن أن يعيق طريق جمال مبارك للقصر الجمهوري إذا نافسه الشاطر في أي إنتخابات لاحقة, وهو ذات السبب الذي سجن لأجله أيمن نور.
وجدير بالذكر أن الشاطر قد حكم عليه القضاء العسكري بخمس سنوات قضاها في الحبس منذ العام 1995. فالمجالس العسكرية تعتبر إحدى الأدوات التعسفية التي يستخدمها النظام لإخراس المعارضة السياسية السلمية والأقوى علي الساحة.
كذلك, فإن عضو مكتب الإرشاد الدكتور محمد علي بشر, إحدى المتهمين في نفس قضية الشاطر, قد حوكم عسكرياً وتم تغييبه ثلاث سنوات خلف القضبان حتى العام 2002.
عضو مجلس الشعب طلعت السادات, ابن أخ الرئيس الراحل أنور السادات, شرب هو الآخر من نفس الكأس وقضى عام في السجن تنفيذاً لحكم المحكمة العسكرية ضده.
ولسنا في حاجة لذكر أن تلك المحاكمات التي يتعرض لها الشاطر وآخرون هي سياسية بالدرجة الأولي. فقد تم تحويلهم للقضاء العسكري علي إثر تبرئة القضاء المدني لساحتهم من قضايا غسيل الأموال والإرهاب المنسوبة إليهم.
اتهامات باطلة
فقد أكدت المحكمة أن تلك الإتهامات "باطلة وسياسية المأرب وغير مدلل عليها." كما امتدحت هيئة المحكمة في قرارها أشخاص المعتقلين مؤكدة أنهم "رجال أعمال وأطباء ومهندسون وأساتذة جامعات محترمين ومعروفين بوسطيتهم وخدمتهم لأوطانهم."
لقد اعتاد الشاطر علي عدم الظهور أمام وسائل الإعلام, وعندما سئل عن ذلك أجاب بأن مهمته تتمركز حول بناء الهيكل التحتي التنظيمي والفكري لتنظيم ديموقراطي معتدل.
وخلال المرات القليلة التي ظهر فيها إبان الانتخابات البرلمانية, أكد الشاطر علي إلتزام الجماعة بقواعد الديموقراطية وإحترام الحريات المدنية والإستعداد للتنسيق مع الآخرين من أجل خير المجتمع.
كما أكد أنه لا يتسنى لجماعة أو تيار بمفرده أن يقود مصر قدماً علي طريق الديموقراطية, وأن تقدم البلاد مرهون بالمساعي الجماعية لذلك. أما عن الهدف الأساسي للإخوان المسلمين, فهو ليس الوصول إلي سدة الحكم, كما يؤكد الشاطر, بل هو المشاركة في تطوير مصر وإحلال الحريات والعدل وتحقيق الرخاء العام.
تسامح الشاطر
إن الشاطر يعتبر أكثر قيادات الإخوان تسامحاً مع الغرب. فقد كان هو أول من تبنى مبادرة إطلاق موقع يتحدث باللغة الإنجليزية عن الإخوان علي الإنترنت لعرض آراء الإخوان علي الغرب, حتى يكون بمثابة الجسر الذي يربط بين الجماعة والمفكرين وأرباب السياسة في الغرب.
في إحدى مقالاته, أكد الشاطر أن الإخوان لا تتبنى أجندة معادية للغرب, حيث أن اهتمامها الأساسي منصب علي قضايا الإصلاح الداخلي. أما فيما يتعلق باستعداد الجماعة للدخول في حوار مع الغرب, فقد وضح إمكانية هذا الطرح علي اعتبار أن الإسلاميين لا يُكِنُون عداءاً متأصلاً للغرب.
وهذا التأكيد يدلل عليه تحمس الشاطر لفك الحصار الذي فرضه النظام ضد الجماعة عن طريق تشجيع أعضاء البرلمان في السفر والمشاركة في المؤتمرات والمباحثات والندوات والحوارات في أي مكان كان.
يعتبر الشاطر أحد دعاة الوسطية لمواقفه الواضحة في مواجهة العنف والتطرف. فخلال فترة سجنه بناء علي حكم المحكمة العسكرية في 1995, بادر الشاطر ببناء جسور للحوار مع المعتقلين المنتمين للتيارات الجهادية والمتطرفة, حيث استطاع أن يقنع عدد كبير من قادتهم بنبذ العنف وتبني آليات معتدلة في طريق الإصلاح.
وليس أدل علي نجاح الشاطر في مهمته من أن كثير من قادتهم أصدروا بيانات بمراجعاتهم الأيديولوجية, نبذوا فيها العنف واعتذروا عما بدر منهم من جرائم سابقة.
غياب الشاطر وتداعياته
إن غياب الشاطر عن الحركة الإسلامية سيكون له أبعاد كارثية. فمع اعتبار قدراته التنظيمية والفكرية الهائلة المصحوبة بوسطية وإنفتاح, يستطيع الشاطر دائماً توجيه بوصلة الإخوان نحو الحوار.
فهو الشخص الذي بمقدرته أن يجذب أنظار الناس إلي البرنامج السياسي المعتدل لجماعة الإخوان, ومن ثم إبعاد مئات من الشباب المتدين عن خطوط العنف. فلهذه الأسباب سُجن خيرت الشاطر.
إن النظام المصري لا يستطيع التعامل مع قيادات وحركات معارضة قوية, خصوصاً في بلد أُثقل كاهله بالمشاكل الاجتماعية والاقتصادية وفي انتظار مؤامرة إنتقال السلطة من الرئيس مبارك البالغ من العمر 79 عاماً لابنه الأصغر جمال.
إن الظلم القاسي الذي طَرِبت به جلسات المحاكمة العسكرية التي لم يتمكن فيها الصحفيون ومراقبي حقوق الإنسان من حضورها سيكون لها تأثيرات درامية علي التيار الإسلامي السياسي, وبالتبعية علي السلام والأمن في المنطقة.
إن تغييب الشاطر سجينا خلف القضبان سيترك الساحة خالية للمتطرفين لينشروا أفكارهم البغيضة, كما أن حبسه هذا سيمكن المتطرفين من إثبات شرعية أفكارهم ويقوض الآمال والدعوات إلي إصلاح سلمي في عمق الأنظمة الحاكمة في الشرق الأوسط.
في النهاية, إن لم تتحرك الحكومات والمفكرين الغربيين ليمارسوا ضغوطاً من أجل الإفراج عنه أو ضمان العدالة في محاكمته, فإن ذات الحكومات والمفكرين سيتيهون في بحث لفترة طويلة عن متحدث بذات صلاحية وشرعية وقدرات ووسطية خيرت الشاطر.