الفرق بين المراجعتين لصفحة: «دوامات الإصلاح»
(أنشأ الصفحة ب''''<center> دوامات الإصلاح</center>''' '''<center> ديموقراطية الطرف الثالث وسياسات التسوية في مصر</center>''' '''ب…') |
ط (حمى "دوامة الإصلاح" ([edit=sysop] (غير محدد) [move=sysop] (غير محدد))) |
(لا فرق)
|
مراجعة ٢١:٥٥، ٢٥ يونيو ٢٠١٠
بقلم / فلوريان كوستال
احتلت قضية دعم الديمقراطية في الوطن العربي المكان الأعلى في قائمة السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في حين بات أسلوب دعم الديمقراطية عن طريق الإطاحة بالأنظمة أكثر جدلاُ. يركز الكاتب أن الأسلوب الآخر الذي يمثل دعم الديمقراطية من خلال تغيير النظام هو الأكثر قبولا في صفوف الإدارة الأمريكية وكذا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي
لقد حظيت مبادرة التعاون في الشرق أوسطي بالإضافة إلى مبادرة الشرق الأوسط الكبير في ديسمبر 2002 بدعم حلفاء أمريكا في الغرب. ففي اجتماعهم في يونيو 2004 في سي آيلاند، قررت مجموعة الثماني الكبرى تبنى خطة العمل لدعم مبادرات الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في الدول العربية. وبالإضافة إلى دعم التعاون الدولي والإقليمي وكذلك التقدم الاقتصادي، فقد أشارت الوثيقة أيضاُ إلى دعم الديمقراطية .
فالخطاب عن دعم الديمقراطية لا يحدد وعود السياسة الخارجية الغربية بقدر ما يحدد الجدل السياسي في العديد من الدول العربية. فاستجابة لهذا الضغط الدولي للإصلاح وكذلك تصاعد وتيرة القلق الداخلي، أكدت الحكومات العربية أنها متأهبة للإصلاح على أكثرمن مستوي. هذا ويتناول مباشرة إعلان الدول الثماني الكبرى تعهدات الديمقراطية التي تم التوافق عليها في قمة 2004 للجامعة العربية المنعقدة في تونس وكذلك بيان مكتبة الإسكندرية الذي تم نشره بموجب اجتماع تنظيمه في مايو 2004 في مكتبة الإسكندرية. وقد رفض السياسيون والمفكرون أي تدخل خارجي أو آيه إملاءات من الخارج في أي شأن داخلي مؤكدين على أهمية جعل السلام في المنطقة من أولى أولويات الأجندة السياسية كما أصروا على ضرورة جعل الإصلاح متماشيا مع مبادئنا الديمقراطية
والآن، هل كان ذلك ثمرة لمبادات الولايات المتحدة لدعم استراتيجية الحرية بعد الحرب التي شنتها على العراق؟ أم هل أصبح الأوتوقراطيون العرب مستعدين تماماُ لدعم الديمقراطية؟ سيكون الجواب بالطبع لا. الجدير بالذكر أن الأنظمة العربية لم تتعرض لأي تجربة تحول ديمقراطي أبداُ (ألبريشت و شلمبرجر 2004). ففي الماضي، قامت هذه الأنظمة بنجاح بتبني هذه الفكرة استجابة لضغوط خارجية وكذلك تبعاُ لنظام الحكم المتسلط آنذاك (كاماو و جايسر 2004). وبالتالي، فإن السؤال عن نجاح تجربة دعم الديمقراطية وعن الاختلاف الذي سوف تحدثه في المنطقة يبدو سؤالاُ متكررا. فبالإضافة إلى قدرة الحكم المتسلط على التسوية، فإن العلماء قد قرروا أن مبادرة دعم الديمقراطية الدولية لا تتماشى مع هذه الأنظمة. فإن مدلول كلمة دعم الديمقراطية الذي يعنى أو يتضمن تغيير النظام القائم لا تتماشى أصلاُ والاستقرار في المنطقة. فالدول أمثال مصر والأردن والسعودية قد أتت بالفعل بدعم من الإدارة الأمريكية. هذا وتطفوا الطموح الاقتصادية والجغرافية السياسية على طموح إحداث مزيد من الحرية والليبرالية على الشعوب القاطنة في المنطقة (لمزيد من المعلومات، راجع كاروزارز و أوتاوى 2005). وبالأخذ في الاعتبار تلك المدة اللاحقة، لاحظ كارابيكو (2002) أن دعم الديمقراطية آخذ في العمل في المؤسسات الليبرالية ومنظمات المجتمع المدني لكنه وللأسف فشل في إضعاف السيطرة المحكمة التي تمارسها الحكومات على موزع الدعم. لكن ما زال مصطلح دعم الديمقراطية منتشرا بين القادة المتسلطين الأمر الذي يجعل من السؤال عنه أمراً محيراً.
