الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مصر قبل ظهور دعوة الإخوان»

من Ikhwan Wiki | الموسوعة التاريخية الرسمية لجماعة الإخوان المسلمين
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث
(أنشأ الصفحة ب' دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد [13:56مكة المكرمة ] [28/01/2008] بقلم: عبده مصطفى دسوقي م…')
 
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:




دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة الفساد
مصر قبل ظهور دعوة الإخوان


[13:56مكة المكرمة ] [28/01/2008]
[18:39مكة المكرمة ] [19/01/2008]


بقلم: عبده مصطفى دسوقي
بقلم: عبده مصطفى دسوقي


منذ أن انتهت الحروب الصليبية بهزيمة الصليبيين لم ييأس هؤلاء من العودة إلى احتلال بلاد الإسلام، فاتَّجهوا إلى دراسة هذه البلاد في كل ما يتصل بعقيدتها وعاداتها وأخلاقها وثرواتها؛ ليتعرَّفوا على مواطن القوة فيها فيضعفوها، وإلى مواطن الضعف فيغتنموها.
في زمن وَطِئَ الاحتلال الوطن، وانتهك حرماته، ونهب خيراته، ونشر الفجور والانحلال وسط أبنائه، وعمل على السيطرة على مقاليد أموره السياسية، فاستعبد حكامه، واشترى ذمم بعض أبنائه، فلهث وراءه كل مفتون بحضارته الزائفة.


   
   


ولمَّا تمَّ لهم الاستيلاء العسكري والسيطرة سياسيًّا على البلاد الإسلامية، أخذوا في إضعاف المقاومة في المجتمع وبث الوهن، والارتباك والفوضى في النواحي الاجتماعية والثقافية؛ وذلك بالتشكيك في العقيدة والأنظمة الاجتماعية، حتى حققوا للأسف انهيارًا في الأخلاق وسيطرةً للشهوة والغرائز، وحصروا الناس في دائرةٍ من الضنك والحرمان؛ لا همَّ لهم إلا الحصول على لقمة العيش، أو في دائرة الترف والحرص على جمع المال بأية وسيلةٍ شريفةٍ أو غير شريفةٍ؛ وبذلك تفقد الشعوب الثقة بنفسها، وترتمي في أحضان الغرب؛ مما يسهِّل للاستعمار تحقيقَ أهدافه بأقل التكاليف والجهود!!.
في هذا الزمن أخرج المرأة سافرة، وطمس هوية التعليم، وسخَّره لخدمة أغراضه، واستعبد الحكام وأذنابهم، وعمل على تغريب الأمة وتجريدها من هويتها الإسلامية، كما اقتطع البلاد من جسد الخلافة الإسلامية، فصار الشعب كالأيتام على موائد اللئام.


   
   


ولقد كان المجتمع المصري في السنوات التي سبقت الحرب العالمية الثانية مصابًا بالضعف في العقيدة والعاطفة والأخلاق والإرادة والعزم، بل ضعف في النواحي السياسية؛ من جرَّاء سيطرة الاحتلال عليها، وما جلبه هذا الاحتلال من المدنية الغربية المادية التي غزت المجتمع، والتعليم الغربي وسياسة التفرقة والتفرُّق، فضلاً عن الأحزاب النفعية، بالإضافة إلى ضعف العلماء وبروز المنفعة الشخصية والتقرب إلى السلطان، وضعف الحكام الذين أصبحوا منفِّذين لخطط المستعمر الغاصب!!.
في ظل هذه الظروف العصيبة نشأ جيلٌ عرف معنى الإسلام قولاً وعملاً، وفهم الإسلام على أنه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء، كما يقول الإمام البنا.


   
   


وانتشر الفساد بأنواعه في مصر في ذلك الوقت: الزنا وشرب الخمر والمخدرات، والغش ونقص المكيال والميزان ومنع الزكاة، والسفور والعري واللواط، وجميع أنواع الجرائم، بالإضافة إلى التحلل الخلقي في النفوس والآراء والأفكار والعقول!!.


== الحياة السياسية ==
 
في ظل هذا الجو نشأت جماعة الإخوان المسلمين عام 1928م، وكانت تهدف إلى تربية المجتمع تربيةً إسلاميةً والعنايةِ بأخلاقيات الإسلام، فحقَّقت نجاحًا عظيمًا في هذا المجال.




وحول جهود الإخوان المسلمين ودوْرهم في إصلاح المجتمع وفي التصدي للفساد، نعيش حول هذه الجهود خلال هذا المقال والمقالات التالية إن شاء الله.
كما ذكرنا وقعت مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي في أعقاب فشل الثورة العرابية عام 1882م، بعد معركة التل الكبير واحتلال القاهرة في 14 سبتمبر 1882م، ومن ثم أصبحت البلاد وملكها ألعوبةً في يد الإنجليز، وبالرغم من الخيانة التي حدثت في صفوف الجيش، إلا أن الشعب لم يعدم بعد ذلك الرجل الوطني الذي هبَّ يدافع عن البلاد ويطالب الإنجليز بالرحيل عن البلاد، ومن أمثال هؤلاء مصطفى كامل، الذي تُوفي في فبراير 1908م، والزعيم محمد فريد، والذي تُوفي في 15 نوفمبر 1919م.


   
   


 
لقد أحكم الإنجليز سيطرتَهم على البلاد والعباد، وهيمنوا على كل نظُم المجتمع, وتحقَّق لهم ذلك عن طريق الاستعمار الفكري، فألغوا الشريعة الإسلامية والعمل بها من قانون القضاء، وحصروها في قانون الأحوال الشخصية، وعملوا على فصل الدين عن العلم والمدارس الدينية، كما وضعوا الجيش المصري تحت السيطرة العسكرية للإنجليز، وقلَّلوا عدده, وفرضوا سيطرتهم على البوليس وقناة السويس، حتى إن البعض قال: "إن مصر تدار من قصر الدوبارة وليس من قصر عابدين".. وقصر الدوبارة هو مقر المعتمد البريطاني في مصر!.
== جهودهم في التصدي للحركات الهدامة ==
 
 
لقد كان للإخوان المسلمين جهودٌ مشكورةٌ في مقاومة الأفكار الهدَّامة وإصلاح مظاهر فساد المجتمع، وفي قضايا المرأة وفي التعليم والصحة والأدب والشعر والسياسة، وتعاونهم مع الهيئات والجمعيات الدينية.


   
   


ولقد تنوعت هذه الحركات، مثل:
ومنذ أن سيطر الاحتلال على البلاد وقد استخدم سياسة الحديد والنار في معالجة القضايا, فنجد كرومر ينتهج هذه السياسة ويستخدم الشدة مع أبناء الشعب في حادثة دنشواي؛ حيث علَّق المشانق، وألهب بالسياط ظهور أبناء القرية، حتى إن أحمد شوقي بعد مرور عام على هذه المأساة أنشد قائلاً:
 
1- التبشير "التنصير".


2- القاديانية والبهائية والبابية.
يا دنشواي على رُباك سلام          ذهبت بأنس ربوعك الأيام


3- الشيوعية والاشتراكية.
شهداء حكمك في البلاد تفرقوا              هيهات للشمل الشتيت نظام


مرت عليهم في اللحود أهلّة                أمل ومضى عليهم في القيود العام


لقد وضع الإمام البنا ثلاث مراحل انتقالية تمر بها الدعوة؛ فقد بدأ بمرحلة التعريف، وكانت هذه المرحلة من الفترة من 1928 حتى 1938م، ثم أتبعها بمرحلة التكوين والتربية، وكانت من الفترة 1939م حتى 1945م، ثم كانت مرحلة التنفيذ، والتي بدأت من عام 1945م.
كيف الأرامل فيك بعد رجالها            وبأي حال أصبح الأيتام؟!


