الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الشيوعية عند جابر قمحية»
لا ملخص تعديل |
Attea mostafa (نقاش | مساهمات) لا ملخص تعديل |
||
(٤ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضة) | |||
سطر ١: | سطر ١: | ||
'''<center><font color="blue"><font size=5>الشيوعية عند [[جابر قمحية]]</font></font></center>''' | |||
'''أ.د/[[جابر قميحة]]''' | |||
== مقدمة == | |||
[[ملف:د.جابر قميحة.jpg|تصغير|يسار|'''<center>د.[[جابر قميحة]]</center>''']] | |||
''' | |||
الشيوعيةCommunism مجموعة أفكار وعقائد ورؤى اشتراكية ثورية ماركسية تنادى بضرورة وحتمية إطاحة النظام الرأسمالي ، وإقامة مجتمع المساواة والعدل في إطار أممي مرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، وخال من التمييز الطبقي والاجتماعي ، وبحيث تختفي الفروق والتفاوتات بين المدينة والريف ، وبين العمل الذهني والعمل اليدوي ، وبين المرأة والرجل ، ويتم إلغاء الدولة نظرا لانتفاء حاجة المجتمع إليها ، بعد أن تكون قوى الإنتاج وعوامل التوزيع قد تطورت ، وانتقلت من الشعار الاشتراكي " من كل حسب طاقته ، ولكل حسب إنتاجه " إلى المرحلة الشيوعية " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " . | الشيوعيةCommunism مجموعة أفكار وعقائد ورؤى اشتراكية ثورية ماركسية تنادى بضرورة وحتمية إطاحة النظام الرأسمالي ، وإقامة مجتمع المساواة والعدل في إطار أممي مرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، وخال من التمييز الطبقي والاجتماعي ، وبحيث تختفي الفروق والتفاوتات بين المدينة والريف ، وبين العمل الذهني والعمل اليدوي ، وبين المرأة والرجل ، ويتم إلغاء الدولة نظرا لانتفاء حاجة المجتمع إليها ، بعد أن تكون قوى الإنتاج وعوامل التوزيع قد تطورت ، وانتقلت من الشعار الاشتراكي " من كل حسب طاقته ، ولكل حسب إنتاجه " إلى المرحلة الشيوعية " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " . | ||
ويرافق ذلك ، ويشكل شرطا من شروط تحقيقه ، زوال الفروق بين الأمم (ذوبان القومية )، بحيث يتكون مجتمع كوني ، لاطبقي واحد ، وبالتالي فإن المجتمع الشيوعي يشكل المرحلة العليا في التشكيل الاجتماعي الاقتصادي للاشتراكية الأممية . وتذكر الشيوعية مرتبطة باثنين : كارل ماركس ، وفريدريك انجلز . | ويرافق ذلك ، ويشكل شرطا من شروط تحقيقه ، زوال الفروق بين الأمم (ذوبان القومية )، بحيث يتكون مجتمع كوني ، لاطبقي واحد ، وبالتالي فإن المجتمع الشيوعي يشكل المرحلة العليا في التشكيل الاجتماعي الاقتصادي للاشتراكية الأممية . وتذكر الشيوعية مرتبطة باثنين : كارل ماركس ، وفريدريك انجلز . | ||
ويرجع الباحثون الشيوعية في خطوطها العريضة إلى ما قبل كارل ماركس بقرون ويخرج الباحث إلى أن الشيوعية شيوعيات ، لاشيوعية واحدة ، إلى أن أدت الأطوار السابقة إلى الشيوعية الماركسية ، والتي تتميز عن كل ما سبقها من الشيوعيات بأنها تنادى بحتمية الشيوعية وضرورتها لا بالاستناد إلى مثال أخلاقي ، أو إلى حاجة دينية ، أو إلى ضرورة فكرية عقلانية ، بل بالاستناد إلى أساس التحليل العلمي للحركة الحقيقية للمجتمع الرأسمالي، ولتناقضاته الداخلية التي تقوده نحوحتفه ، ولنضال الطبقة العاملة التي هي وحدها القادرة على تجاوز هذه التناقضات ، وبناء نظام آخر من العلاقات الاجتماعية هو النظام الشيوعي . | ويرجع الباحثون الشيوعية في خطوطها العريضة إلى ما قبل كارل ماركس بقرون ويخرج الباحث إلى أن الشيوعية شيوعيات ، لاشيوعية واحدة ، إلى أن أدت الأطوار السابقة إلى الشيوعية الماركسية ، والتي تتميز عن كل ما سبقها من الشيوعيات بأنها تنادى بحتمية الشيوعية وضرورتها لا بالاستناد إلى مثال أخلاقي ، أو إلى حاجة دينية ، أو إلى ضرورة فكرية عقلانية ، بل بالاستناد إلى أساس التحليل العلمي للحركة الحقيقية للمجتمع الرأسمالي، ولتناقضاته الداخلية التي تقوده نحوحتفه ، ولنضال الطبقة العاملة التي هي وحدها القادرة على تجاوز هذه التناقضات ، وبناء نظام آخر من العلاقات الاجتماعية هو النظام الشيوعي . | ||
ويرى ماركس أن الغاية النهائية للشيوعية هي تحرر الإنسان تحررا كاملا ، وقد عبر عن ذلك بوضوح في مخطوطات [[1844]] والتي عرفت فيها الشيوعية بأنها الإلغاء الإيجابي للملكية الخاصة ، وبالتالي التملك الحقيقي للذات الإنسانية من قبل الإنسان ، ومن أجل الإنسان ، فالشيوعية بصفتها نزوعا نحو الإنسانية الكاملة والمكتملة هي للتناقض والصراع بين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والإنسان ، وبين الإنسان والوجود . | |||