يناقش هذا المقال مبادرتان للإصلاح في مصر ويركز على كيفية فهم الديناميكيات الحالية للتسوية والتماشي مع الضغوط الخارجية لدعم الديمقراطية. فبدلاً من التركيز على أدوات خاصة هنا، فأنا أسعى هنا لتحليل دعم العوامل الأساسية لأجندة الديمقراطية الدولية . ففي البداية، أحاول تحليل إصلاح الدستور المصري وكذلك الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنعقدة في 2005 في ظل الوعود بانتخابات نزيهة، المجتمع الدولي بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص الذين تتبعوا هذه العملية ومن ثم اعتبارها أهم خطوة تم اتخاذها لدعم الديمقراطية. ثانياً أحاول أن ألقى نظرة على مبادرات الإصلاح الاجتماعي من أجل محاولة تفسير دعم الحكومة الرشيدة كما يراها البنك الدولي. لقد أخذت مؤسسة دعم الانتخابات النزيهة وتطبيق الحكومة الرشيدة مكانهما في قائمة دعم الديمقراطية العالمية وكذلك على ساحة الجدل السياسي حول مستقبل الإصلاح في مصر.
من جانبه يحاول النظام المصري الإبقاء على المعادلة الصعبة في التسوية بين متطلبات دعم الديمقراطية الدولية وبين الإبقاء على شوكته وقوته في المجتمع. نلاحظ ذلك جلياً في خطابات النظام المصري المتعددة بدون أي محاولات عملية على الأرض. من أجل ذلك نحاول أن نوضح أو نفهم هذا الخصام والفصام على طول الخط بين الديناميكيات الهامة جداً بين مدعمي الديمقراطية الخارجية وبين صانعي القرار المحلي. ففي دولة صديقة مثل مصر، تجد دعم الديمقراطية هناك لا يلقى رواجاً على الإطلاق، لكن تجري عملية الدمقرطة هناك على سبيل عملية مفاوضات بين المتبرع والعميل ولا تتعدى ذلك. فاستناداً إلى الخبرة العملية الطويلة في إطار التعاون المشترك، لا ترتقى مبادئ الديمقراطية مع الجانب المصري إلا فيما يحقق مصالح الطرفين ومستهدفاتهم. وهذه الطريقة من التعامل لم تكن مقصودة أو مبيتأً لها أبداً، بل هي طريقة غير ناجحة وغير منتجة على الإطلاق بل ربما كانت هدامة غير بناءة ولها آثارها التي لا يعتمد عليها. إذ هي تعتمد على وتيرة من الإصلاح مصحوبة بتسوية مواتية مع قواعد اللعبة السياسية والتي تفرز وبلا شك غموضا تاما في صف متحدي النظام وممثليه.
تعديل المادة 76 ووعود انتخابات حرة ونزيهة
لقد حظيت انتخابات الرئاسة والبرلمان المصري في عام 2005 باهتمام بالغ على الساحة الدولية. ففي السادس والعشرين من فبراير عام 2005، أعلن الرئيس محمد حسنى مبارك تعديل المادة السادسة والسبعين من الدستور المصري في بلده التي نشأ فيها، محافظة المنوفية وهى المادة التي تنظم انتخابات الرئيس. وقد قرر الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم حتى ذلك الحين ترشيح الرئيس كل خمس سنوات القرار الذي قد صدق عليه مجلس الشعب في استفتاء معلوم. وفى السادس من سبتمبر 2005 أُسدل الستار على الانتخابات الرئاسية على منصب رئيس الجمهورية من بين عشرة مرشحين، فاز فيها الرئيس مبارك بأغلبية ساحقة بلغت 88% من جملة الأصوات وكان من أبرز مرشحيه أيمن نور مرشح حزب الغد الذي أخذ 7.6% ونعمان جمعة رئيس حزب الوفد الجديد الذي حاز 3% ومن ورائه سبعة مرشحين آخرين اشتركوا في إحراز 1% من جملة الأصوات. وقد شارك في هذه الانتخابات من المسجلين الرسميين 22.95% بينما زادت النسبة في الانتخابات البرلمانية التالية لتصل إلى 26%. فاز في هذه الانتخابات كتلة الإخوان المحظورة بـ 88 مقعداً من أصل 454 من مقاعد البرلمان ليؤكد الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم على أغلبيته بحيازة ثلثي المقاعد بعدما انضم له العديد من المستقلين بعد الانتخابات ولتؤكد جماعة الإخوان أنها أكبر وأقوى كتلة معارضة على الإطلاق.