   
   


ولقد استهلَّ الإمام البنا مرحلة التعريف بتعريف المجتمع الضار والنافع، وبتعريفهم ما يواجههم من أخطار ومفاسد، وكيفية التصدي للمحتل الإنجليزي، ولم يهمل الإخوان جانبًا على حساب الآخر، بل كانت كل جوانب الإصلاح تسير جنبًا إلى جنب.
لم يكتفِ الإنجليز بعمل ذلك فحسب، بل عملوا على قطع أواصر الأخوَّة بين الشعبَين الشقيقَين في مصر والسودان، فعقدوا معاهدة 1889م، والتي بموجبها تعطي الحق للإنجليز بالتدخل في شئون السودان، كما قلَّصت عدد الجيش المصري فيها إلى أقل عدد، وتدرَّج الوضع فيما بعد حتى أصبح لا يوجد حامية مصرية في السودان، وفصلوا القضاء المصري عن القضاء السوداني, فعمدوا إلى إعفاء آخر قاضٍ فيها وهو الشيخ المراغي من منصبه.. فأنشد حافظ إبراهيم معبِّرًا عن المرارة التي آلت إليها مصر من جراء الاحتلال، فقال:


أمة النيل أكبر أن تعادي        من رماها وأشفقت أن تعادى
 
 
== التصدي للتبشير ==


 
ليس فينا إلا كلام            حسرة بعد حسرة تتهادى
التبشير كما جاء في (الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة) هو حركة دينية تنصيرية تسعى إلى نشر النصرانية بين الأمم، وهي حركة دينية سياسية استعمارية، بدأت في الظهور إثر فشل الحروب الصليبية؛ بغية نشر النصرانية بين الأمم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة، وبين المسلمين بخاصة؛ بهدف إحكام السيطرة على هذه الشعوب.


   
   


يقول أحمد حسن الزيات: "إن التبشير والتجارة كانا رائدَيْ الاستعمار السياسي منذ اعتزام الغرب الإغارة على الشرق الغافل، وكان التبشير أشدَّ الرائدين تدخُّلاً في شئون الناس، وتغلغلاً في أصول المجتمع؛ لما تهيأ له من شتى الوسائل في التعليم والتطبيب والتمريض والاستشراق والخدمة العامة، فاستطاع أن يثير بين الأمة المتحدة الغبار الخانق، ويزرع بين الملة الواحدة الزرع الخبيث، ويخلق في كل شعب من شعوب الشرق قلَّةً حاقدةً تعارض الكثرة في الرأي وتخالفها في الهوى، وتغري بها المشرق وتمالئ عليها العدو".
وظل الشعب يرسف في أغلال المحتل حتى قامت انتفاضة وثورة 1919م ليعبِّر عن حالة المأسوي لكن في الواقع لم ينَل أيَّ جزء من حقوقه المسلوبة وذلك بسبب:


1- ضعف الملك، والذي سار في ركاب المحتل؛ خوفًا على ملكه مما تسبَّب في ضعفه وأصبح يعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر.


لقد وفدت الإرساليات التبشيرية في القرن التاسع عشر، وكانت إرساليات الكنيسة الكاثوليكية وإرساليات الكنيسة البروتستانتية؛ فقد وفدت إلى مصر إرساليةٌ من إنجلترا وأخرى من أمريكا عن طريق الشام، وكانت خطة الأمريكيين هي القضاء على الكنيسة القبطية وضم أبنائها إلى كنيسة بروتستانتية جديدة، بينما كانت خطة الإنجليز هي الإبقاء على كنيسة مصر مع التغلغل فيها والسيطرة عليها من داخلها، وظهرت حركة التبشير ظهورها الواضح في مصر أواسط القرن التاسع عشر، وخاصةً في عهد الوالي محمد سعيد باشا، ووصلت الإرساليات الأمريكية إلى مصر من دمشق سنة 1854م، ونشطت مع الإرساليات الإنجليزية وغيرها، مستفيدين جميعًا من حماية الامتيازات الأجنبية، ومن مؤازرة قناصل الدول لهم، وقد أنشأ الأمريكيون أول مجمع مسيحي لهم في أبريل 1860م برئاسة جيمس بارنيت!!.
2- وجود الأحزاب الكثيرة والتي كان كثيرًا منها صنيعة المحتل، فكانت تدعو للعيش في كنف ورحمة بريطانيا العظمى، وتحارب كل ما هو وطني يحاول الدفاع عن وطنه، ومن أمثلة هذه الأحزاب حزب الأمة وحزب الشعب وحزب الاتحاد، كما أدَّى تناحر الأحزاب إلى ضعف الساحة السياسية؛ بسبب سيطرة كبار الملاك ورجال المال عليها وانشغالهم بلعبة السلطة والانتخابات؛ مما أدى إلى استهلاك طاقات المصريين في غير موضعها، بدلاً من توحيد الجهود لتحقيق الاستقلال واحتواء الاحتلال لهذه الأحزاب جميعًا؛ مما أدى إلى أن قبلت هذه الأحزاب جميع المفاوضات مع المحتل، محوِّلةً الصراع معه من ثورة شعب ضد معتدٍ غاصب إلى مفاوضات سياسيين مع قوة محتلة لا تناقُضَ بينهما أيديولوجيًّا.


   
   


وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر بدأ النشاط التبشيري أولاً بين الأقليات الدينية في مصر، وبعد فترةٍ ما اهتدوا إلى أن إنشاء المدارس هو أنجح وسائل التبشير؛ إذ ينجذب إليها الكافة، يهودًا وقبطًا ومسلمين، فأنشئوا أول مدرسة لهم في 1855م، وأنشئوا كلية أسيوط في 1865م، وبلغت مدارس هذه الإرسالية في 1897م نحوًا من 168 مدرسة يدْرس بها 11014 تلميذًا!!.


== الحياة الاجتماعية ==


ومنذ سنة 1910م بدأت تنمو لدى المبشرين فكرة تنصير المسلمين، وأعلن جون موط المبشر الكبير شعار "ضرورة تبشير العالم كله في هذا الجيل"؛ لذلك انعقد برئاسته أول مؤتمر عالمي للإرساليات في أدنبرة بأسكتلندا في 1910م، وجمع مندوبين من 159 جمعيةً من غالب المنظمات والكنائس.


تُعدُّ حياة المجتمعات متداخلةً في بعضها البعض؛ فلا يستطيع أحد أن يفرق بين الظروف السياسية التي تحياها المجتمعات والحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولقد تأثرت هذه الجوانب ببعضها، فمع أن الإنجليز نشروا سياسة السيطرة على المقومات السياسية، حرصوا أيضًا على إحكام السيطرة الاقتصادية، ووضع بذور الفُرقة بين فئات المجتمع وعملوا على تشويه ثقافته.
 