ويرى ماركس أن الغاية النهائية للشيوعية هي تحرر الإنسان تحررا كاملا ، وقد عبر عن ذلك بوضوح في مخطوطات 1844 والتي عرفت فيها الشيوعية بأنها الإلغاء الإيجابي للملكية الخاصة ، وبالتالي التملك الحقيقي للذات الإنسانية من قبل الإنسان ، ومن أجل الإنسان ، فالشيوعية بصفتها نزوعا نحو الإنسانية الكاملة والمكتملة هي للتناقض والصراع بين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والإنسان ، وبين الإنسان والوجود . | |||
وفي التعريف المثالي السابق نرى أن ماركس كان واقعا تحت تأثير الفلسفة الألمانية المثالية المتمثلة أساسا في كانت وهيجل . ولكنه في كتابه ( رأس المال عام [[1867]]) نراه يضع تعريفا أقل طموحا ومثالية وأقرب إلى الواقعية .. فالشيوعية في نظره لن تتحقق مباشرة بعد إلغاء الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج ، بل لابد من مرحلة انتقالية يطلق عليها اسم المرحلة الاشتراكية ، تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الشيوعية ، وتتضمن هذه المرحلة كل رواسب المرحلة السابقة التي انبثقت عنها ، وتركت عليها تأثيراتها الاقتصادية والفكرية . | |||
وفي التعريف المثالي السابق نرى أن ماركس كان واقعا تحت تأثير الفلسفة الألمانية المثالية المتمثلة أساسا في كانت وهيجل . ولكنه في كتابه ( رأس المال عام 1867) نراه يضع تعريفا أقل طموحا ومثالية وأقرب إلى الواقعية .. فالشيوعية في نظره لن تتحقق مباشرة بعد إلغاء الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج ، بل لابد من مرحلة انتقالية يطلق عليها اسم المرحلة الاشتراكية ، تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الشيوعية ، وتتضمن هذه المرحلة كل رواسب المرحلة السابقة التي انبثقت عنها ، وتركت عليها تأثيراتها الاقتصادية والفكرية . | |||
== وفي الواقع المعيش تبرز الحقائق الآتية : == | == وفي الواقع المعيش تبرز الحقائق الآتية : == | ||
1)أن كل الدول التي تتبنى العقيدة الشيوعية مازالت حتى اليوم في هذه المرحلة (الاشتراكية ) . | 1)أن كل الدول التي تتبنى العقيدة الشيوعية مازالت حتى اليوم في هذه المرحلة (الاشتراكية ) . | ||
2)أن هذه المرحلة الاشتراكية مازالت غير مكتملة ، وأن ترسبات الماضي مازالت تلعب دورا حاسما في تكوين المجتمعات الاشتراكية الجديدة ، مما يفسر تعددية هذه التجارب واختلافها بل وتصادمها . | 2)أن هذه المرحلة الاشتراكية مازالت غير مكتملة ، وأن ترسبات الماضي مازالت تلعب دورا حاسما في تكوين المجتمعات الاشتراكية الجديدة ، مما يفسر تعددية هذه التجارب واختلافها بل وتصادمها . | ||
3)أن الاتحاد السوفيتي كدولة كبرى على الساحة الدولية قد جعله في كثير من الأحيان يغلب مصالحه السياسية والاقتصادية على مبادئه الأممية ، مما قوى موقف الذين يقولون بأن الاتحاد السوفيتي قد استعمل العقيدة الشيوعية لخدمة مصالحه القومية . وجاء الصراع الصيني السوفيتي تعبيرا صارخا عن هذا الواقع . | 3)أن الاتحاد السوفيتي كدولة كبرى على الساحة الدولية قد جعله في كثير من الأحيان يغلب مصالحه السياسية والاقتصادية على مبادئه الأممية ، مما قوى موقف الذين يقولون بأن الاتحاد السوفيتي قد استعمل العقيدة الشيوعية لخدمة مصالحه القومية . وجاء الصراع الصيني السوفيتي تعبيرا صارخا عن هذا الواقع . | ||
4)أن " شيوعيات " متعددة بعد انكشاف سياسة الاتحاد السوفيتي النفعية ، منها ما يسمى (الشيوعية الأوروبية ) أو (الأوروشيوعية )Euro communism قد نشأت في البلاد الأوربية مثل أسبانيا وإيطاليا وفرنسا ، تباين الماركسية اللينينية في كثيرمن السمات. لذلك نشأ طراز جديد من الشيوعية في أعقاب الحرب العالمية،هو(الشيوعية الوطنية ) ، وكان أول من انتهج هذا المنهج الرئيس اليوغوسلافي تيتو ، ويعتمد على مقولة أساسية هي أن الشيوعية كما هي مطبقة في الاتحاد السوفيتي لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان .وبالتالي فإن على [[الأحزاب]] الشيوعية الأخرى أن تبني نظامها الاشتراكي ، آخذة بعين الاعتبار الخصائص القومية للبلدان التى تعمل فيها .وقد اعتبر الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين هذا النوع من الشيوعية خروجا على الشيوعية الصحيحة ، وانحرافا عنها ، بل تحريفا لمحتواها . | |||