ويمثل تعديل الدستور هذا مثالأ بارزا في طريق الاستجابة للضغوط الخارجية للإصلاح ودعم الديمقراطية. فيعد الإعلان عن انتخابات تعددية، قام الرئيس بتحفيز المعارضة المصرية ومن ورائها المجتمع الدولي وعلى أثره قام النظام بإعلانه استعداده التام لاستقبال التعددية والسماح للإصلاح السياسي بأن يأخذ مكانه على الأرض من خلال المناخ التعددى والمنافسة الشريفة والوصول عن طريق الاقتراع السري والصوت الحر. لكن أتت النتائج مخيبة للآمال لتنسف التوقعات على كل حال. حيث جاء فوز الرئيس مبارك بأغلبية ساحقة ليؤكد من خلالها نجاح رؤيته في التسويات السلطوية الناجحة . وبعيداً عن أي مناخ ينبئ عن الديمقراطية والتعددية المزعومة سالفاً، قام النظام المصري بوضع العقبات والصعاب غير المسبوقة لعرقلة عملية الانتخابات البرلمانية التالية على قدم وساق لاتخاذ نفس المناهج التي نهجها في الانتخابات الرئاسية. وقد تم اشتراط الترشح لأعضاء الأحزاب فقط ولا يتعداهم، إذ يشترط أن يكون المرشح تابعا لحزب وقادراً على موافاة شروط الترشح. وكان من الشروط الأخرى أيضا من أجل أن يستفيد الحزب من ترشيح عضو تابع له في الانتخابات الرئاسية أن يثبت جدارته واستحقاقه من خلال أدائه في الانتخابات البرلمانية التالية. فلابد من أن يحرزوا أكثر من 5% من جملة أعضاء مجلس الشعب أو أكثر من 250 من أعضاء المجالس المحلية على مستوى البلاد. ومن خلال هذه الشروط يبقى هذا الشرط حجر عثرة أمام كل الأحزاب لتحقيق العدد المطلوب في حين أن جماعة الإخوان أيضا لا تستطيع تحقيق ذلك بيد أنها محظورة في التمثيل السياسي رغم أنها أعظم قوى المعارضة على الإطلاق ليبقى الطريق مفتوحا على أوجه أمام مرشحي الحزب الوطني الحاكم فقط لخدمه مصالحهم. من هنا تم فتح الباب على مصراعيه أمام جمال مبارك ليأخذ دوره في الانتخابات العشائرية كما فعل أبوه من قبله ويتولى البلاد بموجب ديمقراطية مزعومة لم يسبق لها مثيل (حسبو 2006).
فكيف يتصرف المجتمع الدولي حيال الإصلاح في عملية الانتخابات؟ الولايات المتحدة بصفتها أكبر حليف لمصر بموجب المعونة التي تقدمها لها تعتبر الانتخابات هذه منعطفاً تاريخياً و خطوة للأمام نحو تحقيق الديمقراطية. فحينما انهمكوا في الإعداد للانتخابات المزمع عقدها، لم يولوا أي اهتمام للتسويات السلطوية التي حدثت. وحيال عملية الإصلاح أكدت متابعة وزارة الخارجية الأمريكية على ضرورة الاهتمام بخطاب إرساء الديمقراطية من جهة النظام المصري وخاصة حينما يتكلم عن الضغوط الخارجية. ويمكن توصيف التفاعل بين الولايات المتحدة الأمريكية والحكومات المصرية فيما يخص قضية الإصلاح في ثلاث مستويات: الدفع للإصلاح السياسي، دعم المجتمع المدني و اعتبار التقدم في إطار إرساء الديمقراطية.
لقد كانت العلاقات بين الولايات المتحدة ومصر على أشدها وفى حالة أكثر توتراً قبل إعلان الرئيس لتعديل الدستور، لكن أسهمت مبادرة الرئيس مبارك للإصلاح في إعادة المياه إلى مجاريها بعض الشيء. وفى أوائل عام 2005، أولت الإدارة الأمريكية المزيد من اهتمامها للتطور الداخلي في المشهد المصري. فقد صرح الرئيس بوش بأسلوب غير مباشر عن تقهقر الرئيس مبارك لبدأ عملية الإصلاح السياسي حينما قال "على مصر أن ترينا ما ستفعله حيال الديمقراطية في الشرق الأوسط وقد شاهدناها بالفعل لاحقاً في طريقنا نحو السلام في الشرق الأوسط" لقد شهدت العلاقات بين البلدين إخفاقات عديدة ومنها تلك الفترة التي كانت بطيئة النمو على مستوى العلاقات بين البلدين إبان المفاوضات على المنطقة التجارية الحرة. وفى السادس والعشرين من فبراير 2005، قامت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس بإلغاء زيارتها المقررة لمصر احتجاجاً على إعتقالها لأيمن نور بحجة تزويره لبطاقات عضوية من شأنها إضفاء صفة القانونية لحزبه الجديد. هذا وقد أولت الصحافة الأمريكية الحدث بالغ الاهتمام وفسرته على أنه ذا طابع سياسي استدراكي حتى تضعف أيمن نور من منافسته وتهديده المحتمل لابن الرئيس جمال مبارك. وبدافع تعهد الولايات المتحدة في طريقها لدعم الديمقراطية، يمكن للحكومة الأمريكية أن تتغاضى بعض الشيء عن المقاومة المتزايدة من جانب مصر لإمكانية نجاح خطة التوريث. فبداية من ديسمبر 2004، قام آلاف من المصريين المنضمين للحركة المنعقدة جديداً المسماة "كفاية" بالتظاهر ضد حكم الرئيس المتسلط وإمكانية تداول السلطة من الأب للابن. وقد تجرأ ثلاثة من قادة المجتمع المدني في مصر للإعلان عن ترشيحهم للانتخابات الرئاسية لكن بشكل تضميني في أكتوبر 2004.
