الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الإنطلاقة ... من قلب الإعاقة»
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٣: | سطر ٣: | ||
'''بقلم / مهندس عبد الحليم حافظ''' | '''بقلم / مهندس عبد الحليم حافظ''' | ||
[[ملف:Ibn khadun-1-.png|إطار|أبن خلدون]] | |||
أسس رائد علم الإجتماع ونظرية العمران العلامة العربى الشهير بن خلدون رؤيته المتفردة لأسباب النهوض أو الإنحطاط المؤدى لسقوط الدول ، معزيا تلك الأسباب الى التفاوت الحاصل فى شخصيات الحكام وأساليب قيادتهم للدول ، ولم يكن يرى هيبة للدولة إلا بقوة سلطانها ولاسبيل لسياسة الحكم الناجحة - فى نظره - إلا إذا كان النظام الحاكم قاهرا بالعدل - لامستبدا متهورا- ولم يكن يقصد بالقهر هنا سوى أنه القوةالعادلة التى تحمى الكرامة والحقوق وبهما يكون الرقى والنهوض ، وخلاف ذلك يكون الإنحطاط والسقوط ، وأكد على إنه ليس هنالك خطرا يهدد الدول والجماعات أبشع من البطش والظلم المفضى الى خراب العمران الذى لايقع - وفقا لرأيه -سوى بسبب الجور والترف الظاهر لجوقة الحكم ، المترافق فى ذات الوقت بالأداء المفرط لقوة الدولة وبطشها مما يكشف عن سوء تدبيرالحاكم وماتبثه أجهزته من اسباب الفرقة والتشرذم والصراع وكلها من علامات خراب الدول وسقوطها وغياب الحضارة وأفولها. | أسس رائد علم الإجتماع ونظرية العمران العلامة العربى الشهير بن خلدون رؤيته المتفردة لأسباب النهوض أو الإنحطاط المؤدى لسقوط الدول ، معزيا تلك الأسباب الى التفاوت الحاصل فى شخصيات الحكام وأساليب قيادتهم للدول ، ولم يكن يرى هيبة للدولة إلا بقوة سلطانها ولاسبيل لسياسة الحكم الناجحة - فى نظره - إلا إذا كان النظام الحاكم قاهرا بالعدل - لامستبدا متهورا- ولم يكن يقصد بالقهر هنا سوى أنه القوةالعادلة التى تحمى الكرامة والحقوق وبهما يكون الرقى والنهوض ، وخلاف ذلك يكون الإنحطاط والسقوط ، وأكد على إنه ليس هنالك خطرا يهدد الدول والجماعات أبشع من البطش والظلم المفضى الى خراب العمران الذى لايقع - وفقا لرأيه -سوى بسبب الجور والترف الظاهر لجوقة الحكم ، المترافق فى ذات الوقت بالأداء المفرط لقوة الدولة وبطشها مما يكشف عن سوء تدبيرالحاكم وماتبثه أجهزته من اسباب الفرقة والتشرذم والصراع وكلها من علامات خراب الدول وسقوطها وغياب الحضارة وأفولها. | ||
سطر ٢٢: | سطر ٢٢: | ||
- القدر الكافى من الثقة بين الحكام والمحكومين ( العقدالإجتماعى ) | - القدر الكافى من الثقة بين الحكام والمحكومين ( العقدالإجتماعى ) | ||
فأجابه : بالتجهيزات العسكرية ، فسألة مرة أخرى : واذا كان لابد من الإستغناء عن أحد الشيئين الباقيين فبأيها نضحى ؟ فأجابه : فى هذه الحالة نستغنى عن القوت لأن الموت كان دائما مصيرالبشر ولكنهم إذا فقدوا الثقة فى السلطة الحاكمة فعندئذ لم يبق أى أساس للدولة. | '''فبادره تلميذه متسائلا :''' فإذا كان لابد من الإستغناء عن أحد هذه الأشياء الثلاثة فبإيها نضحى ؟ | ||
'''فأجابه''' : بالتجهيزات العسكرية ، فسألة مرة أخرى : واذا كان لابد من الإستغناء عن أحد الشيئين الباقيين فبأيها نضحى ؟ فأجابه : فى هذه الحالة نستغنى عن القوت لأن الموت كان دائما مصيرالبشر ولكنهم إذا فقدوا الثقة فى السلطة الحاكمة فعندئذ لم يبق أى أساس للدولة. | |||