4)أن " شيوعيات " متعددة بعد انكشاف سياسة الاتحاد السوفيتي النفعية ، منها ما يسمى (الشيوعية الأوروبية ) أو (الأوروشيوعية )Euro communism قد نشأت في البلاد الأوربية مثل أسبانيا وإيطاليا وفرنسا ، تباين الماركسية اللينينية في كثيرمن السمات. لذلك نشأ طراز جديد من الشيوعية في أعقاب الحرب العالمية،هو(الشيوعية الوطنية ) ، وكان أول من انتهج هذا المنهج الرئيس اليوغوسلافي تيتو ، ويعتمد على مقولة أساسية هي أن الشيوعية كما هي مطبقة في الاتحاد السوفيتي لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان .وبالتالي فإن على الأحزاب الشيوعية الأخرى أن تبني نظامها الاشتراكي ، آخذة بعين الاعتبار الخصائص القومية للبلدان التى تعمل فيها .وقد اعتبر الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين هذا النوع من الشيوعية خروجا على الشيوعية الصحيحة ، وانحرافا عنها ، بل تحريفا لمحتواها . | |||
5)من المبادىء الأساسية في الشيوعية ما يسمى بالتفسير المادى للتاريخ ، وهي فكرة تبدأ من أن الإنتاج المادي هو أساس الحياة البشرية كلها ، وأساس التاريخ البشري. | 5)من المبادىء الأساسية في الشيوعية ما يسمى بالتفسير المادى للتاريخ ، وهي فكرة تبدأ من أن الإنتاج المادي هو أساس الحياة البشرية كلها ، وأساس التاريخ البشري. | ||
وينعكس هذا التفسير على النظرة للدين والأخلاق والأسرة ، فكلها لا تعد قيما قائمة بذاتها ، ولا يمكن النظر إليها على هذا النحو ، ومن ثم فليس لها ثبات ولا قدسية، كما أنها في ذات الوقت انعكاس للأحوال المادية والاقتصادية القائمة في أي وقت من الأوقات ، وكل وضع مادي أو اقتصادي قائم هو الذي ينشىء الأفكار المتعلقة بالدين والأخلاق والأسرة، وتتغير هذه الأفكار تغيرا حتميا كلما تغير الوضع المادي أو الاقتصادي . يقول انجلز " ومهما يكن من شىء ، فليس الدين إلا الانعكاس الوهمي في أذهان البشر لتلك القوى الخارجية التي تسيطرعلى حياتهم اليومية ، وهو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق الطبيعة.." | وينعكس هذا التفسير على النظرة للدين والأخلاق والأسرة ، فكلها لا تعد قيما قائمة بذاتها ، ولا يمكن النظر إليها على هذا النحو ، ومن ثم فليس لها ثبات ولا قدسية، كما أنها في ذات الوقت انعكاس للأحوال المادية والاقتصادية القائمة في أي وقت من الأوقات ، وكل وضع مادي أو اقتصادي قائم هو الذي ينشىء الأفكار المتعلقة بالدين والأخلاق والأسرة، وتتغير هذه الأفكار تغيرا حتميا كلما تغير الوضع المادي أو الاقتصادي . يقول انجلز " ومهما يكن من شىء ، فليس الدين إلا الانعكاس الوهمي في أذهان البشر لتلك القوى الخارجية التي تسيطرعلى حياتهم اليومية ، وهو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق الطبيعة.." | ||
'''ويقول لينين :''' | '''ويقول لينين :''' | ||
" يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل ، فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية. " | " يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل ، فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية. " | ||
وقبل ذلك قال إنجلز : | '''وقبل ذلك قال إنجلز :''' | ||
" إن الأخلاق التي نؤمن بها هي كل عمل يؤدى إلى انتصار مبادئنا ، مهما كان هذا العمل منافيا للأخلاق لمعمول بها " . | " إن الأخلاق التي نؤمن بها هي كل عمل يؤدى إلى انتصار مبادئنا ، مهما كان هذا العمل منافيا للأخلاق لمعمول بها " . | ||
ومن أقوال إنجلز : | '''ومن أقوال إنجلز :''' | ||
" إن العلاقات بين الجنسين ستصبح مسألة خاصة لاتعني إلا الأشخاص المعنيين ،والمجتمع لن يتدخل فيها ، والمجتمع لن يتدخل فيها ، وهذا سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة . أما المادة فأزلية أبدية ، لم يكن هناك وقت لم تكن المادة فيه موجودة ، ولا يجيء وقت لا تكون فيه موجودة . | " إن العلاقات بين الجنسين ستصبح مسألة خاصة لاتعني إلا الأشخاص المعنيين ،والمجتمع لن يتدخل فيها ، والمجتمع لن يتدخل فيها ، وهذا سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة . أما المادة فأزلية أبدية ، لم يكن هناك وقت لم تكن المادة فيه موجودة ، ولا يجيء وقت لا تكون فيه موجودة . | ||
والمادة هي الخالق ...هي التي خلقت الحياة والإنسان ، "الإنسان نتاج المادة" . | والمادة هي الخالق ...هي التي خلقت الحياة والإنسان ، "الإنسان نتاج المادة" . | ||
وتبعية العقل للمادة في الوجود بصورها ماركس في صورة أن العقل انعكاس للمادة ، وليس كما يصرح هيجل بأن المادة انعكاس للعقل ، وهذا يعني أن العقل نوع من المرآة العاكسة للعالم المادي ، وهذا التصور الماركسي للحقيقة المادية على أنها الأصل شمل – في عموم منطق الماركسية – كل الأحداث الطبيعية ، وما يحيط بها . | وتبعية العقل للمادة في الوجود بصورها ماركس في صورة أن العقل انعكاس للمادة ، وليس كما يصرح هيجل بأن المادة انعكاس للعقل ، وهذا يعني أن العقل نوع من المرآة العاكسة للعالم المادي ، وهذا التصور الماركسي للحقيقة المادية على أنها الأصل شمل – في عموم منطق الماركسية – كل الأحداث الطبيعية ، وما يحيط بها . | ||