ولقد خلص جون موط من ذلك إلى أن المبشِّرين لم يعودوا يواجهون في الإسلام ما كانوا يواجهونه من قبل؛ من ثقةِ ذويه بأنفسهم، وشعورِهم بالكفاية الذاتية لعقيدتهم، ومن ثمَّ لم يعد الإسلام ولا المسلمون عصيَّيْن على التبشير كما كانوا، وإن الظروف السياسية صارت أكثر مواتاة للتبشير بعد أن ألغيت القيود التشريعية والحكومية التي كانت تعوقه، وبعد أن أُلغيت الخلافة الإسلامية، وآلت مقاليد الحكم في الشرق الأدنى إلى الدول الأوروبية باسم نظام الانتداب، وأُسِّس في مصر دستورٌ يعترف بحرية العقيدة!!.


   
   


وكان حصاد التبشير البروتستانتي في مصر في هذه الفترة كالنحو التالي:
لقد نشر الإنجليز الطبقية في المجتمع والتميُّز بين فئاته، فترى الغني والفقير، السيد والعبيد، ولقد انقسم المجتمع المصري إلى ثلاث طبقات، وهي:
 
== جهود الإخوان ==
 


وقد شغلت هذه الحركة الإمام البنا منذ صغره، وأحسَّ بخطورتها على الإسلام والمسلمين، فبدأ بالتفكير في مقاومتها عندما أسَّس الجمعية الحصافية وهو في مدرسة المعلمين الأولية بدمنهور (1920 - 1923م) التي كان من أهم أعمالها مقاومة الإرسالية الإنجيلية التبشيرية التي هبطت المحمودية واستقرَّت فيها، وكان قوامها 3 فتيات ترأسهن مسز "وايت"، وأخذن يبشرن بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية بنين وبنات، وعندما صار طالبًا بدار العلوم (1924م - 1927م) كان صدره يحترق من تدهور حال المسلمين وتنامي نشاط المبشرين، فعمد إلى مشايخ الأزهر يستنهض همَّتهم في التصدي للتبشير، وفعلاً صدرت مجلة "الفتح" التي أسندت رياسة تحريرها إلى الكاتب الإسلامي الكبير محب الدين الخطيب؛ للتصدي لهذه الحملات.
الطبقة العليا: وهي الطبقة التي ضمَّت كبار ملاَّك الأراضي الزراعية وأصحاب الشركات التجارية والصناعية والمؤسسات المالية والبنوك، وعاش أصحاب هذه الطبقة يَحيَون حياة البذخ، ولقد تشكَّلت الأحزاب السياسية من غالبية هذه الطبقة؛ ولذا خرجت أحزاب لا تعبر سوى عن مصالح القلة، كما أن ثقافتهم ارتبطت بالثقافة الأوروبية.


   
   


وبعد أن أنشأ جماعة الإخوان المسلمين كانت قرارات المؤتمر الأول لمجلس الشورى العام للجماعة بالإسماعيلية يوم الخميس 22 من صفر 1352هـ= الموافق مايو 1933م، عن خطورة التبشير وكيفية مواجهته؛ وذلك بتكوين لجان فرعية في كل دوائر الجمعية للعمل على تحذير الشعب من الوقوع في حبائل المبشرين، ورفع عريضةً إلى جلالة الملك فؤاد يطلب منه فيها حماية المصريين من عدوان المبشرين، ويقترح عليه خمسة أمور: هي فرض الرقابة على المدارس والمعاهد ودور التبشير، وسحب رخصة أية مدرسة أو مستشفى يثبت اشتغالها بالتبشير، وإبعاد من يظهر أنه يعمل على إفساد العقائد، وامتناع الحكومة عن معاونة جمعيات التبشير سواءٌ بالأرض أو بالمال، والاتصال بممثلي مصر بالخارج؛ لحثِّ الحكومات الأجنبية على مساعدتهم في ذلك، ولقد رفعت نُسَخ مماثلة إلى حضرات أصحاب المعالي: رئيس الوزراء بالنيابة، ووزير الداخلية، ووزير المعارف، ووزير الأوقاف، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ.
كما أن هذه الطبقة شكَّلت المجالس التشريعية؛ مما حدا بالمجلس أن يسير في فلك المصالح الشخصية وليس في مصلحة الوطن، حتى إن المجلس كان يشكَّل من غالبية الحزب الذي يتولَّى الوزارة وليس كما يختار الشعب إلا في فترات محدودة، حتى إن هذه الطبقة استبدَّت ضد الطبقة الفقير فانتزعت أملاك صغار الفلاحين، كما أنهم هجروا الريف وقطنوا المدن مما ترك أثرًا سيِّئًا على الريف وحرمانه من المشروعات الإصلاحية.


   
   


وفي المنزَلة- دقهلية وبورسعيد استطاع إخوان المحافظتين أن يكشفوا اللثام عن نشاط تبشيري كبير فيهما، وينقذوا بعض الفتيات اللاتي حاول المنصرون تنصيرهم بمدرسة السلام بالمنزلة، ولم تكتفِ دائرة المنزلة بذلك، بل تحرَّت عن التلميذات البورسعيديات المهربات إلى المنزلة، حتى اهتدت إلى خمس منهن، فَكُتِبَ إلى مكتب الإرشاد العام بذلك ليتصل بدائرة بورسعيد؛ حتى تقوم بواجبها في عملية الإنقاذ، وهذا هو نص الخطاب بتاريخ 12 شوال سنة 1351هـ.:
ومع انتهاء الحرب احتكرت قلةٌ من أصحاب المال نواحي الحياة الاقتصادية ومحاولتها طمس الصناعات الناشئة المنافسة، كما أن هذه الطبقة انعزلت عن المجتمع في حياتها وتعليم أبنائها في مدارس خاصة بهم؛ مما كان لها أثرٌ كبيرٌ في نشر الثقافة الأجنبية بين الطبقة العليا من المصريين.
 
حضرة صاحب الفضيلة أستاذنا ومرشدنا الكبير..
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومن معكم من الإخوان المسلمين.
وبعد..


   
   


فقد سبق في الرقيم أعلاه أن كتبنا للأخ نائب جمعية الإخوان المسلمين ببورسعيد عن القيام بما يؤدي إلى إنقاذ الفتاة "أفكار منصور" الموجودة بمدرسة جمعية التبشير البروتستانتي "السلام" بالمنزلة، وقد تحرَّيْنا عن التلميذات البورسعيديات: "أفكار منصور" سنها 23سنة (أمها متزوجة الأسطى حسين علي بمنشية الثلج بقسم ثاني بحي العرب)، "ناظلة أحمد الخولي" سنها 14سنة (كان والدها صيادًا والآن مريض)، "زكية محمد" سنها 12سنة (غير معروف لها أهل)، "سيدة عبده الريان" سنها 13سنة (يتيمة وبدون عائلة)، "عطيات محمد زقزوق" سنها 7 سنوات (لا تعرف أمها إلا بعلامة في وجهها).
الطبقة المتوسطة: تكوَّنت هذه الطبقة من أصحاب الملكيات المتوسطة ومتوسطي التجَّار والموظفين والمثقفين، وكان لها دورٌ بارزٌ في الحركة الوطنية وحركة النهوض السياسي والاجتماعي؛ حيث اهتمَّ بها الطلاب، والذين تفهَّم كثيرٌ منهم قضية بلادهم، فهبُّوا يقاومون المحتل، وسقط منهم الشهيد تلو الشهيد.