وقد بدت خطوة الرئيس مبارك في مكافحة الضغوط الداخلية والخارجية خطوة فعالة وناجعة حيث قدم نفسه مصلحاً على درجة كبيرة من الأهمية. فبعد إعلانه للتعديلات الدستورية، أخذت الولايات المتحدة مبدأً ذا طرفين اثنين: الأول الإقلال من النقد والاعتراف كليةً بجهود النظام الإصلاحية، والثاني الإصرار على تنظيم انتخابات شفافة نزيهة. وبعد أيام قلائل من خطاب الرئيس مبارك، أعلن السفير الأمريكي في مصر بمنحة مليون دولاراً أمريكياً لدعم المنظمات الغير حكومية التي تركز على مراقبة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حد سواء. وبسبب تدخل الرئيس بوش المباشر، تم تذليل الصعاب الإعلامية التي واجهت كل المرشحين وكذلك حق الشعب في التصويت بدون أية معوقات. هذا وقد أسهم دعم المنظمات الغير حكومية السماح لأمريكا بالتواجد في تنظيم انتخابات 2005. وقد سبب هذا في إحداث حالة من الزعر من قبل الصحافة الموالية للحكومة والمستقلة كذلك إذ ربما يعتبرون ذلك تدخلاً في الشئون الداخلية لمصر. لقد رفضت الحكومة المصرية بشكل كلي السماح للمراقبين الجانب بالدخول في العملية الانتخابية لكنه قد تم إعلامها فقط بدعم أمريكا للمنظمات الغير حكومية
لقد تم تأسيس إشراف القضاء على الانتخابات أثناء الانتخابات البرلمانية المنعقدة عام 2000. وعلى الرغم من ذلك، فإن تطبيق ذلك يخضع أيضا للتسويات المؤقتة. ففي الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها، سألت نادى القضاة الحكومة أن تنظم الانتخابات على يومين متتاليين من أجل ضمان استقلال القضاء في إحكام السيطرة على الانتخابات. فعلى الرغم من أن نادى القضاة قد هدد الحكومة بمقاطعة الانتخابات في حالة عدم الاستجابة إلا أن الحكومة رفضت ذلك. وفيما يخص إشراف المنظمات الغير حكومية، تفاعل منظمو الانتخابات بنفس الطريقة الذين تم السماح لهم فقط بالتواجد في اليوم الذي سبق التصويت. لقد كان من المسموح للقضاة والمشرفين من المنظمات الغير حكومية بالحضور في الانتخابات البرلمانية إلى تم انعقادها قبل شهرين من تلك الأحداث رغم أنها كانت أقل اهتماما من الناحية السياسية. فعلى غير العادة من الانتخابات الرئاسية الأكثر حساسية، أخذت الحكومة العديد من الخطوات لجعل الانتخابات البرلمانية هذه لتكون "انتخابات مؤسسة" بإتاحة صناديق اقتراع شفافة والسماح للمشرفين والصحفيين بالتواجد في مكاتب الاقتراع.
فعلى الرغم من التركيز على الإعداد لانتخابات نزيهة شفافة، فأن الإدارة الأمريكية مازالت تصر على التركيز على قضية الإصلاح ومدى الجهود المبذولة فبه أكثر من التركيز على أحداث الانتهاكات والأحداث الشاذة غير المتكررة. وكما ترى وزارة الخارجية الأمريكية الحدث، فإنهم يعتقدون أن الانتخابات الرئاسية ستدعم الحوار السياسي المصري ربما لسنين متلاطمة. وكما صرح المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية ماكورماك قائلاً "أن الشعب المصري لابد أن يستفيد من هذه التجربة الناجحة الإيجابية ويبنى عليها أساس التعددية الانتخابية ليصل من خلال هذه التجربة الإيجابية بنجاح إيجابي في هذه الانتخابات وكذا الانتخابات البرلمانية التالية بعد ذلك". وفيما يخص التجاوزات، فإن الإدارة الأمريكية لا تولى عنايتها بمقاطعة الانتخابات أو حجم المشاركين أو الإعاقات المفروضة على الترشح في المستقبل بقدر ما تولى عنايتها المتزايدة بالأمور الفنية مثل التواجد الدولي للمشرفين وكذلك السماح لأجهزة الإعلام بالتغطية وكذا أحداث التعامل مع الناخبين. فكان اعتبار التعددية في الانتخابات أكثر الخطوات إيجابية في حد ذاتها.