ولاأعتقد أن هناك خلاف على أن مصر فى عهد الرئيس مبارك قد إمتد بها أمد التدهور والتراجع الحضارى وإنحسر دورها السياسى دوليا وإقليميا لأكثرمن ربع قرن بما لايماثله أى فترة حكم أخرى ، أما عن المواطن المصرى فقد ناله فى تلك الفترة ماناله من شظف العيش وقسوة المعاملة وآلت به الأحوال نحو الحرمان من الأشياء المذكورة آنفا فى حوار كونفوشيوس وتلميذه ، بل وصلت به الأمور الى فقدان الثقة بالنظام الحاكم وباتت ملامح المجتمع تتطابق مع ماوصفه وحذر منه توينبى وأدى تفشى الظلم والفساد والترف الى وقوع المحذور - وهاهى مقدماته تتوالى يوما بعد يوم – بما ينذر بخراب العمران وفق ماحكاه بن خلدون وتكاد أحوالنا تقترب لحظة تلو أخرى من فوضى عارمة تقضى على كل بارقة أمل لإصلاح سلمى ينقذ البلاد والعباد من شرور ومآسى قد تطال الجميع ، ولن يكون الوطن حينها بمنأى عن الوقوع فى براثن الفتنة التى ستقودنا لامحالة الى مستنقع آخر ولنظام حكم لايستطيع أى محلل أو مشاهد أن يستجلى معالمة . | ولاأعتقد أن هناك خلاف على أن مصر فى عهد الرئيس مبارك قد إمتد بها أمد التدهور والتراجع الحضارى وإنحسر دورها السياسى دوليا وإقليميا لأكثرمن ربع قرن بما لايماثله أى فترة حكم أخرى ، أما عن المواطن المصرى فقد ناله فى تلك الفترة ماناله من شظف العيش وقسوة المعاملة وآلت به الأحوال نحو الحرمان من الأشياء المذكورة آنفا فى حوار كونفوشيوس وتلميذه ، بل وصلت به الأمور الى فقدان الثقة بالنظام الحاكم وباتت ملامح المجتمع تتطابق مع ماوصفه وحذر منه توينبى وأدى تفشى الظلم والفساد والترف الى وقوع المحذور - وهاهى مقدماته تتوالى يوما بعد يوم – بما ينذر بخراب العمران وفق ماحكاه بن خلدون وتكاد أحوالنا تقترب لحظة تلو أخرى من فوضى عارمة تقضى على كل بارقة أمل لإصلاح سلمى ينقذ البلاد والعباد من شرور ومآسى قد تطال الجميع ، ولن يكون الوطن حينها بمنأى عن الوقوع فى براثن الفتنة التى ستقودنا لامحالة الى مستنقع آخر ولنظام حكم لايستطيع أى محلل أو مشاهد أن يستجلى معالمة . | ||
سطر ٤٧: | سطر ٤٨: | ||
'''المصدر:نافذة مصر''' | '''المصدر : نافذة مصر''' | ||
مراجعة ١٩:٣٦، ١ مارس ٢٠١٠
الإنطلاقة ... من قلب الإعاقة
بقلم / مهندس عبد الحليم حافظ
أسس رائد علم الإجتماع ونظرية العمران العلامة العربى الشهير بن خلدون رؤيته المتفردة لأسباب النهوض أو الإنحطاط المؤدى لسقوط الدول ، معزيا تلك الأسباب الى التفاوت الحاصل فى شخصيات الحكام وأساليب قيادتهم للدول ، ولم يكن يرى هيبة للدولة إلا بقوة سلطانها ولاسبيل لسياسة الحكم الناجحة - فى نظره - إلا إذا كان النظام الحاكم قاهرا بالعدل - لامستبدا متهورا- ولم يكن يقصد بالقهر هنا سوى أنه القوةالعادلة التى تحمى الكرامة والحقوق وبهما يكون الرقى والنهوض ، وخلاف ذلك يكون الإنحطاط والسقوط ، وأكد على إنه ليس هنالك خطرا يهدد الدول والجماعات أبشع من البطش والظلم المفضى الى خراب العمران الذى لايقع - وفقا لرأيه -سوى بسبب الجور والترف الظاهر لجوقة الحكم ، المترافق فى ذات الوقت بالأداء المفرط لقوة الدولة وبطشها مما يكشف عن سوء تدبيرالحاكم وماتبثه أجهزته من اسباب الفرقة والتشرذم والصراع وكلها من علامات خراب الدول وسقوطها وغياب الحضارة وأفولها.