هذا مع أن المادة نفسها - كما يقول [[العقاد]] - غير مفسرة وغير مفهومة، فهي من باب أولى لا تفسر ما عداها ، ولا تزال سرا من الأسرار يتطلب منا الفهم ولا يدنينا من فهم غيره . | |||
هذا مع أن المادة نفسها - كما يقول العقاد - غير مفسرة وغير مفهومة، فهي من باب أولى لا تفسر ما عداها ، ولا تزال سرا من الأسرار يتطلب منا الفهم ولا يدنينا من فهم غيره . | |||
كان المادى – قبل مائة سنة- يخبط الأرض بقدمه ويقول : " هذه هي الحقيقة التي نستند إليها ، وأما ماعداها من الآراء المثالية والعقائد الروحية ، فهي خيال أو ضلال " . | كان المادى – قبل مائة سنة- يخبط الأرض بقدمه ويقول : " هذه هي الحقيقة التي نستند إليها ، وأما ماعداها من الآراء المثالية والعقائد الروحية ، فهي خيال أو ضلال " . | ||
فاليوم يعلم أن مادة الأرض التي يخبطها بقدمه أبعد حقيقة ، وأعسر فهما من كل ما يقال عن الروحانيات والمثاليات . | فاليوم يعلم أن مادة الأرض التي يخبطها بقدمه أبعد حقيقة ، وأعسر فهما من كل ما يقال عن الروحانيات والمثاليات . | ||
6 )من البديهي إذن أن المذهب ينكر الأديان ، ويكفر بجميع الأنبياء والرسل ، ولا يدع أصحابه هذه الحقيقة للفرض والاستنتاج ، بل يصرخون بعقيدتهم ، ويقولون عن الدين أنه ( أفيون الشعوب ) ، لأنه يخدر أتباعه بالأمل في الآخرة ، فلا يطلبون الإنصاف ولا النعيم في هذه الدنيا . | 6 )من البديهي إذن أن المذهب ينكر الأديان ، ويكفر بجميع الأنبياء والرسل ، ولا يدع أصحابه هذه الحقيقة للفرض والاستنتاج ، بل يصرخون بعقيدتهم ، ويقولون عن الدين أنه ( أفيون الشعوب ) ، لأنه يخدر أتباعه بالأمل في الآخرة ، فلا يطلبون الإنصاف ولا النعيم في هذه الدنيا . | ||
وهم يسوون بين الأديان جميعا في هذه الصفة ، .. إلا أن الشيوعية قد تصبرعلى المسيحية ، ولا تطيق الصبر على الإسلام إلا ريثما تتحفز له ، وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة . | وهم يسوون بين الأديان جميعا في هذه الصفة ، .. إلا أن الشيوعية قد تصبرعلى المسيحية ، ولا تطيق الصبر على الإسلام إلا ريثما تتحفز له ، وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة . | ||
وعداوة الشيوعية للإسلام عداءات متكررة وليست بعداوة وحدة : | وعداوة الشيوعية للإسلام عداءات متكررة وليست بعداوة وحدة : | ||
- فإنها تعاديه معادات الخوف من منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه . | - فإنها تعاديه معادات الخوف من منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه . | ||
-وتعاديه معاداة الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلاله . | -وتعاديه معاداة الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلاله . | ||
-وتعاديه أخيرا معاداة الشعور بالخطر والإفلاس على أثر إخفاق التجارب الماركسية واحدة بعد الأخرى خلال السنوات الأخيرة ، .. فقد اعترفت الدولة على كره بحق الملك والتوريث ، واعترفت بالفوارق بين الأجور وأحوال المعيشة . | -وتعاديه أخيرا معاداة الشعور بالخطر والإفلاس على أثر إخفاق التجارب الماركسية واحدة بعد الأخرى خلال السنوات الأخيرة ، .. فقد اعترفت الدولة على كره بحق الملك والتوريث ، واعترفت بالفوارق بين الأجور وأحوال المعيشة . | ||
7)وحرية القول والرأي - كما يقول هارولد لاسكي – شرط أساسي من شروط قيام الدولة الحرة ؛ لأن قدرة المواطن على الإعراب عن رأيه في حرية هي التي تشكل الرأي العام الذي يتعين على حكومة الدولة الحرة أن تسلك وتتصرف داخل نطاقه ، وحيث لا توجد حرية القول والرأي لا يوجد رأي عام حر ، وبالتالي لا توجد حكومة حرة عادلة تستمد سلطتها من الرأي العام الحر ، أي غالبية المحكومين الأحرار . | 7)وحرية القول والرأي - كما يقول هارولد لاسكي – شرط أساسي من شروط قيام الدولة الحرة ؛ لأن قدرة المواطن على الإعراب عن رأيه في حرية هي التي تشكل الرأي العام الذي يتعين على حكومة الدولة الحرة أن تسلك وتتصرف داخل نطاقه ، وحيث لا توجد حرية القول والرأي لا يوجد رأي عام حر ، وبالتالي لا توجد حكومة حرة عادلة تستمد سلطتها من الرأي العام الحر ، أي غالبية المحكومين الأحرار . | ||