   
   


ذلك بيان بأسماء التلميذات البورسعيديات الموجودات بمدرسة المنزلة، وإنَّا حيال ذلك نلتمس من فضيلتكم التنبيه على الإخوان ببورسعيد وجميع الجهات التي بها فروعٌ للجمعية المباركة، والتي يوجد بها مدارس كهذه؛ كي يتخذ كل ما يوصل إلى إنقاذ الفتيات المسلمات؛ حيث ذلك يجعلنا جميعًا نضع أيديَنا على موضع الداء".
الطبقة الدنيا: تكونت هذه الطبقة من صغار الفلاحين وصغار العمال، والذين كانت حياتهم على قدر كبير من السوء؛ بسبب انتزاع أراضيهم، وضعف رواتبهم، والتي كانت لا تسدُّ جوعهم، ولا تستر أجسادهم، وكانوا عرضةً للأمراض والأوبئة، حتى إن 5,1 ملايين أسرة من الفلاحين لم تكن لهم أية ملكيات زراعية على الإطلاق، ولقد جلبت هذه المعيشة عليهم الفقر والجهل والمرض والضعف؛ ولذا نجد أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة، وأن بها أكثر من 320 شركة أجنبية محتكرة كل المرافق العامة وأن التجارة والصناعة والمنشآت الاقتصادية بأيدي الأجانب المرابين.


   
   


كما تكونت لجنة مقاومةٍ للتبشير في الإسماعيلية، والتي قرَّرت:
ولا نستطيع أن نغفل الظاهرة الاجتماعية التي تفشَّت في المجتمع المصري، كـ"التبشير" والانحلال الخلُقي والسفور وتحرير المرأة والبغاء، فبعد أن سيطر المحتل على البلاد عاث فيها فسادًا، وأطلق العنان "للمبشِّرين"؛ ليبثوا سمومَهم وسط طبقات الأمة؛ ليفتنوهم عن دينهم، وكان للفقر عاملٌٌ قويٌّ في نشاطهم، كما ساعدتهم المدارس التي أنشؤوها في طول البلاد وعرضها، وعقدوا المؤتمر تلو المؤتمر ليفتنوا عباد الله عن دينهم، وروَّجوا وسط العامة صورَ وتماثيلَ الأنبياء والقدِّيسين كما قصوا عليهم القصص الخرافية، مثل قصة الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية الشريفة في المسجد النبوي، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- جاءه وأمره أمرًا ولقَّنه خبرًا.
 
أولاً: عمل نداء للأهلين ببيان أخطار المبشرين وتحذيرهم من الوقوع في شراكهم.


   
   


ثانيًا: تشجيع مدرسة أمهات المؤمنين التي أُسِّست خصيصًا لإيواء بنات المسلمين، والحيلولة بينهن وبين مدارس التبشير، وكذلك معهد حراء الإسلامي الذي أنشأته الجمعية لذلك أيضًا.
ولقد استند "المبشِّرون" على قوة الإنجليز، ففتحوا لهم الباب على مصراعيه في ظل ضعف الحكام، وكانت أكثر الأماكن تضرُّرًا بهذا الداء هو الصعيد؛ حيث حاول نشر بذور الشقاق بين أبناء الوطن، محاولين فصل الجنوب عن الشمال، واستغلوا المال والنساء في نشر "تبشيرهم" وسط الناس.


   
   


ثالثًا: تكوين لجنة من فرقة الأخوات المسلمات المتعلمات؛ للاتصال بالسيدات في بيوتهن، وإفهامهن خطر التبشير والمبشرات الجوالات.
وقد كان لموجة الانحلال الخلقي والعقائدي والسفور أثرٌ في تغير أخلاق المجتمع؛ فقد تحرَّرت المرأة من حيائها وعفافها، وانساقت وراء الدعوات الغربية، والتي كان يدعمها المحتل لينشر العري والمجون وسط أبناء الأمة، وساعده على ذلك الصحف التي كانت تسير في ركابه؛ فنشرت صور المرأة التي خلعت ملابسها على شاطئ البحر، والمرأة التي ترتاد السينما والملاهي، وصوَّرها بأنها المرأة المتمدينة المتحضِّرة، كما  استغلها في البغاء أسوأ استغلال، حتى عاش المجتمع بين كؤوس الخمر وأحضان البغايا، وانتشرت المقاهي والملاهي الليلية والخمّارات والمخدّرات والزنا السري والعلني وبيوت الدعارة.


   
   


رابعًا: التفكير في إنشاء ملجأ لإيواء البائسين والبائسات، ومنعهن من الارتماء في أحضان المبشرين الذين يستغلون عوزهم وفاقتهن في سرقة الضمائر وإفساد العقائد!!.
ولم يقتصر حال المجتمع على ذلك، بل انتشر التسوُّل حتى وصل عدد المتسوِّلين في مصر إلى 500 ألف شحاذ، وانتشرت الأمراض فكان عدد من أصيب بالبلهارسيا يقدَّر بـ 55% و15% مصابون بالملاريا و99% بأمراض العيون، ونشرت وزارة الشئون الاجتماعية أن 12 مليون مصري لا يتمتعون بأية ميزة اجتماعية أو صحية، وأنهم يعيشون كما لو كانوا في القرن الخامس عشر.


   
   


خامسًا: نشر هذه الإقرارات في الصحف وإرسالها إلى مكتب الإرشاد العام بالقاهرة.


هذا غير ما قاموا به من جهود في القاهرة والسويس وأبو صوير والمحمودية التي أشرف عليه بنفسه الأستاذ أحمد السكري؛ حيث نزلها 9 من هؤلاء المبشرات، ومكثن مدةً يحتلن على العقول بوسائل التغرير والخداع والمداواة، ودعوى تعليم البنات التطريز والحياكة ونحوهما، فقامت جمعية الإخوان المسلمين بواجبها من تنبيه الناس إلى خطر الذهاب إليهن، ونهجت في ذلك كل الوسائل المشروعة لتنبيه الناس.
== الحياة الاقتصادية ==




ولم تكتفِِ جمعية الإخوان المسلمين بهذه التقارير التي رفعتها بعض شُعَبها النشيطة في محاربة التبشير، بل أوفدت إدارة الجمعية بالقاهرة الأستاذ الشيخ عبد اللطيف الشعشاعي إلى باقي مدن الوجه البحري؛ للتحذير من دسائس المبشرين.
ارتبط الاقتصاد المصري بالاقتصاد الإنجليزي، حتى إن هذا الارتباط بلغ أشُدَّه في فترة الاحتلال؛ نتيجة تشجيعه للمستثمرين الأجانب، والذين كانوا يمدون السوق الأوروبية بالخامات المصرية، ولم يكن تأثر الاقتصاد بالاحتلال فحسب بل بنشوب الحربَين العالميتَيْن، والتي حاولت بريطانيا زجَّ مصر فيها دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل، وهذا التأثير ظهر في وقف المنتجات المصرية للخروج لدول الخارج؛ مما سببَّ الكساد لها.