هذا وقد تتبعت الإدارة الأمريكية الخطوات التي تأخذها الحكومة المصرية في شأن الانتخابات على أنها اختبار حقيقي للولاء لمشروعات الإصلاح السياسي المقترحة. لكن في المرحلة الثانية والثالثة في الانتخابات انهالت الولايات المتحدة بوابل من النقد على الحكومة المصرية بسبب أعمال العنف المتزايدة وهذا التدخل الأمني الشرس وكذلك الاعتداء على مراقبي الانتخابات وصولاً باعتقال أيمن نور. لقد باتت أمريكا قلقة على مستقبل الإصلاح السياسي وتعهدات الديمقراطية في مصر لكنها مازالت مصرة على أنها خطوة لابد من اتخاذها: "لقد قمنا بتحفيز الحكومة المصرية والمجتمع المدني على المضي قدما في الوصول للمعايير الدولية وتحقيق التقدم المطلوب في إرساء قيم الديمقراطية في مصر...فهم تم ذلك، بالطبع لا. فهل كانت هناك مشاكل؟ نعم....وهل حدث التقدم هذا؟بالطبع. فإذا ما نظرت إلى مصر الآن في إطار الخطوات المطلوبة لتحقيق الإصلاح عما كانت عليه منذ سنة أو أكثر، فأنا أعتقد أنها حققت تقدماً يمكن ذكره بالفعل وعلى درجة معينة من الأهمية."
هذا ويؤكد البيان أن الولايات المتحدة تهتم كثيراً بمجرد الاهتمام بمبدأ التقدم في مشروع الإصلاح أكثر من النتائج التي تتمخض عنه. فالإدارة الأمريكية تضع نصب أعينها خطاب الرئيس مبارك في فبراير المنصرم وتعتبره خطوة بالتعهد للإصلاح والذي يقضى بالمضي قدما في تحقيق الديمقراطية بينما تخبئ خطوة تغيير الحكومة في المرتبة الثانية من هذا الاهتمام. فرغم كل ما حدث من تجاوزات بحق القضاة الذين راقبوا الانتخابات وأشرفوا عليها وكذلك تلك الانتهاكات بحق الناخبين، فلم تعدل الإدارة الأمريكية عن رؤيتها لهذا الوضع أبداً. فما زالت الإدارة الأمريكية تفضل التحدث لمصر والتفاوض معها بدلاً من فرض العقوبات إذ هي ترفض قطع المعونات رغم أن الكونغرس يطالب بذلك.
فالإدارة الأمريكية ومتابعاتها لبرنامج الرئيس مبارك في الإصلاح قد لاحظت تدرجه في هذا البرنامج بالإضافة إلى مبدأ المشاركة الكاملة من الأعلى إلى اسفل (نييب 2004) بالإضافة إلى أنه يعمل ضمن مخطط لتحقيق الديمقراطية من خلال العمل التعاوني المشترك. فهذا الحوار الذي يعتمد عليه الأمريكان يتبنى مبادئ الديمقراطية وغيرها كالتعددية والشفافية وهم على أمل أن يسهم هذا الضغط الخارجي على النظام لتحقيق هذا المخطط الديمقراطي بأن يكون مصدراً ملهما له أكثر من أن يكون ضغطأ عليه. فمشاركة الطرفين في المصطلح ذاته باتت مهمة في هذا الإطار، إذ قبلت الحكومة المصرية تذهل أمريكا في هذا الصدد وإملاء خطاب الدمقرطة عليها كما هو واضح في خطاباتها الحكومية. فخطاب مبارك وإعلانه عن المبادئ الديمقراطية مثل الانتخابات الحرة النزيهة والتعددية الانتخابية قد فتح الباب لمرحلة جديدة من التعاون المشترك بلا شك.
فهذا الإطار التعاوني هذا لا يمنع من التسويات على كل حال، فقبول الحكومة المصرية بالمبادئ الديمقراطية التي تمليها عليها الإدارة الأمريكية لا يجرد الحكومة المصرية من حقها في إحكام السيطرة على العملية الانتخابية. فبكل عناية وحرص، قامت الحكومة المصرية بتنفيذ المطلب الإصلاحي بما يناسب الوضع المؤسسي الداخلي حيث قامت بوضع العراقيل اللازمة ضد الترشح السياسي ليملك الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم مفتاح القرار في إعادة التحكم في التعددية الانتخابية والمنافسة في الانتخابات الرئاسية على مقعد الرئيس. فالتحررية التي حدثت في الانتخابات البرلمانية لم تمثل خطلااً على كل حال،فإعطاء السلطة التشريعية الحق في المراقبة يبدوا محدوداً جداً في نظام يتحكم الرئيس فيه في كل أدوات السياسة والسياسات المقترحة. فعلى إطار دعم أجندة الدمقرطة العالمية التي تتمثل في المراقبة الدولية على الانتخابات أو تشكيل لجنة مستقلة مختصة بهذا الشأن قد تم التمهيد له بشكل انتقائي. لكن ليس هناك حل يصل بنا إلى تحقيق هذه الإجراءات غير المفاوضات إلا أن النظام قد وضع العراقيل التي تعرقل تطبيق ذلك عن طريق التقليل من استقلالية سلطة المجتمع المدني ومؤسساته. فالفرق بين الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية يبدو واضحا ويفسر ذلك طريق تعامل الإدارة المصرية مع مصطلح "الانتخابات الحرة".