وهذه الحرية مفقودة تماما بقيام الثورة الروسية ، فالحكام هم الذين يفكرون للشعب ، وعلى الأدباء أن يكونوا صوت أسيادهم المتمثلين في البلاشفة ، .. وفي الدين الجديد الذي اسمه الشيوعية ، وقد أبان عن هذا ( الالتزام الحتمي) لينين سنة [[1905]] في مقال له بعنوان (تنظيم الحزب وأدبه ) ، وفيه يرفض أي نشاط أدبي أو فني لا يكون في خدمة الحزب ، وفي هذا المقال الغريب يقول : " لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين ، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين . على قضية الأدب أن تصبح جزءا من القضية العامة للبروليتاريا ، وجهازاصغيرا من الألة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة والكبيرة التى تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها .على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرا مؤلفا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم " . | |||
وهذه الحرية مفقودة تماما بقيام الثورة الروسية ، فالحكام هم الذين يفكرون للشعب ، وعلى الأدباء أن يكونوا صوت أسيادهم المتمثلين في البلاشفة ، .. وفي الدين الجديد الذي اسمه الشيوعية ، وقد أبان عن هذا ( الالتزام الحتمي) لينين سنة 1905 في مقال له بعنوان (تنظيم الحزب وأدبه ) ، وفيه يرفض أي نشاط أدبي أو فني لا يكون في خدمة الحزب ، وفي هذا المقال الغريب يقول : " لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين ، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين . على قضية الأدب أن تصبح جزءا من القضية العامة للبروليتاريا ، وجهازاصغيرا من الألة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة والكبيرة التى تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها .على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرا مؤلفا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم " . | |||
والمعروف أن الفلسفة الماركسية تعتمد اعتمادا أساسيا على فكرة (الصراع الطبقي) لذا نرى – كما يقول هازلت في الدرامة الماركسية ـ. عالما بتألف جوهريا من طبقتين تصارع إحداهما الأخرى صراع الموت ، وهما : الرأسماليون وأجراؤهم من ناحية ، والبروليتاريا الزاحفة من ناحية أخرى . | والمعروف أن الفلسفة الماركسية تعتمد اعتمادا أساسيا على فكرة (الصراع الطبقي) لذا نرى – كما يقول هازلت في الدرامة الماركسية ـ. عالما بتألف جوهريا من طبقتين تصارع إحداهما الأخرى صراع الموت ، وهما : الرأسماليون وأجراؤهم من ناحية ، والبروليتاريا الزاحفة من ناحية أخرى . | ||
ومن الأمثلة الصارخة التي تدل على مبدا " الإلزام القهري " الذي تفرضه الشيوعية على المفكرين والأدباء والمبدعين موقف الشيوعيين من الكاتب الروسي " بوريس باسترناك " الذي أراد أن يكون أدبه انعكاسا أمينا لضميره ومشاعره ، وتعبيرا صادقا عن رؤيته للواقع والإنسان والحياة . | ومن الأمثلة الصارخة التي تدل على مبدا " الإلزام القهري " الذي تفرضه الشيوعية على المفكرين والأدباء والمبدعين موقف الشيوعيين من الكاتب الروسي " بوريس باسترناك " الذي أراد أن يكون أدبه انعكاسا أمينا لضميره ومشاعره ، وتعبيرا صادقا عن رؤيته للواقع والإنسان والحياة . | ||
وحينما طلب منه البلاشفة " أن يكتب اشعارا عن البناء الاشتراكي الجديد والحياة الاشتراكية- الشيوعية – السعيدة ، رفض أن يستجيب لندائهم ،فاحتدم النزاع بينه وبين البلاشفة ، فاتهمه ( المفكرون الرسميون ) بأنه " ذاتي التفكير " برجوازي النزعة ومثالي الاتجاهات ، وفردي الأهداف " . | وحينما طلب منه البلاشفة " أن يكتب اشعارا عن البناء الاشتراكي الجديد والحياة الاشتراكية- الشيوعية – السعيدة ، رفض أن يستجيب لندائهم ،فاحتدم النزاع بينه وبين البلاشفة ، فاتهمه ( المفكرون الرسميون ) بأنه " ذاتي التفكير " برجوازي النزعة ومثالي الاتجاهات ، وفردي الأهداف " . | ||
ثم كانت محنته الكبرى برواية ( دكتور زيفاجو ) التى نال بسببها جائزة نوبل . وهي قصة استوحى مادتها من الحقائق التي لمسها بنفسه ، فأثارت ثائرة المفكرين والكتاب الشيوعيين الرسميين ، فراحوا يصفون مؤلفها بأنه " خائن " و " رجعي" ، و " مرتد " وهرطيق و عدو لبلاده . | ثم كانت محنته الكبرى برواية ( دكتور زيفاجو ) التى نال بسببها جائزة نوبل . وهي قصة استوحى مادتها من الحقائق التي لمسها بنفسه ، فأثارت ثائرة المفكرين والكتاب الشيوعيين الرسميين ، فراحوا يصفون مؤلفها بأنه " خائن " و " رجعي" ، و " مرتد " وهرطيق و عدو لبلاده . | ||
والسبب الحقيقي في إعلان هذه الحرب على باسترناك أن القصة لاتمجد الشيوعية ، ولا تمجد القادة البلاشفة ، والمجتمع الشيوعي ، ولم تلتزم بالقيود الجامدة التي تفرضها " الواقعية الاشتراكية " الزائفة على الكتاب ، ورجال الفكر . | والسبب الحقيقي في إعلان هذه الحرب على باسترناك أن القصة لاتمجد الشيوعية ، ولا تمجد القادة البلاشفة ، والمجتمع الشيوعي ، ولم تلتزم بالقيود الجامدة التي تفرضها " الواقعية الاشتراكية " الزائفة على الكتاب ، ورجال الفكر . | ||