وجاء من بعده المؤرخ المعروف أرنولد توينبى - والذى عرف بتأثره الواضح بابن خلدون - ليؤكد على نفس الرؤية ويجيب عن التساؤل الذى يشغل أذهان الكثيرين وهو لماذا تسقط أو تنهار المجتمعات ؟ ليعزو أسباب هذا التردى والإنهيار الى فقدان الأقلية الحاكمة للطاقة المبدعة فيها ، ويحدد قسمات المجتمع الذى ينهار بأنه يغدو منقسما ومتشظيا على النسق التالى :
- أقلية مسيطرة فقدت قدرتها على الابداع وأصبحت تحكم بالقهر والقوة .
- اغلبية داخلية ذليلة وعنيدة تتحين الفرصة من أجل التمرد والثورة .
- فئة منشقة ومتربصة ولها إرتباطات بقوى خارجية تتحين الفرصة للتدخل .
وكان المؤرخ الرائد ويل ديورانت قد أورد فى كتابه الشهير "قصة الحضارة" حوارا موجبا للعبرة بين كونفوشيوس وأحد أتباعه حينما سأله عن الواجبات الأساسية للسلطة الحاكمة فقال كونفوشيوس : يتعين على أى سلطة حاكمة أن تؤمن لشعبها ثلاثة أشياء ضرورية :
- لقمة العيش الكافية لكل فرد ( المأكل )
- القدرالكافى من التجهيزات العسكرية ( الأمن والحماية )
- القدر الكافى من الثقة بين الحكام والمحكومين ( العقدالإجتماعى )
فبادره تلميذه متسائلا : فإذا كان لابد من الإستغناء عن أحد هذه الأشياء الثلاثة فبإيها نضحى ؟
فأجابه : بالتجهيزات العسكرية ، فسألة مرة أخرى : واذا كان لابد من الإستغناء عن أحد الشيئين الباقيين فبأيها نضحى ؟ فأجابه : فى هذه الحالة نستغنى عن القوت لأن الموت كان دائما مصيرالبشر ولكنهم إذا فقدوا الثقة فى السلطة الحاكمة فعندئذ لم يبق أى أساس للدولة.
ولاأعتقد أن هناك خلاف على أن مصر فى عهد الرئيس مبارك قد إمتد بها أمد التدهور والتراجع الحضارى وإنحسر دورها السياسى دوليا وإقليميا لأكثرمن ربع قرن بما لايماثله أى فترة حكم أخرى ، أما عن المواطن المصرى فقد ناله فى تلك الفترة ماناله من شظف العيش وقسوة المعاملة وآلت به الأحوال نحو الحرمان من الأشياء المذكورة آنفا فى حوار كونفوشيوس وتلميذه ، بل وصلت به الأمور الى فقدان الثقة بالنظام الحاكم وباتت ملامح المجتمع تتطابق مع ماوصفه وحذر منه توينبى وأدى تفشى الظلم والفساد والترف الى وقوع المحذور - وهاهى مقدماته تتوالى يوما بعد يوم – بما ينذر بخراب العمران وفق ماحكاه بن خلدون وتكاد أحوالنا تقترب لحظة تلو أخرى من فوضى عارمة تقضى على كل بارقة أمل لإصلاح سلمى ينقذ البلاد والعباد من شرور ومآسى قد تطال الجميع ، ولن يكون الوطن حينها بمنأى عن الوقوع فى براثن الفتنة التى ستقودنا لامحالة الى مستنقع آخر ولنظام حكم لايستطيع أى محلل أو مشاهد أن يستجلى معالمة .