   
   


وفي الصعيد ظلت منفلوط بلدًا هادئًا ساكنًا مثالَ التمسك بعقيدته الإسلامية حتى وصلتها في رجب 1355هـ= سبتمبر 1936م، مجموعة من المبشرين "الفرنسيسكان" لفتح مدرسة للبنين والبنات، وقام الإخوان بها بتحذير الأهالي من شرورها، ووعد سعادة محمد الحفني الطرزي باشا وحضرة حسن بك يونس بالعمل على إنقاذ بلدهما الأمين من شر هؤلاء المضلِّلين.
ولقد بلغت نسبة رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة داخل مصر عام 1914م ما يقرب من 91% من مجموع الاستثمارات، كما حوَّل المحتل البريطاني غطاء مصر النقدي من الذهب إبَّان الحرب العالمية الأولى إلى أذونات على الخزينة البريطانية؛ مما أتاح لبريطانيا الحصول على ما تشاء من العملة المصرية لتمويل عملياتها العسكرية، وأدَّت السيطرة الأجنبية على الاقتصاد إلى تفشِّي البطالة، وفي ذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا: "من الظريف المبكي أن نقول إن عدد الشركات المصرية في عام 1938م بلغ 11 شركة فقط مقابل 320 شركة أجنبية، كما اعتنى المحتلُّ بالمحاصيل التي تغذِّي مصانعَه على حساب المحاصيل الضرورية التي تسدُّ رمق الشعب، فاهتمَّ بزراعة القطن أكثر من اهتمامه بغيره؛ مما أدى إلى ارتباط القطن المصري وسعره بالمصالح البريطانية، فأدى ذلك إلى تدنِّي مستوى المعيشة لدرجة كبيرة وتعرُّض العمل للتعطُّل.


   
   


ولم تقف صحف الإخوان إزاء هذه الحملات مكتوفةَ الأيدي، فخصَّصت جريدة الإخوان المسلمين معظم عددها الثالث من السنة الأولى عن التنصير، وقدَّمته بقولها: "بمناسبة حركة التبشير الحالية، رأت إدارة التحرير أن تجعل القسم الديني في هذا العدد حول هذا الموضوع" (حوادث التكفير وخطر المبشرين)، وأكَّد فيه الإمام البنا أنه "لابد من صوت قوي لإسماع الصم، وقبلاً نصح الناصحون ونادى المنادون بخطر التبشير والمبشرين على هذه الأمة الوديعة".
هذا غير حملات التغريب التي تعرَّض لها المجتمع، ومحاولة نشر الثقافة الغربية، وتحجيم مقومات الدين الإسلامي وظهر تياران: أحدهما يدعو إلى التغريب والأخذ بمقومات الحضارة الغربية، والآخر يحثُّ على التمسك بمقومات الدين الإسلامي والعمل على تطوير البلاد في ظل الإسلام.


   
   


ثم ناشد الأمة بقوله: "أيها الشعب الكريم.. احذر دسائس هؤلاء المضلِّلين وخداعهم، وابتعد عن مدارسهم ومستشفياتهم وملاجئهم وكتبهم؛ فإن السمك يلتقط الطعم فيعلق به الشيص ويؤديه إلى الهلاك.
كما اجتاحت البلاد موجة الفكر الشيوعي الذي كان يدعو المجتمع على نبذ الدين والتحرُّر منه، وأنه السبب في تخلُّف البلاد وانتشر هذا الفكر في مصر على يد الأجانب واليهود؛ أمثال هنري كوريل وهليل شوارتز.


   
   


وأنتم أيها القوم.. احفظوا الجميل لأهله، ولا تقابلوا إحسان هذه الأمة إليكم بالإساءة إليها؛ فإن للاحتمال حدًّا ينتهي إليه، والضغط يولد الانفجار، والإسلام عند بنيه أغلى من دمائهم وأموالهم".
مما سبق نرى أن دعوة الإخوان المسلمين- التي يدور محور كتاباتنا عنها- قد نشأت في ظل واقع من الممكن أن نجمله إلى:


1- قطع مصر صلتها بدولة الخلافة العثمانية ووقوعها فريسةً للاحتلال الإنجليزي.


لم يقتصر دور صحافة الإخوان على ذكر حوادث التكفير وخطر المبشرين وخداعهم وعدوانهم على البلد الأمين، بل تعدت ذلك إلى:
2- خضوع الحكام ووقوعهم تحت سيطرة المحتل، كما دارت الأحزاب في فلك سياسة المستعمر.


1- فضح أهدافهم الاستعمارية.
3- تفشي الفساد الاجتماعي؛ كالانحلال الخلقي وبيوت الدعارة والفقر بين طبقات المجتمع وانتشار جماعات "التبشير".


2- الرد على افتراءاتهم.
4- تدني مستوى التعليم وتغريبه وربط مناهجه بمناهج الغرب وبعدها عن المنهج الإسلامي.


3- التحذير من تقليدهم وانتشار مدارسهم.
5- سير بعض أبناء الأمة في فلك الثقافة الغربية والمطالبة بنشر هذه الثقافة وسط أبناء الأمة بحلوِها ومرِّها، وعدم تدخُّل الدين في السياسة، ومن ثَمَّ كان حال مصر والمصريين.. "وطن ضُرِبَت عليه العُزلة، وشعب مؤمن جاهل مغلوب على أمره، ومستعمر داهية تمكَّن من الحاكم سافرًا، وملك غريب عن شعبه لغةً وفكرًا وعاطفةً، وطبقة حاكمة منعزلة عن الرعية، ونظام قانوني مستقًى من الغرب بعيد عن أعراف الناس ومعتقداتهم، وإقصاء متعمَّد للدين الإسلامي عن واقع الحياة، والثقافة لا ترتكز على مفاهيم الإسلام، والتعليم لا توجِّهه الفكرة الإسلامية، والقوانين لا تحتكم لشريعة الإسلام".


   
   


ولم يقف الإخوان عند حد التحذير من خطر التبشير، بل قاموا بكثير من الأنشطة العملية؛ فقد تصدُّوا بكل ما يستطيعون أمام إنشاء المبشرين مدارس في عديد من الأماكن؛ ففي منطقة أبي حماد بمديرية الشرقية استطاع الإخوان أن يمنعوا الإرساليات التبشيرية من إنشاء مدرسة للبنين كان غرضها الأساسي تكوين أجيال تنادي بمبادئهم وقيمهم وتؤمن بدينهم، وسارعت هذه الإرساليات وأسَّست مدرسةً للبنات ليدسوا إليهن سمومهم، إلا أنه سرعان ما اجتمع الإخوان بدار الجمعية وأخذوا يقلِّبون الأمر ليدرءوا هذا الخطر الفادح، وقامت هذه اللجنة بالانتشار في المنطقة لتفهيم أولياء أمور التلاميذ والتلميذات بمخططات المدارس التبشيرية، وتوضيح الحقائق للذين انخدعوا بمعسول الألفاظ.
في ظل هذه الظروف نشأت دعوة الإخوان المسلمين والتي ربَّت شخصيات حملوا الإسلام بمعناه الصحيح، وتركوا الحياة دون أن يسمع عنهم أحد.


   
   


وقد رأى الإخوان أن أنجع الوسائل للقضاء على التبشير في الجانب التعليمي- إضافةً للوسائل السابقة- تعديلَ قانون التعليم الحر، خاصةً فيما يتعلق بمراقبة وزارة المعارف للمدارس الأجنبية، وضرورة تدريس الدين الإسلامي واللغة العربية وتاريخ مصر وجغرافيتها باللغة العربية بهذه المدارس، وهو ما لم يكن موجودًا.
وفي هذه التطوافة سنلقي الضوء على دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة البغاء والإباحية والفساد السياسي والاجتماعية والحزبية والخمور، وذلك على حلقات متتالية إن شاء الله.