ثم كان قرار طرده من اتحاد الكتاب السوفيت الذي انعقد له مجلس رئاسة الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس رياسة قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السويفيتية !! ووصل الاعضاء إلى قرار إجماعي نص في ختامه : | ثم كان قرار طرده من اتحاد الكتاب السوفيت الذي انعقد له مجلس رئاسة الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس رياسة قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السويفيتية !! ووصل الاعضاء إلى قرار إجماعي نص في ختامه : | ||
" .. ونظرا لتدهور باسترناك السياسي والأخلاقي ، ولخيانته الشعب السوفيتي وقضية الاشتراكية والسلام والتقدم ، واستهدافه خدمة الحرب الباردة مما أدى إلى منحه جائزة نوبل ، فإن مجلس رئاسة اتحاد الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية لاتعتبره منذ الآن كاتبا سوفيتيا ، وتفصله من اتحاد الكتاب السوفيت " . | " .. ونظرا لتدهور باسترناك السياسي والأخلاقي ، ولخيانته الشعب السوفيتي وقضية الاشتراكية والسلام والتقدم ، واستهدافه خدمة الحرب الباردة مما أدى إلى منحه جائزة نوبل ، فإن مجلس رئاسة اتحاد الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية لاتعتبره منذ الآن كاتبا سوفيتيا ، وتفصله من اتحاد الكتاب السوفيت " . | ||
سطر ١٢٤: | سطر ٨٨: | ||
[[تصنيف:أدب الدعوة]] | [[تصنيف:أدب الدعوة]] | ||
[[تصنيف:مقالات مختارة أدب الدعوة]] |
المراجعة الحالية بتاريخ ١٠:١٨، ٢٢ أكتوبر ٢٠١١
أ.د/جابر قميحة
مقدمة
الشيوعيةCommunism مجموعة أفكار وعقائد ورؤى اشتراكية ثورية ماركسية تنادى بضرورة وحتمية إطاحة النظام الرأسمالي ، وإقامة مجتمع المساواة والعدل في إطار أممي مرتكز على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ، وخال من التمييز الطبقي والاجتماعي ، وبحيث تختفي الفروق والتفاوتات بين المدينة والريف ، وبين العمل الذهني والعمل اليدوي ، وبين المرأة والرجل ، ويتم إلغاء الدولة نظرا لانتفاء حاجة المجتمع إليها ، بعد أن تكون قوى الإنتاج وعوامل التوزيع قد تطورت ، وانتقلت من الشعار الاشتراكي " من كل حسب طاقته ، ولكل حسب إنتاجه " إلى المرحلة الشيوعية " من كل حسب طاقته ولكل حسب حاجته " .
ويرافق ذلك ، ويشكل شرطا من شروط تحقيقه ، زوال الفروق بين الأمم (ذوبان القومية )، بحيث يتكون مجتمع كوني ، لاطبقي واحد ، وبالتالي فإن المجتمع الشيوعي يشكل المرحلة العليا في التشكيل الاجتماعي الاقتصادي للاشتراكية الأممية . وتذكر الشيوعية مرتبطة باثنين : كارل ماركس ، وفريدريك انجلز .
ويرجع الباحثون الشيوعية في خطوطها العريضة إلى ما قبل كارل ماركس بقرون ويخرج الباحث إلى أن الشيوعية شيوعيات ، لاشيوعية واحدة ، إلى أن أدت الأطوار السابقة إلى الشيوعية الماركسية ، والتي تتميز عن كل ما سبقها من الشيوعيات بأنها تنادى بحتمية الشيوعية وضرورتها لا بالاستناد إلى مثال أخلاقي ، أو إلى حاجة دينية ، أو إلى ضرورة فكرية عقلانية ، بل بالاستناد إلى أساس التحليل العلمي للحركة الحقيقية للمجتمع الرأسمالي، ولتناقضاته الداخلية التي تقوده نحوحتفه ، ولنضال الطبقة العاملة التي هي وحدها القادرة على تجاوز هذه التناقضات ، وبناء نظام آخر من العلاقات الاجتماعية هو النظام الشيوعي .
ويرى ماركس أن الغاية النهائية للشيوعية هي تحرر الإنسان تحررا كاملا ، وقد عبر عن ذلك بوضوح في مخطوطات 1844 والتي عرفت فيها الشيوعية بأنها الإلغاء الإيجابي للملكية الخاصة ، وبالتالي التملك الحقيقي للذات الإنسانية من قبل الإنسان ، ومن أجل الإنسان ، فالشيوعية بصفتها نزوعا نحو الإنسانية الكاملة والمكتملة هي للتناقض والصراع بين الإنسان والطبيعة ، وبين الإنسان والإنسان ، وبين الإنسان والوجود .
وفي التعريف المثالي السابق نرى أن ماركس كان واقعا تحت تأثير الفلسفة الألمانية المثالية المتمثلة أساسا في كانت وهيجل . ولكنه في كتابه ( رأس المال عام 1867) نراه يضع تعريفا أقل طموحا ومثالية وأقرب إلى الواقعية .. فالشيوعية في نظره لن تتحقق مباشرة بعد إلغاء الملكية الرأسمالية الخاصة لوسائل الإنتاج ، بل لابد من مرحلة انتقالية يطلق عليها اسم المرحلة الاشتراكية ، تكون بمثابة الخطوة الأولى نحو الشيوعية ، وتتضمن هذه المرحلة كل رواسب المرحلة السابقة التي انبثقت عنها ، وتركت عليها تأثيراتها الاقتصادية والفكرية .
وفي الواقع المعيش تبرز الحقائق الآتية :
1)أن كل الدول التي تتبنى العقيدة الشيوعية مازالت حتى اليوم في هذه المرحلة (الاشتراكية ) .
