حسن طنون
الواعظ الموفق.. الشيخ حسن طنون
بقلم: المستشار عبدالله العقيل
ولد الشيخ حسن طنون عام 1916م في مدينة وادي حلفا بالسودان، وتدرج في مراحله التعليمية وحفظ القرآن الكريم، واستفاد من حلقات العلم للعلماء والدعاة والوعاظ، واستفاد كثيراً من كبار العلماء أمثال: الشيخ محمد جنة، والشيخ إبراهيم الغرباوي، والشيخ عبدالحفيظ الشناوي، والشيخ محمود إبراهيم طيرة، والشيخ علي رفاعي، والشيخ سيد جعفر، وغيرهم من كبار العلماء والوعاظ في مصر والسودان.
نشاطه الدعوي
مارس الوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس في المساجد والزوايا والحلقات والتجمعات في أنحاء متفرقة من السودان، وكانت له دروس ومواعظ منتظمة، وزيارات متعددة لمعظم المدن والقرى السودانية، واستمر يدعو إلى الله في السودان طيلة عشرين سنة، وترك آثاراً طيبة، وتأثر به الكثيرون، لصدقه وإخلاصه، ورقة مواعظه، فكان كثير البكاء والتأثر، يبكي السامعين، ويعيش معهم في أجواء روحانية إيمانية تنقل الجماهير من ثقل المادة، والالتصاق بالأرض، والانغماس بالدنيا، إلى آفاق الروح الصافية، والنفس المؤمنة المستشرفة لما عند الله من الخير والفضل.
رحلته إلى الكويت
ثم رحل إلى الكويت أواخر الستينيات، فاستقبله أهل الكويت أحسن الاستقبال، ورحبوا به أجمل الترحيب، وظل يؤدي دوره الدعوي في تذكير الناس ووعظهم لسلوك سبل الخير والصلاح، وطريق النجاح والفلاح، وكان يعظ الناس في معظم مساجد الكويت، وعلى الأخص مسجد الملا صالح.
وكانت جموع المسلمين تتدفق على المساجد، خاصة من الشباب الذين أحبوه وتعلقوا به، وتأثروا بمواعظه، وهداهم الله على يده، فكان مجيئه للكويت من أعظم البركات على هذا البلد، وكان تأثيره على الكبار والصغار والنساء والفتيات عظيماً جداً، بحيث التزم الكثير ممن لم يكونوا ملتزمين، وأصبح هذا الجمهور من السامعين والمتأثرين بالشيخ حسن طنون، يشكلون القاعدة العريضة من المجتمع الكويتي.
فهو إذن عالم جليل، وداعية بليغ، وواعظ مؤثر، أمضى حياته في الدعوة والإرشاد والإصلاح في السودان طيلة عشرين عاماً، وفي الكويت قرابة ثلاثين عاماً، كان استقراره بها حتى وافاه الأجل.
تعرضه للبلاء
ولقد ابتلاه الله بحادث سيارة أثناء زيارته البيت الحرام، حيث انقلبت به السيارة، وأصيب إصابة بالغة، وترتب عليها شلل نصفي في الجزء السفلي من جسده، وظل صابراً على هذا البلاء ما يزيد على الخمس عشرة سنة، لا يُرى إلا ذاكراً لله، تالياً للقرآن الكريم. وكان محبوباً من جميع الناس وسائر الطبقات، يحظى بالتقدير من أهل الكويت جميعاً، الشيوخ والشباب الذين ألحوا على بقائه بالكويت، حتى بعد إصابته وعجزه.
ولقد بقي فترة الأزمة التي تعرضت لها الكويت بالاحتلال العراقي، ولم يغادرها، وفاء منه لأهلها، ولم يعط الطاغية أي كلمة رضا، بل كان يصدع بكلمة الحق، وإنكار الظلم الذي وقع على أهل الكويت، غير مبال بكل التهديدات التي أطلقها الظالمون المعتدون.
زملاؤه وتلامذته
كان زملاؤه في الدعوة الذين يسير وإياهم على نفس النهج والأسلوب، المشايخ: محمد الغزالي، وحسن أيوب، ومحمد المتولي الشعراوي، وعبدالحميد كشك، ومن تلامذته الذين يعتز بهم: الشيخ أحمد القطان، والشيخ طايس الجميلي، ويقول: "أحب في الشيخ طايس إخلاصه وجرأته، إنه لا يخشى في الله لومة لائم".
وأحب في الشيخ أحمد القطان "إخلاصه ودعوته إلى الله بصدق، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولو كان السيف على عنقه".