   
   
وعمل الإخوان في ذلك على عدة محاور:
1- في قطاع التعليم.
2- مقاومة التبشير في قطاع الصحة "الملاجئ والمستوصفات".
3- محاربة الإخوان للتبشير في جانبه الثقافي.
ولم يقف الأمر عند تعقب هذا النشاط بالوسائل العملية التي ذكرناها فحسب، بل كانوا يشجِّعون أي نشاط جادٍّ يتصدى لمحاولات التغريب والتبشير يصدر من جمعيات أو أفراد؛ فقد دعت جمعية الشبان المسلمين خيرة المفكرين من رجالات مصر إلى تكوين جماعة منهم تعمل على مقاومة التبشير، فكتبت مجلة الإخوان تحت عنوان "نهضة مباركة واجتماع حافل بدار جمعية الشبان المسلمين"، ورحَّب الإخوان أيضًا بإنشاء جماعة الدفاع عن الإسلام، فكتبت في جريدتها عن ذلك ما يلي: "وبعد.. فإن جمعية الإخوان المسلمين العامة التي وقفت في وجوه هؤلاء المضلِّلين حينًا غير قصير من الدهر، ترحِّب كل الترحيب بجماعة الدفاع عن الإسلام والدعوة إليه، وتعلِّق على جهود أعضائها الكرام أملاً كبيرًا في استئصال هذه الجرثومة وإنقاذ الأمة من شرورها".
ولقد شكرت جريدة الإخوان المسلمين جماعة السيدات للدفاع عن الإسلام، وقالت: "نتمنَّى لهذه النهضة المباركة كل نجاح وتوفيق، ونشكر لسيدات الدفاع عن الإسلام غيرتهن وعملهن المبرور".
وكان من ثمرة هذه الجهود التي بُذلت لمقاومة التبشير ما يلي:
1- ظهر للعالم أن الأمة الإسلامية أمةٌ حيةٌ يقظةٌ؛ تضحي بالنفس والنفيس لإعلاء منابر الإسلام.
2- اتسعت دائرة الملاجئ والمستشفيات بما خُصَّ كلٌّ منهما من التبرعات العظيمة التي جُمعت من ذوي الهمم العالية.
3- أقفرت مدارس المبشرين وملاجئهم بخروج أبناء المسلمين منها، بعد أن كانت غاصَّةً بهم؛ وبذلك نضب معين ثروتهم.
4- اعتنق الكثيرون الإسلام والتفوا حوله.
5- ازدادت روابط وأواصر المحبة بين المسلمين واتحادهم ضد عدوهم.
6- دحض افتراءات المبشرين، وتفنيد شبههم وإظهار عجزهم.
هذا كان جهود الإخوان ضد التنصير منذ نشأتها، بل قبل ما ينشئها الإمام البنا كان يقوم هو بهذا الدور في التصدي.
وسنكمل- إن شاء الله- باقي الحركات في مقالات لاحقة.
------------------




سطر ٢٣١: سطر ١٥١:




1- مصطفى الخالدي- عمر فروخ: التبشير والاستعمار في البلاد العربية"- بيروت- 1957م.
1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1423هـ- 2003م، ص(40).


2- طارق البشري "المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية".
2- محمد الشحات الجندي: الشيخ محمد مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004م.


3- محمود عبد الحليم: "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، دار الدعوة، 1999م.
3- عاصم الدسوقي: كبار ملاَّك الأراضي الزراعية ودورهم في المجتمع المصري 1914- 1952م- دار الثقافة الجديدة- 1975م- ص (319).


4- حسن البنا: "مذكرات الدعوة والداعية"، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
4- حسن البنا: مجموعة الرسائل- رسالة بين الأمس واليوم- دار الدعوة- 2002م- ص (141).


5- جمعة أمين عبد العزيز: "أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين"، الكتاب الثالث والسادس، دار التوزيع والنشر الإسلامية.
5- مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية: السنة الثالثة- العدد 10- 17 ربيع أول 1354هـ -18 يونيو 1935م.


-----------------
6- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ- دار الدعوة- 1976م- ص(59).


* باحث تاريخي
----------


باحث تاريخي- [email protected]


[[تصنيف:فكر الجماعة]]
[[تصنيف:فكر الجماعة]]
[[تصنيف:أحداث ومناسبات الإخوان]]
[[تصنيف:أحداث ومناسبات الإخوان]]

مراجعة ١٣:٢١، ١٥ ديسمبر ٢٠٠٩


مصر قبل ظهور دعوة الإخوان

[18:39مكة المكرمة ] [19/01/2008]

بقلم: عبده مصطفى دسوقي

في زمن وَطِئَ الاحتلال الوطن، وانتهك حرماته، ونهب خيراته، ونشر الفجور والانحلال وسط أبنائه، وعمل على السيطرة على مقاليد أموره السياسية، فاستعبد حكامه، واشترى ذمم بعض أبنائه، فلهث وراءه كل مفتون بحضارته الزائفة.


في هذا الزمن أخرج المرأة سافرة، وطمس هوية التعليم، وسخَّره لخدمة أغراضه، واستعبد الحكام وأذنابهم، وعمل على تغريب الأمة وتجريدها من هويتها الإسلامية، كما اقتطع البلاد من جسد الخلافة الإسلامية، فصار الشعب كالأيتام على موائد اللئام.


في ظل هذه الظروف العصيبة نشأ جيلٌ عرف معنى الإسلام قولاً وعملاً، وفهم الإسلام على أنه نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعًا؛ فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء، وهو مادة وثروة أو كسب وغنى، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة، سواء بسواء، كما يقول الإمام البنا.



الحياة السياسية

كما ذكرنا وقعت مصر في قبضة الاحتلال الإنجليزي في أعقاب فشل الثورة العرابية عام 1882م، بعد معركة التل الكبير واحتلال القاهرة في 14 سبتمبر 1882م، ومن ثم أصبحت البلاد وملكها ألعوبةً في يد الإنجليز، وبالرغم من الخيانة التي حدثت في صفوف الجيش، إلا أن الشعب لم يعدم بعد ذلك الرجل الوطني الذي هبَّ يدافع عن البلاد ويطالب الإنجليز بالرحيل عن البلاد، ومن أمثال هؤلاء مصطفى كامل، الذي تُوفي في فبراير 1908م، والزعيم محمد فريد، والذي تُوفي في 15 نوفمبر 1919م.


لقد أحكم الإنجليز سيطرتَهم على البلاد والعباد، وهيمنوا على كل نظُم المجتمع, وتحقَّق لهم ذلك عن طريق الاستعمار الفكري، فألغوا الشريعة الإسلامية والعمل بها من قانون القضاء، وحصروها في قانون الأحوال الشخصية، وعملوا على فصل الدين عن العلم والمدارس الدينية، كما وضعوا الجيش المصري تحت السيطرة العسكرية للإنجليز، وقلَّلوا عدده, وفرضوا سيطرتهم على البوليس وقناة السويس، حتى إن البعض قال: "إن مصر تدار من قصر الدوبارة وليس من قصر عابدين".. وقصر الدوبارة هو مقر المعتمد البريطاني في مصر!.


ومنذ أن سيطر الاحتلال على البلاد وقد استخدم سياسة الحديد والنار في معالجة القضايا, فنجد كرومر ينتهج هذه السياسة ويستخدم الشدة مع أبناء الشعب في حادثة دنشواي؛ حيث علَّق المشانق، وألهب بالسياط ظهور أبناء القرية، حتى إن أحمد شوقي بعد مرور عام على هذه المأساة أنشد قائلاً:

يا دنشواي على رُباك سلام ذهبت بأنس ربوعك الأيام

شهداء حكمك في البلاد تفرقوا هيهات للشمل الشتيت نظام

مرت عليهم في اللحود أهلّة أمل ومضى عليهم في القيود العام

كيف الأرامل فيك بعد رجالها وبأي حال أصبح الأيتام؟!