2)أن هذه المرحلة الاشتراكية مازالت غير مكتملة ، وأن ترسبات الماضي مازالت تلعب دورا حاسما في تكوين المجتمعات الاشتراكية الجديدة ، مما يفسر تعددية هذه التجارب واختلافها بل وتصادمها .
3)أن الاتحاد السوفيتي كدولة كبرى على الساحة الدولية قد جعله في كثير من الأحيان يغلب مصالحه السياسية والاقتصادية على مبادئه الأممية ، مما قوى موقف الذين يقولون بأن الاتحاد السوفيتي قد استعمل العقيدة الشيوعية لخدمة مصالحه القومية . وجاء الصراع الصيني السوفيتي تعبيرا صارخا عن هذا الواقع .
4)أن " شيوعيات " متعددة بعد انكشاف سياسة الاتحاد السوفيتي النفعية ، منها ما يسمى (الشيوعية الأوروبية ) أو (الأوروشيوعية )Euro communism قد نشأت في البلاد الأوربية مثل أسبانيا وإيطاليا وفرنسا ، تباين الماركسية اللينينية في كثيرمن السمات. لذلك نشأ طراز جديد من الشيوعية في أعقاب الحرب العالمية،هو(الشيوعية الوطنية ) ، وكان أول من انتهج هذا المنهج الرئيس اليوغوسلافي تيتو ، ويعتمد على مقولة أساسية هي أن الشيوعية كما هي مطبقة في الاتحاد السوفيتي لا تصلح بالضرورة لكل مكان وزمان .وبالتالي فإن على الأحزاب الشيوعية الأخرى أن تبني نظامها الاشتراكي ، آخذة بعين الاعتبار الخصائص القومية للبلدان التى تعمل فيها .وقد اعتبر الاتحاد السوفيتي في عهد ستالين هذا النوع من الشيوعية خروجا على الشيوعية الصحيحة ، وانحرافا عنها ، بل تحريفا لمحتواها .
5)من المبادىء الأساسية في الشيوعية ما يسمى بالتفسير المادى للتاريخ ، وهي فكرة تبدأ من أن الإنتاج المادي هو أساس الحياة البشرية كلها ، وأساس التاريخ البشري.
وينعكس هذا التفسير على النظرة للدين والأخلاق والأسرة ، فكلها لا تعد قيما قائمة بذاتها ، ولا يمكن النظر إليها على هذا النحو ، ومن ثم فليس لها ثبات ولا قدسية، كما أنها في ذات الوقت انعكاس للأحوال المادية والاقتصادية القائمة في أي وقت من الأوقات ، وكل وضع مادي أو اقتصادي قائم هو الذي ينشىء الأفكار المتعلقة بالدين والأخلاق والأسرة، وتتغير هذه الأفكار تغيرا حتميا كلما تغير الوضع المادي أو الاقتصادي . يقول انجلز " ومهما يكن من شىء ، فليس الدين إلا الانعكاس الوهمي في أذهان البشر لتلك القوى الخارجية التي تسيطرعلى حياتهم اليومية ، وهو انعكاس تتخذ فيه القوى الأرضية شكل قوى فوق الطبيعة.."
ويقول لينين :
" يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل ، فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية. "
وقبل ذلك قال إنجلز :
" إن الأخلاق التي نؤمن بها هي كل عمل يؤدى إلى انتصار مبادئنا ، مهما كان هذا العمل منافيا للأخلاق لمعمول بها " .
ومن أقوال إنجلز :
" إن العلاقات بين الجنسين ستصبح مسألة خاصة لاتعني إلا الأشخاص المعنيين ،والمجتمع لن يتدخل فيها ، والمجتمع لن يتدخل فيها ، وهذا سيكون ممكنا بفضل إلغاء الملكية الخاصة . أما المادة فأزلية أبدية ، لم يكن هناك وقت لم تكن المادة فيه موجودة ، ولا يجيء وقت لا تكون فيه موجودة .
والمادة هي الخالق ...هي التي خلقت الحياة والإنسان ، "الإنسان نتاج المادة" .
وتبعية العقل للمادة في الوجود بصورها ماركس في صورة أن العقل انعكاس للمادة ، وليس كما يصرح هيجل بأن المادة انعكاس للعقل ، وهذا يعني أن العقل نوع من المرآة العاكسة للعالم المادي ، وهذا التصور الماركسي للحقيقة المادية على أنها الأصل شمل – في عموم منطق الماركسية – كل الأحداث الطبيعية ، وما يحيط بها .
هذا مع أن المادة نفسها - كما يقول العقاد - غير مفسرة وغير مفهومة، فهي من باب أولى لا تفسر ما عداها ، ولا تزال سرا من الأسرار يتطلب منا الفهم ولا يدنينا من فهم غيره .
كان المادى – قبل مائة سنة- يخبط الأرض بقدمه ويقول : " هذه هي الحقيقة التي نستند إليها ، وأما ماعداها من الآراء المثالية والعقائد الروحية ، فهي خيال أو ضلال " .
فاليوم يعلم أن مادة الأرض التي يخبطها بقدمه أبعد حقيقة ، وأعسر فهما من كل ما يقال عن الروحانيات والمثاليات .
6 )من البديهي إذن أن المذهب ينكر الأديان ، ويكفر بجميع الأنبياء والرسل ، ولا يدع أصحابه هذه الحقيقة للفرض والاستنتاج ، بل يصرخون بعقيدتهم ، ويقولون عن الدين أنه ( أفيون الشعوب ) ، لأنه يخدر أتباعه بالأمل في الآخرة ، فلا يطلبون الإنصاف ولا النعيم في هذه الدنيا .