وكان سبب هذه المناوشات التي لا تتسم بالديمقراطية الكاملة ترشح الرئيس مبارك لمدة ثانية والسبب الثاني ضعف الأداء الذي تقوم به الأحزاب الشرعية المعارضة التي لم تواتيها الفرصة في الترشيح للرئاسة. وكانت النتيجة المفجعة تتمثل في تقدم جماعة الإخوان المسلمين ومرشحيها التي كانت بمثابة الإشارة إلى خطر الدفع بمزيد من الديمقراطية. وانطلاقا من تلك النتائج التي أفرزتها تلك الدفعة الديمقراطية، استغل النظام ذلك بوضع حدود للدمقرطة وإرسائها لتكون مصدراً لتقوية علاقاته مع حلفائه. وتسعى الخارجية الأمريكية بالإبقاء على التعاون المشترك مع مصر بسبب استيلاء قضايا المنطقة مثل قضية إيران النووية على جل الاهتمام الأمريكي. كما تسعى أمريكا أيضا في الإبقاء على الاستقرار الذي يمثله الطرفان المصري والأمريكي بغض النظر عن أُطر تطبيق المبادئ الديمقراطية. لكن من الواضح أن مصير مصر لن يكون بأي حال من الأحوال كمصير جورجيا وأوكرانيا حيث تفخر المؤسسات الأمريكية ببناء مؤسسات مجتمع مدني فعالة هناك ساهمت في الإطاحة التامة بالدكتاتوريين المناوئين للولايات المتحدة عشية الانتخابات التي تم إجرائها هناك.
الإصلاح الاجتماعي ومفهوم الحوكمة
وللسؤال عن كيفية الاستفادة من الضغوط الخارجية فيما يخص الديمقراطية وتحويل تلك الضغوط إلى ميزات يمكن تفسيره الآن فيما يعرف بمشاريع الإصلاح الاجتماعي. فقد بدأ مشروع إصلاح التعليم العالي في 1998 وهو مثال لتسوية مصر نحو الحكومة الرشيدة ليكون مكوناً إضافياً لأجندة إرساء الديمقراطية العالمية. في حين قيام مدعمو الحكومة الرشيدة بالتأكيد على وجود رابط مباشر بين الحكومة الرشيدة المشاركة وإرساء الديمقراطية (سانتيوسو 2001)، كان تقديم هذا المثال للحكومة المصرية على شكل مفاوضات. ومن خلال العمل سوياً مع مجموعة البنك الدولي، اتضح لنا جليا أن الحكومة قد وطنت نفسها للعمل بهذا المبدأ لكن لم يتم إحداث أي تغيير على الأرض.
تعتبر مصر من كبري الدول المشاركة المتلقية للمعونة الأمريكية والتعاون مع USAID والإتحاد الأوربي والبنك الدولي في مجالات مثل البنية التحتية والصحة والتعليم والتمويل المصغر. ففي حين أن معدل فاعلية الحكومة الرشيدة الديمقراطية في مصر لا يزال في معدل منخفض إذا ما قورن بالمعدلات الدولية (بيرتلسمن 2004)، فإن البنك الدولي لا زال يري أن هناك معدلا نمو بطئ فيما يخص الحكومة الرشيدة المشاركة. فطريقة وآلية تنفيذ الإصلاح في مجال التعليم العالي قد تم تنفيذها بكل نجاح (مجموعة البنك الدولي 2002). فقد قام الوزير السابق للتعليم العالي مفيد شهاب عام 1998 بتشكيل لجنة للوقوف على إجماع بشأن الإصلاح في التعليم العالي، وقد تضمنت اللجنة عددا من المشاركين من المجتمع المدني والقطاع الخاص. وفى مؤتمر قومي حاشد عقد عام 2000 حضره العديد من الأساتذة والطلاب الجامعيين، تم تبني مشروع دعم التعليم العالي. وفى هذا الإطار، قام البنك الدولي باعتماد خط قرضي لتنفيذ مراحل مشروع الإصلاح هذا.
ومشروع الإصلاح في مجال التعليم العالي هو مثال يحتذى وطريقة براجماتية تمكن النظام الدول من التدخل في شأن أي دولة على الرغم من التعرف على أيدلوجياتها الدعمية التي يزعمونها على الأقل. وهذه الطريقة التي تم بها إعداد الإصلاح تتناسب والتوقعات المحتملة من برنامج " الحكومة الرشيدة". فإذا أدى خلق هذه اللجنة القومية إلى إحداث تغيير هام في السياسات المصرية، فلن تؤتى ثمارها المرجوة إذا كما رسم البنك الدولي أجندتها أو حتى إعطاء الفرصة لأي من منظمات المجتمع المدني لأخذ دوره ولن يتم تبنى أي عملية لاتخاذ القرار الشفاف ولن يتم أخذه في الاعتبار أبدا. لذا كان ممثلوا تلك اللجان من الموظفين أصحاب المستوى الرفيع في الحكومة والإدارة والجامعات وقد مثل رؤساء المجمعات الصناعية القطاع الخاص في نصيبه التمثيلي في اللجنة. لذا تم إقصاء الموظفين أصحاب الدرجات الأقل كالمدرسين المساعدين والطلاب الجامعيين من اللجنة الموكل لها الاندماج في عملية اتخاذ القرار ومعرفة النتائج. وفيما يخص التمثيل السياسي، فإن اللجنة ينقصها شرعية ما رغم أنه تم حجب أعضاء المعارضة ومن هم أقل في الدرجة التوظيفية المذكورة آنفا من تمثيل اللجنة. وعلى كل حال، فإن اللجنة لم تقم بتنفيذ أي من مخططات الإصلاح المزعومة رغم أن الحكومة قد دعت للمشاركة لكنها سلبت من المشاركين حقوقهم كاملة.