لم يكتفِ الإنجليز بعمل ذلك فحسب، بل عملوا على قطع أواصر الأخوَّة بين الشعبَين الشقيقَين في مصر والسودان، فعقدوا معاهدة 1889م، والتي بموجبها تعطي الحق للإنجليز بالتدخل في شئون السودان، كما قلَّصت عدد الجيش المصري فيها إلى أقل عدد، وتدرَّج الوضع فيما بعد حتى أصبح لا يوجد حامية مصرية في السودان، وفصلوا القضاء المصري عن القضاء السوداني, فعمدوا إلى إعفاء آخر قاضٍ فيها وهو الشيخ المراغي من منصبه.. فأنشد حافظ إبراهيم معبِّرًا عن المرارة التي آلت إليها مصر من جراء الاحتلال، فقال:

أمة النيل أكبر أن تعادي من رماها وأشفقت أن تعادى

ليس فينا إلا كلام حسرة بعد حسرة تتهادى


وظل الشعب يرسف في أغلال المحتل حتى قامت انتفاضة وثورة 1919م ليعبِّر عن حالة المأسوي لكن في الواقع لم ينَل أيَّ جزء من حقوقه المسلوبة وذلك بسبب:

1- ضعف الملك، والذي سار في ركاب المحتل؛ خوفًا على ملكه مما تسبَّب في ضعفه وأصبح يعيش في وادٍ والشعب في وادٍ آخر.

2- وجود الأحزاب الكثيرة والتي كان كثيرًا منها صنيعة المحتل، فكانت تدعو للعيش في كنف ورحمة بريطانيا العظمى، وتحارب كل ما هو وطني يحاول الدفاع عن وطنه، ومن أمثلة هذه الأحزاب حزب الأمة وحزب الشعب وحزب الاتحاد، كما أدَّى تناحر الأحزاب إلى ضعف الساحة السياسية؛ بسبب سيطرة كبار الملاك ورجال المال عليها وانشغالهم بلعبة السلطة والانتخابات؛ مما أدى إلى استهلاك طاقات المصريين في غير موضعها، بدلاً من توحيد الجهود لتحقيق الاستقلال واحتواء الاحتلال لهذه الأحزاب جميعًا؛ مما أدى إلى أن قبلت هذه الأحزاب جميع المفاوضات مع المحتل، محوِّلةً الصراع معه من ثورة شعب ضد معتدٍ غاصب إلى مفاوضات سياسيين مع قوة محتلة لا تناقُضَ بينهما أيديولوجيًّا.



الحياة الاجتماعية

تُعدُّ حياة المجتمعات متداخلةً في بعضها البعض؛ فلا يستطيع أحد أن يفرق بين الظروف السياسية التي تحياها المجتمعات والحياة الاجتماعية والاقتصادية، ولقد تأثرت هذه الجوانب ببعضها، فمع أن الإنجليز نشروا سياسة السيطرة على المقومات السياسية، حرصوا أيضًا على إحكام السيطرة الاقتصادية، ووضع بذور الفُرقة بين فئات المجتمع وعملوا على تشويه ثقافته.


لقد نشر الإنجليز الطبقية في المجتمع والتميُّز بين فئاته، فترى الغني والفقير، السيد والعبيد، ولقد انقسم المجتمع المصري إلى ثلاث طبقات، وهي:

الطبقة العليا: وهي الطبقة التي ضمَّت كبار ملاَّك الأراضي الزراعية وأصحاب الشركات التجارية والصناعية والمؤسسات المالية والبنوك، وعاش أصحاب هذه الطبقة يَحيَون حياة البذخ، ولقد تشكَّلت الأحزاب السياسية من غالبية هذه الطبقة؛ ولذا خرجت أحزاب لا تعبر سوى عن مصالح القلة، كما أن ثقافتهم ارتبطت بالثقافة الأوروبية.


كما أن هذه الطبقة شكَّلت المجالس التشريعية؛ مما حدا بالمجلس أن يسير في فلك المصالح الشخصية وليس في مصلحة الوطن، حتى إن المجلس كان يشكَّل من غالبية الحزب الذي يتولَّى الوزارة وليس كما يختار الشعب إلا في فترات محدودة، حتى إن هذه الطبقة استبدَّت ضد الطبقة الفقير فانتزعت أملاك صغار الفلاحين، كما أنهم هجروا الريف وقطنوا المدن مما ترك أثرًا سيِّئًا على الريف وحرمانه من المشروعات الإصلاحية.


ومع انتهاء الحرب احتكرت قلةٌ من أصحاب المال نواحي الحياة الاقتصادية ومحاولتها طمس الصناعات الناشئة المنافسة، كما أن هذه الطبقة انعزلت عن المجتمع في حياتها وتعليم أبنائها في مدارس خاصة بهم؛ مما كان لها أثرٌ كبيرٌ في نشر الثقافة الأجنبية بين الطبقة العليا من المصريين.


الطبقة المتوسطة: تكوَّنت هذه الطبقة من أصحاب الملكيات المتوسطة ومتوسطي التجَّار والموظفين والمثقفين، وكان لها دورٌ بارزٌ في الحركة الوطنية وحركة النهوض السياسي والاجتماعي؛ حيث اهتمَّ بها الطلاب، والذين تفهَّم كثيرٌ منهم قضية بلادهم، فهبُّوا يقاومون المحتل، وسقط منهم الشهيد تلو الشهيد.


الطبقة الدنيا: تكونت هذه الطبقة من صغار الفلاحين وصغار العمال، والذين كانت حياتهم على قدر كبير من السوء؛ بسبب انتزاع أراضيهم، وضعف رواتبهم، والتي كانت لا تسدُّ جوعهم، ولا تستر أجسادهم، وكانوا عرضةً للأمراض والأوبئة، حتى إن 5,1 ملايين أسرة من الفلاحين لم تكن لهم أية ملكيات زراعية على الإطلاق، ولقد جلبت هذه المعيشة عليهم الفقر والجهل والمرض والضعف؛ ولذا نجد أن أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان، وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة، وأن بها أكثر من 320 شركة أجنبية محتكرة كل المرافق العامة وأن التجارة والصناعة والمنشآت الاقتصادية بأيدي الأجانب المرابين.


ولا نستطيع أن نغفل الظاهرة الاجتماعية التي تفشَّت في المجتمع المصري، كـ"التبشير" والانحلال الخلُقي والسفور وتحرير المرأة والبغاء، فبعد أن سيطر المحتل على البلاد عاث فيها فسادًا، وأطلق العنان "للمبشِّرين"؛ ليبثوا سمومَهم وسط طبقات الأمة؛ ليفتنوهم عن دينهم، وكان للفقر عاملٌٌ قويٌّ في نشاطهم، كما ساعدتهم المدارس التي أنشؤوها في طول البلاد وعرضها، وعقدوا المؤتمر تلو المؤتمر ليفتنوا عباد الله عن دينهم، وروَّجوا وسط العامة صورَ وتماثيلَ الأنبياء والقدِّيسين كما قصوا عليهم القصص الخرافية، مثل قصة الشيخ أحمد خادم الحجرة النبوية الشريفة في المسجد النبوي، وأن الرسول- صلى الله عليه وسلم- جاءه وأمره أمرًا ولقَّنه خبرًا.