وهم يسوون بين الأديان جميعا في هذه الصفة ، .. إلا أن الشيوعية قد تصبرعلى المسيحية ، ولا تطيق الصبر على الإسلام إلا ريثما تتحفز له ، وتغل أيدي أتباعه عن المقاومة .
وعداوة الشيوعية للإسلام عداءات متكررة وليست بعداوة وحدة :
- فإنها تعاديه معادات الخوف من منافسته في تنظيم المجتمع على قواعده وأحكامه .
-وتعاديه معاداة الحاكم الروسي للمحكوم المطموع في ماله واستقلاله .
-وتعاديه أخيرا معاداة الشعور بالخطر والإفلاس على أثر إخفاق التجارب الماركسية واحدة بعد الأخرى خلال السنوات الأخيرة ، .. فقد اعترفت الدولة على كره بحق الملك والتوريث ، واعترفت بالفوارق بين الأجور وأحوال المعيشة .
7)وحرية القول والرأي - كما يقول هارولد لاسكي – شرط أساسي من شروط قيام الدولة الحرة ؛ لأن قدرة المواطن على الإعراب عن رأيه في حرية هي التي تشكل الرأي العام الذي يتعين على حكومة الدولة الحرة أن تسلك وتتصرف داخل نطاقه ، وحيث لا توجد حرية القول والرأي لا يوجد رأي عام حر ، وبالتالي لا توجد حكومة حرة عادلة تستمد سلطتها من الرأي العام الحر ، أي غالبية المحكومين الأحرار .
وهذه الحرية مفقودة تماما بقيام الثورة الروسية ، فالحكام هم الذين يفكرون للشعب ، وعلى الأدباء أن يكونوا صوت أسيادهم المتمثلين في البلاشفة ، .. وفي الدين الجديد الذي اسمه الشيوعية ، وقد أبان عن هذا ( الالتزام الحتمي) لينين سنة 1905 في مقال له بعنوان (تنظيم الحزب وأدبه ) ، وفيه يرفض أي نشاط أدبي أو فني لا يكون في خدمة الحزب ، وفي هذا المقال الغريب يقول : " لنتخلص من رجالات الأدب غير الحزبيين ، لنتخلص من هواة الأدب المثاليين . على قضية الأدب أن تصبح جزءا من القضية العامة للبروليتاريا ، وجهازاصغيرا من الألة الاشتراكية الديمقراطية الموحدة والكبيرة التى تحركها الطليعة الواعية للطبقة العاملة كلها .على النشاط الأدبي أن يصبح عنصرا مؤلفا لعمل حزبي اشتراكي ديمقراطي منظم " .
والمعروف أن الفلسفة الماركسية تعتمد اعتمادا أساسيا على فكرة (الصراع الطبقي) لذا نرى – كما يقول هازلت في الدرامة الماركسية ـ. عالما بتألف جوهريا من طبقتين تصارع إحداهما الأخرى صراع الموت ، وهما : الرأسماليون وأجراؤهم من ناحية ، والبروليتاريا الزاحفة من ناحية أخرى .
ومن الأمثلة الصارخة التي تدل على مبدا " الإلزام القهري " الذي تفرضه الشيوعية على المفكرين والأدباء والمبدعين موقف الشيوعيين من الكاتب الروسي " بوريس باسترناك " الذي أراد أن يكون أدبه انعكاسا أمينا لضميره ومشاعره ، وتعبيرا صادقا عن رؤيته للواقع والإنسان والحياة .
وحينما طلب منه البلاشفة " أن يكتب اشعارا عن البناء الاشتراكي الجديد والحياة الاشتراكية- الشيوعية – السعيدة ، رفض أن يستجيب لندائهم ،فاحتدم النزاع بينه وبين البلاشفة ، فاتهمه ( المفكرون الرسميون ) بأنه " ذاتي التفكير " برجوازي النزعة ومثالي الاتجاهات ، وفردي الأهداف " .
ثم كانت محنته الكبرى برواية ( دكتور زيفاجو ) التى نال بسببها جائزة نوبل . وهي قصة استوحى مادتها من الحقائق التي لمسها بنفسه ، فأثارت ثائرة المفكرين والكتاب الشيوعيين الرسميين ، فراحوا يصفون مؤلفها بأنه " خائن " و " رجعي" ، و " مرتد " وهرطيق و عدو لبلاده .
والسبب الحقيقي في إعلان هذه الحرب على باسترناك أن القصة لاتمجد الشيوعية ، ولا تمجد القادة البلاشفة ، والمجتمع الشيوعي ، ولم تلتزم بالقيود الجامدة التي تفرضها " الواقعية الاشتراكية " الزائفة على الكتاب ، ورجال الفكر .
ثم كان قرار طرده من اتحاد الكتاب السوفيت الذي انعقد له مجلس رئاسة الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس رياسة قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السويفيتية !! ووصل الاعضاء إلى قرار إجماعي نص في ختامه :
" .. ونظرا لتدهور باسترناك السياسي والأخلاقي ، ولخيانته الشعب السوفيتي وقضية الاشتراكية والسلام والتقدم ، واستهدافه خدمة الحرب الباردة مما أدى إلى منحه جائزة نوبل ، فإن مجلس رئاسة اتحاد الكتاب السوفيت ، ومكتب اللجنة التنظيمية لاتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية ، ومجلس قطاع موسكو من اتحاد الكتاب في الجمهورية الروسية الاشتراكية الاتحادية السوفيتية لاتعتبره منذ الآن كاتبا سوفيتيا ، وتفصله من اتحاد الكتاب السوفيت " .
المصدر:رابطة أدباء الشام