وقد كان هذا بسبب طبيعة العلاقات التي أقامها البنك الدولي مع الحكومة حيث تعاون خبراء البنك مع الحكومة في الإعداد للإصلاح وقد أسدوا النصح لهم فيما يتعلق بتشكيل اللجنة لكن قامت الحكومة بدورها في وضع المعوقات في عملية المشاركة. بل لقد كان تشكيل اللجنة طريقا لتصفية الخلافات في المصالح الشخصية القائمة داخل الإدارة وأيضاً لإحقاق عمليات السياسة العامة. وفيما يخص التعاون في هذا الخضم، فقد ظهرت هناك العديد من القضايا بعضها مفرطا في الحساسية والبعض الآخر أقل منها فيما يخص الدولة صاحبة المصلحة في هذا المشروع "مشروع الإصلاح في مجال التعليم العالي". فقد تبنت مصر موقفا مفاده أن المشاركة في قضية مثل هذه تقضى بتأجيل قضايا أخرى في نفس البؤرة. فحينما تبنت الحكومة المصرية مبدأ " الحكومة الرشيدة المشاركة"، قامت بتسوية برنامج الإصلاح في التعليم العالي ومن ثم تنحية نصائح البنك الدولي جانباً (كوستال 2007).
وعلى الرغم من كل هذه العقبات، فإن هناك المزيد والمزيد من الفوائد التي تعود على الحكومة المصرية من جراء الإبقاء على التعاون مع البنك الدولي حيث تريد الحكومة المصرية تمويل أو دفع عجلة التنمية في مشاريعها الإصلاحية. فعلى الرغم من هذا الرأي الذي يقضى بجبروت هذه الدولة وتسلطها، فإن العديد من القضايا الحساسة تلقى الرفض السريع والمقاومة الشديدة من الشعب. فحينما حاول وزير التعليم العالي تعديل مسودة قانون الجامعة، وقف له أساتذة الجامعة الذين يشغلون مناصب إدارية هامة محتجين على ذلك الأمر الذي أجبره لسحب هذه المسودة تماما. فبسبب ضعف كيان هذه الدولة، يمكن للبنك الدولي الدخول في مشاريع إصلاحية لا تخص الشعب المهتم بذلك. وفى حين أن الكثر يعتبر الدخول مع منظمة دولية مثل البنك الدولي وفتح أطر التعاون معها تدخلا في مصالح الدولة وشؤونها الداخلية، إلا أن التعاون مع منظمة دولية بحجم البنك الدولي يكسب الحكومة المصرية خبرة عريضة ويمنحها العديد من الفرص والمنح المالية بالإضافة إلى الاعتراف الدولي، حيث أن العمل بما يمليه البنك الدول من سياسات ودعم يلقى الاعتراف الدولي الذي يكون من الصعوبة بمكان مواجهته أو مجابهته أو الاعتراض عليه. ويؤكد البنك على أن سياسة المفاوضات فيما يخص إرساء قيم الديمقراطية هي أسلوبه المتبع في العديد من قضايا الإصلاح التي يتدخل فيها. فإذا ما استدعى الأمر تمويل الحكومة المصرية وإقراضها بمعونة مادية معينة فإذا ذلك يتم أساساً بالتفاهم والتفاوض مع الحكومة المصرية و خبراء البنك الدولي مباشرة. هذا ويدعم البنك الحكومة بالعديد من الخبراء الذين يمكن الاستعانة بهم في صنع القرار الوطني. وعلى الجانب الآخر، فإنه من مصلحة أي حكومة يمكن أن تدخل في مشروع الحكومة الرشيدة أن تجعل من البنك الدولي طرفا لها وخاصة الحكام المتسلطين على وجه خاص. وفى عملية التفاوض هذه، تكون جبهة مؤسسات المجتمع المدني والمشاركين هي أضعف جزء في مثلث الحكم الرشيد فهم لا يشغلوا أكثر من منصب المراقب لعملية التفاوض التي تحدث بين طرفين أساسيين هما البنك الدولي ومسؤولوا الحكومة.
دعم الديمقراطية: مكتسبات غير مباشرة
هل أثمر مشروع دعم الديمقراطية في التغيير على المستوى العام؟ لقد بات الخطاب عن دعم الديمقراطية وقبول مصطلحاتها من قبل الحكام السلطويين أمر غاية في القلق. فلقد أصبح مطلب الإصلاح السياسي "الدمقرطة" وكذلك " الحوكمة أو الحكم الرشيد" أمر لا يدعمه المجتمع الدولي أو المعارضة الداخلية وحسب، لكنه أيضا أصبح مطلب النظام. لقد تبنى النظام المصري أجندة دعم الديمقراطية من جهة ومن جهة أخري فهو يحافظ على سيطرته السياسية على الأرض. فقد قدم هذا البرنامج التعددى للانتخابات ووسع نطاق المشاركة فيها لكنه ما زال في قمة سيطرته على السلطة واستحواذه عليها. لقد أصبحت هذه التسويات هي الأشد تعقيداً على مستوى المجتمع الدولي.