ولقد استند "المبشِّرون" على قوة الإنجليز، ففتحوا لهم الباب على مصراعيه في ظل ضعف الحكام، وكانت أكثر الأماكن تضرُّرًا بهذا الداء هو الصعيد؛ حيث حاول نشر بذور الشقاق بين أبناء الوطن، محاولين فصل الجنوب عن الشمال، واستغلوا المال والنساء في نشر "تبشيرهم" وسط الناس.


وقد كان لموجة الانحلال الخلقي والعقائدي والسفور أثرٌ في تغير أخلاق المجتمع؛ فقد تحرَّرت المرأة من حيائها وعفافها، وانساقت وراء الدعوات الغربية، والتي كان يدعمها المحتل لينشر العري والمجون وسط أبناء الأمة، وساعده على ذلك الصحف التي كانت تسير في ركابه؛ فنشرت صور المرأة التي خلعت ملابسها على شاطئ البحر، والمرأة التي ترتاد السينما والملاهي، وصوَّرها بأنها المرأة المتمدينة المتحضِّرة، كما استغلها في البغاء أسوأ استغلال، حتى عاش المجتمع بين كؤوس الخمر وأحضان البغايا، وانتشرت المقاهي والملاهي الليلية والخمّارات والمخدّرات والزنا السري والعلني وبيوت الدعارة.


ولم يقتصر حال المجتمع على ذلك، بل انتشر التسوُّل حتى وصل عدد المتسوِّلين في مصر إلى 500 ألف شحاذ، وانتشرت الأمراض فكان عدد من أصيب بالبلهارسيا يقدَّر بـ 55% و15% مصابون بالملاريا و99% بأمراض العيون، ونشرت وزارة الشئون الاجتماعية أن 12 مليون مصري لا يتمتعون بأية ميزة اجتماعية أو صحية، وأنهم يعيشون كما لو كانوا في القرن الخامس عشر.



الحياة الاقتصادية

ارتبط الاقتصاد المصري بالاقتصاد الإنجليزي، حتى إن هذا الارتباط بلغ أشُدَّه في فترة الاحتلال؛ نتيجة تشجيعه للمستثمرين الأجانب، والذين كانوا يمدون السوق الأوروبية بالخامات المصرية، ولم يكن تأثر الاقتصاد بالاحتلال فحسب بل بنشوب الحربَين العالميتَيْن، والتي حاولت بريطانيا زجَّ مصر فيها دون أن يكون لها فيها ناقة أو جمل، وهذا التأثير ظهر في وقف المنتجات المصرية للخروج لدول الخارج؛ مما سببَّ الكساد لها.


ولقد بلغت نسبة رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة داخل مصر عام 1914م ما يقرب من 91% من مجموع الاستثمارات، كما حوَّل المحتل البريطاني غطاء مصر النقدي من الذهب إبَّان الحرب العالمية الأولى إلى أذونات على الخزينة البريطانية؛ مما أتاح لبريطانيا الحصول على ما تشاء من العملة المصرية لتمويل عملياتها العسكرية، وأدَّت السيطرة الأجنبية على الاقتصاد إلى تفشِّي البطالة، وفي ذلك يقول الإمام الشهيد حسن البنا: "من الظريف المبكي أن نقول إن عدد الشركات المصرية في عام 1938م بلغ 11 شركة فقط مقابل 320 شركة أجنبية، كما اعتنى المحتلُّ بالمحاصيل التي تغذِّي مصانعَه على حساب المحاصيل الضرورية التي تسدُّ رمق الشعب، فاهتمَّ بزراعة القطن أكثر من اهتمامه بغيره؛ مما أدى إلى ارتباط القطن المصري وسعره بالمصالح البريطانية، فأدى ذلك إلى تدنِّي مستوى المعيشة لدرجة كبيرة وتعرُّض العمل للتعطُّل.


هذا غير حملات التغريب التي تعرَّض لها المجتمع، ومحاولة نشر الثقافة الغربية، وتحجيم مقومات الدين الإسلامي وظهر تياران: أحدهما يدعو إلى التغريب والأخذ بمقومات الحضارة الغربية، والآخر يحثُّ على التمسك بمقومات الدين الإسلامي والعمل على تطوير البلاد في ظل الإسلام.


كما اجتاحت البلاد موجة الفكر الشيوعي الذي كان يدعو المجتمع على نبذ الدين والتحرُّر منه، وأنه السبب في تخلُّف البلاد وانتشر هذا الفكر في مصر على يد الأجانب واليهود؛ أمثال هنري كوريل وهليل شوارتز.


مما سبق نرى أن دعوة الإخوان المسلمين- التي يدور محور كتاباتنا عنها- قد نشأت في ظل واقع من الممكن أن نجمله إلى:

1- قطع مصر صلتها بدولة الخلافة العثمانية ووقوعها فريسةً للاحتلال الإنجليزي.

2- خضوع الحكام ووقوعهم تحت سيطرة المحتل، كما دارت الأحزاب في فلك سياسة المستعمر.

3- تفشي الفساد الاجتماعي؛ كالانحلال الخلقي وبيوت الدعارة والفقر بين طبقات المجتمع وانتشار جماعات "التبشير".

4- تدني مستوى التعليم وتغريبه وربط مناهجه بمناهج الغرب وبعدها عن المنهج الإسلامي.

5- سير بعض أبناء الأمة في فلك الثقافة الغربية والمطالبة بنشر هذه الثقافة وسط أبناء الأمة بحلوِها ومرِّها، وعدم تدخُّل الدين في السياسة، ومن ثَمَّ كان حال مصر والمصريين.. "وطن ضُرِبَت عليه العُزلة، وشعب مؤمن جاهل مغلوب على أمره، ومستعمر داهية تمكَّن من الحاكم سافرًا، وملك غريب عن شعبه لغةً وفكرًا وعاطفةً، وطبقة حاكمة منعزلة عن الرعية، ونظام قانوني مستقًى من الغرب بعيد عن أعراف الناس ومعتقداتهم، وإقصاء متعمَّد للدين الإسلامي عن واقع الحياة، والثقافة لا ترتكز على مفاهيم الإسلام، والتعليم لا توجِّهه الفكرة الإسلامية، والقوانين لا تحتكم لشريعة الإسلام".


في ظل هذه الظروف نشأت دعوة الإخوان المسلمين والتي ربَّت شخصيات حملوا الإسلام بمعناه الصحيح، وتركوا الحياة دون أن يسمع عنهم أحد.


وفي هذه التطوافة سنلقي الضوء على دور الإخوان في إصلاح المجتمع ومحاربة البغاء والإباحية والفساد السياسي والاجتماعية والحزبية والخمور، وذلك على حلقات متتالية إن شاء الله.



المراجع

1- جمعة أمين عبد العزيز: أوراق من تاريخ الإخوان المسلمين، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1423هـ- 2003م، ص(40).

2- محمد الشحات الجندي: الشيخ محمد مصطفى المراغي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 2004م.

3- عاصم الدسوقي: كبار ملاَّك الأراضي الزراعية ودورهم في المجتمع المصري 1914- 1952م- دار الثقافة الجديدة- 1975م- ص (319).

4- حسن البنا: مجموعة الرسائل- رسالة بين الأمس واليوم- دار الدعوة- 2002م- ص (141).

5- مجلة الإخوان المسلمون الأسبوعية: السنة الثالثة- العدد 10- 17 ربيع أول 1354هـ -18 يونيو 1935م.

6- محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ- دار الدعوة- 1976م- ص(59).


باحث تاريخي- [email protected]