وإن أخشى ماأخشاه هو أن يكون حالنا قد أفضى الى الصورة التى وصف بها عبد الرحمن الكواكبى قديما بأبلغ أسلوب حال الشعوب التى ترضخ مذعنة للذل والإستبداد حينما قال : وقد يبلغ أثرالإستبداد على الأمة بأن يحول ميلها الطبيعى من طلب الترقى الى طلب التسفل ، بحيث إذا دفعت الى الرفعة لأبت وتألمت كما يتألم الأجهر من النور ، وإذا ألزمت بالحرية تشقى ، وربما تفنى كالبهائم الأهلية إذا أطلق سراحها ، وعندئذ يصير الإستبداد كالعلق يطيب له المقام على إمتصاص دم الأمة ، فلاينفك عنها حتى تموت .
لذلك أود فى هذا الصدد أن أشير للدراسة التى قام بها الباحث مايكل ماكفول لتجارب التحول نحو الديمقراطية خلال العقدين الأخيرين وأكد فيها على ضرورة توفر بعض العوامل التى مثلت قاسما مشتركا فى هذه التجارب ومهدت لهذا التحول فيما أسماه بالموجة الرابعة للديمقراطية وتكاد تتوافر فى مشهدنا السياسى الراهن ومن أهمها :
· رأى عام حانق ، و يرغب فى التغيير مع الاستعداد لبعض التضحية .
· تلاشى شعبية النظام .
· توافق قوى المعارضة ؟ !
· تعبئة الجماهير .
· توفر المنافذ الإعلامية المستقلة .
ولما كانت تلك التجارب قد أثبتت بأن ماقامت به الأنظمة من محاولات الإعاقة وتفويت فرص التغيير وسد آفاقها ، لم يحل دون حصول الشعوب على حقها من الحرية ، بل وكل من لديه دراية بقوانين التحليق والطيران يعلم أن منشأ قوة الرفع التى تحمل الطائرة لأعلى هى نفسها قوة الإعاقة الممانعة لإنطلاقها ، ولولا الإعاقة لما كان هناك رفع ، فالرفع ينشأ من إلتفاف الهواء حول الجناح ، والإلتفاف ينشأ من لزوجة الهواء التى هى أصل الإعاقة التى تمانع الإنطلاقة،على ما أوضح د/ سيد دسوقى فى دراسته الشيقة التى نشرت بموقع إسلام أونلاين بعنوان ( التفاعل بين عالم القيم والعمل الهندسى ) لمن يرغب بالإستزاده .
فمن هنا ، وبناء" على ماأسلفت ، فإنه بات متعينا على النخب السياسية والفكرية المخلصة أن تأخذ دورها التاريخى فى تلك اللحظة التى يمر بها الوطن والتى تحتم على الجميع تجاوز الصراعات وردم هوة الخلاف وتجسير العلاقة نحو التوحد وحشد الطاقات على الحد الأدنى من التوافق ، من أجل بلورة مشروع وطنى مستقبلى يصوغه الخبراء والشرفاء من أبناء هذا الوطن وهم كثير ويعجز القلم عن إحصائهم ، فإنجاز هذا الإستحقاق الوطنى يعد بمثابة مخرجا عمليا من المأزق الذى وضعنا فيه النظام الحاكم ، ويمثل فى ذات الوقت ضمانة حقيقية لإلتفاف الجماهير التى تنتظر من يقومون بتوجيه دفة حراكها الجماهيرى واستثماره لمصلحة الوطن ومستقبله كى يغدو هذا الحراك إشراقا واستشرافا ... وهذا ماسوف نتناوله فى الجزء الثانى من هذه الدراسة .
المصدر : نافذة مصر