فالإصلاح السياسي المأمول مع دولة صديقة مثل مصر لابد أن يكون في إطار تعاوني مشترك سواء كان الطرف فيه مع الولايات المتحدة أو حتى مع جهة دعمية كالبنك الدولي. ففي حين أن مدعمى الديمقراطية يطالبون بخلق مجتمع ديمقراطي بكل مكوناته للوصول للاستقرار المطلوب، فإن الحكومة المصرية تسعى لنيل الاعتراف الدولي للإبقاء على الوضع الراهن وعلى هذه الخلفية تأتى تسوية السياسات المطلوبة في ضوء هذه الحدود. فعلى أرض الواقع، تقدم مصر تلك الممارسات التي تتضمن التعددية الانتخابية والحكومة الرشيدة المشاركة لتكون إسهاما مقنعا لدى المجتمع الدولي لحيازة اعترافه الثمين في مقابل تسوياته في أجندة الدمقرطة "إرساء الديمقراطية". فمستوي التسويات يبدو ضعيفاً إلى حد ما إذ يركز على المبادئ وليس على تغيير الواقع السياسي.
وفيما يخص نهج التفاوض، ربما يبدأ التساؤل عن الاستمرار في استخدام خطاب الدمقرطة على أنه لا يشكل عقبة في طريق تغيير الواقع السياسي. وهل استخدام التدرج في مشاريع دعم الديمقراطية في إطار التعاون المشترك يعطى ثمرة أو يحقق هدفاً، فلقد بدأت مصر في مشاريع إصلاحية متنوعة لكنها لم تقطف منها أي ثمرة. ففي حين أنهم يتشدقون بالدمقرطة والليبرالية فالكثير من هذه المشاريع الإصلاحية لم تلقى النور حتى الآن فهم يعدون اليوم شيئا ما في قائمة الانتظار للتطبيق على الواقع ثم لا يستنكفون أن يرجعونه لطاولة المراجعة والتنقيح في اليوم التالي. فإن الإجراءات التي تم تنفيذها بعد إعلان مبارك لتعديل الدستور كأنها تشرح الكلمة المشهورة "إذا أردنا للأشياء أن تبقى في مكانها، تمنت الأشياء أن تتغير هي من ذاتها". فبعد هذه التعديلات المشهورة، أصبح قانون الحزب الوطني الحاكم أكثر صرامة وتعسفاً. فبعد المكاسب العظيمة التي حققتها جماعة الإخوان المسلمين من وراء الانتخابات البرلمانية، قامت الحكومة بإلغاء انتخابات المجالس المحلية التي كان من المقرر لها الانعقاد على الفور بحجة أن النظام الانتخابي الجديد وفقاً لتعديلات المادة 76 لم يتم ترقيته بعد. ففي حين أن نظام مبارك قد أصدر قراراً بإنهاء حالة الطوارئ لتمرير قانون مكافحة الإرهاب، إلا أنه قام بتمديد القانون العسكري لمدة سنتين إضافيتين في 30 من إبريل عام 2006. فهذه الفترة التي شهدت وأداً حقيقياً للليبرالية بعد هذا العام الأخير الذي كان أكثر ليبرالية من ذي قبل تنذر بأن تلك الصفة كانت دفعة لهذا الحكم المتسلط لمزيد من التسلط ولم تكن أبداً خطوة في طريق الديمقراطية (كينلي 2003).
والجدير بالذكر أن كل الخطوات الإصلاحية سواء كانت جزئية أم اختيارية أم أحادية الجانب يتم اتخاذها من جانب الحزب الحاكم بدون أية مشاورات مع المعارضة التي تصبح مجبرة بعد ذلك لقبول التغيرات في قواعد اللعبة. وفى خضم الإصلاح السياسي، توجب على قوي المعارضة أن تواجه مناخاً يتسم بالغموض المنهجي إذ هم مطالبون من قبل النظام طبقا لقواعد اللعبة الجديدة بأن يأخذوا موقفا من الموقفين المتعسفين: إما المشاركة أو عدمها. ففي 2005، دعت كل أحزاب المعارضة لمقاطعة الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وكان ضمن أحزاب المعارضة الكثر جاء فقط حزب الغد والوفد الجديد ليرشحوا من يمثلهم في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ومن هنا نخلص إلى أن هذا التغيير الذي طرأ على قواعد اللعبة لم يكن أبداً مطلب المجتمع الدولي الذي قام بدوره في توجيه نقد لاذع لكل أحداث وأد الليبرالية الأخيرة. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لابد من التساؤل عما إذا كان الخطاب الإصلاحي سيساعد على توطين قواعد اللعبة أو يحابى القمم الإصلاحية غير المنقطعة.