من أقواله:
"أنا مريض منذ أكثر من خمس عشرة سنة، وهذه المحنة التي أنا فيها، أعدّها منحة من الله، وما دمنا في هذه الدار، دار الابتلاء يجب علينا أن نصبر، ولا نستغرب وقوع الأقدار.. ومن لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان، قيّدت يداه بسلاسل الامتحان، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون (العنكبوت:2)، وأنا لست صابراً، ولكني راض بقضاء الله وقدره، وكل يوم يمر عليَّ، وأنا في هذه المحنة، أجد حلاوة في قلبي.. وهذه السنون الطويلة التي مرت عليَّ كأنها سنة واحدة، وأشكر جميع الإخوان الذين يترددون عليَّ لزيارتي، جزاهم الله خيراً.. ولو أن من حق المسلم على المسلم زيارة المريض، ويسرّني ويثلج صدري أن الكثير من الشباب يزورونني يومي الإثنين والخميس، وهم على صيام.
ونصيحتي للشباب هي نصيحة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ابنه الحسين حين قال: "يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب.. والقصد في الغنى والفقر.. والعدل في الصديق والعدو.. والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله عز وجل في الشدة والرخاء.
يا بني: من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلَّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار. يا بني: رأس العلم الرفق.. وآفته الحمق.. من كنوز الإيمان الصبر على المصائب.
يا بني: لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعلى من التقوى، ولا شفيع أنجح من القصد به، ولا لباس أنجح من العافية.. يا بني: من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلَّ سيف البغي قتل به.. ومن حفر بئراً لأخيه وقع فيها.. ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته".
و من أقواله أيضاً: "من واجب العلماء والدعاة إلى الله أن يتصلوا بولاة الأمور، ويقدّموا لهم النصيحة، لا لغرض دنيوي، ولا لمأرب شخصي، كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم".
قالوا عنه
قالت مجلة المجتمع الكويتية الغراء: "هناك رجال يقيِّضهم الله تعالى لإحياء هذا الدين في نفوس الناس كلما ضعف وذبل، ويجددون لهذا الدين رفع لوائه، والدعوة إليه، وقلّما تنجب الأمهات في زمن الانتكاسات مثل هؤلاء الرجال الذين منهم فضيلة الشيخ المجاهد حسن طنون الغني عن التعريف، الذي قدم إلى الكويت في الستينيات.. وكانت له صولات وجولات في مساجد الكويت.. وقد هدى الله على يديه كثيراً من الشباب والناس وبارك الله هذه الجهود الطيبة المثمرة، فهو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء 24 تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها (إبراهيم).
معرفتي به
عرفت الشيخ حسن طنون بعد وصوله للكويت، وقيامه بالوعظ والإرشاد في المساجد، واللقاءات في المجالس والدواوين مع جماهير الناس، وبخاصة الشباب وشدّني إليه عاطفته الصادقة والحساسية المرهفة، وكثرة البكاء أثناء الوعظ، حيث ينفعل مع الموضوع الذي يتحدث به، أو القصة التي يوردها، فيبكي بصدق وحرارة، ويُبكي من حوله لفرط التأثر.
وكان الشيخ بشوش الوجه، بسّام الثغر، يتودد إلى الجميع بحسن الحديث، وجمال العرض، والأدب الجم، والتواضع ولين الجانب مع الصغير والكبير على حد سواء، وهذا ما حبّب الناس إليه، وجعل الكثرة الكاثرة من الرجال والنساء والشباب تقبل على مواعظه وخطبه، ويهدي الله على يديه الكثيرين ممن لم يكونوا على الطريق المستقيم من قبل، وهذا فضل من الله، آتاه هذا الداعية المخلص، فكانت تلك القاعدة العريضة من محبّي الشيخ في الكويت، سواء من الكويتيين أو المقيمين الذين حفظوا له هذا الفضل حين ابتلاه الله بحادث السيارة أثناء ذهابه إلى العمرة، فكان التعاطف معه منقطع النظير، وكان الوقوف إلى جانبه من الجميع من حكام البلاد، ومن جماهير الناس، وهذا ما زاد تعلقه بأهل الكويت وتقديره لهذا الوفاء الرائع، فآثر البقاء في الكويت، رغم عجزه عن الحركة، مستمتعاً بهذا الحب الأخوي، والصلة الربانية، وقد وافاه الأجل في الكويت، فبكاه الجميع بالقلوب كما بالعيون، ودعوا له بحسن الختام.
وفاته
تُوفي مساء الجمعة 6-11-1992م بمدينة الكويت، وشيِّع في جنازة مهيبة تحمل طابع الوفاء لهذا الداعية المؤمن العامل، والواعظ البكَّاء.
رحم الله أستاذنا الشيخ حسن طنون رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. v